حيلة بسيطة بشكل مرعب تسمح لأي شخص بالعبث بالمناخ

4 دقائق
إطلاق منطاد يحلق على ارتفاعات عالية من شاطئ ميرتل في جنوب كاليفورنيا.

لنتخيل السيناريو التالي:

نحن في العام 2051. وبعد عقد كامل من الجفاف، والمحاصيل الفاشلة، قضت المجاعة على الملايين في شرق أفريقيا، وأطلقت نزاعات عنيفة حول الغذاء والماء، وظهرت مشاهد مماثلة من الموت والدمار في أماكن أخرى من العالم.

استجابة لذلك، قامت مجموعة بيئية، أو إنسانية، أو مجرد شخص يتمتع بتأثير كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، بإطلاق نداء لإيجاد حل جذري: يجب على كل مواطن أن يطلق إلى السماء بالونات عالية الارتفاع، يحمل كل منها حملاً صغيراً من الدقائق التي يمكن أن تعكس حرارة الشمس إلى الفضاء.

قد يبدو هذا المخطط الموزع ذاتي التنفيذ لتعديل المناخ ممكناً من الناحية الفنية، وهو ما يثير أسئلة مقلقة حول إمكانية تنظيم هذه التكنولوجيات، وذلك وفقاً لتقرير نُشر على الوقع الإلكتروني لمركز بيلفر التابع لمدرسة كينيدي في جامعة هارفارد في أواخر العام الماضي. ويلحظ هذا التقرير أنه من الممكن شراء مجموعة الهواة من المناطيد عالية الارتفاع بمبالغ قد لا تتجاوز 25 دولار، ما يجعل من الممكن تنظيم حملة كهذه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والبلوك تشين، ومواقع التمويل الجماهيري.

قد يتطلب تحويل هذه المناطيد إلى أدوات لتعديل مناخ الكوكب (اختصاراً: تعديل كوكبي) عملية بسيطة تقوم على خلط الهيليوم مع بضعة كيلوجرامات من ثنائي أوكسيد الكبريت، وهو مركب يتحول في الستراتوسفير إلى حمض الكبريت الذي يتصدى للحرارة. وسيتزايد الضغط داخل كل منطاد مع الارتفاع حتى ينفجر في مكان ما على ارتفاع أكثر من 20 كيلومتر، ناثراً محتوياته في الغلاف الجوي.

تخيل الباحثون سيناريوهات أخرى لعمليات تعديل كوكبي غير نظامية، بما في ذلك قيام بعض الدول بإطلاق حملات إفرادية، يعتقد البعض أنها قد تؤدي إلى اندلاع الحروب. وبما أن هذا العمل لا يتطلب سوى تكلفة منخفضة وتكنولوجيا بسيطة نسبياً، فيمكن حتى للأفراد الأثرياء أن يقوموا به بدون مساعدة، وهو احتمال أطلق عليه ديفيد فيكتور-المدير المساعد لمختبر القانون والأنظمة الدولية في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو- اسم سيناريو "الإصبع الأخضر". وفي الواقع، فقد أطلق أحد رجال الأعمال في كاليفورنيا جدلاً على مستوى العالم في 2012 عندما قام برمي الحديد في المحيط، في محاولة لتحفيز نمو العوالق النباتية التي تلتهم ثنائي أوكسيد الكربون.

بشكل أساسي، يضيف هذا التقرير فئة أخرى من السيناريوهات المتفلّتة إلى الجدل المحتدم، وهو سيناريو يشير أيضاً إلى أن تنظيم هذه التكنولوجيا قد يكون أصعب مما كنا نتخيل، حيث أنه "نظراً لعولمة الاتصالات والتجارة، إضافة إلى المستوى الصغير لكل مرحلة أو فعل من هذه العملية، فقد يكون من الصعب للغاية التصدي لسيناريو تعديل شمسي إذا كان يتصف بمستوى عالٍ من اللامركزية" وفقاً للمؤلفين جيسي رينولدز، زميل في القانون والسياسات البيئية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وجيرنوت فاجنر، المدير المساعد لبرنامج هارفارد للتعديل الكوكبي الشمسي بالطاقة الشمسية، والذي سينتقل إلى جامعة نيويورك قريباً.

العمل خارج الضوابط

يقول المزيد من الباحثين والمسؤولين أن علينا دراسة التعديل الكوكبي كوسيلة لتخفيض أثر التغير المناخي، نظراً لتزايد الأخطار وتعثر الجهود الرامية إلى التقليل من الانبعاثات. وفي أكتوبر، أعلنت الأكاديميات الوطنية الأميركية عن خطط لوضع جدول بحثي رسمي لتطوير معايير تحكم الممارسات البحثية في هذه المسألة.

