كيف يمكن لتكنولوجيا التسلل شبه الآلية أن تغيّر كرة القدم نحو الأفضل؟

4 دقائق
كيف يمكن لتكنولوجيا التسلل شبه الآلية أن تغيّر كرة القدم نحو الأفضل؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ RaiDztor

على الرغم من دخول التكنولوجيا معظم ملاعب الرياضات الجماعية والفردية، مثل كرة السلة والتنس والكريكيت والرياضات الأولمبية منذ فترة طويلة، فإن كرة القدم كانت متأخرة نوعاً ما في تبني التكنولوجيا، حيث قاومت الاتحادات الكروية طويلاً فكرة إدخال التكنولوجيا لملاعب كرة القدم، مستندة إلى العديد من الأسباب؛ منها أنها ستفقد المباريات إثارتها وروعتها، حيث ذكر رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وقتها، الفرنسي ميشيل بلاتيني، أن اللعبة ستصبح مثل ألعاب البلاي ستيشن الرقمية.

ولكن أحداثاً فارقة حدثت في ملاعب كرة القدم مثل الهدف الملغي للاعب وسط منتخب إنجلترا فرانك لامبارد أمام المنتخب الألماني في الجولة الثانية من مباريات بطولة كأس العالم جنوب إفريقيا 2010، كانت السبب الأساسي في التفكير جدياً في الاستعانة بالتكنولوجيا في ملاعب كرة القدم، وأصبح الأمر واقعاً بعد تصويت مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم آي إف أي بي (IFAB) بالإجماع لصالح إدخال تكنولوجيا خط المرمى، اختصاراً جي إل تي (GLT) إلى ملاعب كرة القدم في شهر يوليو من عام 2012.

تكنولوجيا ثورية بقدرات أكثر تطوراً

على الرغم من مساهمة  تكنولوجيا خط المرمى (Goal Line Technology) منذ دخولها إلى ملاعب كرة القدم بصورة كبيرة في مساعدة الحكام على تحديد عبور الكرة لخط المرمى من عدمه، فإن المطالبات كانت مستمرة بإدخال المزيد من أدوات التكنولوجيا لمساعدة الحكام على التحكم أكثر في مجريات المباراة ومراقبة سلوكيات اللاعبين داخل أرضية الملعب، حيث أدى ذلك إلى ظهور تكنولوجيا حكم الفيديو المساعد (Video Assistant Referee، اختصاراً (VAR)) التي تم استخدامها أولاً في العديد من الدوريات الأوروبية، قبل أن يتم تقديمها رسمياً في كأس العالم روسيا 2018.

اقرأ أيضاً: إليك أبرز تقنيات التصوير التي سنشهدها في مونديال قطر 2022

وقد أدى النجاح الكبير لتكنولوجيا حكم الفيديو المساعد في مونديال روسيا 2018 إلى إعلان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الحالي الإيطالي جياني إنفانتينو، أن من ضمن أهداف رؤيته للأعوام 2020-2023 السعي بجدية لتسخير الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا لتحسين جودة تجربة كرة القدم داخل الملعب وخارجه، وقد أدت الجهود المستمرة طوال السنوات الماضية إلى تحسين تكنولوجيا حكم الفيديو المساعد، والتي أدت بدورها إلى ظهور تكنولوجيا أخرى داعمة لها في كأس العالم قطر 2022 تسمى تكنولوجيا التسلل شبه الآلية (Semi-automated Offside Technology، اختصاراً (SAOT)).

وقد كان للتكنولوجيا الجديدة بالفعل تأثيرٌ ملحوظ منذ المباراة الافتتاحية الأولى بين قطر والإكوادور، في مساعدة مسؤولي غرفة حكم الفيديو المساعد والحكام على أرضية الملعب على تحديد حالات التسلل الأكثر تعقيداً وفي وقت قياسي، لاعتمادها على 12 كاميرا مخصصة تم تركيبها أسفل سقف الملعب لتتبع الكرة (التي تحتوي أيضاً على جهاز تتبع) وتتبع ما يصل إلى 29 نقطة بيانات لكل لاعب بمعدل 50 مرة في الثانية من أجل حساب موقعه الدقيق على أرض الملعب.

اقرأ أيضاً: ما التهديدات السيبرانية التي تهدد كأس العالم لكرة القدم في قطر لعام 2022؟

وقد كان الاحتفاء كبيراً بقدرات تكنولوجيا التسلل شبه الآلية في تحقيق ما عجز عنه العنصر البشري سابقاً، حيث صرح مدير تكنولوجيا كرة القدم والابتكار في الفيفا، يوهانس هولزمولر: "وفّر النظام الجديد المدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمسؤولي غرفة حكم الفيديو المساعد تنبيهات عن حالات التسلل في الوقت الفعلي، وفي الوقت نفسه سيرى المشاهدون عبر شاشة التلفزيون والمشجعون في المدرجات صورة متحركة ثلاثية الأبعاد تمثّل حالة التسلل بعد ثوانٍ من حدوثها، ما يلغي الحاجة إلى ظهور أي جدال بخصوص صحة قرار الحكم من عدمها".

