يعتبر إجراء اختبارات فيروس كورونا أهمَّ مفاتيح تشخيص الإصابات وتتبع الوباء؛ فهو يسمح باكتشاف المصابين وعزلهم قبل أن ينقلوا العدوى إلى عدد كبير من الأشخاص، كما يتيح للسلطات الصحية أن تجمع المعلومات اللازمة لصياغة سياسات الحجر الصحي والابتعاد الاجتماعي.
ورغم إدراك الجميع لأهمية الاختبارات، فإن النقص في تجهيزاتها حال دون إجرائها على نطاق واسع، مما شكَّل عقبة كبيرة أمام الدول لاحتواء الوباء وإعادة فتح الاقتصاد. ولا شك في أن ابتكار منصة تستطيع إجراء عدد كبير من الاختبارات في نفس الوقت سيشكل نقطة تحول في مواجهة الوباء الحالي والأوبئة المستقبلية.
وهنا يأتي دور مجموعة من الباحثين من معهد برود التابع لجامعة إم آي تي وجامعة هارفارد، الذين تمكنوا من تطوير نظام تشخيص جديد يجمع بين تقنيتي كريسبر وشرائح الموائع الدقيقة، ويستطيع إجراء آلاف الاختبارات في نفس الوقت.
ما تفاصيل نظام الاختبار الجديد؟
نشر الباحثون تفاصيل النظام الجديد المسمى "التفاعلات المنظمة التجميعية لتقييم متعدد للأحماض النووية" -أو اختصاراً: كارمن (CARMEN)- ضمن مقالة في مجلة نيتشر يوم 29 أبريل. ويجمع نظام كارمن بين تقنية كريسبر لتعديل الجينات وتقنية شرائح الموائع الدقيقة، وهي عبارة عن أجهزة تستطيع تحليل كميات صغيرة جداً من السوائل.
يستخدم النظام شرائح مطاطية، تزيد أبعاد كلٍّ منها بقليل عن أبعاد الهاتف الذكي، وتحتوي على عشرات الآلاف من "الميكروفيل"، وهي حجرات صغيرة مصممة لتحتوي كل منها على قُطيرتين صغيرتين بأبعاد نانوية؛ حيث تحتوي القُطيرة الأولى على المادة الوراثية من عينة المريض، بينما تحتوي الأخرى على خليط الكشف عن الفيروسات.
ويحتوي خليط الكشف هذا على بروتين كاس13 (Cas13) المستخدم في تقنية كريسبر، والذي يقوم بدور المؤشر، حيث يبحث عن تسلسل فيروسي محدد مثل تسلسل حمض الرنا لفيروس كورونا أو فيروس آخر، ثم يرتبط بهذا التسلسل في حال وجوده ضمن العينة. لتقوم عندها جزيئات الكشف الموجودة في الخليط بإنتاج توهّج يمكن رؤيته بواسطة المجهر.
ما مَيزات نظام كارمن؟
وفق وصف العلماء الذين طوَّروا نظام كارمن، فإنه عبارة عن منصة قابلة للتوسع لكشف عوامل مُمرِضة متعددة. ويتيح هذا النظام تجميعَ آلاف القُطيرات من العينات وخليط الكشف معاً ليتم وضعها على شريحة واحدة، ومن ثم الحصول على النتائج خلال أقل من ثماني ساعات.
وعلى وجه التحديد، يمكن لشريحة موائع دقيقة واحدة اختبار 1,048 عينة بشكل متزامن بحثاً عن فيروس واحد، أو اختبار 5 عينات بحثاً عن 169 فيروس في وقت واحد. ويشير الباحثون إلى أنه يمكن بسهولة زيادة سعة النظام عن طريق إضافة المزيد من الشرائح.
وقد اختبر الباحثون هذا النظام باستخدام شرائح متعددة على 58 عينة لمرضى مصابين بأنواع مختلفة من العدوى، وكانت النتائج دقيقة بنسبة 99.7%. بالإضافة إلى ذلك، قاموا بتطبيق نظام كارمن على مجموعة من العينات من أجل التمييز بين الأنواع الفرعية من الأنفلونزا إيه A، واكتشاف طفرات مقاومة الأدوية في فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
وفي مسعى من الباحثين لإظهار قدرات كارمن على كشف الفيروسات الطارئة، قاموا بإضافة خليط الكشف عن فيروس كورونا وغيره من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي باستخدام التسلسلات الفيروسية المصنعة مخبرياً. وقال الباحثون إنهم تمكنوا باستخدام شريحة دقيقة واحدة من اختبار 400 عينة للكشف عن وجود فيروس كورونا.
يأمل الباحثون أن يتم إتاحة هذا النظام في عيادات الأطباء والمستشفيات، لاكتشاف الفيروس المُسبِّب للمرض وتحديد ما إذا كان المريض مصاباً بكوفيد-19 أو أي مرض آخر. ومن شأن هذا النظام أن يحقق فوائد جمَّة حالياً في إجراء اختبارات شاملة على الأشخاص وفي اكتشاف فيروس كورونا في مجموعات كبيرة من العينات، كما يحمل إمكانات واعدة حتى بعد انحسار كوفيد-19 في اكتشاف الأمراض الفيروسية المعدية في المستقبل.