مستقبل الرعاية الصحية: كيف ستغير جائحة كوفيد-19 الرعاية الصحية خلال العقود القادمة؟

9 دقائق
جائحة كوفيد ومستقبل الرعاية الصحية
الصورة الأصلية: شاترستوك | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

عندما كنت طفلة صغيرة، كنت محظوظًة لقيامي بزيارات متكرِّرة لعيادة الأمراض الوراثية في أكثر العيادات التخصصية ازدحاماً في المملكة، مراقبة الدُّكتورة الرَّائدة ناديا السقطي، وظللت مغرمة بعلم الوراثة والطِّب منذ ذلك الحين. ومن حسن حظِّي كطبيبة أنَّني ساهمت في أبحاث مشروع الجينوم السعودي وممارسة الطِّب الوراثي الجزيئي، مستلهمة من العمل الجماعي متعدِّد التَّخصصات المطلوب لمواجهة التحديات الجريئة ومن الكيفية التي جمعت الجينات بها العالم في كثير من الأحيان من خلال عدسة رؤية أنفسنا 99.9٪ بلا حدود.

الآن، تماماً كما كان برنامج الجينوم البشري التاريخي بمنزلة نقاط انعطاف تحوُّلية في التَّاريخ، كذلك أزمة الصِّحة العالمية لـكوفيد-19، التي على الرغم من تحدِّياتها ومآسيها العديدة، مثل سياق الحرب الباردة المشؤومة، التي أطلقت سباق الفضاء، يمكن أن يكون لها جوانب مشرقة. كما كتبت ريجينا دوجان، الرَّئيسة السَّابقة لـداربا (DARPA): "سبوتنيك مثَّل بداية عصر الفضاء، يمكن لكوفيد أن يطلق شرارة عصر جديد في مجال الصِّحة والطب".

التكنولوجيا الحديثة تبشر بعالم أكثر صحة

تشمل الجوانب المشرقة التسارع غير المسبوق للابتكار والتَّعاون والاكتشاف، مُحفِّزةً لمستقبل الصِّحة والطِّب الذي يمكن أن يساعدنا في إعادة الَّتصور ويجلب لنا عالماً أكثر صحة وذكاء وإنصافاً بعد كوفيد. الآن، هناك العديد من الحلول التي تركب قطار التِّقنيات المتطورة بشكل سريع والتي تتضاعف بسرعة في أدائها، كما يتَّضح من قانون مور، الذي مكّن من التحسينات مليار مرة في الذاكرة والأداء الحاسوبي، ما أدَّى إلى انتشار الهواتف الذكية ذات المعالجات الفائقة التي يحملها معظمنا في جيوبه. ما زلت أملك هاتفي القديم أيفون هنا. لا يزال يعمل، وهو الذي كان يبدو سحرياً منذ 12 عاماً ولكن يبدو الآن بطيئاً وضعيفاً. وأنا متأكدة من أنَّ أيفون 12 الخاص بي سيبدو قريباً عتيقاً، ربما عندما تتلاشى ميزاته مع نظارات الواقع المعزز الذكية الشَّائع وصولها قريباً.

الآن أصبحت التقنيات الأسية المعبأة في أجهزتنا الذكية طبية بشكل متزايد، مع أجهزة استشعار قادرة على اكتشاف عدوى الأذن وأكثر من ذلك. فما كان يناسب حاسوب سطح المكتب الآن يناسب معصمنا، وهذه الآن تدخل مجال الأجهزة الطبية المعتمَدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية. لكن المستقبل لا يتعلق بأي تقنية واحدة، وإنما بعتمد على تقاربها، حيث تصبح أسرع وأرخص وأفضل. في الواقع، يتعلق المستقبل بإنشاء مجالات جديدة كاملة على واجهاتها، من علم الأحياء الحسابي، والجراحة الروبوتية، والعلاجات الرقمية، والتطبيب عن بعد، إلى تصوير الأشعة القائم على الذكاء الاصطناعي.

وبينما تعطلت العديد من الصناعات واخترقت العصر الصناعي الرابع، غالباً ما تبدو صناعة الصحة والطب عالقة في الثاني أو الثالث. لا تزال البيانات الهامة عالقة يتم مشاركتها على أجهزة الفاكس، والاستمارات الورقية. نحن عالقون في غرف الانتظار في انتظار زياراتنا. لقد أجريت مؤخراً فحص الرنين المغناطيسي الخاص بي والذي تمَّ توفيره فقط لمشاركته معي على قرص مضغوط. لم أعد حتَّى أمتلك مشغِّل أقراص مضغوطة بعد الآن.

