أطلقت جوجل بارد (Bard)، وهو بمثابة ردها على تشات جي بي تي (ChatGPT) من أوبن أيه آي (OpenAI) وبينغ تشات (Bing Chat) من مايكروسوفت (Microsoft). وخلافاً لبينغ تشات، فإن بارد لا يبحث ضمن نتائج البحث، فجميع المعلومات التي يقدّمها ناتجة عن النموذج نفسه. ولكن التصميم ما زال يهدف إلى مساعدة المستخدمين على التفكير في الأسئلة والإجابة عنها. وترغب جوجل بتحويل بارد إلى جزء أساسي من تجربة البحث في جوجل.
بارد: جزء أساسي من تجربة البحث في جوجل
وفي عرض تجريبي مباشر دعتني إليه جوجل في مكاتبها في لندن مؤخراً، توصل بارد إلى أفكار لحفلة عيد ميلاد تحمل طابع الأرانب للأطفال، وقدّم الكثير من النصائح حول العناية بالنباتات المنزلية. يقول جاك كراوتشيك، وهو أحد كبار مدراء المنتجات في جوجل: "نحن ننظر إلى بارد على أنه شريك إبداعي".
لقد عقدت جوجل الكثير من الآمال على عملية الإطلاق هذه. فقد تشاركت مايكروسوفت مع أوبن أيه آي في محاولة هجومية للاستيلاء على موقع الصدارة الذي تشغله جوجل في مجال البحث. وفي هذه الأثناء، ارتكبت جوجل خطأ فادحاً في بداية محاولتها للرد. ففي مقطع فيديو ترويجي نشرته الشركة حول بارد في فبراير/ شباط، ظهر بوت الدردشة وهو يرتكب خطأ يتعلق بالحقائق المثبتة. وهكذا، تهاوت قيمة جوجل بأكثر من 100 مليار دولار بين ليلة وضحاها.
اقرأ أيضاً: ما الذي نعرفه عن بوت «بارد» الذي تضع جوجل آمالها عليه لهزيمة مايكروسوفت؟
لم تشارك جوجل الكثير من التفاصيل حول كيفية عمل بارد، فقد أصبحت النماذج اللغوية الكبيرة، وهي التكنولوجيا التي تعتمد عليها بوتات الدردشة هذه، من أهم الملكيات الفكرية في الوقت الحالي. ولكنها تقول إن بارد مبني على أساس إصدار جديد من لامدا (LaMDA)، وهو النموذج اللغوي الكبير الأساسي لدى جوجل. وتقول جوجل إنها ستقوم بتحديث بارد مع تطور التكنولوجيات التي يعتمد عليها. وعلى غرار تشات جي بي تي وجي بي تي 4 (GPT-4)، فقد خضع بارد إلى عملية معايرة دقيقة باستخدام التعليم المعزز المبني على الملاحظات البشرية، وهي تقنية تستخدم لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة على تقديم إجابات أكثر فائدة وأقل إساءة.
مرحلة تجريبية لبارد
وقد كانت جوجل تعمل على بارد سراً منذ عدة أشهر، ولكنها تقول إنه ما زال في المرحلة التجريبية. والآن، قررت الشركة أن تُتيح استخدام بوت الدردشة مجاناً للجميع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بشرط التسجيل في قائمة انتظار. وسيساعد هؤلاء المستخدمون الأوائل على اختبار هذه التكنولوجيا وتحسينها. يقول زوبين غاراماني، نائب رئيس الشركة للأبحاث: "سنحصل على ملاحظات المستخدمين، وسنحسّن التصميم مع مرور الوقت بالاعتماد على هذه الملاحظات. نحن مدركون لجميع الأخطاء التي يمكن أن تقع عند تصميم واستخدام النماذج اللغوية الكبيرة".
اقرأ أيضاً: إجابة خاطئة من بوت الدردشة «بارد» تكلّف جوجل 100 مليار دولار
ولكن مارغريت ميتشل، كبيرة علماء الأخلاقيات في الشركة الناشئة المختصة بالذكاء الاصطناعي، هاغينغ فيس (Hugging Face)، وأحد قادة فريق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في جوجل سابقاً، غير واثقة بهذا الطرح. وتقول إن جوجل كانت تعمل على لامدا منذ سنوات، وتعتقد أن تقديم بارد كتجربة "مجرد حيلة علاقات عامة تستخدمها الشركات الكبيرة للوصول إلى الملايين من العملاء، والتملص من المسؤولية في حال حدوث مشكلة ما".
بارد كتجربة: مجرد حيلة للوصول إلى العملاء
تريد جوجل من المستخدمين أن يتعاملوا مع بارد كمساعد لمحرك البحث جوجل، لا كبديل عنه. فثمة زر موجود في أسفل أيقونة دردشة بارد يحمل عبارة "Google it"، أي ابحث عنه في جوجل. وتكمن الفكرة في دفع المستخدمين إلى استخدام محرك البحث جوجل للتحقق من صحة إجابات بارد، أو العثور على المزيد من المعلومات. يقول كراوتشيك: "يمكننا بهذا أن نلتف حول حدود وقيود هذه التكنولوجيا".
يقول غاراماني: "نرغب حقاً بتشجيع الناس على استكشاف آفاق جديدة، للتأكد من صحة المعلومات التي يحصلون عليها".
