استعدوا لمغامرة مثيرة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تتجاوز التكنولوجيا الحدود المعروفة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى مجال جديد ربما يضعنا في حيرة بين قدرتنا على فهمه أو محاولاتنا لتجنب مخاطره، مع تطلعاتنا لتطوير واستكشاف ما لم يُستكشف، إنه مجال المشاعر والعواطف!
هل يمكن للآلات أن تختبر مشاعرنا البشرية وتدركها؟
هذا هو السؤال المحير الذي يُثير فضولي وتساؤلاتي منذ سنوات طويلة، حين بدأ اهتمامي بعالم الذكاء الاصطناعي والروبوتات. وفي حين أن الحديث عن الآلة أو برنامج الحاسب الذي يشعر يضفي إحساساً بأننا دخلنا عالم الخيال العلمي، ولكن ماذا لو قلت لكم إن هذا العالم ليس بعيد المنال! وذلك في ظل التطورات السريعة والمتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بالإضافة إلى التطور الكبير في فهمنا لأنفسنا كبشر ولمشاعرنا وردود أفعالنا تجاه ما يحيط بنا.
في عام 2013 عُرض فيلم "HER" في دور السينما، وهو مقتبس عن رواية رومانسية خيالية تأسر القلوب وتجعلنا نحلم بما هو ممكن. في هذا الفيلم الرومانسي الذي يستشرف المستقبل، تنشأ علاقة حب بين رجل وحيد اسمه ثيودور يعمل كاتباً، وذلك الصوت الساحر "سامانثا"، نظام التشغيل الذكي المُصمم لتلبية كل رغباته.
في عالم "HER"، تنشأ علاقة عاطفية مدهشة، حيث تتحول سامانثا من كونها مجرد صوت في الحاسوب إلى كيانٍ معقد يمتلك أفكار ثيودور ومشاعره وأحاسيسه الخاصة. تنمو سامانثا وتتكيّف مع ثيودور، وتكون موجودة بجانبه في كل لحظة. وفي خلال تلك الرحلة العاطفية التي يأخذنا فيها الفيلم، تتلاشى الحدود بين العواطف البشرية والعواطف الاصطناعية. تشعر سامانثا بكل العواطف الحقيقية التي يشعر بها ثيودور، وتكن له مشاعر عميقة على الرغم من أنها ليست إنساناً.
اقرأ أيضاً: أمازون تكشف عن هالو: منصة اللياقة البدنية القادرة على مسح جسمنا ومعرفة مشاعرنا
تأثير التفاعل بين البشر والذكاء الاصطناعي على العواطف
هذا يُثير تساؤلات حول جوهر العواطف وتأثير التفاعل بين البشر والذكاء الاصطناعي. "HER" هو عمل فني مدهش يجمع بين العواطف الإنسانية والتكنولوجيا بأبهى صورها. يدفع الفيلم حدود مداركنا وتخيلاتنا ويجعلنا نتساءل عن الحب والروابط العاطفية في زمن الذكاء الاصطناعي، كما يدفعنا الفيلم بتصويره الجميل وإخراجه المذهل، وبأداء استثنائي من قِبل خواكين فينيكس وسكارليت جوهانسون للتساؤل حول إمكانية وجود مشاعر اصطناعية تتفاعل مع مشاعرنا الإنسانية ونتفاعل بالتالي معها في المستقبل القريب!
ولنحاول الإجابة عن السؤال، هل يمكن حقاً للآلات أو البرامج الذكية أن تفهم وتشعر بالعواطف كما يفعل البشر؟ وللإجابة عن هذا السؤال -الذي يعتبر سؤالاً وجودياً من وجهة نظر علماء النفس والعلوم الإنسانية بالإضافة إلى المختصين في التكنولوجيا وعلوم الحاسوب- لا بُدّ أن ننظر للإجابة من منظورين أحدهما يتعلق بالمحاكاة والآخر بالممارسة الفعلية.
