صوّت مجلس استشاري لإدارة الغذاء والدواء الأميركية بالإجماع لصالح أول لقاح أحادي الجرعة لفيروس كورونا، ما يمهد الطريق أمام هذه الهيئة الصحية للسماح باستخدامه الفوري.
يتمتع اللقاح أحادي الجرعة، الذي طورته شركة جونسون آند جونسون، بميزة إضافية تتمثّل في سهولة تخزينه؛ لأن حفظه لا يستلزم بيئة أكثر برودة من درجات حرارة البراد العادي. وقد أوقف اللقاح 66% من حالات كوفيد-19 الخفيفة والخطيرة في تجربة أجريت في ثلاث قارات.
يعدّ هذا اللقاح إضافة إلى مجموعة اللقاحات الأميركية لفيروس كورونا، التي تتضمن لقاحين مرخص باستخدامها طورتهما شركتا مودرنا وفايزر. كان هذان اللقاحان -اللذان يعتمدان على الحمض النووي الريبي المرسال– أكثر فاعلية بشكل ملحوظ (حيث منعا حوالي 95% من الحالات)، لكنهما يتطلبان أخذ جرعتين، ويجب تخزين الجرعات في درجات حرارة شديدة البرودة.
على الصعيد العالمي، بدأت قائمة آخذة بالازدياد من اللقاحات المطورة في روسيا والصين والهند والمملكة المتحدة تشهد استخداماً واسعاً.
وفي حين أن فعالية لقاح شركة جونسون آند جونسون الجديد ليست بمستوى اللقاح الذي يعتمد على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال، إلا أن مسؤولي الصحة قالوا إنه لا ينبغي لذلك أن يثني الناس عن أخذه؛ لأنه لا يزال يقلل احتمال المرض والموت بشكل كبير.
وقال أنتوني فوشي، وهو أبرز علماء الفيروسات في الولايات المتحدة، خلال مقابلة على شبكة إن بي سي: “من الجيد أن يكون هناك لقاحان، ووجود ثلاثة لقاحات أفضل بالتأكيد. إنه يؤدي إلى زيادة الخيارات والكميات، وسوف يساهم بالتأكيد في السيطرة على الجائحة”.
في الولايات المتحدة، هناك ما يقرب من 28 مليون حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا و500 ألف حالة وفاة.
إن وجود كميات محدودة من لقاحي مودرنا وفايزر يعني أن معظم الأميركيين ما زالوا ينتظرون الحصول على لقاح. يتم في الآونة الأخيرة إعطاء حوالي 1.4 مليون جرعة من هذين اللقاحين في الولايات المتحدة كل يوم. وبهذه الوتيرة، سيستغرق إعطاء اللقاحات لكل سكان الولايات المتحدة نحو عام تقريباً.
من الناحية النظرية، يمكن للقاح أحادي الجرعة سهل التخزين أن يزيد الوتيرة. ولكن من الناحية العملية، فإن نقص كميات لقاح شركة جونسون آند جونسون يمكن أن يحدَّ من الدور الذي يلعبه في حملة اللقاحات الأميركية؛ ففي شهادة حديثة أمام الكونجرس، قالت شركة جونسون آند جونسون إن لديها 4 ملايين جرعة فقط جاهزة للتطبيق، وهو ثلث الكمية الأولية الموعودة، وإنها ستقدم 20 مليون جرعة بحلول نهاية شهر مارس.
يقول إريك توبول، الطبيب في معهد سكريبس للأبحاث، الذي وصف الكميات الأولية بأنها “ضئيلة” بالنظر إلى أن الشركة تلقت دعماً حكومياً كبيراً: “أتساءل عما إذا كان لقاح شركة جونسون آند جونسون سيكون جزءاً مهماً في الولايات المتحدة”.
كما ينطوي اللقاح أيضاً على ما أسماه توبول “انخفاضاً ملحوظاً في الفعالية بشكل عام”، مقارنةً بلقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، على الرغم من أن العديد من خبراء الصحة هرعوا مؤخراً للدفاع عن اللقاح ضد أي إشارة إلى انخفاض فعاليته.
وكتب أشيش جها، الباحث في مجال السياسات الصحية والطبيب في جامعة براون، على تويتر، أن مقارنة “الفعالية الرئيسية” بين اللقاحات يمكن أن تكون مضللة؛ لأنها “أساساً فعالة بنسبة 100% في الوقاية من دخول المستشفيات [و] الوفيات بمجرد أخذها”، وقال: “كل ما شهدناه حتى الآن يشير إلى أنها لقاحات ممتازة”.
