مكافحة كورونا: ألمانيا تطلق تطبيقاً للهواتف الذكية يساعد في الكشف عن المصابين المحتملين

3 دقائق
صورة التطبيق على جوجل بلاي ستور.

لا يزال مرض كوفيد-19 الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد يسيطر على الساحة الإخبارية ودائرة الاهتمام، فالمرض لا يزال انتشاره واسع النطاق وأرقام الإصابات حول العالم تجاوزت مليون و600 ألف إصابة (حتى ساعة كتابة هذا التقرير)، مع وصول عدد الوفيات لأكثر من 95 ألف وفاة حول العالم، ما يجعل معدل الوفيات 5.9% تقريباً، وهو يمثل ارتفاعاً كبيراً بالمقارنة مع الأشهر الأولى لانتشار المرض، حيث بلغ معدل الوفيات وقتها حول العالم حوالي 2%. على ضوء هذه الأرقام ومع غياب أي معلوماتٍ أكيدة حول موعد الوصول للقاحٍ أو علاجٍ فعال ضده، لا تزال الدول والحكومات تعتمد على الإجراءات الوقائية المختلفة التي من شأنها كبح انتشار الفيروس والسيطرة على أعداد الإصابات.

وعند الحديث عن الإجراءات الفعالة التي تتخذها الدول في سبيل مكافحة الفيروس، يبرز اسم ألمانيا كواحدة من الدول التي اعتمدت سياسةً فعالة حتى الآن في كيفية احتواء الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الإصابة بالفيروس، ففضلاً عن نسبة الوفيات المنخفضة التي تمتلكها ألمانيا مقارنةً بجاراتها الأوروبية، اعتمدت الحكومة الألمانية على إجراء اختبارات وفحوصات الكشف عن المصابين بكثافةٍ عالية ومنذ مراحل مبكرة بهدف احتواء أكبر عددٍ ممكن من الحالات وعزلها بهدف إبقاء نظام الرعاية الصحية بحالة كفاءة مناسبة تجعله قادراً على استقبال كل الحالات المصابة، وعند النظر لمنحني الانتشار اللوغاريتمي الخاص بمعدل الإصابات في ألمانيا فإنه سيكون من الواضح أن انتشار الفيروس قد بدأ يدخل في مرحلة الاستقرار، بمعنى أن معدل نموه لن يزيد عن المعدلات الحالية، ومن المرجح دخوله في مرحلة التناقص خلال المدى المستقبلي المنظور إن لم تحصل مفاجأة ما. 

الآن تريد الجهات الصحية في ألمانيا إحكام قبضتها على انتشار الفيروس بشكلٍ أكبر واتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها ضمان الكشف عن أكبر عددٍ ممكنٍ من المصابين؛ تشير البيانات الحالية إلى أن إجراءات التباعد الاجتماعي قد ساهمت بالفعل في تسطيح منحنى الانتشار، ولكن -وقبل التفاؤل والبدء بالحديث عن عودة الحياة لشكلها الطبيعي- يجب التأكد وبأعلى نسبة وثوقية ممكنة أن الأمور تحت السيطرة، وهذا يتطلب ملاحقة الفيروس في كل مكان. المشكلة في ملاحقة الفيروس أنها صعبة، فالعديد من المصابين به لا يظهرون أعراضاً صحية خطيرة أو متقدمة، وهنالك الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون أصلاً أنهم مصابون بالفيروس وقد يكونوا ساهموا بنقل العدوى على نحوٍ واسع دون معرفتهم. هذه الشريحة من الأشخاص هي من تريد الحكومة الألمانية استهدافهم ومحاولة تعقبهم؛ أي الأشخاص الذين قد لا يقومون حتى بالتبليغ عن أعراضهم للهيئات الصحية.

