اعتلال الشبكية السكري هو اضطراب يتسم بتلف الأوعية الدموية الصغيرة المبطنة لشبكية العين، وسبب رئيسي لفقدان البصر في جميع أنحاء العالم. ويزداد عدد المصابين به مع ازدياد أعداد المصابين من جميع الأعمار بداء السكري بنوعيه الأول والثاني.
اعتلال الشبكية السكري والذكاء الاصطناعي
يُجنِّب الكشف المبكر عن اعتلال الشبكية السكري المرضى الإصابة بالعمى. لذا، سعى فريق من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير خوارزميات تساعد الأطباء على التشخيص المبكر لاعتلال الشبكية السكري بين المرضى من جميع الأعمار. كما أنه مع ازدياد عدد المصابين، قد لا يتمكن الأطباء الأخصائيون من إجراء الفحوصات السنوية اللازمة للمرضى، وبالتالي فإنهم في حاجة إلى تسريع عملية الفحص، وهو ما يمكن أن يوفره الذكاء الاصطناعي.
شهد مجال الذكاء الاصطناعي نمواً هائلاً في تقييم صور قعر العين التي يُجريها المرضى عادةً لتأكيد تشخيص الإصابة. وتستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي التعلم الآلي والشبكات العصبونية الاصطناعية لتعلم كيفية تشخيص اعتلال الشبكية السكري من خلال التدريب على مكتبات تضم عشرات الآلاف من الصور، وقد تكون هذه الأنظمة قادرة على التنبؤ بالإصابة باعتلال الشبكية السكري في المستقبل.
اقرأ أيضاً: هذه الخوارزمية الجديدة ستُساعد في تطوير الذكاء الاصطناعي الطبي
الذكاء الاصطناعي يوفر الجهد والمال والوقت
إن أحدث الأبحاث التي تدرس قدرة الذكاء الاصطناعي على تشخيص اعتلال الشبكية السكري، هو بحث تقوده جامعة «سانت جورج» وجامعة لندن ومستشفى «مورفيلدز» للعيون. يستخدم المشروع البحثي الذكاء الاصطناعي لتحليل صور شبكية العين من مرضى السكري لاكتشاف المرض بشكل أكثر كفاءة وأسرع من الأخصائيين من البشر. سيطور المشروع أيضاً أنظمة للتأكد من أنه قابل للتطبيق مع الجميع، أي أن أداء نظام الذكاء الاصطناعي لا يختلف باختلاف العرق أو الجنس.
لتحقيق ذلك، سيعمل الباحثون على إنشاء قاعدة بيانات لصور شبكية العين من مختلف المجموعات العرقية والأجناس والأعمار لضمان استمرار السلامة والتأكيد على أن أيّ شخص مصاب بمرض السكري سيستفيد من التشخيص. بالإضافة إلى ذلك، سيقدم المشروع أدلةً لدعم تشغيل ونشر أول استخدام محتمل واسع النطاق للذكاء الاصطناعي داخل أنظمة الرعاية الصحية في إنجلترا.
أظهر الباحثون أن أنظمة تحليل صور الشبكية الآلية باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن توفر بالفعل بديلاً آمناً وفعالاً. ومن الفوائد التي يمكن جنيها من هذا المشروع أنه سيُنتج ملايين الصور لشبكية العين كل عام، ما سيساعد في الكشف المبكر عن اعتلالات العين السكرية.
ويريد الباحثون دعوة مجموعة من مرضى السكري والأطباء الأخصائيين من شمال شرق لندن لإبلاغهم بأفضل طريقة لاستخدام هذه الأنظمة، ولمعرفة تصوراتهم وتوقعاتهم فيما يتعلق بتنفيذ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، فإن المنهجية والمعايير التي يعملون على تطويرها ستكون قابلة للتحويل إلى مجالات الرعاية الصحية الأخرى لبناء الثقة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي في الطب: خطر التحيز يهدد تطبيقاته الواسعة
أبرز أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تشخيص اعتلال الشبكية السكري
وضعت شركة آي نوك (EyeNuk) -وهي شركة رائدة في مجال فحص العين بالذكاء الاصطناعي- نظاماً لفحص اعتلال الشبكية السكري بالذكاء الاصطناعي يسمى آي آرت (EyeArt). ويستند نظام آي آرت إلى المعايير السريرية الدولية في التشخيص والكشف عن اعتلال الشبكية السكري خلال أقل من 30 ثانية.
وقد حصل هذا النظام على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية للكشف بشكل مستقل عن أكثر من اعتلال الشبكية السكري، فهو يسمح لموظفي الرعاية الصحية غير العينية بفحص مرضى السكري للتأكد من الإصابة باعتلال الشبكية السكري، وتقييم مستويات الشدة التي تتطلب التقييم من قبل أخصائي العيون.
ويساعد هذا النظام مقدمي الخدمات والأنظمة الصحية على تحسين مقاييس جودة رعاية مرضى السكري. بالإضافة إلى ذلك، يضمن هذا النظام حصول مريض السكري على تقييم لحالة الشبكية، دون أن يُضطر لانتظار موعد عند طبيب العيون لإجراء الفحص، كما أنه يُصنّف شدة اعتلال الشبكيّة السكري وخطورته، وتحديد المرضى الذين يحتاجون إلى الإحالة إلى أخصائي الشبكية لتلقي العلاج المناسب.