غير أنه توجد الكثير من الأسئلة حول تنظيم هذه التكنولوجيا. أي كيان يجب أن يشرف على تشغيلها؟ ما مستوى الإجماع المطلوب لاستخدام التكنولوجيا التي قد تغير مناخ كل الدول ولكن قد تؤثر على أمور أخرى بشكل مختلف؟ وما هو الهدف المناسب لمتوسط حرارة الكوكب؟

قد يجعل مخطط ذاتي التنفيذ تحديد هذه الأمور صعباً للغاية. حيث أن التأثيرات البيئية للتعديل الكوكبي تعتمد على أنواع الدقائق المستخدمة، وسرعة نشرها، وكمياتها. وسيكون من الصعب التحكم بهذا أو تعديله إذا تم تنفيذه من قبل آلاف الأشخاص. كما أنه يستحيل تسريع وتيرة عمل كهذا أو إبطاؤها وفقاً لردة فعل النظام المناخي، والتي لا يمكن أن نحددها بشكل مؤكد قبل التنفيذ الفعلي، على الرغم من جميع عمليات المحاكاة.

أيضاً، قد يترك هذا المخطط العالم معرضاً للإصابة بما يُعرف بصدمة الإنهاء، فإذا توقف الناس فجأة عن إرسال هذه المناطيد، سواء بسبب حظرها أو ببساطة لانشغالهم عنها بشيء آخر، فقد تظهر آثار التغير المناخي التي تراكمت أثناء العمل دفعة واحدة.

إمكانية التحقيق

يقارن فيكتور من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو نواحي التعديل الكوكبي ذاتي التنفيذ بتحديات منع العنف بالسلاح، كما قال في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن إكساب تكنولوجيا التعديل الكوكبي طابعاً ديمقراطياً قد يجعل من حوكمتها أمراً صعباً. حيث يصعب فرض القيود عندما تزداد أعداد المشاركين، وعندما يصبح الحصول على التكنولوجيا سهلاً بالنسبة لأطراف قد لا تهتم على نحو خاص باستخدامها بمسؤولية".

غير أنه ليس مقتنعاً بالكامل بإمكانية تنفيذ هذا السيناريو، أو على الأقل بأنه مرجح إلى هذا الحد. ويعتقد أن فرض قوانين جديدة في أميركا الشمالية وأوروبا ستكون كافية لمنع معظم الناس في تلك المناطق من المشاركة في عمل كهذا، وأن عمليات التعديل الكوكبي التي تدعمها الدول هي الخطر الأكثر واقعية في أجزاء أخرى من العالم.

يقر رينولدز وفاجنر نفسهما بأن هذه الحبكة التي وضعاها غير مرجحة، حتى لو كانت ممكنة من الناحية الفنية. ويلحظ التقرير أنه يجب أن يحقق كل واحد من مائة مليون منطاد النجاح في إطلاق حوالي عشرة كيلوجرامات من ثنائي أوكسيد الكبريت لتخفيض حرارة الكوكب بمقدار 0.1 درجة مئوية بعد عام. وهو مقدار ضخم جداً من المناطيد بالنسبة لفرق حراري صغير للغاية، إضافة إلى ضرورة تكرار هذه العمليات باستمرار. غير أن الباحثين يضيفان أن هذا الجهد قد يتجسد في نوع ما من الاعتراض على عدم اتخاذ أية إجراءات، حتى لو لم يصل إلى مرحلة إحداث أثر فعلي.

يقول رينولدز أن الكثير من الجدل حول حوكمة التعديل الكوكبي كان يركز على تنظيم العمليات أو الأبحاث الممولة من قبل الدولة. وبالتالي فإن هدف هذا التقرير هو البدء بالنظر إلى الاحتمالات غير المتوقعة، كما يقول: "يجب أن نحافظ على تفكيرنا مفتوحاً أمام كل الاحتمالات".

إدارة المخاطر

سواء أكانت فكرة المناطيد ممكنة أو لا، فإن النقطة الأساسية هي أن التعديل الكوكبي، في أي سيناريو، يثير الكثير من الأسئلة المقلقة حول الحوكمة.

يقول البعض أن هذه التحديات، إضافة إلى العوامل البيئية المجهولة، تعني أن العالم لن يستطيع أبداً إجراء التعديل الكوكبي بأمان، وأننا يجب أن نتوقف عن التحدث عنه والإيحاء للآخرين بأفكار جنونية.

من ناحية أخرى، فإن بساطة وقلة تكاليف التعديل الكوكبي، وخطورة التغير المناخي، تعني أن التعديل الكوكبي سيتم على الأرجح بشكل ما وعلى مستوى ما. ولكننا لا نعرف بعد ما هي النتيجة النهائية ضمن التعقيدات الشديدة للنظام المناخي.

نظراً لهذه المخاطر- والاحتمال الحقيقي بأننا سنحتاج إلى التعديل الكوكبي يوماً ما – فإنه من المفضل أن يقوم الباحثون وخبراء السياسات بدراسة جميع السيناريوهات الممكنة، وتحديد الطريقة الأكثر أماناً، والبحث عن أطر عمل تنظيمية يمكن الاعتماد عليها وإن كانت تشوبها بعض الأخطاء، والتواصل بشفافية حول الفوائد الممكنة والآثار الجانبية التي لا يمكن تجنبها.