كيف تعمل جوجل على الحد من تأثير بوت تشات جي بي تي على محرك البحث الخاص بها؟

5 دقائق
كيف تعمل جوجل على الحد من تأثير بوت تشات جي بي تي على محرك البحث الخاص بها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ BongkarnGraphic

على مدار العقود الثلاثة الماضية، أصبح محرك البحث جوجل بمثابة البوابة الرئيسية التي يدخل عبرها المستخدمون إلى شبكة الويب العالمية، ولكن مع ظهور بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT)، فقد تواجه شركة ألفابت (Alphabet) المالكة لمحرك البحث جوجل أول تهديد حقيقي قد يؤثر على مستقبل الشركة بالكامل.

فقد أثبت بوت الدردشة (وهو في المرحلة التجريبية حالياً) الذي طوّرته شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي أوبن أيه آي (OpenAI) أننا قد نشهد أحد أكبر التغييرات التي قد يشهدها قطاع التكنولوجيا وأكثرها تأثيراً منذ ظهور الإنترنت، وقد تعيد اختراع آلية عمل محركات البحث كما نعرفها أو حتى تستبدلها كاملاً.

اقرأ أيضاً: نتائج تجربة مولد اللغة الجديد جي بي تي-3 من أوبن إيه آي تُظهر أنه جيد إلى حد مذهل

لماذا على جوجل القلق من بوتات الدردشة التفاعلية؟

تعد شركة جوجل من بين العديد من الشركات ومختبرات البحث التي ساعدت في تطوير وإنشاء تكنولوجيا بوتات الدردشة، والتي تعتبر معظمها ذات قدرات ضعيفة وتؤدي أعمالاً محددة مثل الإجابة عن استفسارات العملاء، لكن الآن مع ظهور بوتات دردشة أكثر تطوراً، فإن العديد من الخبراء يعتقدون أن شركة جوجل ستضطر للتنافس مع الشركات الناشئة الأصغر والأحدث التي تطور هذه البوتات، بسبب الطرق العديدة التي يمكن أن تلحق بها هذه التكنولوجيا الضرر بأعمالها. 

وفي هذا الصدد، تذكر الأستاذة في جامعة واشنطن والمتخصصة في تاريخ شركات وادي السيليكون، مارغريت أورمارا: "لا توجد شركة لا تُقهر، فكل الشركات معرضة للخطر في مرحلة ما وجوجل ليست استثناءً"، وتضيف: "بالنسبة للشركات التي حققت نجاحاً غير عادي في القيام بشيء محدد للسوق، من الصعب أن يكون لها ردف فعل ثانٍ بمنتج مختلف تماماً".

ويأتي منبع القلق بشأن إمكانية أن يُشكل بوت تشات جي بي تي تهديداً جدياً لمحرك بحث جوجل في لحظة محفوفة بالمخاطر للشركة، حيث أبرز أحدث توقع لشركة أبحاث السوق إنسايدر إنتليجانس (Insider Intelligence) أن شركتي جوجل وميتا اللتين تحتكران صناعة الإعلانات عبر الإنترنت سوف تعانيان بشدة في قادم السنوات، حيث يتوقع أن تتراجع إيراداتهما المالية من الإعلانات بشكل كبير لصالح منافسين جُدد.

كما أبرز التقرير الذي نُشر في شهر يونيو من العام 2022، أن حصة الشركتين معاً في سوق صناعة الإعلانات الرقمية عبر الإنترنت ستنخفض إلى 48.7% في عام 2023 و47.7% في عام 2024، وعلى الرغم من أن جوجل لا تزال في مركز الصدارة بنسبة تصل إلى 28.8% من الإنفاق على الإعلانات الرقمية، لكن الانخفاض العام يُحتمل أن يلمح إلى تراجع هيمنة محركات البحث التي يسيطر عليها محرك البحث جوجل.

اقرأ أيضاً: فيسبوك تدّعي أنها تفوقت على جوجل بابتكارها أفضل بوت دردشة في العالم

لماذا تخشى جوجل من تعديل آلية محرك البحث ودمج بوتات الدردشة التفاعلية؟

أمضت شركة جوجل عدة سنوات في العمل على بوتات الدردشة، ومثلها مثل شركات التكنولوجيا الكبرى، دمجت بقوة نماذج الذكاء الاصطناعي في بوتات الدردشة التي تطورها، ليس لمنافسة بوتات الدردشة التفاعلية فقط،  بل حتى للتقدم على الشركات المنافسة. وفي الواقع فإن التكنولوجيا المستخدمة في بوت الدردشة تشات جي بي تي هي من تطوير باحثين يعملون في شركة جوجل.

وكانت أبرز المؤشرات التي أثبتت أن جوجل ليست متخلفة في هذا المجال، هو ادعاء أحد مهندسيها أن بوت الدردشة الذي تطوره الشركة والذي يطلق عليه اسم لامدا (LaMDA) قد أصبح واعياً ويتفاعل مثل البشر، وعلى الرغم من نفي جوجل هذا الادعاء لاحقاً، إلا أنه أظهر مدى التحسن الذي طرأ على تكنولوجيا بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، حتى إذا افترضنا أن جوجل قد طوّرت بوت دردشة بمثل قدرات بوت تشات جي بي تي، فإن دمجه في محرك البحث الخاص بها سيكون محفوفاً بالمخاطر وقد يؤثر على إيراداتها في صناعة الإعلانات الرقمية والتي شكلت أكثر من 80% من أرباحها في عام 2022، والسبب بسيط للغاية وهو أن هذا النموذج غير مناسب لتقديم الإعلانات الرقمية.

