ينمو سوق إنترنت الأشياء بشكلٍ كبير، لكن هذا النمو ترافق مع ازدياد المخاوف المتعلقة بخصوصية الناس في منازلهم، والآن يعتبر موضوع الخصوصية هذا مثيراً للجدل، بين من يدعون إلى زيادة استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لتسهيل حياتنا وتعزيز رفاهيتنا، وبين من يتخوفون على خصوصيتهم ويشعرون بأنهم معرضين للمراقبة عندما يستخدمون هذه الأجهزة في المنزل.
ما سبب القلق من أجهزة إنترنت الأشياء؟
يعني استخدام إنترنت الأشياء إدخال أجهزة ذكية متصلة طوال الوقت بشبكة الإنترنت إلى منزلك. هذه الأجهزة متنوعة للغاية، قد تشمل مكبرات الصوت الذكية والغسالات الذكية وكاميرات المراقبة والأقفال الذكية وغيرها. من المفترض أن تشكل هذه الأجهزة فرصة لزيادة رفاهية الناس، لكن ذلك ترافق مع زيادة بعض المخاطر.
يمكن فهم ذلك بسهولة، فزيادة عدد الأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت يزيد أيضاً من عدد نقاط الضعف ويعطي المتسللين فرصاً أكثر للوصول، فحقيقة كونها أجهزة متصلة بشبكة الإنترنت طوال الوقت يعني أنها معرضة دائماً للهجمات السيبرانية، وقد تم تأكيد ذلك بعد عدة هجمات سيبرانية تعرضت لها أجهزة إنترنت الأشياء التي تستخدم من قبل الشركات والأفراد في السنوات الأخيرة.
لكن كيف يمكن التوفيق بين الرفاهية والأمن السيبراني وحماية خصوصية الناس في المنازل؟
هناك عدة محاولات لتحقيق هذه الغاية، أهمها من قبل المشرعين في الاتحاد الأوروبي، الذين يريدون فرض قوانين وتشريعات تلزم الشركات المصنعة لأجهزة إنترنت الأشياء بمعايير محددة تقلل بدرجة كبيرة من احتمال تعرض الأجهزة للهجمات السيبرانية، وتقيد الوصول إلى بيانات المستخدمين.
اقرأ أيضاً: جاذبية خطيرة لمستقبل قائم على التكنولوجيا
إنترنت الأشياء والأمن السيبراني
لنبدأ بالحديث عن الأمن السيبراني، نحن هنا لا نتحدث عن البيانات التي تقوم هذه الأجهزة بجمعها وتحليلها، بل عن مصير هذه البيانات. عادةً ما تقوم الشركات بتخزين هذه البيانات لفترة طويلة، وقد يتمكن بعض المخترقين من الوصول إليها، بذلك، يصبح المتسلل قادراً على الوصول لهذه الأجهزة التي توجد في بيتك والتحكم فيها. على سبيل المثال، عند اختراق كاميرات المراقبة، يستطيع المتسلل رؤية داخل منزلك، وعند اختراق الأقفال الإلكترونية، يمكن فتح أبواب ونوافذ المنزل عن بعد، ما يعرضك لخطر السرقة، وفي حال اختراق مكبرات الصوت، يستطيع المتسللين الاستماع لما تقوله في المنزل دون علمك.
جعلت المزايا التي توفرها أجهزة إنترنت الأشياء المخترقين يهتمون بها إلى حدٍ كبير، نمت الهجمات السيبرانية التي تستهدف هذه الأجهزة مع نمو وازدياد عدد أجهزة إنترنت الأشياء، ووفقًا لمسح أجرته شركة كاسبر سكاي للأمن الإلكتروني، خلال النصف الأول من عام 2018، كان عدد الهجمات التي تستهدف أجهزة إنترنت الأشياء أعلى بثلاث مرات من الرقم المسجل في عام 2017 بأكمله.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي قد يحظر تكنولوجيا التعرف على الوجوه في الأماكن العامة لخمسة أعوام
هل هذه المخاطر متوقعة؟
بشكلٍ عام، إذا نظرنا إلى ما حدث بالفعل في الماضي، نلاحظ أن جميع التطورات التكنولوجية العظيمة، كما هو الحال مع إنترنت الأشياء، قد واجهت نقاط ضعف وعمليات اختراق ومشكلات تتعلق بالأمن السيبراني. حدث هذا عندما تم تطوير مواقع الإنترنت الأولى أو التطبيقات الأولى للهواتف الذكية، حيث عانت هذه المواقع والتطبيقات من ثغرات أمنية واختراقات عديدة لم يأخذها المطورون بعين الاعتبار في البداية.
