لم يصنع في أوروبا
أشار مسح أُجرِيَ مؤخراً شمل 3,000 مدير إلى أن 57% من شركاتهم إما تجرّب الذكاء الاصطناعي أو تستخدمه، وأن 59% منهم يزعمون بأن لديهم إستراتيجية تتعلق بالذكاء الاصطناعي و70% منهم يفهمون كيف يمكن للذكاء الاصطناعي توليد القيمة على مستوى الأعمال. ولكن ما مصدر تقنيات الذكاء الاصطناعي هذه؟ الجواب هو كما يمكن للعديد منا أن يتوقع: الصين والولايات المتحدة.
تمتلك الشركات الصينية حوالي 110 آلاف براءة اختراع في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما تفاخر الولايات المتحدة بامتلاكها لما يزيد عن 60 ألفاً. وعلى العكس من ذلك فإن أوروبا تمتلك ما يزيد قليلاً فقط عن 5 آلاف براءة اختراع. استدعى هذا التأخر من المفوضية الأوروبية أن قامت مؤخراً بإطلاق مشروع تشكيل المستقبل الرقمي لأوروبا: إستراتيجيات البيانات والذكاء الاصطناعي؛ وهي خطة تسعى لسد الفجوة (بين أوروبا والتفوق في الذكاء الاصطناعي) وتوفير توجه مستقبلي محتمل لتطوير الذكاء الاصطناعي للدول الأعضاء.
هناك العديد من الأسباب التي تعيق أوروبا، أولها الموهبة. ولا يتعلق الأمر بالتوظيف فحسب، بل يتعلق بالاحتفاظ بالوظائف أيضاً؛ فالعديد من الشركات الأوروبية تفقد أكثر موظفيها موهبةً في مجال الذكاء الاصطناعي لصالح نظرائها من الشركات القائمة خارج حدود الاتحاد الأوروبي. وتمثل القوانين والتشريعات سبباً آخر أيضاً؛ وهو أمر يشكل معضلة حقيقية على مستوى القارة العجوز. وبينما يرى بعض المراقبين أن تنظيم مجال الذكاء الاصطناعي يمثل جانباً في غاية الأهمية، يرى آخرون بأن التشدد في تطبيق اللوائح التنظيمية قد يعيق عملية التطوير.
المال، المال، المال
ومع ذلك، فإن أحد أهم العوامل هو أن أوروبا تعاني من نقص في رأس المال الخاص في المراحل الأولى. ولسد فجوات التمويل، فإن شركة بريشيوسوم فينتشرز تعد من بين المشاريع القليلة التي استثمرت بكثافة في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في أوروبا. وفي الواقع، وعلى الرغم من المناخ الصعب بسبب كوفيد-19، فإنه من المتوقع أن يزداد حجم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في أوروبا بشكل أكبر في عام 2020.
ومع ذلك فإن التمويل الخاص وحده غير كافٍ، فكما يقول كيم يورجنسن، رئيس وزراء المفوضية الأوروبية الرقمية، على الرغم من قدرة أوروبا على تشكيل قاعدة متينة لتطوير الذكاء الاصطناعي، فإن بذل المزيد من الجهود لضخ التمويل في ميزانية الاتحاد الأوروبي يلعب دوراً أساسياً ليستمر تطوير الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء القارة.
النمو الاقتصادي من خلال شركات الذكاء الاصطناعي في أوروبا
فيما مضى، كان تركيز أوروبا أكثر على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وعلى الصناعة، وبالتالي فقد آن الأوان لتطوير الذكاء الاصطناعي للاستفادة من هذه البنية القائمة والمستقرة منذ أجيال. قد يجد المرء الأمر مدهشاً عندما يعلم أن أوروبا لا ينقصها المبتكرون في مجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث يمتلك كثير منهم تطبيقات مقنعة لهذه التكنولوجيا. من وجهة نظرنا، يمكن تصنيف شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة الواعدة (التي تم تمويلها خلال 10 أعوام، وبمبالغ أقل من 50 مليون دولار) والتي تملك القدرة على دفع النمو الاقتصادي في أوروبا، ضمن خمس فئات:
- الروبوتيات:
يمكن توسيع نطاق ريادة أوروبا في التصنيع المتقدم باستخدام الذكاء الاصطناعي، للمساعدة في تصميم وتصنيع وصيانة الروبوتات والآلات الذكية الأخرى. نذكر من الشركات الواعدة: بلو أوشن روبوتيكس (Blue Ocean Robotics)، وتوينتي بليون نيورونز (Twenty Billion Neurons)، وأنوذر برين (Another Brain)، ونوماجيك (Nomagic)، وفورهات روبوتيكس (Furhat Robotics).
