خرائط جوجل: كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحركة المرور وتوقع وقت الوصول؟

4 دقائق
Google Maps
التحسُّن في توقع وقت الوصول في خرائط جوجل في مناطق مختلفة من العالم. مصدر الصورة: ديب مايند

بعد 15 عاماً على إطلاق جوجل لخدمة الخرائط (Google Maps)، تقول الشركة إن عدد مستخدمي هذه الخدمة قد بلغ 1 مليار شخص شهرياً في عام 2020. ولعل أبرز ما يميز خرائط جوجل عن غيرها من تطبيقات الخرائط هي دقتها في التنبؤ بوقت وصول المستخدم إلى وجهته -التي كانت عالية الدقة في 97% من الرحلات- من خلال توقع الازدحام والعوائق على الطريق واقتراح الطرق البديلة الأمثل.

ومنذ أيام، أعلنت جوجل أن دقة خدمة الخرائط قد تحسنت بنسبة تصل إلى 50% في بعض المناطق، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي من ديب مايند، وهي الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها، والتي استحوذت عليها ألفا بيت -الشركة الأم لجوجل- في عام 2014.

فما التقنيات المتقدمة التي مكَّنت جوجل من التربع على عرش خدمات الخرائط؟ الجواب بالطبع هو تنوع مصادر البيانات، إضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحديداً: التعلم الآلي.

تنوع مصادر بيانات حركة المرور وأحوال الطرق

اشترك باحثون من ديب مايند مع العاملين لدى فريق خرائط جوجل في العمل على تحسين دقة توقع وقت الوصول في الزمن الحقيقي بنسبة تتراوح بين 20% و 50%، في أماكن مثل برلين وجاكرتا وساوباولو وسيدني وطوكيو وواشنطن العاصمة.

وقد أوضح باحثو ديب مايند في منشور مدونة كيفية استخدامهم للبيانات من مصادر متنوعة للتنبؤ بأمثل الطرق وتقدير وقت الوصول. وتشمل هذه المصادر: البيانات التاريخية لحركة المرور، ومعلومات مباشرة منزوعة الهوية يتم جمعها من أجهزة أندرويد، وتعليقات السائقين حول وقوع حادث على أحد الطرق، ومعلومات أخرى من قبيل حدود السرعة القصوى ومواقع البناء التي يتم الحصول عليها من السلطات المحلية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل جودة الطرقات وعرضها واتجاهاتها. ثم قام الباحثون بتلقيم جميع هذه البيانات إلى شبكات عصبونية طورتها ديب مايند للتنبؤ بحركة المرور في المستقبل القريب.

وأشارت جوجل إلى أنها اضطرت إلى تعديل نماذج التعلم الآلي بعد تفشي وباء كوفيد-19؛ حيث يقول جوهان لاو، مدير المنتجات في خرائط جوجل: “شهدنا انخفاضاً بنسبة 50% في حركة المرور على مستوى العالم بعد بدء فرض إجراءات الحجر الصحي والإغلاق في الأشهر الأولى من عام 2020، ولأخذ هذا التغير في الحسبان، قمنا بتحديث نماذجنا حتى تصبح أكثر رشاقة من خلال منح الأولوية لأنماط حركة المرور خلال مدة تتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع سابقة، وتخفيض أولوية الأنماط الأخرى من فترات تسبق هذه المدة”.

تقنيات متقدمة في التعلم الآلي للتنبؤ بحركة المرور

استخدم الباحثون من ديب مايند بنية خاصة للتعلم الآلي تسمى الشبكات العصبونية البيانية (GNNs)، وهي تسمح بإجراء معالجة زمانية مكانية لنمذجة بنى الاتصال في شبكات طرقات العالم الحقيقي.

لنوضح الأمر أكثر؛ سنجيب عن سؤال ما هي الشبكات العصبونية البيانية؟

الشبكات العصبونية البيانية هي أحد أنواع الشبكات العصبونية الاصطناعية التي تستطيع نمذجة العلاقات بين مجموعة من العقد في مخطط رسومي. والمخطط الرسومي في هذا السياق هو عبارة عن مخطط مؤلف من مجموعة من النقاط (العقد) المتصلة مع بعضها بخطوط (حواف). وتكمن أهمية الشبكات العصبونية البيانية في أن الكثير من بيانات العالم الحقيقي يمكن تمثيلها في هيئة مخطط رسومي، مثل الشبكات الاجتماعية، والمركبات الكيميائية، والخرائط، وأنظمة النقل، وغيرها. وتقوم العقد في هذه الشبكات بتبادل المعلومات مع العقد المجاورة، وهو ما يمكنها من التعلّم.

