هل يصلح تشات جي بي تي ليكون مدرباً شخصياً في التمارين الرياضية؟

8 دقائق
هل يصلح تشات جي بي تي ليكون مدرباً شخصياً في التمارين الرياضية؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ إم آي تي تي آر/ بيكسلز

عندما فتحت رسالة البريد الإلكتروني التي تعْلمني بأنه تم قبولي للمشاركة في ماراثون لندن، شعرتُ بالزهو بادئ الأمر. وبعدها، أصبت بالذعر. فقد شاركت في آخر ماراثون لي منذ ستة أشهر، ولذا أنا مدركة تماماً لمقدار الالتزام المطلوب لمواصلة الركض يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، عبر المطر والبرد والتعب والمزاج السيئ وقلة النوم.

ولكن تبين لي أن الماراثون هو الجزء السهل، وهو ما لم يحذّرني منه أحد. أما الجزء الصعب فهو التدريب المضني والمتواصل، كما أن ابتكار أساليب جديدة لإبقاء جو التدريب متجدداً وممتعاً يمثل بحد ذاته تحدياً لا يستهان به.

ويعتقد بعض المهووسين بالتمارين الرياضية أنهم وجودوا طريقة لتحقيق هذا، وذلك باستخدام بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT) حتى يقوم بدور المدرب الشخصي. قامت شركة أوبن أيه آي (OpenAI) بتصميم هذا البوت، والذي يمكن تلقيمه بالتعليمات لتأليف أي شيء، بدءاً من القصائد الغرامية وصولاً إلى الوثائق القانونية. والآن، بدأ هؤلاء الرياضيون يستخدمونه لتحويل كل هذا الركض إلى مهمة ممتعة. بل إن بعض رواد الأعمال بدؤوا يحولون خطط اللياقة البدنية التي يضعها تشات جي بي تي إلى منتجات للبيع.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التدريب الرياضي؟

لا شك في أن هذه الطريقة جذابة. فتشات جي بي تي يجيب عن الأسئلة في ثوانٍ معدودة، ويوفر عليك الجهد اللازم لدراسة وتحليل كمية كبيرة من المعلومات. كما يتيح لك توجيه أسئلة أكثر تفصيلاً للمتابعة، والحصول على إجابات أكثر تفصيلاً وأقرب إلى متطلباتك الشخصية. علاوة على ذلك، فهو يقدم نصائح اللياقة البدنية بنبرة ودية ومحببة، كما يعرض المعلومات بصورة واضحة. وعلى الرغم من أن أوبن أيه آي ترفض الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بتدريبه، فنحن نعرف أنها قامت بتدريب تشات جي بي تي باستخدام بيانات مسحوبة من مواقع الويب، وصفحات ويكيبيديا (Wikipedia)، والكتب المخزنة، ولهذا فهو يبدو بارعاً للغاية في الإجابة عن الأسئلة العامة، على الرغم من عدم وجود أي ضمانة لصحة هذه الإجابات.

ما يطرح السؤال التالي: هل يمثّل تشات جي بي تي مستقبل التخطيط للتمارين الرياضية؟ أم أنه مجرد مصدر للمعلومات الخاطئة المصوغة بطريقة توحي بالثقة؟

الجهد المطلوب

لاختبار قدرة تشات جي بي تي على وضع برامج التمارين الرياضية، طلبتُ منه أن يضع لي برنامجاً لمدة 16 أسبوعاً للتدرب على الماراثون. ولكن، تبين لي خلال فترة قصيرة أن هذا البرنامج غير مفيد. فالتدرب على الماراثون بصورة صحيحة يتطلب زيادة مسافات الركض كل أسبوع بالتدريج. وتقول المعلومات المجربة والمعروفة إن أطول جولة ركض يجب أن تصل إلى مسافة 32 كيلومتراً تقريباً. ولكن تشات جي بي تي اقترح مسافة قصوى لا تتجاوز 16 كيلومتراً. وفي الحقيقة، أشعر بالارتجاف لمجرد تخيل المشاركة في الماراثون دون الاستعداد له بشكل جيد. فسوف أشعر بألم شديد، إضافة إلى احتمال كبير بالتعرض للإصابة.

