من داعم لتطويره إلى محذّرٍ منه: لماذا يخشى إيلون ماسك الذكاء الاصطناعي؟

6 دقائق
من داعم لتطويره إلى محذّرٍ منه: لماذا يخشى إيلون ماسك الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: غيتي إيميدجز

عندما استضاف الرئيس التنفيذي لشركة تسلا (Tesla)، إيلون ماسك، أول حدث يحمل اسم "يوم المستثمر" (Investor Day) مع فريقه القيادي في مصنع غيغا فاكتوري (Gigafactory) في تكساس في 1 مارس/ آذار، لم يكن الحدث لحظة عميقة الأثر ومميزة كما كان معجبو تسلا وممولوها يتوقعون. ولكن هذا لم يكن بسبب قلة الوعود الجديدة والطموحة، فقد كان الحدث مليئاً بها، مثل "الخطة الرئيسية" التي تنقل تسلا إلى موقع الريادة في التحول إلى الطاقة النظيفة، وذلك بتوسيع عمليات تصنيع التكنولوجيات الخضراء إلى منتجات أخرى، مثل المضخات الحرارية وبطاريات تخزين الطاقة. كما لمّح الحدث إلى بناء مصنع غيغا فاكتوري في المكسيك، وطراز محسن من نظام شحن السيارات فائق السرعة، إضافة إلى طرازين محتملين جديدين من السيارات. 

وسط حدثٍ مخيب للآمال: سؤال عن الذكاء الاصطناعي التوليدي

وعلى الرغم من كل هذا، كان الحدث مخيباً للآمال. فقد رفض ماسك الإفصاح عن تفاصيل واضحة حول منتجات تسلا الجديدة، وهكذا، هبط سعر سهم الشركة -والتي ما زالت الركيزة الأساسية لثروة الرئيس التنفيذي- بنسبة 7% تقريباً بعد الحدث. ووفقاً لردود الفعل على الإنترنت، فإن اللحظة الأبرز لم تكن ضمن العرض التقديمي الأساسي، بل خلال فترة الحوار في نهاية اللقاء، عندما وجه أحد الحضور سؤالاً إلى ماسك حول الموضوع الأبرز، والذي لم يُطرح للنقاش حتى تلك اللحظة، وهو الذكاء الاصطناعي، حيث قال له: "أود أن أعرف رأيك بالذكاء الاصطناعي التوليدي وهذه الإنجازات الخارقة السريعة التي تحققت في مجال الذكاء الاصطناعي في الشهر الماضي، وكيف يمكن لها أن تساعدك في التخفيف من عناء تصنيع السيارات".

وأفضت إجابة ماسك النهائية إلى أكثر لحظات اللقاء رصانة وهدوءاً، على مدى أربع ساعات كاملة. فقد بدأ ماسك إجابته قائلاً: "لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيساعدنا في تصنيع السيارات في أي وقت قريب"، قبل أن يتوسع خارج نطاق تسلا. "وأشعر بالقلق إزاء الذكاء الاصطناعي، وأعتقد أنه ينطوي على ما يجب أن يثير مخاوفنا، بطريقة أو بأخرى". وبعد أن سكت فترة طويلة بعض الشيء، تابع قائلاً: "أعتقد أننا بحاجة إلى سلطة تنظيمية أو كيان ما للإشراف على تطوير الذكاء الاصطناعي، والحرص على استخدامه للمصلحة العامة".

اقرأ أيضاً: من خبير تكنولوجيا إلى إيلون ماسك: لا يمكن إصلاح تويتر بتغيير التعليمات البرمجية فقط

وتلتها لحظة من التأمل الذاتي: "إنها تكنولوجيا خطيرة للغاية، كما تعلمون. وأخشى أنني ربما أسهمت في تسريع تطويرها بسبب بعض الأشياء التي قمت بها". وبعد ذلك، انتقل ماسك بملاحظاته إلى التطبيقات "المفيدة"، مثل تكنولوجيا تسلا للقيادة الذاتية (بطبيعة الحال) قبل أن يختتم "يوم المستثمر" ببعض التردد: "إن تسلا تستخدم الذكاء الاصطناعي في أشياء مفيدة"، وتنهد بعمق، ثم تابع قائلاً: "لا أعلم. هذه المسألة مرهقة بالنسبة لي، ولا أدري ما يمكن أن أقوله عنها أكثر مما قلته".

رأي مخالف للتوقعات من إيلون ماسك

لقد كانت لحظة غريبة من انكسار الطابع المندفع المعتاد للملياردير، وهو رجل استعراضي يميل إلى قبعات رعاة البقر، والشاحنات الكبيرة، والتفاؤل التكنولوجي المفرط دون خطاب متجهم. ولكنها تبدو منطقية أيضاً نظراً لعلاقة ماسك المتضاربة والمتقلبة مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واهتمامه طويل الأمد بنتائجها، ونظرته إلى موقعه الخاص ضمن مشهد الذكاء الاصطناعي المتغير بسرعة.

