كيف تحمي التطبيقات سكان ريو دي جانيرو من الرصاص الطائش؟

5 دقائق
كيف تحمي التطبيقات سكان ريو دي جانيرو
حقوق الصورة: أسوشيتد برس.

كانت جوليا بورجيس في حفلة عيد ميلاد ابنة عمها الثاني عشر عندما أصيبت بطلق ناري. كانت الشابة ذات السبعة عشر عاماً تقف على شرفة الطابق الثالث عندما أصابتها رصاصة طائشة في ظهرها، واستقرت في العضلة الواقعة بين رئتيها والشريان الأبهر.

حدث ذلك في يوم 8 نوفمبر. لحسن الحظ؛ تم إسعاف جوليا إلى المستشفى وتعافت منذ ذلك الحين. لكن الكثيرين ليسوا محظوظين هكذا؛ إذ قُتل على الأقل 106 أشخاص برصاصٍ طائش هذا العام في ريو دي جانيرو. 

وتُعد الشوارع الضيقة في الأحياء الفقيرة -حيث يعيش مليون قاطن- واحدة من أخطر الأماكن. تتراصف البيوت هنا مكدسةً بعضها فوق بعض، وتلتقي الأزقة التي تتلوى بينها في ساحات صغيرة. وعادة ما يتردد أصوات العيارات النارية في هذه الشوارع ذاتها بصورة مستمرة: تبادل لإطلاق النار كل يوم بين الشرطة وتجار المخدرات، أو بين جماعات متنافسة من تجار المخدرات، أو حتى بين ميليشيات مدعومة من الشرطة.

وغالباً ما تسفر عمليات تبادل إطلاق النار عن وقوع عدد من الضحايا الأبرياء. يتوجب على القاطنين في كثير من الأحيان أن ينبطحوا أرضاً أو أن يبنوا متاريس ليحتموا من الرصاص الطائش ريثما تبدأ الهدنة ويتوقف إطلاق النار. شهدت ريو عام 2019 إطلاق عيارات نارية بمعدل 20 مرةً يومياً. هدأت الأحداث قليلاً منذ أن بدأ انتشار الوباء؛ ولكن معدل حوادث إطلاق النار كان ما يزال عند 14 مرة يومياً حتى نهاية يونيو. يُقتل حوالي 1,500 شخص بالرصاص سنوياً في المناطق الحضرية لمدينة ريو.

يقول رافاييل سيزر، الذي يعيش في حي كوردوفيل غرب المدينة، إن العيش في ريو هو أشبه بأن تكون "رهينة للعنف".

كالكثير من المستخدمين، بدأ سيزر يستخدم التطبيق لحماية نفسه. هذه التطبيقات التي تعتمد على التعهيد الجماعي، تساعد المستخدمين في تتبع الأماكن الخطرة في طريق عودتهم إلى منازلهم، ويسمح للقاطنين بتحذير بعضهم البعض لمعرفة المناطق التي يتوجب عليهم تجنبها.
لقطة شاشة لتطبيق فوغو كروزادو

أُطلق فوغو كروزادو (بين النيران)، وهو واحد من أكثر التطبيقات شيوعاً، على يد صحافية تدعى سيسليا أوليفيرا. كانت قد خططت لإعداد موضوع عن ضحايا الرصاص الطائش في المدينة، لكن المعلومات التي احتاجتها لم تكن متاحة. ولذلك أعدت عام 2016 جدولاً على تطبيق جوجل دوكس لجمع المعلومات عن حالات تبادل إطلاق النار، وأماكن ومواعيد حدوثها، وعدد الضحايا والمزيد من التفاصيل الأخرى. وفي ذات العام تم تحويل الجدول بمساعدة منظمة العفو الدولية إلى تطبيق وقاعدة بيانات، لمساعدة موظفيها على المراقبة وتقديم التقارير عن العنف المسلح. تمَ تحميل التطبيق من الإنترنت أكثر من 250 ألف مرة، وهو يغطي مدينتي ريو وريسيفي كلتيهما.