وعندما قمت بتلقيمه التعليمات نفسها في محاولة أخرى: "قم بصياغة برنامج لمدة 16 أسبوعاً للتدرب على الماراثون"، اقترح أن أركض مسافة 30 كيلومتراً تقريباً (19 ميلاً) في اليوم السابق للماراثون مباشرة. ومرة أخرى، قدم لي نصيحة كارثية. فتنفيذ هذه النصيحة سيجعلني أبدأ السباق في حالة من الإرهاق الشديد، ما قد يجعلني أمام احتمالية التعرض للإصابة أيضاً.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي اختيار أفضل تشكيلة فريق كرة قدم؟

لم أجد سبباً يدفع تشات جي بي تي إلى تقديم إجابتين مختلفتين تماماً عن السؤال نفسه، ولهذا حاولت الحصول على تفسير من أوبن أيه آي. وأخبرني ناطق باسم الشركة أن النماذج اللغوية الكبيرة تميل إلى تقديم إجابة مختلفة عن سؤال محدد عند طرحه عدة مرات، وأضاف قائلاً: "يعود هذا إلى كونه لا يستقي الإجابة من قاعدة بيانات محددة، بل يقوم بتوليد رد جديد في كل مرة". إضافة إلى هذا، يقول موقع الويب الخاص بأوبن أيه آي إن تشات جي بي تي يستطيع التعلم من تبادل الحديث ضمن الحوار الواحد، ولكنه غير قادر على استخدام الحوارات السابقة في صياغة الردود المستقبلية.

وعندما سألت أوبن أيه آي عن السبب الذي دفع بتشات جي بي تي إلى تقديم نصيحة يمكن أن تكون ضارة، قال لي الناطق باسم الشركة: "من المهم تذكير القراء بأن تشات جي بي تي عملٌ بحثي، ونحن نقول للناس بصورة مسبقة إن البوت قد يقدم معلومات خاطئة بين الحين والآخر، كما قد يقوم أيضاً بتوليد نصائح مؤذية أو صياغة محتوى متحيز".

وقد تضمنت إحدى الخطط التي ولّدها الذكاء الاصطناعي اقتراحاً حكيماً ينصح بتدقيق الخطة مع مدرب مختص. كما تضمنت خطة أخرى نصيحة بالانتباه إلى الدلالات الحيوية للجسم، وتخصيص بعض الأيام للاستراحة. وكانت خطة ثالثة خالية من التحذيرات بالكامل. إن إجابات بوت الدردشة غير متسقة، ولا تقدم الكثير من المساعدة.

وفي نهاية المطاف، شعرتُ بالخيبة، بل وبشيء من القلق. فلم تكن هذه الطريقة ناجحة بالنسبة لي. ولكن، وبعد جولة في عدة منصات للتواصل الاجتماعي، مثل تيك توك (TikTok) وريديت (Reddit) وتويتر (Twitter)، وجدت أن هناك كثيرين ممن جربوا استخدام تشات جي بي تي لوضع خطط التمارين الرياضية أيضاً. وخلافاً لما قمت به، فقد اتبع البعض هذه الاقتراحات بالفعل.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تطوير الألعاب الرياضية والرياضيين؟

اختبار حدود تشات جي بي تي

تعطي نصائح التمارين الرياضية من تشات جي بي تي انطباعاً سطحياً إيجابياً للغاية. فزميلي في عشق الرياضة واللياقة البدنية، أوستن غودوين الذي يسكن في تينيسي، صادف تشات جي بي تي في أثناء عمله اليومي في تسويق المحتوى، وبدأ بتجربته بسرعة، موجّهاً إليه عدة أسئلة عامة تتعلق بالتمارين الرياضية.

فقد طلب منه أن يشرح معنى زيادة الحِمل التدريجية في رفع الأثقال (أي زيادة الأوزان بالتدريج أو زيادة عدد الرفعات)، وسبب الحاجة إلى النقص الحاد في الوحدات الحرارية لإنقاص الوزن. ويقول: "لقد كان يقدم لي أجوبة يمكن أن أتوقعها من شخص يمتلك عدة سنوات من الخبرة. إنه أشبه بحقن محرك البحث جوجل (Google) أو موسوعة ويكيبيديا (Wikipedia) بالمنشطات، فهو يعزز عملية البحث وينقلها إلى مستوى جديد تماماً".

ليس غودوين الشخص الوحيد الذي يعتبر أن تشات جي بي تي قادر على منافسة محرك البحث جوجل، حيث يقال إن إدارة جوجل أعلنت حالة الطوارئ حول هذه المسألة.