اقرأ أيضاً: كيف سيكون الحال مع بوتات الدردشة التي تكذب وتختلق المعلومات أيضاً؟

وخلافاً لمارك زوكربيرغ وغيره من مشاهير رواد الأعمال الذين ظهروا في فترة ازدهار وادي السيليكون في بداية هذا القرن، كان إيلون ماسك على الدوام أقرب إلى الخوف منه إلى الحماس فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي. ففي 2014، وخلال خطاب في معهد إم آي تي، قال ماسك للطلبة إننا "يجب أن نكون حذرين للغاية إزاء الذكاء الاصطناعي. ووفقاً لتخميناتي، فهو على الأرجح أكبر خطر يهدد وجودنا". ومع أن ماسك قد أعرب منذ فترة طويلة عن شكوكه إزاء اللوائح التنظيمية الحكومية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إلا أنه قال في إم آي تي إنه "أكثر ميلاً من ذي قبل إلى الاعتقاد بوجوب وجود إشراف قانوني من جهة ما، حتى نضمن فقط عدم ارتكابنا لحماقة كبرى". من المرجح أن هذه التعليقات بدت غريبة في ذلك الوقت، نظراً لأن ماسك كان قد استثمر في الشركتين الناشئتين المختصتين بالذكاء الاصطناعي، ديب مايند (DeepMind) وفيكاريوس (Vicarious)، ولكنه قال لمحطة سي إن بي سي (CNBC) إن هذه الاستثمارات المالية تهدف إلى "مراقبة ما يحدث فقط"، مُنصّباً نفسه مراقباً للذكاء الاصطناعي لحماية البشرية من مستقبل على شاكلة ما ظهر في فيلم "المبيد" (Terminator).

حارس البشرية قلق

حافظ ماسك بصورة واضحة على موقفه الذي يجمع بين القلق والمراقبة. ففي 2015، وقع رسالة مفتوحة تعارض استخدام الأسلحة ذاتية التحكم، وشارك في تأسيس شركة ناشئة صغيرة لا ربحية حققت شيئاً من الشهرة لاحقاً: وهي شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، والتي تم تأسيسها في البداية كمركز بحثي من أجل "بناء تكنولوجيات تعزز قدرات البشر بدلاً من أن تحل محلهم"، كما كتبت صحيفة نيويورك تايمز (New York Times). وفي 2017، أطلق شركته نيورالينك (Neuralink) لبناء أجهزة قادرة على التفاعل مع الدماغ البشري -أجل، إنها أقرب إلى أفلام الخيال العلمي مثل ماتريكس- وأطلق نداء موجهاً إلى المسؤولين الأميركيين كي يكونوا "مبادرين في صياغة قوانين" تنظم تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، والتي اعتبرها "أكبر خطر يهدد الحضارة البشرية" مستشهداً بمعلوماته الخاصة التي حصل عليها بفضل "الإمكانات الخاصة التي يمتلكها في استخدام أحدث تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي على الإطلاق".

اقرأ أيضاً: متى يشكّل إطلاق التكنولوجيا للجمهور خطراً كبيراً؟

(وقد نشر تغريدة معبرة للغاية في ذلك الوقت: "حسب رأيي الخاص، فإن التنافس على تحقيق التفوق في الذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني سيكون سبباً في الحرب العالمية الثالثة على الأرجح")، وفي السنة التالية، ترك منصبه في مجلس إدارة أوبن أيه آي بسبب "خلافات" حول مهمة الشركة. وفي تلك الفترة أيضاً، انتقل هذا الهوس إلى حياته الشخصية، فقد بدأ ماسك علاقة عاطفية مع فنانة البوب الموسيقية غرايمز بعد أن اكتشف أنها نشرت تغريدة مشابهة لتغريدة تتضمن تلاعباً لفظياً كان قد نشرها حول تجربة ذهنية تتعلق بالذكاء الاصطناعي.

لطالما كان من الصعب تحديد هدف ماسك من حملته المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. فمن جهة، ثمة العديد من الشخصيات البارزة التي تشاركه مخاوفه حول خطر الذكاء الاصطناعي على البشرية، مثل ستيفن هوكينغ، ومن جهة أخرى، فإن الكثيرين من باحثي الذكاء الاصطناعي وأقران ماسك من شخصيات وادي السيليكون ينظرون إليه على أنه متشائم ويميل إلى نشر المخاوف دون أساس راسخ، ومن جهة ثالثة، فإن الرئيس التنفيذي لشركة تسلا وصاحب الذهنية المستقبلية ساعد على تحقيق الكثير من الإنجازات التي قد تبدو مرعبة للبعض في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مثل الروبوتات التي تشبه البشر، وينظر إلى نفسه على أنه في موقع فريد يتيح له ممارسة دور حارس البشرية. ولهذا السبب، يطالب الحكومة بفرض الرقابة عليه فيما تعمل فرقه على بناء روبوتات تسلا وأنظمة الربان الآلي.