تعتمد أدوات إدارة الأوبئة في عام 2020 على نفس التقنيات الأساسية المستخدمة في جائحة عام 1918: أقنعة الوجه، والتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين؛ لذا فإن جزءاً من التحدي في النهوض بالصحة العالمية والمحلية هو نماذجنا وعقلياتنا. نحن لا نمارس حقاً الرعاية الصحية، بل نحن نمارس الرعاية المرضية. تستند الرعاية المرضية إلى بيانات عرضية متقطعة، وعادة ما يتم الحصول عليها فقط داخل الجدران الأربعة للعيادة أو على سرير المستشفى، وتؤدي إلى نموذج الرعاية المرضية القائم على ردَّة فعلنا، حيث ننتظر ظهور المريض في غرفة الطوارئ مصاباً بنوبة قلبية، سكتة دماغية أو سرطان في مرحلة متأخرة أو وصول الوباء إلى شواطئنا.

أعتقد أن التقارب بين العديد من التقنيات والأساليب المتسارعة التي يتم تحفيزها بواسطة كوفيد سوف تنقلنا من الرعاية المرضية المتقطعة إلى عصر الرعاية الصحية المستمرة، والاستباقية، والشخصية، والمعتمدة على المساهمة الجماعية، والتي يمكن أن تقدم الرعاية بشكل متزايد في أي وقت، وفي أي مكان، بشكل أكثر فعالية، وبتكاليف أقل حول الكوكب.

على سبيل المثال، فإن التقارب بين الأجهزة المترابطة الأصغر حجماً التي تعمل حالياً على شبكة الجيل الخامس لا يؤدي إلى إنشاء إنترنت للأشياء فحسب، بل إنترنت للأشياء الطبية. يعتمد جزء كبير من هذا التقارب في مجال الصحة الرقمية، على توافر القدرة على ربط النقاط بين مصادر البيانات من الجينوميات الشخصية والسجلات الطبية بالتطبيقات والخدمات التي تتوافق مع احتياجات الفرد، سواء المريض أو مُقدِّم الرعاية. ومع مواءمة الحوافز والتعويضات، دفعنا كوفيد إلى رعاية افتراضية بشكل متزايد، من المستشفى إلى المنزل إلى هاتفنا إلى فوق أجسادنا وحتَّى داخلها. إنَّ عصر المستشفى إلى المنزل-مستشفى أمامنا.

واليوم، يتثمل تحدِّي هذا العصر شديد الترابط في أننا نخلق كميات هائلة من البيانات الضخمة التي غالباً ما تكون معزولة في تنسيقات لا يمكنها حتى التحدث مع بعضها البعض. لذلك نحن في حاجة إلى تضييق تلك الفجوة بين البيانات، وتحويلها إلى معلومات فعلية للمريض والطبيب وعامل الصحة العمومية، وتسريع استخدامها الآمن والفعال في العيادة المجتمعية وبجانب السرير. لقد حرض الوباء على قدر هائل من المشاركة والتعاون الدولي بين الأطباء والباحثين لتضييق هذه الفجوة. ما تمَّ تعلُّمه في إدارة المرضى في ووهان ثم في وحدات العناية المركَّزة في إيطاليا ساعد مستشفيات نيويورك والرياض وانتشر تعلُّمهم بدوره إلى مراكز في جميع أنحاء العالم.

تغييرات كبرى أحدثها كوفيد-19 في نماذج الرعاية الصحية

دعنا نلقي نظرة سريعة على بعض الأمثلة لما يحدث عبر نموذج الرعاية الصحية في عصر كوفيد والآثار على المستقبل. بدءاً من أشكال البيانات الجديدة للمساعدة في التنبؤ بالوقاية إلى التشخيصات الأسرع، ووصولاً إلى علاج أكثر تخصيصاً والاكتشاف المعتمِد على المساهمة الجماعية بشكل متزايد.