يقسّم الباحثون في ديب مايند شبكات الطرق إلى ما تسميه جوجل “مقاطع فائقة”، وهي عبارة عن مجموعة ديناميكية الحجم من الشوارع المتجاورة التي تشترك في حجم حركة مرور كبيرة. ويتم بناء هذه المقاطع من خلال معالجة عدة تيرابايتات من معلومات حركة المرور، بحيث يتناسب حجم كل مقطع مع كثافة حركة المرور عبره.

ويقول الباحثون إن التحدي الهيكلي كان أكبر التحديات التي توجب عليهم حلها عند إنشاء نظام تعلم آلي لتقدير مدة الرحلة اعتماداً على المقاطع الفائقة. وطرحوا على أنفسهم التساؤل التالي: كيف يمكن تمثيل مقاطع متصلة ديناميكة الحجم بطريقة تسمح لنموذج تعلم واحد بتحقيق النجاح في هذه المهمة؟

لحلّ هذه المشكلة، قرر الباحثون استخدام الشبكات العصبونية البيانية التي تستطيع نمذجة انتشار المعلومات وديناميكيات تدفق السيارات عبر شبكة من الطرق. وبالاعتماد على هذه الشبكات العصبونية، يتعامل نموذجهم مع شبكة الطرق المحلية باعتبارها مخطط رسومي. ويتم فيه تمثيل كل مقطع من الطريق على هيئة عقدة في المخطط، وتربط حواف المخطط بين المقاطع المتتالية على الطريق نفسه، أو المقاطع المتصلة مع بعضها عند تقاطع الشوارع. كما يجري تنفيذ خوارزمية لتبادل المعلومات بين العقد وتأثيراتها على الحواف. وعلى هذا النحو، يمكن معالجة كل مقطع فائق باستخدام نموذج واحد قائم على الشبكة العصبونية البيانية.

كيف ينعكس توظيف هذه التقنيات على مستخدِم خرائط جوجل؟

تقدِّم جوجل مثالاً واقعياً على فائدة تقنيات التنبؤ هذه؛ لنفترض أنك ذاهب إلى موعد مع طبيبك البعيد عن مكان إقامتك، وأنت تقود سيارتك على الطريق الذي تسلكه عادةً للوصول إلى هناك. عندما تغادر المنزل، ليس هناك أي إشارة على وجود أي اضطرابات على طول الطريق. من خلال تنبؤات حركة المرور في خرائط جوجل، تخبرك الخدمة أنك إذا واصلت القيادة في مسارك الحالي، فهناك احتمال كبير أن تجد نفسك عالقاً في زحمة سير خانقة بعد 30 دقيقة تقريباً من رحلتك، ما يعني أنك ستتأخر عن موعدك. في هذه الحالة، تعيد خرائط جوجل توجيهك تلقائياً بالاعتماد على تقنيات التنبؤ آنفة الذكر وتنصحك بأخذ طريق آخر إلى عيادة الطبيب مع تقدير دقيق للوقت المتوقع لوصولك؛ وهو ما يساعدك على تجنب الازدحام تماماً والوصول إلى موعدك في الوقت المحدد.

يبدو أن جوجل تعمل على استثمار تقنيات الخوارزمية التي تطورها ديب مايند وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها في مختلف منتجات الشركة. فعلى امتداد الأعوام القليلة الماضية اعتمدت جوجل على هذه التقنيات في عدة مشاريع؛ حيث استخدمت خورازميات التعلم المعزز من ديب مايند للتحكم في تبريد عدة مراكز بيانات تابعة لها حول العالم. كما لجأت منذ فترة قريبة إلى توظيف شبكة عصبونية من تصميم ديب مايند في الإكمال التلقائي للكلام أثناء انقطاع الاتصالات عبر الإنترنت.