تقرير الأمم المتحدة للمناخ يعلق آماله على تقنيات فتيّة لإزالة الكربون

4 دقائق
تقرير الأمم المتحدة للمناخ
يقول العلماء إن تغير المناخ يؤجج الحرائق ذات الشدة المتزايدة مثل تلك التي اندلعت مؤخراً في اليونان.

بعد طول انتظار، صدر تقرير الأمم المتحدة بشأن المناخ يوم 9 أغسطس. ويقدم التقرير تذكيراً صارخاً بأن إزالة كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي سيكون أمراً ضرورياً لمنع وقوع أفدح مخاطر الاحتباس الحراري. لكنه أكد أيضاً أن التقنيات اللازمة لا زالت فتيّة في بداياتها ولم تنضج بعد، وسيواجه نشرها صعوبات جسيمة.

ووفقاً للفصل الأول من التقرير التقييمي السادس للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ستواصل درجات الحرارة العالمية ارتفاعها حتى منتصف القرن بغض النظر عما نقوم به في هذه المرحلة. ومع ذلك، فإن مقدار ارتفاع درجة الحرارة سيتوقف على مدى سرعة خفضنا للانبعاثات ومدى سرعة توسيع نطاق أساليب امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

يقول علماء المناخ إنه ينبغي علينا إزالة الكربون لعدة أسباب، أحدها يتمثل في مواجهة مصادر الانبعاثات التي ما زلنا لا نعرف كيفية التخلص منها أو تنظيفها مثل الرحلات الجوية والأسمدة. أما السبب الآخر الأكثر خطورة فهو أنه سيتوجب علينا العودة بالكوكب إلى حرارته السابقة بعد أن يكون قد تجاوز عتبات درجات حرارة خطيرة.

كما رجّح تقرير الأمم المتحدة أن تؤدي غازات الدفيئة إلى رفع درجات الحرارة العالمية بما لا يقل عن 1.5 درجة مئوية أعلى مما كانت عليه في حقبة ما قبل الثورة الصناعية خلال العشرين عاماً القادمة؛ ما سيُسبب زيادة في عدد وشدة موجات الحرارة والجفاف والفيضانات. وعندما يحدث ذلك، فإن إزالة الكربون تمثل عملياً الطريقة الوحيدة لإعادة المناخ إلى وضع أكثر أماناً؛ لأن غازات الدفيئة ستظل موجودة في الغلاف الجوي لمدة تتراوح بين مئات وآلاف السنين. (ربما يكون البديل الأخير هو شكل من أشكال الهندسة الجيولوجية التي تعكس الحرارة وتردها إلى الفضاء، لكن هذه الفكرة المثيرة للجدل تطرح الكثير من المخاوف).

يفترض النموذج المستخدم لإنشاء السيناريو الأكثر تفاؤلاً في التقرير -والذي يتوقع ارتفاع الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية- أن العالم سيكتشف طرقاً لإزالة حوالي 5 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول منتصف القرن و17 مليار طن بحلول عام 2100. (يُعرف هذا السيناريو باسم (SSP1-1.9)، وتستند هذه الأرقام إلى تحليل بيانات سابقة أجراه زيكي هوسفازر، عالم المناخ في معهد بريكثرو (Breakthrough) وأحد مؤلفي تقرير الأمم المتحدة).

يتطلب ذلك تكثيف التقنيات والأساليب القادرة على سحب أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي كل عام بما يعادل كمية الانبعاثات الناتجة عن الاقتصاد الأميركي في عام 2020. وبعبارة أخرى، سيحتاج العالم إلى إنشاء قطاع جديد كلياً يختص بامتصاص الكربون ويعمل بطاقة كافية لموازنة كافة انبعاثات السيارات ومحطات الطاقة والطائرات والمصانع الأميركية خلال الثلاثين عاماً القادمة أو نحو ذلك.

يمكننا الاكتفاء بإزالة كميات أقل، ولكن فقط إذا خفضنا الانبعاثات بشكل أسرع، أو استسلمنا لإمكانية وقوع مخاطر مناخية أكبر، أو كلا الأمرين معاً.