أهم التطورات في مجال الوقاية

الآن، بينما يؤثر الجينوم لدينا على نتائجنا الصحية ومدى صحتنا، فإن محدِّداتنا الاجتماعية للصحة (سلوكياتنا الاجتماعية وسلوكياتنا اليومية) هي التي تقود معظم مخاطر إصابتنا بالأمراض والتكاليف المرتبطة بها. ولدينا الآن زيادة كبيرة في الأدوات الجديدة للمساعدة في قياس وتحسين سلوكياتنا الصحية. تمَّ إطلاق أوَّل جهاز فيتبت (Fitbit) في عام 2009. أصبحت الأجهزة القابلة للارتداء موجودة في كل مكان ويمكنها تقريباً قياس كل عنصر من عناصر فيزيولوجيتنا وسلوكنا وحتَّى صحتنا العقلية. وهي تتطوَّر طوال الوقت من الوشم الذي يمكن التخلص منه والذي يمكنه دفق العلامات الحيوية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، إلى تكامل البيانات الضخمة التي يمكنها -حتى البيانات الصغيرة من جهاز بسيط يمكن ارتداؤه- تتبعَ المريض الذي خرج إلى المنزل بعد استبدال مفصل الورك أو الإصابة بفيروس كورونا، ويمكن أن يحدِّد ما إذا كان المريض يتعافى كما هو متوقع، أو يمشي أكثر، وهل هو بأفضل حال أم لا، ويدفع إلى التدخل السريع.

نحن نتطور من عالم الذَّات المحدَّدة حيث تظلُّ بياناتنا الرقمية صامتة على أجهزتنا إلى نوع من الرعاية الصحية القابلة للقياس الكمي، حيث يمكن مشاركة البيانات بأمان مع الفِرق السريرية والباحثين للمساعدة في تحسين الوقاية وتشخيص المرض مبكراً، ومن خلال حلقات التغذية الراجعة، وتخصيص وتحسين العلاج.

من العناصر الحيوية لسوار المعصم، بما في ذلك ضغط الدم، الذي يمكن الحصول عليه الآن من دون سوار، وقريباً المستشعرات التي ستقيس مستويات الأكسجين في الدم إلى المراقبة المستمرة لسكر الدم، إلى أجهزة الصدمات، وأجهزة السمع، والخواتم التي يمكن أن تحل محل مختبر النوم بالكامل مُلائمةً إصبعنا إلى الأجهزة الداخلية، والرقائق الموجودة تحت جلدنا، لتتبع قيمنا الفيزيولوجية والمختبرية، وحتى الأجهزة القابلة للارتداء تحت الملابس، شبكة من أجهزة استشعار طبية رخيصة جداً اليوم، حيث يمكنك الحصول على حزمة من عشرة منها، لديك واحدة على كل زوج من ملابسك الداخلية، تُستخدم الآن للقيام بما يسمى مراقبة المريض عن بُعد، من أجل المساعدة في اكتشاف علامات عدم المعاوضة التنفسية للمرضى المصابين بالتهاب الشعب الهوائية أو كوفيد.

وتبشر أجهزة التنفس بالخير أيضاً؛ حيث يمكن للمستشعرات النانوية أن تكتشف الجزيئات في أنفاسنا والتي ترتبط بالسرطان، والأمراض الأيضية، وحتى تشخيص الأمراض المعدية. ويمكن للاستشعار المحيط غير المرئي من الكاميرات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تتتبع إشاراتنا الحيوية، للتعبير كمؤشر حيوي لإدارة واكتشاف تحديات الصحة العقلية، وعلامات أمراض القلب، كما تتمتع بالقدرة الآن على تمييز السعال من نزلات البرد إلى السعال الناجم عن فيروس كورونا.

وسوف نقوم قريباً بإخراج عادمنا الرقمي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، كتابنا الرقمي. كيف نفهمه ونستفيد منه حقاً؟ طريق واحد: من خلال التعهيد الجماعي. تقوم تجربة أول أوف أس (All of Us) -التي تضم مليون مشارك من المعهد الوطني للصحة في أميركا- بفعل ذلك بالضبط؛ حيث يمكن للمتبرعين بالبيانات المساهمة بسجلاتنا الطبية، جينوماتنا وبياناتنا القابلة للارتداء لبناء أفضل مجموعة بيانات متنوعة، تتخطى المجموعات العرقية والاجتماعية والاقتصادية للمساعدة في تعزيز الطب الدقيق الأفضل لنا جميعاً.

