كيف يمكنك (تسميم) البيانات التي تستخدمها الشركات التكنولوجية الكبيرة لمراقبتك؟

4 دقائق
تسميم بيانات الشركات التكنولوجية
مصدر الصورة: إريك ريسبيرج | أسوشييتد برس

في كل يوم، تترك حياتك أثراً رقمياً أشبه بفتات الخبز الذي تستخدمه الشركات التكنولوجية الكبيرة لتتبعك. ويحدث هذا كلما قمت بإرسال بريد إلكتروني أو طلب الطعام أو مشاهدة عرض فني بالبث الرقمي، فتحصل الشركات على رزم قيِّمة من البيانات التي تستخدمها لبناء تصور شامل حول تفضيلاتك الخاصة، ويتم تلقيم هذه البيانات إلى خوارزميات التعلم الآلي التي تستهدفك بالإعلانات والتوصيات. وبفضل بياناتك، تجني جوجل -على سبيل المثال- أكثر من 120 مليار دولار سنوياً من عائدات الإعلان.

وقد بدأ هذا الوضع يتحول إلى سجن لم نعد نستطيع الخروج منه؛ ففي 2019، قامت كاشمير هيل -وكانت حينها مراسلة لجيزمودو- بإجراء تجربة شهيرة حاولت فيها أن تستغني عن خمس شركات تكنولوجية ضخمة. وكانت النتيجة أنها أمضت ستة أسابيع في وضع تعيس وهي تكافح لأداء أبسط الوظائف الرقمية. وفي هذه الأثناء، تابعت الشركات الضخمة حياتها وكأن شيئاً لم يكن.

والآن، يقترح باحثون من جامعة نورث ويسترن أساليب جديدة تسمح بمعالجة هذا الاختلال باستخدام بياناتنا الجمعية كوسيلة للمساومة والضغط. قد تكون الخوارزميات المعقدة تحت تصرف الشركات التكنولوجية، ولكنها لا تستطيع فعل شيء دون ما يكفي من البيانات الصحيحة التي يمكن أن تتدرب عليها.

وفي بحث جديد سيتم عرضه خلال الأسبوع المقبل في إطار مؤتمر رابطة آلات الحوسبة للعدالة والمسؤولية والشفافية، قام بعض الباحثين -بمَن فيهم طالبا الدكتوراه نيكولاس فنسنت وهانلين لي- باقتراح ثلاث وسائل تسمح للعامة باستغلال هذه الطريقة لمصلحتهم، وهي:

  • إضرابات البيانات: وهي طريقة مستوحاة من إضرابات العمل، تتضمن حجب أو حذف بياناتك بحيث لا تستطيع الشركات التكنولوجية استخدامها، وذلك عن طريق ترك المنصة أو تنصيب أدوات للخصوصية على سبيل المثال.
  • تسميم البيانات: وهي تتضمن تقديم بيانات خالية من المعنى أو مؤذية. وعلى سبيل المثال، فإن أدنيواسيم (AdNauseam) هو امتداد برمجي لمتصفح الويب يقوم بالنقر على جميع الإعلانات التي تظهر أمامك، ما يؤدي إلى إرباك خوارزميات الإعلانات الموجهة لجوجل.
  • المساهمة المقصودة بالبيانات: وهي تتضمن إعطاء بيانات جيدة إلى منصة منافسة للمنصة التي تريد الاحتجاج عليها، مثل نقل صورك الموجودة على فيسبوك إلى تمبلر بدلاً منها.

وقد بدأ الناس من قبل يستخدمون الكثير من هذه الأساليب لحماية خصوصيتهم. فإذا سبق لك وأن استخدمت امتداداً برمجياً لحظر الإعلانات، أو أي امتداد برمجي آخر للمتصفح يقوم بتعديل نتائج البحث لاستبعاد مواقع معينة، فهذا يعني أنك شاركت في إضراب البيانات واستعدت شيئاً من استقلالك وسيطرتك على بياناتك. ولكن، وكما وجدت هيل، فإن هذه الأفعال المتفرقة لا تُحدث أثراً يُذكر في دفع الشركات التكنولوجية العملاقة نحو تغيير سلوكها.

ولكن، ماذا لو قام الملايين من الأشخاص بعملية منسقة لتسميم بيانات شركة تكنولوجية عملاقة؟ قد تكون هذه وسيلة ضغط ناجحة تسمح لهم بالحصول على بعض مطالبهم.

ومن المحتمل أنه ثمة أمثلة على هذا حدثت سابقاً؛ ففي يناير، قام الملايين من المستخدمين بحذف حساباتهم على واتساب والانتقال إلى منصات منافسة مثل سيجنال وتيليجرام، بعد أن أعلنت فيسبوك أنها ستبدأ بمشاركة بيانات واتساب مع باقي أجزاء الشركة. ونتيجة لهذا الانسحاب الجماعي، قررت فيسبوك تأجيل هذه التغييرات في سياستها.