في النموذج أعلاه، يتم إنجاز جميع عمليات إزالة الكربون تقريباً من خلال اتباع نهج "اصطناعي" يُعرف باسم الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه، أو اختصاراً بيكس (BECCS). ينطوي هذا النهج بشكل أساسي على زراعة المحاصيل التي تستهلك ثاني أكسيد الكربون ثم استخدام الكتلة الحيوية الناتجة في إنتاج الحرارة أو الكهرباء أو الوقود، مع التقاط وتخزين أي انبعاثات تنجم عن هذه العملية.  ولكن على الرغم من تعويل النماذج المناخية على إزالة مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من خلال نهج بيكس (BECCS)، إلا أنه لم يتم تطبيق هذه الطريقة حتى الآن إلا في مشاريع صغيرة النطاق فحسب.

يعتمد النموذج في عملية الإزالة الأصغر المتبقية على حلول "طبيعية" مثل إعادة التحريج وغرس الأشجار (انظر الرسم التوضيحي أدناه).

حجم إزالة الكربون المطلوبة
حجم إزالة الكربون المطلوبة في نموذج نظام الطاقة المستخدم لإنشاء سيناريو (SSP1-1.9) الموضح أعلاه.
مصدر الصورة: زيكي هوسفازر، معهد بريكثرو | تعريب: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

نحن نعلم أن الأنظمة الطبيعية مثل الغابات والتربة والأراضي الخثية وغيرها تمتص مستويات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، ولكن ثبت أنه من الصعب تطوير الأسواق والأنظمة التي تحفزها وتتيح قياسها والتحقق منها على نحو موثوق. أما الأساليب التقنية الأخرى فهي لم تبلغ مرحلة النضج بعد، بما في ذلك آلات امتصاص الكربون والطرق المختلفة لتسريع عمليات امتصاص المعادن والمحيطات لثاني أكسيد الكربون وتخزينه.

كما أشار تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى العديد من القيود والصعوبات الأخرى.

ففي حين أن إزالة الكربون تقلل بالفعل من مستوى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ينوه التقرير بأن محصلة هذا التأثير قد تكون صفرية؛ حيث وجدت دراسات النمذجة أن المحيطات واليابسة تبدأ في إطلاق المزيد من ثاني أكسيد الكربون استجابةً لذلك التحول في كيمياء الغلاف الجوي خلال فترات زمنية معينة؛ ما يقوض فوائد إزالة الكربون.

علاوة على ذلك، وبالرغم من أن إزالة الكربون قد تخفف تدريجياً من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حموضة المحيطات، فإنها لا تمثل حلاً سحرياً يعكس جميع التأثيرات المناخية. ومن الجدير بالذكر أن التقرير يشدد على أن الأمر قد يستغرق قروناً من الزمن قبل أن نتمكن من إعادة المحيطات إلى المستويات التي بنينا عندها مدننا الساحلية. عملياً، قد يكون من المستحيل إصلاح الأضرار التي تلحق بالصفائح الجليدية والشعاب المرجانية والغابات المطيرة وأنواع كائنات حية معينة، وهذا يتوقف على مقدار ارتفاع درجة حرارة العالم قبل أن نتمكن من تحقيق تخفيض كبير في الانبعاثات وزيادة عمليات إزالة الكربون.

يحدد الفصل الخامس من التقرير مجموعة متنوعة من المقايضات الأخرى والعوامل المجهولة التي تحيط تقريباً بجميع الأساليب الممكنة لإزالة الكربون على نطاق واسع.

فآلات امتصاص الكربون تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة والمواد. كما أن غرس المزيد من الأشجار لاحتجاز الكربون أو زراعة المحاصيل للاستفادة منها لاحقاً في إنتاج الوقود سوف يزاحم زراعة الغذاء اللازم لإطعام العدد المتزايد لسكان العالم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تغير المناخ في حد ذاته سيؤدي إلى تقويض قدرة الغابات على امتصاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون؛ حيث تتزايد مخاطر موجات الجفاف وحرائق الغابات وغزوات الحشرات مع ارتفاع درجات الحرارة. ولا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين العلمي بشأن التأثيرات الجانبية للأساليب المختلفة المستندة إلى المحيطات على النظم البيئية البحرية.

هناك جانب مشرق يتمثل في توافر مجموعة متنوعة من الطرق لإزالة الكربون من الهواء، كما يتزايد عدد مجموعات البحث والشركات العاملة على تطوير أساليب أفضل وأرخص. ولكن كما يوضح تقرير الأمم المتحدة، ما زلنا متأخرين كثيراً في سباق محفوف بالمخاطر.