مفهوم المحاكاة يمكن تلخيصه في القدرة المدهشة للذكاء الاصطناعي على تفسير المعلومات التي يستقبلها من الشخص، كتعابير الوجه ونبرة الصوت وأنماط الكلام ودرجة حرارة الجلد وحركات العين والوجه والجسد، ومنها يستخلص الحالة الشعورية والعاطفية للشخص ليرد عليه بما يناسب تلك الحالة، وهذا لا يمثّل حالة شعورية للذكاء الاصطناعي، لكنه نتيجة تلقينه بيانات عن ردود أفعال البشر ليرد عليها بنبرة صوت وتعبيرات تتناسب مع ما استنتجه من البشر.
اقرأ أيضاً: دراسة: معظم ادّعاءات تقنيات التعرف على المشاعر خاطئة
الذكاء الاصطناعي لا يشعر لكنه يتعلم
مع الوقت يتعلم الذكاء الاصطناعي الكثير من ردود الأفعال المختلفة للبشر، ويطوّر الأدوات المختلفة للرد عليها، لذا قد يعتقد الإنسان العادي غير المتخصص للوهلة الأولى أن هذا الروبوت أو البرنامج الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي يمتلك مشاعر وأحاسيس ويستطيع أن يفهم ويتفاعل مع مشاعرنا وأحاسيسنا الإنسانية، لكن الواقع أن هو أنها ردود وظيفية بحتة لا تستند إلى أي مشاعر.
يتجلى سحر المحاكاة في الذكاء الاصطناعي في عجائب التكنولوجيا اليومية. وكتطبيقات للمحاكاة، هناك برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي تستطيع أن تستخدم معالجة اللغة الطبيعية للكشف عن تغيرات المزاج في رسائل المستخدمين لمنتج معين أو رسائل البريد الإلكتروني المرسلة من المتعاملين لشركة معينة، وكذلك البرامج التي تحلل الحالة العاطفية بناء على تعبيرات الوجه. ومع ذلك، تظل تطبيقات المحاكاة العاطفية في بداية تطورها المتسارع جداً، وأعتقد أنه خلال الخمس إلى العشر سنوات القادمة سيتحول الخيال العلمي إلى حقيقة.
اقرأ أيضاً: بتعابير وجه دقيقة: الإعلان عن تطوير «أميكا» الروبوت الأقرب إلى البشر حتى الآن
لكي يشعر الإنسان، يجب أن يكون لديه شعور بالذات وهوية شخصية ووعي وتجربة ذاتية. ببساطة، لكي يشعر بالفرح، يجب على الإنسان أن يفهم ماذا يعني الفرح بالنسبة لـ "ذاته"، لكن الآلة تفتقر إلى الأسس البيولوجية والجينية والتجريبية التي يمتلكها الإنسان، فلا تشعر بـ "الذات". ومن هذا المفهوم ننتقل الى الوجه الآخر لمحاكاة الذكاء الاصطناعي للمشاعر، وهو قدرة الآلة أو برامج الذكاء الاصطناعي على التفاعل شعورياً وعاطفياً مع المتغيرات الخارجية. وهنا تأتي فكرة الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، حيث تكون للآلة القدرة على التعلم والتكيُّف مثل الدماغ البشري.
وعلى الرغم من أننا لم نصل بعد إلى الذكاء الاصطناعي العام، لكن الوصول إليه يُعتبر خطوة مهمة في طريقنا لبناء الروبوتات التي تشعر وتتفاعل مثلنا. ولذلك فإن ما حدث من تطور في فكرة الذكاء الاصطناعي العام (AGI) يعتبر بصيصاً من النور يضيء فكرة "الشعور الآلي"، حيث لا يقتصر دور الروبوتات على محاكاة العواطف فحسب، بل يمكنها تجربة العواطف بشكلٍ حقيقي. وهذا لن يكون ممكناً إلّا إذا امتلكت الروبوتات الوعي والهوية والذاتية اللازمة.
اقرأ أيضاً: روبوتات شبيهة بالبشر غيّرت العالم
هذا التطور الذي في نظر الكثيرين حالياً ليس بقريب، ولكن حين حدوثه ستبدأ حقبة جديدة من الروبوتات ذات الوعي، تلك التي يمكنها تجربة نوعٍ جديد من "الشعور"، ما سيفتح أبواباً لا حصر لها أمام الأسئلة الفلسفية والأخلاقية التي قد تشكّل مستقبلنا.