لماذا لا يوجد تعريف واضح لوكلاء الذكاء الاصطناعي حتى الآن؟

6 دقيقة
هل يمثّل «أوبريتور» الذي أطلقته «أوبن أيه آي» أول تطبيق عملي لمفهوم «الوكلاء الفائقين»؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/CHIEW

خلال العامين الماضيين أصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي توجهاً رئيسياً في قطاع الأعمال، مدفوعاً بالتطورات في نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تسابقت شركات التكنولوجيا الكبرى وشركات الذكاء الاصطناعي في الإعلان عن وكلائها، ما انعكس في توقعات نمو سوقها متمثلة في حجم الاستثمارات والنشاط الكبيرين اللذين تضخهما الشركات لنشر هذه الأنظمة في مختلف القطاعات.

على سبيل المثال، تتوقع شركة أبحاث السوق غراند فيو ريسرتش (Grandviewresearch) أن تقفز سوق وكلاء الذكاء الاصطناعي من نحو 5.4 مليارات دولار عام 2024 إلى أكثر من 50 مليار دولار بحلول عام 2030، كما تتوقع شركة غارتنر للأبحاث أن تقفز تطبيقات وكلاء الذكاء الاصطناعي في المؤسسات إلى مقدار الثلث (33%) بحلول عام 2028، ما يُتيح اتخاذ نحو 15% من قرارات العمل اليومية على نحو مستقل.

كما أن الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الكبرى متفائلون بشأن نمو سوق وكلاء الذكاء الاصطناعي وانتشارها، إذ يتوقع الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي سام ألتمان انضمام الوكلاء إلى سوق العمل خلال العام الحالي، لتتغير إنتاجية الشركات بصورة جوهرية، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا الذي يتوقع أن يحل الوكلاء محل بعض الأعمال المعرفية في الشركات.

كما وجد استطلاع أجرته شركة حلول أعمال الشركات فورم فينتشرز (Forum Ventures) عام 2024 أنه من بين 100 من كبار قادة تكنولوجيا المعلومات ذكر 48% منهم أنهم يدمجون بالفعل وكلاء الذكاء الاصطناعي في العمليات التشغيلية، بينما ذكر نحو 33% أنهم مستعدون جداً لدمج هذه الأنظمة ويستكشفونها بنشاط.

كما يُشير تقرير حالة الذكاء الاصطناعي في السحابة لعام 2025 الذي أصدرته شركة ويز (WIZ) لخدمات الأمن السيبرانية إلى أن 85% من الشركات أصبحت تستخدم إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي، ومن ضمنها الوكلاء، في عملياتها التجارية. وتعود أسباب الحماس الكبير لاعتماد وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى إمكانية توفير التكاليف وزيادة الكفاءة والقدرة على توسيع نطاق العمليات بسرعة أكبر.

وسط هذا الزخم الكبير، يذكر الخبراء أنه إذا كان عام 2024 هو عام طفرة نماذج اللغات الكبيرة، فمن المتوقع أن يكون عام 2025 هو عام طفرة وكلاء الذكاء الاصطناعي، ولكن على الرغم من التقدم السريع، فلا يوجد تعريف واضح لوكيل الذكاء الاصطناعي، وثمة لبس كبير يحيط بمعناه لا سيما في أوساط الشركات والأوساط البحثية.

بينما يُعرف وكيل الذكاء الاصطناعي عموماً بأنه نظام قادر على اتخاذ إجراءات نيابة عن المستخدمين، لا تزال طبيعة هذه الإجراءات ومستوى استقلاليتها موضع جدل، فما هي أسباب عدم وضع تعريف موحد لهذه الأنظمة حتى الآن؟

اقرأ أيضاً: لماذا تراهن الشركات على وكلاء الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة؟

وكيل أمْ مساعد: تعريفات متعددة تزيد مشهد الذكاء الاصطناعي إرباكاً

في حين أن مصطلحي وكيل الذكاء الاصطناعي (AI agent) ومساعد الذكاء الاصطناعي (AI Assistant) غالباً ما يُستخدمان بالتبادل، فثمة اختلافات جوهرية في خصائصهما التشغيلية، إذ يُوصَف مساعد الذكاء الاصطناعي عموماً بأنه نظام تفاعلي يُنفذ المهام بناءً على طلب المستخدم، وهو مصمم لفهم اللغة والمدخلات البشرية الطبيعية والاستجابة لها، وتوفير المعلومات وإتمام مهام بسيطة، وأحياناً التوصية بإجراءات، ولكنه يتطلب عادةً موافقة المستخدم على التنفيذ؛ مثل المساعد الصوتي الافتراضي.