ومؤخراً، أعلنت جوجل أيضاً أنها ستتوقف عن تتبع الأفراد عبر الإنترنت واستهدافهم بالإعلانات. وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا تغييراً جديداً أو مجرد تلاعب بالمصطلحات، كما يقول فنسنت، فمن المحتمل أن زيادة استخدام الأدوات مثل أدنيواسيم قد ساهمت في هذا القرار، وذلك بسبب تراجع فعالية خوارزمية الشركات. وبطبيعة الحال، فليس من السهل أن نجزم بشكل مؤكد. يقول فنسنت: "إن الجهة الوحيدة التي تعرف حقاً مدى فعالية تأثير هذا التحرك على النظام هو الشركة التكنولوجية نفسها".

يعتقد فنسنت وهانلين لي أن هذه الحملات يمكن أن تكون مكملة لإستراتيجيات أخرى، مثل حركات تغيير ودعم السياسات وتنظيم العمال في التحرك لمقاومة الشركات التكنولوجية الكبيرة.

يقول علي الخطيب، وهو باحث زميل في مركز أخلاقيات البيانات التطبيقية في جامعة سان فرانسيسكو، ولم يشارك في البحث: "إن رؤية عمل كهذا تبعث على الحماس. فقد كان من المثير للاهتمام إلى درجة كبيرة أن نراهم يفكرون بوجهة نظر جمعية أو شاملة: حيث نستطيع العبث بمخزون البيانات وإطلاق المطالب مع هذا التهديد؛ لأنها بياناتنا وتصب في هذا المخزون معاً".

ما زال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به حتى تصبح هذه الحملات أكثر انتشاراً. ويمكن لعلماء الحاسوب أن يلعبوا دوراً هاماً في بناء المزيد من الأدوات المشابهة لأدنيواسيم، على سبيل المثال، ما يمكن أن يساعد على جعل المشاركة في هذه التكتيكات أكثر سهولة. ويمكن لصناع السياسات أن يساهموا أيضاً؛ حيث تحقق إضرابات البيانات أفضل النتائج عندما تكون مدعومة بقوانين صارمة لخصوصية البيانات، مثل القانون العام لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي (GDPR)، الذي يمنح المستهلكين حق طلب حذف بياناتهم. ودون قوانين كهذه، من الصعب أن تضمن أن تعطيك الشركة التكنولوجية خيار حذف سجلاتك الرقمية، حتى مع إزالة حسابك.

أيضاً، ما زالت هناك أسئلة أخرى تنتظر الإجابة. فكم شخصاً يحتاج إضراب البيانات حتى يلحق الضرر بخوارزمية الشركة؟ وما البيانات التي تحقق أعلى فعالية في تسميم نظام معين؟ أجرى الباحثون عملية محاكاة على خوارزمية توصية للأفلام السينمائية، ووجدوا أن إضراب 30% من المشتركين يمكن أن يخفض من دقة النظام بنسبة 50%. غير أن أنظمة التعلم الآلي متباينة، كما أن الشركات تقوم بتحديثها على الدوام. ويأمل الباحثون بأن يقوم المزيد من العاملين في مجال التعلم الآلي بإجراء عمليات محاكاة مشابهة على أنظمة شركات مختلفة وتحديد نقاط ضعفها.

كما يقترح الخطيب وجوب إجراء الأكاديميين للمزيد من الأبحاث حول كيفية إلهام الناس ودفعهم إلى اتخاذ أفعال جمعية تتعلق بالبيانات. ويقول: "إن الأفعال الجَمعية صعبة للغاية؛ حيث يمثل دفع الناس إلى المشاركة في فعل ما تحدياً بحد ذاته. وهناك أيضاً تحدٍّ آخر في إقناع أفراد شريحة عابرة بصورة سريعة للغاية -مثل الأشخاص الذين يستخدمون محرك بحث لمدة خمس ثوانٍ- بأن ينظروا إلى أنفسهم كجزء من مجموعة تدوم لفترة طويلة".

ويضيف أن هذه التكتيكات قد تؤدي إلى عواقب لاحقة أخرى يجب أن ندرسها بعناية أيضاً؛ فقد يتحول تسميم البيانات في نهاية المطاف إلى عبء إضافي يُلقى به على كاهل مراقبي المحتوى وغيرهم من الأشخاص المكلفين بتصفية وتصنيف بيانات التدريب للشركات.

ولكن، وبشكل عام، يشعر كل من فنسنت ولي والخطيب بالتفاؤل إزاء إمكانية تحويل هذه الأساليب للضغط بالبيانات إلى أداة مؤثرة في تحديد كيفية تعامل الشركات التكنولوجية العملاقة مع بياناتنا وخصوصيتنا؛ حيث "تعتمد جميع الأنظمة على البيانات،  وهي حقيقة بسيطة ولا يمكن تغييرها حول طريقة عملها"، كما يقول فنسنت. ويضيف: "في نهاية المطاف، فإنها تمثل وسيلة تسمح للعامة باكتساب درجة من السلطة".