اقرأ أيضاً: ما مستقبل البحث على الإنترنت بعد تطوير بوتات الدردشة؟
لقد أثّر الاعتراف بعيوب بارد على تصميم بوت الدردشة في نواحٍ أخرى أيضاً. حيث يستطيع المستخدمون التفاعل مع بارد لبضع مرات فقط خلال الجلسة الواحدة. ويعود هذا إلى أن زيادة طول الحوار الواحد الذي تخوضه النماذج اللغوية الكبيرة تعني زيادة احتمال وقوع خطأ ما. وعلى سبيل المثال، فقد ظهرت الكثير من إجابات بينغ تشات الغريبة، والتي شاركها الناس عبر الإنترنت، بعد حوارات طويلة.
لم تؤكد جوجل الحد الذي ستفرضه على الحوار عند الإطلاق، ولكنه سيكون منخفضاً للغاية في البداية، وسيتم تعديله لاحقاً وفقاً لملاحظات المستخدمين.
قيود مسبقة على المحتوى
إضافة إلى هذا، فقد اتخذت جوجل الكثير من الاحتياطات من حيث المحتوى. فلن يتمكن المستخدمون من طلب الحصول على نتائج تتضمن محتوى جنسياً صريحاً، أو مخالفاً للقانون، أو مؤذياً (وفق تقييم جوجل)، أو معلومات شخصية. وفي العرض التجريبي الذي حضرته، رفض بارد تقديم النصائح حول كيفية إعداد قنبلة حارقة. وهو معيار قياسي بالنسبة لهذا الجيل من بوتات الدردشة. ولكن بارد يرفض أيضاً تقديم أي معلومات طبية، مثل كيفية كشف دلالات السرطان. "ليس بارد طبيباً، ولن يقوم بتقديم أي نصائح طبية"، كما يقول كراوتشيك.
ومن المرجح أن أكبر فرق بين بارد وتشات جي بي تي هو أن بارد يعطي ثلاث نسخ مختلفة من كل إجابة، وتُطلق جوجل عليها اسم "مسودات". ويستطيع المستخدم التنقل بينها باستخدام النقر واختيار الإجابة التي يفضّلها، أو المزج بين أكثر من إجابة. ويهدف هذا إلى تذكير المستخدم بأن بارد لا يستطيع توليد إجابات مثالية. يقول كراوتشيك: "إن رؤية إجابة واحدة فقط تعطي انطباعاً بالثقة والتأكيد، ونحن ندرك وجود حدود لقدرة النظام على تقديم إجابات حقيقية".
اقرأ أيضاً: كيف سيحدث بوت الدردشة تشات جي بي تي ثورة في مجال الأعمال؟
وفي العرض التجريبي الذي حضرته، طلب كراوتشيك من بارد كتابة دعوة إلى حفلة عيد ميلاد طفله. وقام بارد بهذا، وحدد عنوان الحفلة في نادٍ رياضي في مدينة سان رافاييل في كاليفورنيا. وقال كراوتشيك: "إنني أمرّ بالسيارة قرب هذا المكان مرات عديدة، ولكنني بصراحة لا أستطيع أن أخبرك باسم الشارع، وهنا يأتي دور محرك البحث جوجل". حيث نقر كراوتشيك على زر "Google It" للتأكد من صحة العنوان. وقد كان صحيحاً.
الشكل الحالي لجوجل ما زال قائماً
يقول كراوتشيك إن جوجل لا ترغب بالتخلي عن الشكل الحالي لمحرك البحث. ويضيف: "لقد أمضينا عقوداً في تحسين هذه التجربة إلى أقصى حد ممكن". ولكن هذا الموقف قد يكون دلالة على حدود بارد الحالية، لا استراتيجية طويلة الأمد. ففي إعلانها، قالت جوجل: "سنقوم أيضاً بإدماج النماذج اللغوية الكبيرة بحرص في محرك البحث الخاص بنا وبشكل عميق، وسنقدّم المزيد من المعلومات لاحقاً".
ومن المحتمل أن يحدث هذا في وقت قريب بدلاً من الانتظار فترة طويلة، فقد وجدت جوجل نفسها في منافسة أشبه بسباق التسلح مع أوبن أيه آي ومايكروسوفت وغير ذلك من المنافسين. يقول شيراغ شاه، الذي يدرس تكنولوجيات البحث في جامعة واشنطن: "ستواصل الشركات استعجالها في إطلاق هذه التكنولوجيات، بصرف النظر عن درجة جاهزيتها. ومع إدماج تشات جي بي تي في بينغ وغيره من منتجات مايكروسوفت، فإن جوجل ستجد نفسها مدفوعة إلى القيام بالأمر نفسه".
منذ سنة، أسهم شيراغ في تأليف ورقة بحثية مع إميلي بيندر، وهي مختصة باللغات وتدرس النماذج اللغوية الكبيرة في جامعة واشنطن أيضاً، حيث وضحا مشكلات استخدام النماذج اللغوية الكبيرة كمحركات للبحث. وفي ذلك الوقت، كانت الفكرة تبدو افتراضية. ويقول شاه إنه شعر بالقلق في ذلك الوقت، لأن الورقة البحثية بدت وكأنها تبالغ في طروحاتها.
لكن هذه التكنولوجيا التجريبية أصبحت، بالفعل، جزءاً من المنتجات التي يستخدمها المستهلكون، وبسرعة غير مسبوقة. ويضيف: "لم نتوقع حدوث هذه الأشياء بهذه السرعة، ولكن لم يعد أمام جوجل أي خيار، فهي مضطرة للدفاع عن مكانتها".