لهذا السبب، أعلن معهد روبرت كوخ RKI في ألمانيا -وهو يمثل الهيئة الصحية المسؤولة عن مكافحة الأمراض والأوبئة- عن إطلاق تطبيقٍ جديد للهواتف الذكية تم تسميته (Corona Datenspende App) أي: تطبيق التبرع ببيانات كورونا. الهدف الأساسيّ من التطبيق هو الكشف عن الأشخاص الذين قد يكونون مصابين بالمرض دون إدراكهم أو معرفتهم، وعندما يتمكن التطبيق من إيجاد أعراضٍ عند الشخص تشابه الأعراض المتقدمة، فسيتم تبليغ الشخص باحتمالية إصابته بالمرض وبأن ذلك يترتب عليه مراجعة أقرب نقطة صحية أو مستشفى من منزله. التطبيق متوفر لمستخدمي الهواتف الذكية العاملة بنظام أندرويد وكذلك مستخدمي الهواتف الذكية العاملة بنظام آي أو إس iOS من آبل

كيف يستطيع التطبيق تنفيذ تشخيصٍ للأشخاص عن بعد؟ ببساطة عبر الاعتماد على البيانات التي تقوم الساعات الذكية ومتعقبات اللياقة البدنية بتوليدها. تتضمن كافة أجهزة اللياقة البدنية والساعات الذكية حساساتٍ تقوم بقياس نبض القلب، بالإضافة لحساساتٍ عطالية تستطيع قياس نشاط الجسم وتقدير حالة نوم الفرد وإن كان نومه عميقاً أو خفيفاً أو حتى وجود اضطراباتٍ في النوم. بالإضافة للبيانات التي يمكن جمعها من الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، يقوم المستخدمون بتقديم مجموعة من البيانات الأخرى مثل الجنس والوزن والطول والرمز البريدي للمنطقة الجغرافية التي يقطنون بها. 

عبر جمع البيانات السابقة ومعالجتها يأمل الباحثون في معهد روبرت كوخ من ربطها مع قاعدة البيانات الصحية المتوافرة لديهم عن الأعراض المختلفة للمرض وأماكن تواجده، فبحسب البروفيسور لوثار فيلر Luthar Wieler الذي يشغل منصب رئيس معهد روبرت كوخ، يمكن عبر البيانات التي تولدها الأجهزة القابلة للارتداء والساعات الذكية أن يتم استخلاص عوارض تشير إلى إصابة الفرد بمرض كوفيد-19، خصوصاً تلك المتعلقة بنبض القلب واضطرابات النوم، كما أن معرفة المكان الجغرافي وربطه بأماكن الإصابات قد يعزز أو يضعف من إمكانية إصابة الفرد نفسه بالمرض. 

فيما يتعلق بخصوصية المستخدمين وحماية بياناتهم، قال لوثار فيلر إن التطبيق لا يقوم بجمع أي معلوماتٍ تشير إلى هوية الفرد نفسه، ولا يتضمن أي طرق تهدف للكشف عن هوية الفرد، فضلاً عن اعتماد معايير متقدمة في تشفير البيانات بهدف عدم استغلالها خارج الإطار الصحيّ المراد استثمار التطبيق ضمنه. من ناحيةٍ أخرى، فإن استخدام التطبيق هو أمرٌ تطوعيّ غير إجباري، ويترك للأفراد حرية اختيار إن كانوا يريدون مشاركة هذه المعلومات مع معهد روبرت كوخ أم لا. وبعيداً عن الخصوصية، فإن الانتقادات التي تركزت حول التطبيق هو عدم دعمه للعديد من أنماط الساعات الذكية، حيث لا يوجد دعم لساعات سامسونج أو هواوي، وبالتالي فإن هنالك شريحة كبيرة من المستخدمين سيتم خسارتها بسبب عدم قدرتها على استخدام التطبيق. ومن غير الواضح في الوقت الحاليّ إن كان هنالك تحديثٌ قادم ليجلب دعماً أكبر للتطبيق وتوافقاً مع عددٍ أكبر من الساعات الذكية ومتعقبات اللياقة البدنية المختلفة. 

أخيراً، شدد الإعلان الرسميّ من معهد روبرت كوخ على أن التطبيق ليس وسيلة فحص رسمية أو معتمدة للكشف عن المرض، وإنما وسيلة مساعدة تهدف لجمع أكبر كمية بيانات ممكنة من شأنها المساعدة في تعقب أكبر كمية ممكنة من الحالات، ويبقى القرار النهائي الهادف لمعرفة إصابة الفرد بالمرض أمرٌ يتم عبر الاختبارات والفحوص المعتمدة التي يتم إجراؤها في مراكز الرعاية الصحية.

المحتوى محمي