يستطيع المستخدم الذي يسمع إطلاق عيارات نارية أن يسجل الأمر على التطبيق كحادثة. ثم يتحقق فريق فوغو كروزادو من صحة المعلومات بمساعدة شبكة من الناشطين والمتطوعين، ثم يتم رفعها إلى منصة التطبيق، مرسلةً إشعاراً للمستخدمين. كما أن فوغو كروزادو لديه فريق من المتعاونين الموثوقين الذين يمكنهم رفع المعلومات مباشرةً دون عملية التدقيق هذه. يستطيع المستخدمون الاشتراك لتلقي التحديثات في كل مرة يتجهون فيها إلى منطقة تعد خطيرة، مثل الأحياء الفقيرة التي شهدت مؤخراً عمليات إطلاق نار، أو كتلك التي تتنازع عليها بعض العصابات حالياً.

تقول أوليفيرا إن فوغو كروزادو يستخدمه القاطنون المحليون عندما ينوون مغادرة منازلهم إلى العمل أو للتأكد مما إذا كان الطريق آمناً عند العودة.

يقول الصحافي برونو دي بلازي: "بدأت أستخدم فوغو كروزادو بسبب كثرة عمليات الشرطة في منطقة كنت أعبرها كل يوم" ويتابع بأن مجموعات واتساب تحوي الكثير من الشائعات والتقارير المزيفة عن حوادث إطلاق النار، لذلك قرر أن يستخدم التطبيق "ليتجنب المخاوف غير الضرورية".

ومثله مثل الكثيرين في المدينة، كان له نصيبه من التجربة الشخصية بالوجود قرب مكان إطلاق نار؛ حيث يتذكر إحدى المرات التي بدأ فيها إطلاق نار في الشارع الذي يعيش فيه.

ويقول: "كان الإحساس مرعباً، ولا سيما أن الشارع كان يعتبر من أكثر الشوارع أماناً وهدوءاً في المنطقة، وهو أيضاً حيث توجد كتيبة الشرطة". ويضيف: "فجأةً توجب عليَ أن أبتعد عن نافذة غرفتي هرباً من خطر التعرض لرصاصة طائشة. كانت لحظات شديدة التوتر".

عمل فوغو كروزادو أيضاً مع عدد من المنظمات الأخرى لرسم خريطةٍ جديدة للمجموعات المسلحة المنتشرة في ريو دو جنيرو. هذه الخريطة، التي أُطلقت في أكتوبر، تم تصميمها لتُبقي قاطني المدينة على اطلاع بأحدث المعلومات عن المناطق التي تسيطر عليها فصائل إجرامية أو فصائل الشرطة، والتي ستكون بالنتيجة أقل أماناً.

هناك تطبيقات أخرى تجمع أيضاً معلومات عن حوادث إطلاق النار؛ ولكن فوغو كروزادو هو الوحيد الذي يقوم عامة الناس بتحديثه، كما يبين رينيه سيلفا، الكاتب في موقع فوس داس كوميونيداديس (صوت المجتمعات)، الذي يغطي كومبليكسو دو أليماو، وهو تجمع كبير للأحياء الفقيرة في ريو. يقول سيلفا: "هناك أماكن يشير إليها التطبيق كمواقع لإطلاق الأعيرة النارية، ولكنها لا تظهر في وسائل الإعلام".

يعمل التطبيق أوندي تيم تشيرتيو (مكان إطلاق النار) بطريقة مشابهة؛ حيث تم إطلاقه في البداية عام 2016 كصفحة فيسبوك من قِبل أربعة أصدقاء. وإذا كان فوغو كروزادو يركز على المناطق الحضرية لمدينة ريو فقط؛ فإن أوندي تيم تشيرتيو (OTT) يغطي الولاية بأكملها، وبدءاً من العام 2018 أصبح يغطي ساو باولو أيضاً. وهو يختلف عن فوغو كروزادو بأنه يسمح لشبكة المستخدمين بالتحقق مرتين من وثوقية تقارير إطلاق النار.

