في الصيف الماضي، نشر أحد منتجي منصة تيك توك (TikTok)، زيغي تايلر، مقطع فيديو يتحدث فيه عن اكتشافه مشكلة مثيرة للقلق في كرييتور ماركت بليس (Creator Marketplace)، وهي أداة ضمن التطبيق للربط بين المنتجين والعلامات التجارية التي تريد أن تدفع لقاء رعايتها للمحتوى. وقال تايلر إنه لم يتمكن من إدخال بعض الجمل في حسابه على ماركت بليس، مثل شعار "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) و"دعم تميز ذوي البشرة السمراء" (supporting Black excellence). ولكن بعض الجمل الأخرى، مثل "تفوق العرق الأبيض" (white supremacy) و"دعم تميز ذوي البشرة البيضاء" (supporting white excellence)، كانت مسموحة.
وإذا أمضيت فترة طويلة على تيك توك، فمن المرجح أنك شهدت نقاشات حول حوادث مماثلة بين المنتجين.
هناك طريقتان لمحاولة فهم أثر مراقبة المحتوى والخوارزميات التي تفرض هذه القواعد، إما بالاعتماد على ما تقوله المنصات، أو بسؤال المنتجين أنفسهم. وفي حالة تايلر، قدمت منصة تيك توك اعتذارها وألقت باللائمة على أحد الفلاتر الآلية الذي تم ضبطه لالتقاط الكلمات المتوافقة مع خطاب الكراهية، ولكنه على ما يبدو لم يكن قادراً على استيعاب السياق.
وقد تعاونت الأستاذة المساعدة في جامعة كورنيل، بروك إرين دافي، مع طالب الدراسات العليا كولتين ميسنر لإجراء مقابلات مع 30 منتجاً على منصات تيك توك (TikTok) وإنستغرام (Instagram) وتويتش (Twitch) ويوتيوب (YouTube) وتويتر (Twitter) في نفس الفترة التي حقق فيها مقطع الفيديو الذي نشره تايلر انتشاراً واسعاً. وكان الهدف هو التعرف على أساليب المنتجين، خصوصاً المنتمين إلى شرائح مهمشة، في التعامل مع الخوارزميات وأساليب الرقابة للمنصات التي يستخدمونها.
اقرأ أيضاً: لماذا يحصل المحتوى المتعلق بالخرف على تيك توك على مليارات المشاهدات؟
وهذا ما وجدوه: يخصص المنتجون الكثير من الجهد في محاولة فهم الخوارزميات التي تتحكم بتجاربهم وعلاقاتهم على هذه المنصات. ونظراً لاستخدام الكثير من المنتجين عدة منصات، يجب أن يتعلموا القواعد الخفية لكل منصة منها. ويقوم بعض المنتجين بتعديل أساليبهم في إنتاج المحتوى والترويج له بالكامل للتكيف مع التحيزات الخوارزمية وتحيزات الرقابة التي يتعرضون لها.
وفيما يلي حوارنا مع دافي حول بحثها المقبل (تم تعديل الحوار وتكثيفه لزيادة الوضوح).
لطالما ناقش المنتجون كيفية تأثير الخوارزميات والرقابة على انتشارهم على المنصات التي حققوا شهرتهم عليها. ما الذي فاجأك بشكل خاص أثناء إجراء هذه المقابلات؟
لقد كان لدينا تصور يقول إن تجارب المنتجين تأثرت بفهمهم للخوارزميات، ولكن بعد إجراء المقابلات، بدأنا فعلياً برؤية مدى تأثير هذا الأمر على حياتهم اليومية وعملهم، وكل ما يكرسونه من الوقت والطاقة والاهتمام لتعلم كل ما يمكن تعلمه حول الخوارزميات، واستثمار هذه المعلومات. ولديهم إدراك نقدي بأن هذه الخوارزميات غير متوازنة. وعلى الرغم من هذا، ما زالوا يخصصون قدراً كبيراً من الجهد محاولين فهمها. وهو ما يجذب الانتباه إلى الطبيعة اللامتوازنة لاقتصاد المنتجين.