- ذكاء الأعمال والتحليلات:
لولا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لكان من المستحيل جمع كميات هائلة من المعلومات واستخلاص الأفكار منها مثلما نفعل اليوم. نذكر من الشركات الواعدة: أدفيريتي (Adverity)، وكيروس (Kayrros)، وسينرايز (Synerise)، وفوكس إنتيليجنس (Foxintelligence)، وكريستال (Crystal).
- التكنولوجيا المالية:
بالرغم من أن التحقق من الهوية والخدمات المصرفية اليومية تمثل إجراءات مستفيدة بشكل واضح من قدرات الذكاء الاصطناعي، إلا أنه جرى تبنّيه على نطاق واسع أيضاً لأغراض التواصل مع العملاء، وتنفيذ الخدمات المعقدة؛ مثل تحليل المخاطر، والاستثمار، وإجراءات تقييم المطالبات الموجهة لشركات التأمين. نذكر من الشركات الواعدة: يابيلي (Yapily)، ودريم كوارك (DreamQuark)، وكويا (Coya)، وكانديس (Candis)، وكوانتوم روك (Quantumrock).
- الرعاية الصحية:
يتضمن الذكاء الاصطناعي في هذا المجال خوارزميات وبرمجيات متقدمة، التي تستطيع التفوق في أدائها على الخبراء من البشر في تحليل وتفسير البيانات الطبية وبيانات الرعاية الصحية. نذكر من الشركات الواعدة: أينوستيكس (Aignostics)، وكارديولوجس (CardioLogs)، ومختبرات كيتمان (Kitman Labs)، وستيثومي (StethoMe)، وإم إم جي (MMG).
- النقل والملاحة:
يعمل الذكاء الاصطناعي على دفع عجلة الابتكار في قطاع النقل والملاحة أيضاً؛ إذ يلعب دوراً أساسياً في توجيه المركبات ذاتية القيادة، في حين يتسبب في زعزعة العمليات الخاصة بالأبحاث وسلاسل التوريد. نذكر من الشركات الواعدة: سينسيبل 4 (Sensible4)، والأخوة جيديون (Gideon Brothers)، وإتش يو يو بي (HUUB)، وكليوس سبيس (Kleos Space)، وإنتراناف (INTRANAV).
الجهود الجماعية مطلوبة
إن التطور الحالي الذي يشهده الذكاء الاصطناعي ليس سوى البداية فقط. ورغم النجاحات الأولية، فلا يمكن الحفاظ على هذه النجاحات إلا إذا عمل كل المشاركين في هذا المجال معاً. يجب على المشرّعين إيجاد بيئة داعمة لتوفير التمويل اللازم، على الرغم من الإنفاق الهائل الذي أقرته الحكومة على الاقتصاد بسبب كوفيد-19. كما سيتعين علينا إيجاد طرائق جديدة لزيادة قاعدة المواهب والقدرات المتاحة. وما يكتسي بنفس القدر من الأهمية أيضاً هو توفير قدر أكبر من رؤوس الأموال المجازفة، التي يتم جمعها من كلا القطاعين العام والخاص. لقد أضاعت أوروبا فرصة الاستفادة من الإنترنت قبل عقدين من الزمن، لتفوت بذلك الفرصة لإنشاء شركات عملاقة في عالم التجارة الإلكترونية. ولا يمكنها ببساطة تفويت الفرصة هذه المرة بشأن الذكاء الاصطناعي.