وقد رأيت بنفسي مدى براعة تشات جي بي تي في تقديم المعلومات عندما طلبت منه صياغة خطة لرفع الأثقال (لأغراض نظرية وحسب، فليس لدي أي استعداد لرفع الأثقال وفقاً لتوصيات نظام ذكاء اصطناعي). وقد أجاب بمجموعة معقولة من التمارين، مثل تمارين القرفصاء والعقلة والاندفاع إلى الأمام (تمرين لتقوية عضلات وأوتار الجزء السفلي من الجسم). ولاختبار قدراته إلى أقصى حد ممكن، أخبرته أن هدفي هو "الحصول على جسم رشيق" (لأغراض صحافية وحسب أيضاً). وقدم لي إجابة مليئة بالتحذيرات بشكل رائع، مع نصيحة تقول: "للحصول على جسم رشيق، من المهم مراقبة نظامك الغذائي". تبدو إجابات دقيقة حتى الآن.

اقرأ أيضاً: 10 استخدامات لبوت الدردشة تشات جي بي تي توفر عليك ساعات من العمل

لقد كان غودوين يختبر قدرات تشات جي بي تي بتوجيه أسئلة يعرف إجاباتها مسبقاً. وكذلك أليكس كوهين، وهو أيضاً من هواة اللياقة البدنية، كما يعمل في شركة ناشئة للرعاية الصحية باسم كربون هيلث (Carbon Health).

وقد بدأ كوهين اختباره بأن طلب من الذكاء الاصطناعي أن يحسب له استهلاكه اليومي من الطاقة (أي العدد الكلي من السعرات الحرارية التي يستهلكها الشخص يومياً، وهي أداة مفيدة في تقدير الاستهلاك المطلوب لخسارة الوزن أو الحفاظ عليه أو زيادته). ومن ثم طلب منه وضع خطط بسيطة للوجبات الغذائية والتمارين الرياضية. ومثلما حدث مع غودوين، أُعجب بالنتائج التي حصل عليها. ولكن، تبين له بسرعة أن هذا البرنامج لا يصلح بديلاً لمختص التغذية أو المدرب الشخصي.

ويقول: "إنه لا يضع خطة التمارين الرياضية بشكل مخصص حتى يتناسب مع شكل جسمي وبنيته، أو مع خبرتي". كما أن تشات جي بي تي لا يوجّه أسئلة إضافية يمكن أن تحسّن من إجاباته.

إلى الصالة الرياضية

على الرغم من التقلب في جودة نصائح اللياقة البدنية التي يقدمها تشات جي بي تي، فقد بدأ البعض باتباعها بشكل عملي في الصالة الرياضية.

وعلى سبيل المثال، فقد قام صانع المحتوى الأميركي على تيك توك، جون يو، بتصوير نفسه وهو يتبع برنامجاً تدريباً وضعه تشات جي بي تي لستة أيام كاملة. وقد طلب من البرنامج أن يعطيه خطة تمارين رياضية مبسطة لكل يوم بناءً على جزء محدد يرغب بتدريبه من جسمه (مثل الذراعين أو الساقين وغير ذلك)، وقام بتنفيذ التمارين التي طلبها منه.

وقد وضع البرنامج خطة تمارين جيدة، وكانت سهلة التنفيذ. ولكن يو وجد أن مجموعة الحركات التي تتضمنها الخطة تفتقر إلى التنوع. ويقول: "إن اتباع خطة تشات جي بي تي بحذافيرها أمر ممل".

أما لي ليم، وهو صانع محتوى من النمسا، ويختص بمحتوى بناء الأجسام، فقد خاض تجربة مماثلة. فقد طلب من تشات جي بي تي أن يضع برنامجاً "لتدريب الساقين مدة يوم واحد بصورة مثالية". وكانت النتيجة أن البرنامج اقترح التمارين الصحيحة، مثل تمارين القرفصاء والاندفاع إلى الأمام والرفعة المميتة (رفع الأثقال المنخفض إلى الوركين)، ولكن أوقات الاستراحة بين التمارين كانت قصيرة للغاية. يقول ليم ضاحكاً: "إنه صعب للغاية!" ويضيف: "من غير الممكن أن تكون فترة الاستراحة بين مجموعتين من تمارين القرفصاء 30 ثانية فقط".

اقرأ أيضاً: بوت تشات جي بي تي مبدع وسهل الاستخدام لكن مخاطره كثيرة

لقد توصل ليم إلى المشكلة الأساسية في اقتراحات تشات جي بي تي، وهي أنها لا تأخذ طبيعة الأجسام البشرية بعين الاعتبار. وكما وجد مع يو بشكل مباشر، فإن الحركات المتكررة تصيبنا بالملل أو الإرهاق بسرعة كبيرة. وهو ما يختلف عن أداء المدربين البشر، فهم يعرفون كيف ينوعون التمارين والحركات. أما تشات جي بي تي، فيجب أن يُطلب منه هذا الأمر بشكل صريح.