اقرأ أيضاً: أحدث مستجدات الحظر الذي لم يدخل حيز التنفيذ على تيك توك وويتشات
إلى أي درجة يفكر المنتجون باحتمال تعرضهم للرقابة أو منع محتواهم من الوصول إلى الجمهور بسبب قمع الخوارزميات أو ممارسات الرقابة؟
أعتقد أن هذا التفكير يمثل أساس عملية إنتاج المحتوى، بل وعملية ترويجه أيضاً. فهذه الخوارزميات تتغير لأبسط الأسباب، ولا توجد أي معلومات حولها. كما لا يوجد أي تواصل مباشر مع المنصات حول هذه المسألة في الكثير من الحالات. ولا يقتصر التأثير الكامل والأساسي لهذا الأمر على التجربة، بل على الدخل أيضاً.
يستثمر المنتجون الكثير من الوقت والجهد في بناء تجارب قواعد شعبية، ويتحدثون حول رغبتهم بإنتاج نفس المحتوى، ولكن مع تنويعه يوماً ما. وسأرتدي هذا اللباس في أحد الأيام، وأرتدي غيره في يوم آخر. ويمكن أيضاً أن يجربوا مجموعة مختلفة من الوسوم.
يقول المنتجون إنهم تفاعلوا مع أوساط أقرانهم من المنتجين مرات عديدة على الإنترنت وخارجها، حيث كانوا يتحدثون عن كيفية الاحتيال على الخوارزمية، وما يمكن قوله، وما قد يتعرض لمقص الرقابة. هناك بعض الأشكال المهمة من المنظمات الجماعية التي قد تختلف عن الصورة التقليدية المألوفة لدينا لتنظيم العمال، ولكنها لا تزال وسيلة فعّالة لجمع المنتجين معاً لتحدي النظام الهرمي للنفوذ.
من الأشياء التي كنت أفكر بها باستمرار في أثناء قراءة نتائجك مفهوم "الحظر الخفي"، أي ممارسة الرقابة القائمة على الحد من انتشار المحتوى دون إبلاغ المنتج. ومن وجهة نظر صحفية، فإن التبليغ عن "الحظر الخفي" صعب لأنه مخفٍ بطبيعته، ولكنه أحد المخاوف الأساسية التي تحدث عنها المنتجون على مدى عدة سنوات. كيف درست هذا المفهوم في بحثك؟
يقسم البعض أنهم تعرضوا للحظر الخفي، ولكن آخرين يعارضون هذه الفكرة، وينسبون المشكلة إلى أن المحتوى سيئ ببساطة. إنها مشكلة مستعصية للغاية، لأن أي شخص قادر على إطلاق هذه الادعاءات.
إن غموض الحظر الخفي هو أحد أسباب فعاليته العالية. ونظراً لعدم وجود أي طريقة للجزم بتعرض أي شخص أو عدم تعرضه للحظر الخفي على أي من هذه المنصات، فإن المجال مفتوح للتكهنات. ولكن، سواء كان هذا الحظر موجوداً أم لا، فإن اقتناع الناس بأنهم معاقبون بوضع حدود على انتشارهم أمر يستحق أن يُدرس بجدية.
اقرأ أيضاً: المخاطر التي يفرضها تطبيق “تيك توك” ليست مقصورة عليه مطلقاً
هل هناك أي شيء يمكن فعله للمساعدة على حل بعض هذه المشكلات؟
تتباهى المنصات على مواقعها الإلكترونية بفوائدها للمنتجين، وتقول إن الموهبة والمحتوى المناسب سيؤديان إلى التواصل مع جمهور واسع وجني الكثير من الأموال. يستجر المنتجون الكثير من الأموال إلى هذه المنصات، سواء عبر البيانات أو التفاعل، ولكن ليس لديهم أي رأي فيما يتعلق بسياسات مراقبة المحتوى أو طريقة تطبيقها، والتي تكون غير متوازنة في أغلب الأحيان. قد تكون الشفافية المطلقة أمراً صعب المنال، ولكنني أعتقد أن المنتجين يجب أن يحظوا بتمثيل منصف عند اتخاذ القرارات التي تؤثر على عملهم.