مثل أي قطاع آخر، يتأثر التعليم بالتغييرات التي أدخلتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث تتطور الطريقة التي يتعلم من خلالها الطلاب في المدارس والجامعات باستمرار ويمكن أن تتغير بشكلٍ جذري في المستقبل.
تقدم منصات مثل "إيديكس" (edX) و"كورسيرا" (Coursera) مجموعة من الدورات المفيدة والقيمة في مختلف المجالات منذ عدة سنوات، ويستطيع أي شخص من أي مكان في العالم التسجيل للاستفادة من هذه الدورات التي يدرسها أساتذة من أفضل الجامعات والمؤسسات التعليمية في العالم. ومن أجل تحسين تجربة الاستخدام وكفاءة التعليم، بدأت هذه المنصات في الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتقييم سلوك كل طالب وتخصيص الدورات والدروس له.
أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم
تستثمر العديد من الشركات في تكنولوجيا التعليم، وتتوفر حالياً عدة تطبيقات وحلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها تتبع تقدم الطلاب واقتراح مسارات دراسية مخصصة حسب اهتماماتهم وسلوكهم.
يمكن أيضاً بواسطة الذكاء الاصطناعي إنشاء بوتات محادثة تجيب عن أسئلة الطلاب على الفور دون الحاجة إلى انتظار المدرس، كما تساعدهم في كل مرحلة من مراحل مسارهم التعليمي.
قد يكون التقدم التكنولوجي مفيداً للغاية في إتاحة التعليم للجميع، أي جعل التعلم متاحاً لكل شخص على الأرض حتى في الدول الفقيرة والأماكن النائية، من خلال توفير تعليم متقدم بمجرد امتلاك جهاز حاسوب واتصال بشبكة الإنترنت.
إذا بدت هذه الأهداف طموحة للغاية وبعيدة المنال إلى حدٍ ما، يمكننا أن نستخدم اليوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقسيم الطلاب إلى مجموعات مختلفة وفقاً لقدراتهم واهتماماتهم ورغباتهم. بعض الشركات، مثل "أميركان سيفيتاس ليرنينغ" (American Civitas Learning)، تستخدم بالفعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكلٍ واسع لمساعدة الطلاب في مساراتهم الجامعية، وتتيح لهم أدوات لتخطيط مسارهم وتنظيم الدراسة، هذا يساعد في تقليل عدد الطلاب الذين يتسربون ويتوقفون عن التعلم.
يستطيع المدرسون أيضاً الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة، مثل أداة "جراد سكوب" (Gradescope) التي تستخدمها أكثر من 1000 جامعة حول العالم، وتسمح هذه الأداة بتقييم بعض الاختبارات بطريقة آلية، وإعطاء الدرجات تلقائياً وتصحيح الأخطاء. هذا يساعد في توفير الكثير في الوقت، الذي يمكن أن يستغله المدرسون للتركيز على تقدم طلابهم ومراقبتهم بفضل البيانات الكثيرة التي يتم جمعها بواسطة هذه الأداة.
يستطيع طلاب المدارس بمختلف المراحل الاستفادة من مساعد أليكسا الافتراضي الذي طورته شركة أمازون في حل واجباتهم المدرسية. كما يمكنهم الاستفادة من تطبيقات الهواتف مثل تطبيق "مايكروسوفت ماث" (Microsoft Math Solver) لحل المعادلات والمسائل الرياضية والحصول على شروحات مفصّلة خطوة بخطوة.
اقرأ أيضاً: ما فوائد استخدام الواقع الافتراضي في تدريب طلاب الطب ومتخصصي الرعاية الصحية؟
اعتماد المؤسسات التعليمية على الذكاء الاصطناعي
في فبراير/شباط 2020، أجرت مؤسسة البيانات الدولية (IDC) بتكليف من شركة مايكروسوفت الأميركية استطلاعاً شمل أكثر من 500 جامعة أميركية، وتبين أن 99.4٪ من المسؤولين في الجامعات يعتقدون بأن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة حاسمة لتحسين القدرة التنافسية لمؤسستهم التعليمية خلال السنوات الثلاث المقبلة، وقال 15٪ إن الذكاء الاصطناعي يعتبر عنصراً ثورياً، أي يغير قواعد ونموذج التعليم. بالإضافة إلى ذلك، بين الاستطلاع أن 54٪ من الجامعات المشاركة في الاستطلاع قد بدأت بالفعل في استخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي وأن 38٪ من هذه الجامعات تعتبر تلك الأدوات بالفعل أساسية لاستراتيجيتها، سواء لتحسين التدريس أو التنظيم.