وقد تم اختيار نظام آي آرت مؤخراً ليُطبَّق في 4 مستشفيات في فيتنام، ما سيساعد في حماية نحو 6 ملايين شخص مصاب بمرض السكري في فيتنام.
الذكاء الاصطناعي يسد الثغرة التي خلّفها نقص الأخصائيين
وليس ببعيد عن فيتنام، ننتقل إلى الهند التي يندر فيها أخصائيي الشبكية المدرَبين، ما يؤخر حصول مرضى السكري على تشخيص الإصابة باعتلال الشبكية، وبالتالي تعريضهم لخطر فقدان الرؤية. لذا جاء الحل بالاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي، فقد تعاونت مؤسسة سانكارا آي فونديشن (Sankara Eye Foundation) مع شركة ليبين كير (Leben Care) لنشر منصة برمجيات ذكاء اصطناعي تسمى نيترا آيه آي (Netra.AI)، تعتمد على تقنيات شركة إنتل.
ويمكن لنظام نيترا آيه آي المساعدة في تشخيص اعتلال الشبكية لدى المرضى في فترة زمنية قصيرة جداً (دقيقتين فقط)، وبمستوى دقة الأطباء البشريين، إذ بلغت نسبة الدقة 98.5%، ما يساهم في تقليل حالات الإصابة بالعمى.
ويعتمد نظام نيترا آيه آي على التقاط صور لقعر العين، ثم تحميلها على النظام الأساسي القائم على التعلم الآلي، والذي يتلقى بيانات المريض إما عبر بوابة ويب أو من خلال واجهة برمجة التطبيقات. ومن خلال هذه الصور يمكن للنظام تشخيص أمراض الشبكية مثل اعتلال الشبكية السكري والتنكس البقعي وغيرها من أمراض الشبكية الأخرى التي تتطلب عناية طبية فورية.
ويستخدم النظام خوارزميات تم تطويرها مع شبكة عصبونية التفافية عميقة من أربع طبقات. يمكنها تحديد المراحل المختلفة لاعتلال الشبكية السكري واقتراح ما إذا كان المريض في حاجة إلى إحالة مبكرة أو مراقبة منتظمة. علاوة على ذلك، يمكنه التعرف على الجلوكوما (الزَرَق)، والتي يمكن أن تكون أداة رائعة للفحص المبكر لهذا الاضطراب الذي يؤدي إلى العمى، وبالتالي يساعد في العلاج والتحكم في وقت مبكر.
التشخيص بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي للأطفال أيضاً
وللأطفال أيضاً نصيب من مساهمة تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشخيص اعتلال الشبكيّة السّكري. فقد أظهرت دراسة أجراها باحثون في طب الغدد الصماء وطب العيون للأطفال في مستشفى «جونز هوبكنز ميديسن» وثلاث مؤسسات طبية أميركية أخرى أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي، للكشف عن اعتلال الشبكية السكري لدى الأطفال مع ارتفاع حساسية ودقة التشخيص، ودون الحاجة إلى تدخل بشري.
يسهل على الأطفال المرضى الخضوع لفحص الذكاء الاصطناعي، لأنه لا يتطلب إجراء توسيع العين، كما أنه يستغرق وقتاً أقل، إذ تنتج الصور عالية الدقة خلال بضع دقائق. وأدى استخدامه إلى تضاعف التزام الأطفال المرضى بالحصول على فحوصات اعتلال الشبكية المنتظمة، على النحو المطلوب.
لا غنى عن الأطباء الأخصائيين
على الرغم من جميع النتائج، أثبتت دراسة منشورة في دورية رعاية مرضى السكري العلمية، أجراها باحثون من جامعة واشنطن، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بتشخيص اعتلال الشبكية السكري، لا تعمل بالشكل المطلوب. وذلك بعد مقارنة 5 من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، مع تشخيص خبراء وأخصائيين في أمراض شبكية العين.
شمل التشخيص صور شبكية العين لحوالي 24 ألف شخص. وكان أداء 3 من الخوارزميات جيداً بشكل معقول، بينما كان أداء خوارزمية واحدة منها سيئاً، وواحدة فقط كان أداؤها مماثلاً تقريباً للفحص البشري. قد يرجع سبب الاختلاف في نتائج هذه الدراسة ونتائج الدراسات التي نفذها مطورو خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى الاختلاف في معدات وتقنيات الكاميرات المستخدمة. لذلك يؤكد الباحثون أن أيّ شخص يستخدم الذكاء الاصطناعي في الفحص، يجب أن يختبره أولاً ويتبع الإرشادات الخاصة بكيفية الحصول على صور عيون المرضى بشكلٍ صحيح، لأن الخوارزميات مصممة للعمل بأدنى جودة للصور.
ووجدت الدراسة أيضاً أن أداء الخوارزميات تباين عند تحليل الصور من مجموعات المرضى في أماكن رعاية مختلفة، وهي نتيجة مفاجئة قد تشير إلى أن الخوارزميات بحاجة إلى التدريب على مجموعة متنوعة من الصور.
أخيراً، يمكن القول أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي واعدة للغاية لأغراض اكتشاف اعتلال الشبكية السكري، ومن المرجح أن تكون قادرة على التنبؤ بشكل موثوق بتقدم اعتلال الشبكية السكري في المستقبل. ويعد الفهم الأعمق لهذه الأنظمة وكيفية تفسيرها للصور أمراً بالغ الأهمية ليصبح بالإمكان الاعتماد عليها.