لقاح جديد
يُطلق على اللقاح الجديد أحادي الجرعة اسم Ad26.COV2.S، وقد تم تطويره بواسطة شركة جونسون آند جونسون بالاعتماد على أعمال أحد المراكز الطبية في بوسطن. يعتمد اللقاح على ناقل فيروسي غير ضار، وهو الفيروس الغداني 26، الذي يمكنه دخول الخلايا دون أن يتكاثر أو ينمو. ويتم استخدام الناقل لإيصال التعليمات الجينية، التي تأمر خلايا الشخص بصنع البروتين الناتئ المميز للفيروس، والذي بدوره يدرب الجهاز المناعي على مكافحة العامل الممرض.
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز شرحاً تخطيطياً تفصيلياً لآلية عمل اللقاح.
وقال ريتشارد نيتلز، نائب رئيس الشؤون الطبية الأميركية في شركة يانسن التابعة لشركة جونسون آند جونسون، في حديثه إلى الكونجرس خلال شهادة أدلى بها في 23 فبراير، بأن إنتاج اللقاح “معقد للغاية”، وأن الشركة كانت تعمل على تصنيع اللقاحات في ثمانية أماكن، بما فيها ولاية ماريلاند في الولايات المتحدة.
يعدّ تصنيع اللقاح معقداً لأن الفيروس المستخدم في اللقاح ينمو في الخلايا الحية قبل تنقيته وتعبئته. يستغرق صنع دفعة من الفيروسات شهرين، ولهذا السبب لا توجد طريقة لزيادة الكميات على الفور في حال تخطي بعض المواعيد الزمنية.
وفي الواقع، فإن أكبر خيبة أمل بشأن اللقاح الجديد هو نقص الكميات الناجم عن مشاكل التصنيع. وقال جيفري زينتس، منسق فريق عمل الرئيس بايدن لكوفيد-19، خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض يوم الأربعاء الموافق 24 فبراير، إن الإدارة الجديدة “علمت أن شركة جونسون آند جونسون كانت متأخرة في التصنيع” عندما تولت منصبها قبل خمسة أسابيع.
وأضاف: “كان الأمر مخيباً للآمال عندما وصلنا. كان مستوى الإنتاج الأولي… أبطأ مما كنا نرغب فيه”.
فعال جداً
في أواخر شهر يناير، أعلنت الشركة عن نتائج دراسة أجريت على 45 ألف شخص في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وأميركا الجنوبية، حيث حصل الناس إما على اللقاح الحقيقي أو الوهمي.
بشكل عام، كان اللقاح فعالاً بنسبة 66% في الوقاية من الإصابة بمرض كوفيد-19، وأكثر فعالية نوعاً ما في الوقاية من الإصابة بالحالة الشديدة من المرض. فعلى سبيل المثال، تُوفي سبعة أشخاص خلال التجربة بسبب كوفيد-19، لكنهم كانوا جميعاً ممن حصلوا على اللقاح الوهمي. كما زادت آثاره بمرور الوقت. فبعد شهر، لم يضطر أي شخص تلقى اللقاح الحقيقي إلى الذهاب إلى المستشفى بسبب مرض كوفيد-19.
وتدّعي شركة جونسون آند جونسون بأنها لن تحقق أرباحاً من اللقاح، الذي سيتم بيعه أيضاً خارج الولايات المتحدة؛ إذ سيتم بيع اللقاح بسعر موحد “غير هادف للربح” لجميع البلدان “للاستخدام الطارئ خلال الجائحة”، كما يقول نيتلز.
لم يذكر نيتلز ما هذا السعر، لكن الولايات المتحدة وافقت العام الماضي على دفع حوالي مليار دولار للشركة مقابل تأمين 100 مليون جرعة ومنحت الشركة مبلغاً مماثلاً من تمويل التطوير، ما يجعلها إحدى الاستثمارات الرئيسية لعملية أوبريشن وورب سبيد، التي كانت تمثّل جهود اللقاح خلال إدارة ترامب.
من النقص إلى الفائض
في الوقت الحالي على الأقل، لا تزال كميات اللقاح عاملاً يحد من دوره في حملة اللقاحات الأميركية، التي شهدت تطبيق 70 مليون جرعة منذ بدايتها في شهر ديسمبر، وفقاً لشبكة بلومبيرج. ويقول بيتر هوتز، عالم فيروسات ومطور لقاحات في كلية بايلور للطب: “لا أرى توافر كمية فائضة من اللقاح قبل مرور بعض الوقت”.
في النهاية، ستحصل الولايات المتحدة على جرعات تكفي لإعطاء اللقاح بشكل كامل ل 130 مليون أميركي بحلول نهاية شهر مارس، وذلك عند حساب الكميات المتوقعة من شركات فايزر ومودرنا وجونسون آند جونسون معاً.
ومع ذلك، يمكن أن يتحول نقص اللقاحات إلى فائض منها قبل الصيف، ما يخلق حالة لا يوجد فيها نقص في اللقاحات، ولكن يحدث نقص في الأشخاص المستعدين لتلقي اللقاح أو المؤهلين لذلك.