سيؤدي دمج هذه المعلومات للفرد والصحة العامة إلى سياسات تنبؤية تشبه أضواء فحص المحرك الشخصية الخاصة بنا، والتي يمكن أن تعطينا تحذيراً استباقياً مبكراً. تظهر الأبحاث الأخيرة أن الأجهزة القابلة للارتداء يمكن أن تكتشف بشكل مسبق ظهور الأنفلونزا، أو كما نشرته جامعة ستانفورد مؤخراً، في اكثر من 80% من مرضى كوفيد. يمكن للساعات الذكية اكتشاف عدوى كوفيد مبكراً، غالباً قبل أيام من ظهور الأعراض. قد توفر لنا مواقع الإبلاغ الذاتي -مثل كوفيد نير يو (Covid Near You) أو تطبيق تباعدنا- إمكانية إنشاء خرائط إصابات محلياً، جنباً إلى جنب مع الرسوم البيانية الاجتماعية وتطبيقات تتبع جهات الاتصال، وتقدم اقتراحات مفصلة حول من قد نرغب في اعتباره قريباً أو بعيداً اجتماعياً.

ماذا عن التطورات في التشخيص والمراقبة؟ 

ما كان يتطلب عيادة أو مختبراً كاملاً يمكن الآن وضعه في حقيبة الطبيب الرقمية أو جيب المريض. وقد بدأنا بدمج مجموعات الحجر الصحي الخاصة بكوفيد والتي تتيح تتبع تشبع الأكسجين، درجة الحرارة وأصوات الرئة، في الزيارات الافتراضية؛ ما يوفر تحسينات في الوقت الفعلي لفحص جسدي افتراضي. وأصبحت أدوات التشخيص مشبعة بشكل متزايد بالتعلم الآلي، إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الموجات فوق الصوتية للمستهلكين، التي يمكن أن توفر التشخيصات في أي مكان بتكلفة منخفضة للغاية، بما في ذلك القدرة على تقييم الرئتين لدى مرضى كوفيد المشتبه بهم. لقد تقلص المختبر إلى منصات موائع جزيئية يمكن توصيلها بهواتفنا الذكية وتمكين أي شخص من أخذ قياسات من الدم أو اللعاب.

تستفيد العديد من هذه التشخيصات من الهاتف الذكي والكاميرا الخاصة به للحصول على صورة شخصية طبية. على سبيل المثال، بدلاً من أخذ بولك إلى المختبر لتشخيص عدوى محتملة في المسالك البولية، داخل منزلك ما عليك سوى القيام بغمس مقياس البول والتقاط صورة بكاميرا الهاتف الذكي وجعل النتائج متاحة على الفور لطبيبك والصيدلية. يتم استخدام وتطوير تطبيقات ونُهج مماثلة قائمة على الهاتف لإجراء اختبار كوفيد سريع ومتكرِّر ورخيص وسهل. ويجري أيضا استكشاف نُهُج جديدة للتشخيص على مستوى المجتمعات المحلية، بما في ذلك تسلسل الجينوم القادم لمياه الصرف الصحي للكشف المبكر عن كوفيد-19، تحديد النقاط الساخنة وحالات تفشي المرض المتوقَّعة قبل أسبوع أو أكثر.

ومع ذلك، فإن الكم الهائل من مصادر البيانات يتجاوز حقاً قدرة العقل البشري على الاندماج بشكل فعال. نحن الآن نحصل على مساعدة من الذكاء الاصطناعي. يتم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في قراءة الأشعة المقطعية لتشخيص كوفيد، ولتعزيز رؤية أخصائي أمراض الجهاز الهضمي الذي يجري تنظير القولون لتحديد الآفات التي ربما فاتتهم. ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً نشطاً في المساعدة على تحديد وتطوير مضادات فيروسات جديدة. وبينما ينظر بعض الأطباء إلى الذكاء الاصطناعي على أنه تهديد، فإنه لا يمكن أن يحل محل اللمسة الإنسانية أو التعاطف. ولا أعتقد أنه سيتم استبدال الأطباء أو الممرضات بالذكاء الاصطناعي، لكن الأطباء وأنظمة الرعاية الصحية الذين يتعاونون مع الذكاء الاصطناعي في المستقبل سيحلون محل أولئك الذين لا يفعلون ذلك.

