بينما تستمر التكنولوجيا في التقدم، تصبح الخطوط التي تفصل الإبداع الإنساني عن الذكاء الآلي واهية، وقد برزت مخاوف ونقاشات بشأن حقوق النشر؛ أي إذا أنشأ الذكاء الاصطناعي عملاً فنياً، فمَن الذي يحمل حقوق ملكيته؟ ففي النهاية، البشر بعقولهم المبدعة هم مَن برمج ودرّب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على إنشاء أعمال فنية.
مَن هو فنان الذكاء الاصطناعي؟
نموذج الذكاء الاصطناعي الفنان، هو نموذج تعلم آلي قادر على إنشاء صور رقمية على درجة عالية من الدقة في مطابقتها للمطالبات، سواء كانت نصاً أو صورة، وشبّهها بالحقيقة، بحيث قد يصدق البعض أنها من إنشاء فنان حقيقي. على وجه العموم، تستخدم نماذج توليد الفنون خوارزميات وبيانات لقراءة المطالبات وتنظيمها وإعادة إنتاجها في صور، بحيث يمكن لأي فرد استخدام هذه المولدات بكتابة الوصف أو إدخال صورة، ثم بنقرة واحدة يمكن الحصول على قطعة فنية.
ومن الأمثلة على هذه النماذج نموذج ستيبل ديفيوجن (Stable Diffusion) ودال-إي (DALL-E)، المدربان على بيانات ضمت مئات ملايين الصور الموسومة والمستخرجة من الإنترنت. بعض هذه الصور قد يكون محمياً بحقوق النشر، وهو ما قد يمثّل مشكلة لأن الخوارزميات غالباً ما تُدرب دون موافقة الفنانين الأصليين.
وقد ساعد تطوير الشبكات التوليدية التنافسية (Generative adversarial networks) أو (GAN)، وهي أسلوب للنمذجة التوليدية يستخدم أساليب التعلم العميق لتوليد بيانات جديدة تشبه إلى حدٍ كبير البيانات الأصلية، وتتكون من شبكتين عصبونيتين؛ إحداهما لتوليد الصور (مولد) والثانية لتقييم العمل الفني المنجز من مكتبة ضخمة من الأعمال، النماذج على تعلم كيفية إنشاء أعمال فنية من خلال الملاحظة.
في بعض المزادات، وصلت قيم اللوحات التي أنشأها الذكاء الاصطناعي إلى آلاف الدولارات، أي أن لها جمهورها الخاص على الرغم من أنه ليست أعمالاً أصلية.
اقرأ أيضاً: نظام ذكاء اصطناعي يفيض خيالاً من أوبن إيه آي بدأ يتعلّم توليد الصور
هل يمكن حماية حقوق الطبع والنشر لفن الذكاء الاصطناعي؟
عام 2023، رفضت محكمة أميركية في واشنطن طلب باحث الكمبيوتر ستيفن ثالر (Stephen Thaler) بالحصول على حقوق النشر عن نظام الذكاء الاصطناعي الذي صممه دابوس (DABUS)، وقضت بأن العمل الفني الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي لا يتمتع بحقوق ملكية ما دام لم يشارك في إنشائه بشري، لأن "قانون حقوق الطبع والنشر "يقتصر على المفاهيم الفكرية الأصلية للمؤلف". ومع عدم وجود مؤلف، لا توجد حقوق للتأليف والنشر، حتى لو كان الإنسان هو مَن صمم نظام الكمبيوتر أو ألّف الخوارزمية التي تدرب الذكاء الاصطناعي عليها. وبالمثل، ينصُّ معظم السلطات القضائية في العديد من البلدان مثل ألمانيا وإسبانيا، أنه لا يمكن منح الأعمال الفنية التي ينشئها الذكاء الاصطناعي حماية بموجب حقوق الطبع والنشر.
بالإضافة إلى ذلك، ما دام الإنسان هو مَن يتخذ قرار الاستفادة من الفن الذي تصنعه الآلة؛ لذا فإن الآلة لا يمكنها أن تمتلك حقوق الطبع والنشر لأنها لا تستطيع منح الإذن باستخدام العمل الفني.