من ناحية أخرى غالباً ما يُعرف وكيل الذكاء الاصطناعي بدرجة أعلى من الاستقلالية والمبادرة من حيث القدرة على إدراك بيئته والتفكير والتخطيط واتخاذ الإجراءات على نحو مستقل، لتحقيق أهداف محددة بأقل تدخل بشري ممكن، إذ تُمكنه استقلاليته من التعامل مع سير عمل معقد ومتعدد الخطوات والتكيف مع الظروف المتغيرة.

على سبيل المثال، يمكن لشخص ما الطلب من مساعد ذكاء اصطناعي إجراء بحث وربما حتى تصميم تجربة، لكن وكيل الذكاء الاصطناعي عند مطالبته يمكنه أن يعمل وكأنه مساعد باحث، بحيث لا يجري البحث ويصمم التجربة فقط، بل يجريها ويحللها ويقدّم النتائج بناءً على ذلك.

ومع ذلك، يؤدي التطور المتزايد لمساعد الذكاء الاصطناعي مع التقدم في معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي إلى توسيع قدراته، ما يطمس الخطوط التقليدية للتمييز بينه وبين الوكيل ويزيد تعقيد وضع تعريف واضح له، وهو ما يظهر في تخبط الشركات نفسها  في تعريفه، ويزيد تعقيد الأمر بالنسبة للمطورين والحيرة بالنسبة للعملاء.

اقرأ أيضاً: 20 وظيفة جديدة ستظهر بسبب الذكاء الاصطناعي وستطلبها غالبية الشركات في العالم

على سبيل المثال، نشرت شركة أوبن أيه آي مؤخراً مدونة تُعرّف الوكيل على أنه نظام آلي يمكنه إنجاز المهام على نحو مستقل نيابة عن المستخدم، ولكن لاحقاً أوضحت أنه نموذج لغوي كبير مجهز بالتعليمات والأدوات؛ وما جعل الأمر مربكاً أكثر تعليق رئيسة تسويق منتجات واجهة برمجة التطبيقات في الشركة نفسها وقولها إن مصطلحي "المساعد" و"الوكيل" مترادفان، لأنهما ينجزان المهام نيابة عن المستخدمين بصورة مستقلة.

وفي الوقت نفسه تحاول شركة مايكروسوفت التمييز بين الوكيل ومساعد الذكاء الاصطناعي، حيث يعرّف الأول على أنه تطبيق جديد مدعوم بالذكاء الاصطناعي يمكن تصميمه للحصول على خبرة معينة، أما المساعد فهو نظام يساعد المستخدمين فقط في المهام العادية مثل صياغة رسائل البريد الإلكتروني.

كما لدى شركة أنثروبيك عدة تعريفات خاصة بها، إذ تذكر أن وكيل الذكاء الاصطناعي يمكن تعريفه بعدة طرق، فهي من ناحية تذكر أنه نظام آلي يعمل من خلال مسارات تعليمات برمجية محددة مسبقاً، وفي تعريف آخر تذكر أنه نظام تعمل نماذج اللغات الكبيرة على توجيه عملياته واستخدام الأدوات على نحو ديناميكي، مع تحكم المستخدم بكيفية إنجاز المهام.

بينما تُعرف شركة جوجل وكيل الذكاء الاصطناعي بأنه نظام برمجي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يُبنى على متابعة الأهداف وإكمال المهام نيابة عن المستخدم، ولديه القدرة على التفكير والتخطيط والاسترجاع ومستوى من الاستقلالية لاتخاذ القرارات والتعلم والتكيف.

كما لدى شركة البرمجيات سيلزفورس (Salesforce) تعريف خاص بها لوكيل الذكاء الاصطناعي، حيث تذكر أنه نوع من الأنظمة التي يمكنها فهم استفسارات العملاء والرد عليها دون تدخل بشري، مع إيرادها ستة أنواع مختلفة منها.

كل هذا يعني أن مصطلح الوكيل قد يكون مرادفاً لأي أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وفقاً لمستويات الاستقلالية وحالات الاستخدام، إذ أصبحت الشركات تتعامل مع المصطلح وفقاً لما يُناسب أغراضها وعملياتها، ما يعني عملياً أنه لا يوجد تعريف واحد يتفق عليه الجميع.

وتتفاقم المعضلة بسبب شيوع تسمية "المساعد"، ولكن الآن بعد أن أصبح المساعد نفسه أكثر استقلالية، أعادت الشركات تسميته باسم الوكيل، مثل شركة سيلزفورس التي كانت تُسوِق سابقاً نظامها بوت آينشتاين (Einstein Bot) على أنه مساعد، ثم أصبحت تُطلق عليه في بعض الأحيان اسم الوكيل.