وذلك لأن الأطفال دون سن 18 عاماً في الولايات المتحدة يشكلون حوالي ربع السكان ولكن لم يُسمح لهم بعد بتلقي الجرعات. كما قال حوالي 30% من الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة إنهم لن يحصلوا على لقاح لفيروس كورونا على الإطلاق. يشكل الأطفال والمشككون في اللقاح معاً نصف سكان الولايات المتحدة.
تقول الشركات الثلاث إنها ستوفر بحلول شهر أغسطس لقاحات تكفي 400 مليون شخص في الولايات المتحدة، أو ما يمثل أكثر من عدد سكان البلاد. وذلك دون اعتبار اللقاح الرابع، الذي تصنعه شركة نوفافاكس، الذي قد يفوز أيضاً بترخيص للاستخدام في الولايات المتحدة.
يقول هوتز: “سنكون في حالة جيدة بحلول الصيف. السؤال هو كيف سنمضي هذا الوقت من الآن وحتى شهر يونيو”.
لقاحات آخذة بالازدياد
ينضم لقاح شركة جونسون آند جونسون إلى قائمة عالمية آخذة بالازدياد من اللقاحات المعتمدة، التي تتضمن لقاحي الحمض النووي الريبي المرسال، ولقاحات من شركة أسترازينيكا والشركات الصينية، ولقاح سبوتنيك الروسي، وكلها قيد الاستخدام خارج الولايات المتحدة.
وينخفض في المتوسط احتمال تعرض الأشخاص، الذين يحصلون على أي من اللقاحات، إلى الوفاة بسبب كوفيد-19 إلى ما يقرب من الصفر. ويعدّ ذلك أقل من معدل الوفيات الإجمالي الذي يقدّر بنحو 1.7% من الحالات المشخصة في الولايات المتحدة، وبنسبة أعلى بعدة مرات لدى كبار السن.
يتمتع لقاح شركة جونسون آند جونسون بآثار جانبية أقل من لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، كما أثبت فعاليته ضد سلالة الفيروس سريعة الانتقال المنتشرة في جنوب إفريقيا، التي تراكمت فيها طفرات عديدة.
وقد أثارت السلالة الجنوب أفريقية مخاوف الباحثين لأنها تقلل بشكل واضح من فعالية بعض اللقاحات؛ فقد وجدت دراسة أجرتها شركة أسترازينيكا في جنوب أفريقيا أن لقاحها لا يوفر الحماية ضد تلك السلالة على الإطلاق، ما تسبب في قيام المسؤولين بإلغاء خطة لتوزيع اللقاح هناك.
ووفقاً لوزير الصحة زويلي مكيزي، فإن جنوب أفريقيا تركز بدلاً من ذلك على لقاح شركة جونسون آند جونسون، مع خطة لإعطاء اللقاح إلى 80 ألف عامل في مجال الرعاية الصحية خلال الأسبوعين المقبلين.
وقالت شركة مودرنا مؤخراً إنها ستطور لقاحاً مصمماً ليستهدف السلالة الجنوب أفريقية، كما أشارت شركة فايزر إلى أنها تستعد أيضاً لمواجهة السلالات الجديدة عند ظهورها. وهناك إستراتيجية أخرى يتم التفكير فيها لمكافحة السلالات الجديدة، وهي إعطاء الأشخاص جرعات معززة إضافية من اللقاحات الحالية.
يواصل بعض الخبراء في الولايات المتحدة حثّ الحكومة على تبني خطط اللقاح بوتيرة أسرع، مثل تأخير الجرعات الثانية من لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال أو استخدام نصف الجرعات، بحجة أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتمتعون بحماية “جيدة بما فيه الكفاية”، كانت نهاية الجائحة أسرع.
ومع ذلك، ليس من الواضح حتى الآن ما الوكالة أو من الشخص المسؤول الذي سيكون جاهزاً لإجراء تلك الدعوة، أو حتى مخولاً قانونياً للقيام بها.
يقول هوتز: “نحن جميعاً في حيرة بشأن من يمكنه اتخاذ هذا القرار. وكل ذلك يتوقف على مدى الاستعجال الذي تواجهه. تتمثل الصورة الشاملة بأنك إذا كنت تعرف أن الأعداد تتناقص، وتشعر بأنها ستبقى منخفضة بسبب الموسم، فهناك متسع من الوقت. ولكن إذا كنت قلقاً بشأن السلالات، فأنت تواجه مشكلة وعليك إعطاء اللقاحات قبل الموعد المحدد”.
في حديثه على شبكة إن بي سي، قال فوشي إن على الناس ألا ينتظروا توافر أفضل لقاح، بل أن يأخذوا ما هو متوافر. وأضاف: “حتى لو كان أحد اللقاحات أقل فعالية إلى حد ما، فإنه لا يزال فعالاً في الوقاية من الإصابة بالمرض الشديد، كما رأينا مع لقاح شركة جونسون آند جونسون. احصل على اللقاح عندما يكون متاحاً لك”.