وقد نوهت شركات الذكاء الاصطناعي، مثل شركة ديب أيه أي (Deep AI)، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي ونماذج توليد الفن، في صفحة الشروط والأحكام الخاصة بها، بأن كلَّ ما ينشأ بأدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لا يتمتع بحقوق نشر، بما في ذلك الاستخدامات القانونية جميعها، مثل المكاسب الشخصية والتجارية.
اقرأ أيضاً: أداة جديدة تحمي الصور من التلاعب المعتمد على الذكاء الاصطناعي
مَن يملك حقوق نشر فن الذكاء الاصطناعي؟
فيما يتعلق بحقوق ملكية العمل الفني الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تسنّ الدول تشريعاتها خلال السنوات المقبلة لحل النزاع، وإلى ذلك الحين، مَن يمتلك حقوق نشر الأعمال الفنية للذكاء الاصطناعي؟
في الواقع تحتاج الأعمال الفنية الناشئة عن الذكاء الاصطناعي إلى تقييم كل حالة على حدة لتحديد مساهمة الأطراف في إنشاء العمل، إذ قد يشارك البشر على نحو إبداعي في عدة مراحل في عملية توليد الصور الرقمية الفنية، وبما أن قانون حقوق الملكية لا يمكن منحها سوى لإبداع بشري، فإن بعض خيارات الملكية الأخرى تذهب إلى:
- مُنشئ البرمجيات.
- الفنانون الذين درست أداة الذكاء الاصطناعي أعمالهم لتصنع القطعة الفريدة.
- فريق البرمجيات.
- الشركة التي تبيع البرمجيات.
أمّا إذا كانت مساهمة الفرد أو مجموعة من الأفراد بما يكفي من المدخلات التي من الممكن اعتبارها إبداعية بحد ذاتها، فيمكنهم امتلاك حق النشر للعمل الفني. ومع ذلك، إذا نُسب العمل لبرنامج الذكاء الاصطناعي فلا يمكن نسب حق النشر له بل يبقى ملكية عامة.
اقرأ أيضاً: 7 طرق للكشف عن الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي
انتهاك العمل الفني للذكاء الاصطناعي حقوق نشر المؤلف
كما ورد سابقاً، تستخدم مولدات الأعمال الفنية ملايين الصور لتدريب خوارزمياتها على توليد العمل الفني، والتي غالباً ما تكون محمية بحقوق الطبع والنشر، أو مملوكة أو منسوبة إلى فنانين حقيقيين؛ أي أن الذكاء الاصطناعي قد ينتهك حقوق نشر أعمال فنية أصلية. إلّا أن بعض البلدان تسمح بذلك، على سبيل المثال، تسمح المادة 4 من توجيه السوق الرقمية الموحدة للاتحاد الأوروبي باستخدام البيانات فيها لأغراض تجارية، لكنها تمنح أصحاب حقوق النشر حرية إلغاء الاشتراك فيها.
في أوائل عام 2023، ادّعت شركة الوسائط غيتي إيميدجيز (Getty Images)، على أحد منشئي فن الذكاء الاصطناعي لاستخدامه صوراً محمية بحقوق نشر من الموقع دون ترخيص، وذلك لإنشاء صور بالذكاء الاصطناعي لا تحمل حقوق نشر.
في المقابل، وحفاظاً على حقوق النشر للأعمال الأصلية، تفرض أدوب فايرفلاي (Adobe Firefly) استخدام صور أدوب ستوك (Adobe Stock) فقط وليس الأعمال الفنية العامة.
اقرأ أيضاً: أداة جديدة تمنح الفنانين أفضلية في مواجهة الذكاء الاصطناعي
فإذا كنت فناناً وترغب في حماية أعمالك الفنية من انتهاك حقوق النشر بواسطة مولدات الفن بالذكاء الاصطناعي، يمكنك التقدم بطلب للحصول على ترخيص مؤسسة المشاع الإبداعي (Creative Commons) لأعمالك الفنية. قد لا يمنع هذا الإجراء شركات الذكاء الاصطناعي من سرقة عملك الفني إلّا أنه قد يساعدك على إثبات انتهاكها لحقوق النشر.