نجاح باهر لتكنولوجيا التسلل شبه الآلية بعد سنوات من الاختبارات

يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي واجهت تطوير تكنولوجيا التسلل شبه الآلية في الكشف الدقيق والآلي عن نقطة الانطلاق، حيث تم النظر في بعض الحلول الممكنة وعلى وجه الخصوص تتبع البيانات من تكنولوجيا الاستشعار أو بيانات الفيديو من أنظمة الكاميرا. علاوةً على ذلك، واجه الخبراء معضلة كيفية تحديد النظام بشكلٍ صحيح أيَّ جزءٍ من الجسم يضع اللاعب في موقع التسلل.

حيث أظهرت اختبارات الدقة أن المشغلين البشريين يميلون عادةً إلى اختيار أجزاء مختلفة من الجسم لخطوط التسلل، وهو ما عمل عليه الخبراء بكثافة؛ حيث تم تدريب خوارزميات التعلم الآلي على كيفية التعرف إلى تصميم الهيكل العظمي للاعب بشكل صحيح، ويخطط الخبراء مستقبلاً للانتقال للمرحلة التالية وهي تدريب خوارزميات التعلم الآلي على التعرف تلقائياً إلى أي جزءٍ من جسم اللاعب في وضع التسلل وبأي مسافة.

اقرأ أيضاً: لمن تم تصميم تكنولوجيا مساعدة الحكام في كأس العالم؟

بالإضافة لذلك، سيكون لكرة مونديال قطر 2022 الرسمية المسمى الرحلة (Al Rihla) دورٌ حيوي إضافي للكشف عن حالات التسلل الأكثر تعقيداً، حيث تأتي مضمنة بمستشعر وحدة القياس بالقصور الذاتي (IMU) داخلها، وسيعمل هذا المستشعر على إرسال البيانات المجمعة إلى غرفة مسؤولي حكم الفيديو المساعد بتردد يصل إلى 500 هرتز، ما يتيح الكشف الدقيق للغاية عن نقطة ركل الكرة وموضع أطراف اللاعب وما إذا كان هناك تداخل تسبب في حالة تسلل أم لا.

قرارات أسرع وأكثر دقة عند استخدام تكنولوجيا التسلل شبه الآلية

من خلال الجمع بين بيانات تكنولوجيا تتبع الأطراف (Limb Tracking Technology) ومستشعر كرة مونديال قطر 2022، ونموذج الذكاء الاصطناعي، توفّر تكنولوجيا التسلل شبه الآلية تنبيهاً آلياً عن حالة التسلل لمسؤولي غرفة حكم الفيديو المساعد كلما استقبل المهاجم الكرة في موقع تسلل في لحظة لعب الكرة من قِبل زميله في الفريق.

ولكن قبل إبلاغ الحكم على أرض الملعب بالقرار، يقوم مسؤولو غرفة حكم الفيديو المساعد بالتحقق من صحة القرار المقترح يدوياً من نقطة الركلة المحددة تلقائياً وخط التسلل الذي تم إنشاؤه تلقائياً، والذي يعتمد على المواضع المحسوبة لأطراف اللاعبين، وتحدث هذه العملية في غضون بضع ثوانٍ فقط، ما يعني أنه يمكن اتخاذ قرارات تحديد حالات التسلل بشكل أسرع وأكثر دقة.

وبعد تأكيد القرار من قِبل مسؤولي غرفة حكم الفيديو المساعد وحكم المباراة في أرضية الملعب، يتم إنشاء نقاط البيانات الموضعية المستخدمة لاتخاذ القرار في إنشاء صورة متحركة ثلاثية الأبعاد توضح وضع أطراف اللاعب موضع التسلل في لحظة ركل الكرة مبيناً بخط مستقيم، ومن ثم يتم عرض الصورة المتحركة ثلاثية الأبعاد التي تظهر حالة التسلل سواء كان صحيحاً أو خاطئاً (ON Side, Off Side) على الشاشات العملاقة في الملعب، وعبر شاشات التلفزيون لإبلاغ جميع المشجعين والمشاهدين بالقرار بطريقة واضحة لا تحتمل الجدل أو الشك.

جدير بالذكر أن جميع بيانات تكنولوجيا تتبع الأطراف المجمعة أثناء الاختبارات التي جرت سواء بالاتصال بالإنترنت ودون الاتصال بالإنترنت تم تحليلها والتحقق من صحتها بواسطة الشريك التكنولوجي للاتحاد الدولي لكرة القدم إم آي تي سبورتس لاب (MIT Sports Lab)، وخبراء قسم تكنولوجيا التتبع في جامعة فيكتوريا الأسترالية.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيات حديثة يتم استخدامها لأول مرة في كأس العالم

ختاماً، نجد أن إدخال التكنولوجيا في رياضة كرة القدم وإن كان متأخراً بعض الشيء، كان له تأثير إيجابي للغاية، حيث ساهمت تكنولوجيا حكم الفيديو المساعد بالفعل في خفض الأخطاء التي يرتكبها الحكام في أرضية الملعب. والآن تتخذ الفيفا خطوة كبيرة للأمام في مونديال قطر 2022 بالاعتماد على تكنولوجيا التسلل شبه الآلية التي ساهمت بدورها في التقليل من الوقت المستغرق في التحقق من وجود حالة تسلل خاصة في الحالات المعقدة إلى ثوانٍ فقط بعد أن كانت تستغرق وقتاً طويلاً للغاية، ما ساعد على تقديم قرارات أسرع وأكثر دقة.

المحتوى محمي