اقرأ أيضاً: هل ينقذ الذكاء الاصطناعي اللغات المهددة بالانقراض؟

ماسك: من راعٍ لتطوير الذكاء الاصطناعي إلى محذر منه

لقد أسهم ماسك في التحذير من الذكاء الاصطناعي، كما أسهم في تسريع تطويره، وهو ما يتوافق مع الفلسفة التي يرتكز عليها موقفه، وهي فلسفة "بُعد النظر"، والتي تقول إنه يقع علينا عبء أخلاقي لتحسين القدرات والإمكانات البشرية في المستقبل، بأي شكل كان. لقد حقق هذا المصطلح انتشاراً واسعاً يتجاوز الأوساط التكنولوجية -حيث وجد جمهوراً مؤيداً- بعد سقوط الرئيس التنفيذي لشركة إف تي إكس (FTX)، سام بانكمان-فرايد، والذي أدى ارتباطه بحركة "الإيثار الفعال" التي تحمل نفس الطابع إلى توجيه أخلاقياته الخاصة، والقائمة على مبدأ الاكتساب من أجل العطاء. (أو على الأقل، هكذا وصف سام بانكمان-فرايد فلسفته ذات مرة، على الرغم من أنه متهم حالياً باستخدام إف تي إكس كحصّالة لمصروفه الشخصي). 

اقرأ أيضاً: تشات جي بي تي يسقط ورقة التوت عن المنشورات المحكمة

غالباً ما يصف المفكرون البارزون في هذا المجال الذكاء الاصطناعي الجامح على أنه عائق يحول دون تحقيق الهدف المتمثل في زيادة القدرات البشرية، ويضعون هذا الجموح على قدم المساواة مع أخطار أخرى، مثل الحروب النووية والأوبئة. وعلى الرغم من خوف دعاة فلسفتي بعد النظر والإيثار الفعال من الذكاء الاصطناعي، فإن الكثيرين يعتبرون تطويره ضرورة لمصلحة البشر: فشركة ذا فيوتشر فاند (The Future Fund) البارزة في مجال الاستثمار في الإيثار الفعال قالت إنه "بمساعدة الذكاء الاصطناعي المتطور، يمكننا تحقيق تقدم هائل نحو القضاء على الفقر ومعاناة الحيوانات والموت المبكر والأمراض المضنية على مستوى العالم". ولكن هذه الجهات تقول إن هذا يجب أن يتم دون التقليل من النفوذ والأثر البشري في صياغة شكل الحضارة خلال السنوات القادمة.

اقرأ أيضاً: هل يهددنا الذكاء الاصطناعي بذكائه أم أنها رومانسيتنا وغباؤه؟

ويبدو أن هذا المسار يمثل مسعى إيلون ماسك على مدى السنوات السابقة، أي التحذير من أسوأ النتائج المحتملة للذكاء الاصطناعي، والسعي إلى ضمان استخدامه فقط في تحقيق أفضل نتائج للبشرية. إذاً، فمن المحتمل أن ماسك في يوم المستثمر الخاص بتسلا كان يفكر في مدى تطابق هذا المسعى مع أثر تجاربه وأفكاره المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. حالياً، يشعر ماسك بالارتباك إزاء أوبن أيه آي (والتي أصبحت الآن شركة ربحية) والإنجازات المذهلة التي حققتها في أدوات توليد النصوص مثل تشات جي بي تي، كما يبدو أنه يكره فكرة الاستثمار الكبير لمايكروسوفت (Microsoft) في هذه الشركة، مستنكراً ما يعتبره سيطرة للشركات على الأبحاث مفتوحة المصدر. بالنسبة لماسك، فإن هذا السباق في مجال بوتات الدردشة سباق مثير للقلق ويشبه سباق تسلح محموماً، فمنذ فترة قريبة، قارن أداة بينغ الفاشلة من مايكروسوفت بشخصية شريرة من شخصيات ألعاب الفيديو "التي تصاب بالجنون وتقتل الجميع".

ولكن، ما هي خطط ماسك الفعلية لمواجهة أخطار الذكاء الاصطناعي الجديدة، والتي أسهم في ظهورها إلى العالم، إذا كانت خطيرة إلى هذه الدرجة كما يعتقد؟ وفقاً لما تقول التقارير، فإنه يعمل على بناء بوت منافس لتشات جي بي تي، لأن واجهته التخاطبية -كما هو متوقع- مدربة على عدم إطلاق العبارات العنصرية، إضافة إلى العديد من الإجراءات الأخرى للحماية من المحتوى المسيء. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، غرد قائلاً إن "خطر تدريب الذكاء الاصطناعي على اتخاذ طابع حركة الووك (woke) -أي الكذب- يمكن أن يكون قاتلاً". يبدو أنه قاتل خطير للغاية، شأنه شأن الحرب العالمية الثالثة، على ما أظن.