اقرأ أيضاً: هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً لوظائف البشر؟
الفرص والمخاطر
إذا كان الذكاء الاصطناعي يمثل بالفعل أداة مهمة ومفيدة للتعليم العالي في الجامعات، حيث يكون الطلاب الذين يستخدمونه راشدين وقادرين على اتخاذ خيارات صحيحة تتعلق بمستقبلهم، فإن ذلك يكون أصعب عندما نفكر في استخدام الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مستويات التعليم الأدنى.
هناك العديد من المخاطر التي قد تنجم عن استخدام هذه التكنولوجيات في التعليم الأدنى، مثل المشكلات المتعلقة بخصوصية الطلاب وتحيز الذكاء الاصطناعي، وهذا من المحتمل أن يؤثر بشكلٍ سلبي على عملية التعلم.
قد يمثل الذكاء الاصطناعي في التعليم خطراً لأنه قد يكون ضاراً لأسباب مختلفة، مثل تأثير تحيزات المبرمجين والبيانات غير الصحيحة التي يمكن أن تغذي الذكاء الاصطناعي، ما يؤثر سلباً على القرارات التي يمكن اتخاذها. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحديد المسار المهني إلى تقليل الخيارات المتاحة للفرد، فإذا كانت هذا الفرد أنثى، قد تؤدي تحيزات الذكاء الاصطناعي إلى اختيار مسار تعليمي يعكس الصورة النمطية ونظرة المجتمع للمرأة، دون أخذ مهارات واهتمامات هذه الأنثى بعين الاعتبار كأساس لتحديد ما يجب أن تتعلمه.
على الرغم من كل هذه المخاطر، بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم تستخدم حتى في المدارس الابتدائية بكل أنحاء العالم. ففي الصين، بدأت بعض المدارس بتجربة أنظمة المراقبة التي تشمل كاميرات التعرف على الوجه لمراقبة وتقييم سلوك الطلاب واهتمامهم بالدروس.
هناك أيضاً من يرغب بإدخال الذكاء الاصطناعي في مجال تعليم الأطفال بحجة أن ذلك يمكن أن يقلل بشكل كبير من تكلفة التعليم على مستوى العالم. ولهذا الغرض، تم الإعلان عن جائزة X، وهي جائزة قيمتها 10 ملايين دولار أميركي للشركات الناشئة التي تبتكر حلولاً تكنولوجية تساعد على تعليم الأطفال القراءة والكتابة والحساب في أقل من 15 شهراً.
يمثل الواقع الافتراضي مجالاً آخر سريع التطور في هذا المجال. فعلى الرغم من عدم رغبة أي شخص في استبدال المعلم البشري بآخر افتراضي، تريد العديد من الشركات والمؤسسات التعليمية إنشاء أنظمة تعليم افتراضية حيث يمكن للطلاب التفاعل مع البيئة الافتراضية والشخصيات والنماذج التي توجد فيها. على سبيل المثال، يمكن إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد ليتفاعل معها الطلاب والمدرسون بواسطة تكنولوجيا الواقع المعزز. بهذه الطريقة، يستطيع الطلاب في المستقبل غير البعيد أن يتفاعلوا مباشرة مع نسخة افتراضية من أينشتاين تشرح لهم النظرية النسبية.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز؟
نستنتج من ذلك أن هناك العديد من المخاطر والفرص التي ستكون موجودة في حال الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعليم، وحتى الآن، لا توجد معايير أو أنظمة يمكن من خلالها تحديد الاستخدام الصحيح لأدوات التعليم المدعومة بالذكاء الاصطناعي.