على سبيل المثال إذا كان بوت الدردشة يستجيب لطلبات البحث بمقالات كاملة، فستكون دواعي  للمستخدمين أقل للنقر على روابط نتائج البحث المؤدية إلى المواقع التي تحتوي على الإعلانات.

اقرأ أيضاً: هل تمثل النماذج اللغوية مثل جي بي تي 3 بداية نوع جديد من محركات البحث؟

علاوة على ذلك، ونظراً إلى أن مثل هذه البوتات تتعلم مهاراتها من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات المنشورة على الإنترنت، فإنها يمكن أن تمزج الخيال مع الحقيقة،  ما يؤدي إلى تقديم معلومات غير موثوقة وتوليد لغة سامة بما في ذلك الكلام الذي يحض على الكراهية، وهو ما يمكن أن يجد ردود أفعال سلبية من المستخدمين ضد الشركة ويلحق الضرر بالعلامة التجارية الرئيسية لها والتي أمضت عقوداً في تطويرها وبنائها. بعكس الشركات الناشئة الجديدة، مثل شركة أوبن أيه آي،  والتي ليس لديها مشكلة في تقديم منتجات غير مكتملة ولديها الاستعداد لأخذ المخاطرة بدون القلق على سمعتها في السوق.

كيف تخطط جوجل لخوض المنافسة المرتقبة مع بوتات الدردشة التفاعلية؟

منذ ظهور القصص الإخبارية والتقارير حول بوت تشات جي بي تي ومدى قدرته في تقديم إجابات شبه مثالية، توجهت معظم الأعين نحو شركة جوجل لمعرفة رد فعلها حول التهديد المحتمل الذي تجلبه مثل هذه النماذج على محرك بحثها، الذي يعتبر دُرة تاج منتجاتها وعلامتها التجارية الرئيسية ومصدر أرباحها الأول.

وبالفعل بحسب صحيفة ذا نيويورك تايمز، فإن المدير التنفيذي لشركة ألفابت وجوجل سوندار بيتشاي، قام بعقد سلسلة من الاجتماعات لتحديد استراتيجية الذكاء الاصطناعي لشركة جوجل، حيث قام بإعادة تعيين مهام العديد من فرق العمل داخل الشركة للرد على التهديد الذي يشكله بوت تشات جي بي تي على نموذج عمل الشركة.

بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لمذكرة وتسجيل صوتي حصلت عليه الصحيفة،  فقد تم تكليف الموظفين أيضاً ببناء نماذج ذكاء اصطناعي لمنتجات يمكنها إنشاء أعمال فنية وصور أخرى، مثل نموذج دال – إي (DALL-E) الذي طوّرته شركة أوبن أيه آي والذي يستخدمه الآن أكثر من مليون ونصف مستخدم، يقومون بإنشاء ما يصل إلى 2 مليون صورة يومياً.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل هذه الشركة على ردم هوة التواصل ما بين البشر والآلات

كما ذكرت الصحيفة أنه في أحد الاجتماعات الأخيرة، أقر أحد المديرين بأن الشركات الأصغر لديها مخاوف أقل بشأن إطلاق هذه الأدوات، وشدد على أنه يجب على جوجل الدخول للمعركة للحفاظ على مكانتها في سوق الإعلانات ومحركات البحث،  ولا يمكن لهذه الصناعة المضي قدماً بدونها.

بينما ذكر آخرون بحسب الصحيفة أن الشركة تعتزم إطلاق التكنولوجيا التي دفعت بوت الدردشة الخاص بها لامدا كخدمة حوسبة سحابية للشركات الخارجية، وأنها قد تدمج التكنولوجيا في مهام دعم العملاء البسيطة، مع المحافظة على معايير الثقة والسلامة للمنتجات الرسمية.

بالإضافة إلى إصدار نماذج أولية مشابهة لبوت الدردشة تشات جي بي تي لا تلبي تلك المعايير واقتصارها على 500 ألف مستخدم فقط، مع تحذيرهم من أن التكنولوجيا يمكن أن تنتج بيانات خاطئة أو مسيئة. ومن المتوقع أن تكون جميع هذه الإعلانات في مؤتمر المطورين السنوي الخاص بها جوجل آي/ أو (Google I/O ) والذي سيقام في شهر مايو من العام الحالي 2023.

ختاماً، نجد أن جوجل تعمل بالفعل على تحسين محرك البحث الخاص بها باستخدام نفس التقنية التي تدعم بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي ولامدا، ويعتقد العديد من الخبراء أن جوجل ستستمر في اتباع هذا النهج في تحسين محرك البحث بشكل تدريجي بدلاً من تغيير آلية عمله دفعة واحدة.

ولكن مع قيام الشركات الناشئة بتطوير بوتات دردشة تفاعلية أكثر تطوراً وتحسينها باستمرار، فقد يصبح هذا النهج بديلاً قابلاً للتطبيق لمحركات البحث الحالية، ما يخلق مزيداً من المنافسة في صناعة محركات البحث، مع رفع شعار من يصل أولاً هو الفائز، ما يحتم على شركة جوجل أن تقرر ما إذا كانت ستغير آلية عمل محرك البحث الخاص بها وتجعل بوت الدردشة الكامل وجه خدمتها الرئيسية أم لا.

المحتوى محمي