ولكن، وبالنسبة للبعض، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي لوضع برنامج للتمارين الرياضية أمر جذاب بحد ذاته، إلى درجة أنهم مستعدون لدفع الأموال لقاءه. وعلى سبيل المثال، فإن أحمد ماير، وهو مهندس برمجيات في لندن، يبيع برامج التمارين الرياضية التي ينتجها تشات جي بي تي مقابل 15 دولاراً. ويقوم الناس بتزويده بأهدافهم ومتطلباتهم المحددة للتمارين الرياضية، فيلقمها بدوره لتشات جي بي تي. ويقول إنه قام بتسجيل اشتراك عدة عملاء منذ إطلاق الخدمة في الشهر المنصرم، ويدرس خيار إضافة خطط حميات غذائية أيضاً. وعلى الرغم من أن استخدام تشات جي بي تي متاح مجاناً، فإن الناس يدفعون الأموال مقابل الحصول على خدمة مريحة.

أما المسألة التي اتفق عليها جميع من تحدثت معهم فهي خيار التعامل مع اقتراحات التدريبات الرياضية من تشات جي بي تي على أنها تجربة مسلية، بدلاً من اعتبارها دليلاً جدياً للرياضة. فجميعهم يمتلكون معلومات جيدة عن اللياقة البدنية، وما يفيد أجسامهم وما لا يفيدها، بحيث يستطيعون تحديد نقاط الضعف في اقتراحات البرنامج الحاسوبي. وكان الجميع مدركين لضرورة التشكيك في إجابات النموذج. أما الأشخاص المستجدون في مجال التمارين الرياضية، فكانوا أقرب إلى القبول بها على حالها.

مستقبل اللياقة البدنية

ولكن هذا لا يعني أن نماذج الذكاء الاصطناعي عاجزة عن القيام بدور مفيد في تطوير برامج اللياقة البدنية، أو أنه يجب الابتعاد عن الاعتماد عليها كلياً. ولكنه يبرز ضرورة عدم الثقة بها. إلا أن تشات جي بي تي سيتحسن، ومن الممكن أن يتعلم كيفية توجيه الأسئلة بنفسه. وعلى سبيل المثال، يمكن له أن يسأل المستخدمين عما إذا كانت ثمة تمارين معينة لا يحبون القيام بها، أو عن وجود إصابات سابقة. ولكن البرنامج بصورة عامة غير قادر على وضع برنامج مبتكر، كما أنه لا يتميز بأي استيعاب أساسي للمفاهيم التي يقدمها.

وبما أن البرنامج مدرَّب باستخدام الويب، فإن النتائج التي يقدمها ستكون معروفة لدى الكثيرين، حتى لو كنتَ تراها لأول مرة، كما يقول أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة كينت في إنجلترا، فيليب دي وايلد. ومع أن الكثير من إجاباته صحيحة عملياً، إلا أن الخبير البشري سيتفوق عليه في جميع الحالات تقريباً.

اقرأ أيضاً: الجميع في انتظار جي بي تي 4 وأوبن أيه آي ما زالت تحاول إصلاح الإصدار السابق

وعلى الرغم من كل هذا، فقد يكون من الأفضل استخدام تشات جي بي تي كوسيلة مسلية لإحداث تجديد في البرنامج الرياضي عندما يصبح مملاً، أو كوسيلة توفر الوقت عليك في اقتراح تمارين لم تكن لتفكر فيها بنفسك. تقول ريبيكا روبنسون، وهي طبيبة مستشارة مختصة بالرياضة والطب الرياضي في المملكة المتحدة: "إنه مجرد أداة، ولكنه ليس دليلاً أساسياً".

وبعيداً عن الإنترنت، قررت اتباع نصائح الكتب والمجلات التي كتبها خبراء في الركض لوضع برنامجي الخاص بالتدريب للماراثون، وهو ما وجدت فيه فائدة كبيرة في الأسابيع اللاحقة.

ولست الشخص الوحيد الذي قرر أن يتخلى عن نصائح تشات جي بي تي، ولم يتبع ليم هذه الاقتراحات إلا بهدف تصوير مقطع فيديو واحد، على حين عاد يو أيضاً إلى برنامجه التدريبي القديم الذي لا يعتمد على نصائح الذكاء الاصطناعي، والأكثر متعة، كما يقول. ويقول: "أفضل مواصلة تنفيذ برنامجي الخاص وتعديله، بدلاً من محاولة تقديم المزيد من المعلومات إلى تشات جي بي تي، والحصول على برنامج مخيب على أي حال في نهاية المطاف".

المحتوى محمي