ووفقاً للمحلل في شركة أبحاث السوق آي دي سي (IDC) ريتشارد فيلارز (Richard Villars)، لدى شركات التكنولوجيا تاريخ طويل في عدم الالتزام بالتعريفات الصارمة، وخاصة في الأسواق السريعة التطور، حيث ينصبّ جل اهتمامها على ما ينجح ويحقق الإيرادات وتركّز على التفوق على المنافسين بدلاً من الاهتمام بالتعاريف.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي الجديدة من أدوبي وكيفية الاستفادة منها

لماذا لم تتفق الشركات حتى الآن على تعريف موحد لوكيل الذكاء الاصطناعي؟

على الرغم من الانتشار المتزايد لأنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي وتأثيرها، فغياب تعريف موحد لها ينبع من عدة عوامل مترابطة، منها:

التطور التكنولوجي السريع

يُمثّل قطاع وكلاء الذكاء الاصطناعي مجالاً سريع التطور، حيث تتوسع قدراتهم وحالات استخدامهم باستمرار. ومع تجربة الشركات لتطبيقات مختلفة يظل المفهوم متقلباً، ما يجعل توحيد المعايير أمراً صعباً. كما أن التحول السريع يجعل الشركات غالباً لا تتوقف للاتفاق على تعريف موحد، بل تكون منشغلة جداً بالتسابق نحو الإنجاز التالي.

مصالح الشركات وتنافسها فيما بينها

تعمل شركات التكنولوجيا الكبرى على تطوير وكلاء ذكاء اصطناعي بأنظمة مُصممة خصيصاً لبيئة العمل فيها، وغالباً ما تُعطي الأولوية لتطبيقاتها الخاصة على حساب توحيد تعريفها. على سبيل المثال، تُعرِف شركة سيلزفورس الوكيل بأنه أداة لأتمتة خدمة العملاء، بينما تُركّز شركة أوبن أيه آي على أنه أداة لإكمال المهام على نحو مستقل.

الضجة التسويقية والإعلامية

أصبح مفهوم "وكيل الذكاء الاصطناعي" شائعاً، ما جعله يُثير ضجة إعلامية وتسويقية مبالغاً فيها، إذ أصبح البائعون والشركات على حد سواء يستخدمونه أحياناً على نحو فضفاض لوصف مختلف الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما ساهم في فصله عن خصوصيته التكنولوجية الأصلية وتضارب تعريفه في قطاع الذكاء الاصطناعي.

الخصائص ومدى الاستقلالية

يشكّل النطاق الواسع من الاستقلالية والتعقيد الذي تظهره أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيلة تحدياً تعريفياً يُصعب وضع تعريف واحد يُغطي الاختلافات جميعها بدرجة كافية. علاوة على ذلك، لا يوجد اتفاق موحد على الخصائص المحددة التي تُميّز وكيل الذكاء الاصطناعي عن أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى بصورة قاطعة.

غياب معايير الصناعة والتصنيف المشترك

على عكس التكنولوجيات القديمة مثل معايير الويب أو بروتوكولات الشبكات، لا يخضع وكيل الذكاء الاصطناعي لأي هيئة تُحدد مصطلحاته وتُعرِفه، إذ لم يوفّر معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) ولا المنظمة الدولية للمعايير (ISO) تعريفاً رسمياً لوكيل الذكاء الاصطناعي، ونتيجة لهذا الفراغ تضع الشركات مصطلحاتها الخاصة بحسب توجهاتها دون ضغوط خارجية.

اقرأ أيضاً: هل وكلاء الذكاء الاصطناعي مفيدون حقاً؟ شركات التكنولوجيا تسعى لإقناعنا بذلك

تداعيات عدم وضع تعريف موحد لوكيل الذكاء الاصطناعي

إن غياب تعريف موحد لوكيل الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته عدة تداعيات على نموه مستقبلاً، ومن أهم هذه التداعيات:

- احتمالية وجود توقعات غير متوافقة بين المستخدمين والمطورين، فدون فهم واضح لموكيل الذكاء الاصطناعي قد تكون لدى الأفراد توقعات غير واقعية حول قدراته.

- ازدياد صعوبة وضع بروتوكولات ومعايير مشتركة تُمكّن من التواصل والتعاون بسلاسة بين أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة إذا عمل كل وكيل بمهام مختلفة.

- دون إطار عمل مشترك لفهم خصائص وكيل الذكاء الاصطناعي وقدراته الأساسية، قد تجد الشركات صعوبة في مقارنة الحلول المختلفة المتاحة في السوق وتقييمها.

- تأثر قطاعات البحث والتطوير بسبب تركيز الباحثين على جوانب مختلفة مما يعتبرونه وكيل ذكاء اصطناعي، ما قد يؤدي إلى تشتت الجهود وإعاقة تطوير منظومة معرفية متماسكة.

-عدم وضع تعريف واضح قد يؤثّر سلباً في التنظيم والاعتبارات الأخلاقية، فمع ازدياد استقلالية وكيل الذكاء الاصطناعي واندماجه في الجوانب الحيوية للمجتمع، قد يؤدي غياب فهم مشترك لقدراته إلى تعقيد وضع إرشادات ولوائح فعّالة لضمان استخدامه على نحو مسؤول وأخلاقي.

المحتوى محمي