بكل تأكيد، إنترنت الأشياء ليس استثناءً، حيث تم طرح العديد من أجهزة إنترنت الأشياء الذكية بسرعة في السوق، دون أن يولي منتجو هذه الأجهزة الاهتمام الواجب بنقاط الضعف المحتملة فيها. لذلك، من المهم أن يكون المنتج قادراً على حل مشكلة الأمان أولاً قبل إطلاق أي منتج جديد.
اقرأ أيضاً: جامعة إم آي تي تطور نظاماً قد يجعل أجهزة إنترنت الأشياء أكثر ذكاءً
خصوصية أجهزة إنترنت الأشياء
الجانب الرئيسي الآخر هو الخصوصية. في عام 2019، قال غالبية الأميركيين في استطلاع أن أنشطتهم على الإنترنت يتم تتبعها ومراقبتها من قبل الشركات والحكومة. إنه أمر شائع في الحياة العصرية لدرجة أن ما يقرب من 6 من كل 10 أشخاص بالغين في الولايات المتحدة يقولون إنهم لا يعتقدون أنه من الممكن أن يعيشوا حياتهم اليومية دون أن تُجمع البيانات عنهم من قبل الشركات أو الحكومة.
بدأت الهيئات التنظيمية في عدة دول وخاصةً في الاتحاد الأوروبي منذ فترة بالاهتمام بالآثار المتعلقة بجمع وتخزين ومعالجة البيانات بواسطة أجهزة إنترنت الأشياء، فقد دخلت اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR) حيز التنفيذ اعتباراً من 25 مايو/أيار 2018، وتمثل هذه اللائحة التشريع المرجعي الذي يجب أن تتقيد به جميع الشركات، وله تأثير كبير على تطوير صناعة التكنولوجيا وأجهزة إنترنت الأشياء، ليس في دول الاتحاد الأوروبي فقط، بل في كل دول العالم.
اقرأ أيضاً: حقوق البيانات الجماعية قد تمنع الشركات التكنولوجية الكبيرة من تدمير الخصوصية
تأثير اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات على إنترنت الأشياء
في الواقع، تنص اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات على أن الشركات التي تجمع وتخزن وتعالج البيانات يجب أن تكون دائماً قادرة على إثبات سبب منطقي للقيام بذلك، ويجب أن تمتثل لمعايير اللائحة لتخزين تلك البيانات وتحديد الوصول إليها.
أي شركة تفشل في الامتثال لشروط اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات ستتعرض للمساءلة في دول الاتحاد الأوروبي وستدفع غرامات مالية ضخمة.
الكثير من المستخدمين لا يدركون هذه المخاطر
مشكلة الخصوصية لا تتعلق فقط بالشركات التي تجمع وتعالج البيانات، فقد تبين أن هذه المشكلة ترجع أيضاً إلى حقيقة أن المستخدمين لا يزالون غير قادرين على فهم الميزات التي يمكن الحصول عليها عند مشاركة بياناتهم، وكيف يتحكمون في بياناتهم التي تتم مشاركتها. كما أنهم لا يعرفون ما ينبغي فعله في حالة تعرضهم للاختراق.
اقرأ أيضاً: كيف حولت الشركات التكنولوجية الكبرى قوانين الخصوصية إلى تمثيليات فارغة
ما الذي يجب فعله لتقليل مخاطر تهديدات الأمن والخصوصية المتعلقة بإنترنت الأشياء؟
أولاً وقبل كل شيء، يجب اختيار أجهزة تنتجها شركات معروفة وموثوقة، وتجنب شراء الأجهزة التي تنتجها شركات لديها سجل سابق في التعرض للهجمات السيبرانية أو انتهاك الخصوصية. لمعرفة ذلك، ينبغي البحث جيداً على شبكة الإنترنت عن معلومات عن الشركة والتأكد من التزامها بمعايير صارمة للحماية.
على المستخدم أن يقرأ بدقة المعلومات المتعلقة بالأجهزة بعد شرائها لتتعرف على كيفية تشغيلها واستخدامها بطريقة صحيحة وتقليل المخاطر للحد الأدنى.
لا توجد تكنولوجيا آمنة 100٪، ولهذا يجب استخدام خدمة موثوقة للحماية من الفيروسات ضمن الشبكة التي تتصل فيها أجهزة إنترنت الأشياء، والاستعداد لاتخاذ الخطوات الضرورية والتدخل الفوري في حال حدوث أي خرق أمني للأجهزة، قد يشمل ذلك التواصل مع الشركة المصنعة للحصول على الدعم، أو الاستعانة بخدمات شركات أخرى.
أخيراً، لا يجب منح أي أحد حق الوصول إلى الأجهزة الخاصة بالمستخدم حتى لو كان موضع ثقة.
من خلال اتباع هذه النصائح، يمكن تقليل المخاوف إلى الحد الأدنى والتوفيق بين الرفاهية التي توفرها أجهزة إنترنت الأشياء وبين الحفاظ على الخصوصية وأمن المعلومات.