صورة للأقارب والأصدقاء وهم يحملون نعش ماتيوس ليسا ذي الاثنين والعشرين عاماً، الذي قُتل بالرصاص أثناء محاولته الدفاع عن أمه خلال اعتداء على متجر تملكه عائلتهم في ريو دي جانيرو.

عندما تقوم بتنزيل التطبيق OTT، تستطيع تحديد الإشعارات التي ترغب في تلقيها، سواء أكانت عن إطلاق النار أو الفيضانات أو حتى المظاهرات. تتم مراجعة كل تقرير مجهول الهوية بواسطة شبكة تتكون من أكثر من 7,000 متطوع على الأرض قبل تحميله على التطبيق. كما يتم إرسال تقارير أسبوعية إلى الصحافة. في العام الماضي، استخدم التطبيق حوالي 5 ملايين شخص، كما يبين دينيس كولي، أحد الذين شاركوا في تأسيس التطبيق OTT.

ويتابع بأن: "المهمة الرئيسية للتطبيق OTT في البرازيل هي إبعاد جميع المواطنين عن طرق نهب العصابات المنظمة، ومداهمات الشرطة المزيفة، والرصاص الطائش، باستخدام معلومات يتم جمعها وتحليلها ونشرها خلال فترة زمنية قصيرة جداً".

لدى التطبيق جانب سياسي أيضاً، فبالإضافة إلى إبقاء مواطني ريو بعيدين عن الخطر، فإنه يمكن أن يساعد الباحثين والمؤسسات العامة في فهم أنماط العنف، كما يساعد أيضاً في ممارسة الضغط على السياسيين.

يقول بابلو أورتلادو، بروفسور إدارة السياسة العامة في جامعة ساو باولو، إن هذه التطبيقات "تصلح في المقام الأول لتسليط الضوء على أبعاد المشكلة". فبالنسبة له، فإن مثل هذه التطبيقات لديها "وظيفة محددة ولكنها أساسية في زيادة الضغط على السلطات".

في الواقع، ووفقاً لأوليفيرا، فقد اختيرت مقاطعة ريسيفي كثاني مدينة لفوغو كروزادو، لا بسبب المعدل المرتفع للعنف فيها وحسب، ولكن لأن حكومة المقاطعة توقفت أيضاً عن نشر البيانات وبدأت تراقب الصحفيين. تقول أوليفيرا: "في السابق كانت بيانات الأمن العام متاحة بصورة ممتازة، ولكن البيانات أصبحت نادرة شيئاً فشيئاً، وأصبح عمل الصحافة يزداد صعوبة بمرور الوقت".

تقول ياسودارا كوردوفا، طالبة برنامج ماجستير إدوارد ماسون في الإدارة العامة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد في ماساتشوستس، إن تطبيقات جمع البيانات يمكنها أن تساعد بهذه الطريقة على الطعن في صحة المعلومات التي تقدمها الحكومات.

وتتابع قولها بأن الولاية في الماضي احتكرت المعلومات الرسمية، أما اليوم فإن الأمور قد تغيرت. من جهته، يتفق فيليبي لوسيانو مع هذا الرأي، وهو أحد مستخدمي OTT من ساو غونسالو، المدينة القريبة من ريو، حيث يقول: "إنه لمن المفيد الحفاظ على قواعد بيانات إضافية مكررة تجمعها مجتمعات محلية ناشطة، وبالتالي يمكن الطعن في صحة تلك البيانات لإبقاء الفضاء المدني مفتوحاً وذا نطاق شامل".

ويضيف: "الثقة هي المفتاح، فمصداقية المعلومات المنشورة هناك هي التي دفعتني لاستخدام OTT، أشعر بالأمان أكثر عند استخدامه".

تصحيح: قمنا بتحديث عام إطلاق منظمة العفو الدولية لتطبيق فوغو كروزادو وعدد حوادث إطلاق النار عام 2019.