أخيراً: العلاج

لقد أدى الوباء إلى تسريع استخدام الزيارات الافتراضية بشكل كبير. وقد زادت زيارات التطبيب عن بعد بنسبة 1,000% في العديد من الأماكن. ولا أعتقد أننا سنعود أبداً إلى مستويات ما قبل كوفيد حيث يكتشف المرضى والأطباء الراحة والفعالية المقنعة. حتى قبل استخدام تطبيقي زوم (Zoom) أو فيس تايم (Facetime) الافتراضيان مع الطبيب، تم توفير الفحص والدعم غير المتزامنين بواسطة روبوتات الدردشة الأكثر ذكاءً، والتي يمكن أن تساعد في تمييز الأعراض وفرز المشكلات بشكل فعال وبتكلفة أقل. وهذا يشمل المحاكاة الافتراضية والتعزيز الافتراضي لمواجهة أزمة الصحة العقلية، التي تفاقمت بسبب العديد من الضغوط الاقتصادية وغيرها من الضغوط التي تصاحب هذا الوباء.

كما تجد الطباعة ثلاثية الأبعاد دوراً في الرعاية الصحية، من خلال التطبيقات المكتشفة حديثاً من طباعة الأقنعة الشخصية إلى الأجزاء المهمة من أجهزة التنفس الصناعي والاستفادة من حركة المصنِّع المتنامية، والتي تلعب دوراً رئيسياً في الاستجابة للوباء، من صنع أغطية واقية وأقنعة للوجه إلى اختراع أجهزة التنفس الصناعي التي تستخدمها بنفسك.

تتيح هذه الجهود مجتمعة إمكانية إضفاء الطابع الديمقراطي على الصحة والطب عبر الكوكب والوصول إلى المعلومات والرعاية التي كان يتعذر الوصول إليها في السابق. يتم إعادة تشكيل التجارب السريرية، الاستفادة من الأجهزة الذكية والمنصات التحليلية السحابية والمتعاونين في جميع أنحاء العالم. مع هذا التقارب بين العديد من التكنولوجيات السريعة التطور لدينا القدرة الحقيقية على إعادة تشكيل وتوسيع نطاق الرعاية الصحية في عصرنا الوبائي؛ حيث يمكننا توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية بشكل كبير، وزيادة التخصيص والاستباقية، والاستفادة من نطاق المنصات والتقنيات الرقمية، وتعزيز التواصل والتعاطف الرقميين، والقدرة على المزج بين الرعاية الافتراضية والرعاية الشخصية، والاستفادة من قوة الحشد لمشاركة وبناء خرائط أفضل توجِّه رحلاتنا الصحية الشخصية والعمومية، ولتطوير حلول تمَّ التحقق من صحتها وحجمها.

لذا؛ تخيل جيلاً جديداً من المتطوعين، وهي هيئة صحية عالمية مماثلة للمسعفين ورجال الإطفاء المتطوعين في الوقت الحاضر والتي يمكن صقل مهاراتها، واستخدام الأدوات الجديدة القوية للاستجابة مبكراً وبشكل جماعي لتعزيز تتبع جهات الاتصال، والعزل والحجر الصحي، وللمساعدة في تحديد ومعالجة الفوارق الاجتماعية وغيرها.

عودة الى نقطة البداية. كنت لمدة 32 عاماً في عيادة الجينات في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ووجدت نفسي طبيبة في علم الأمراض متخصصة بالوراثة وطب الجينوم ثم باحثاً رئيسياً في مشروع الجينوم السعودي. ثم لدهشتي أن أجتمع ثانية مع طبيبة طفولتي. بعد أن تبادلت معها بحماس ذكريات طفولتي في منزلها، شاركت أحد أشهر أقوالها: "لقد مارست 3 تخصصات على مدار 42 عاماً. ما الذي لا يمكنك فعله؟". في الواقع، ما الذي لا يمكننا فعله إذا عملنا معاً كشخص واحد لمواجهة هذا الوباء؟ ومثلما جمع تأسيس مملكتنا رجالاً ونساءً للعمل بشكل إبداعي وجماعي لبناء وطننا الغالي حتى أصبح من أعظم اقتصادات العالم العشرين، كذلك يمكن أن يؤدي هذا في عصرنا الوبائي إلى فَترة نحَقِّق فيها أَعظم إنْجازاتنا، وتحقيق عصر صحي حقيقي. أعتقد أنَّ هذا ممكن إذا خرجنا جميعاً من طريقة تفكيرنا الخطية، واتَّخذنا خطوات أسية وتعاوننا بشكل جماعي، ليس لحل تحدِّيات هذا الوباء والتنبؤ بمستقبل الصحة والطب فحسب، ولكن بجرأة المضي قدماً معاً لتعجيل عملية جعل الحياة أفضل بكثير للجميع على هذه الأرض.