هل يمكن تأسيس عملات رقمية خاصة بشعبٍ ما؟

3 دقائق
هل يمكن تأسيس عملات رقمية خاصة بشعبٍ ما؟
حقوق الصورة: شون هيزن.

رغب بايو هاريس بتأسيس عملة مشفرة لجدته. أو بالأحرى لكل الجدات، أو "أونكيس" بلغة شعب لاكوتا، خصوصاً الجدات الفقيرات اللواتي يعشن على أطراف محمية باين ريدج الهندية في ساوث داكوتا، في منطقة ضعيفة للغاية من حيث خدمات الكهرباء والإنترنت. ويقول إنه يمكن اعتبار مازاكوين عملة ناجحة إذا استخدمتها جدته كل يوم. وإذا بدت هذه الفكرة مستبعدة، فهذا يعود إلى أنها صعبة التحقق فعلاً، حيث شهدت مازاكوين تقلبات عديدة منذ ابتكر فكرتها. ولكن وبعد 10 سنوات، ما زال حلم هاريس أكثر وضوحاً من ذي قبل، وإن كان قد أصبح أكثر تعقيداً مما كان عليه في بدايته. 

مازاكوين: على خطا البيتكوين

كان هاريس يعمل في المجمع التجاري قرب باين ريدج عندما سمع ببيتكوين لأول مرة من أحد أصدقائه. وخلال ذلك اليوم، كان يترك حاسوبه المحمول وهو يقوم بعملية التعدين عن العملات، ويتفقده خلال استراحات التدخين. وتشبه قصته قصص الكثيرين من عشاق العملات المشفرة. فقد أصبح هاريس أكثر انجذاباً إلى الضجيج الإعلامي المرافق للبيتكوين، وتعلم كيفية البرمجة وقراءة التقارير الأولية في أيام العطلة. وفي نهاية المطاف، وبالاشتراك مع مبرمج يُعرف باسمه المزيف أنونيموس بايرت فقط، قام ببناء عملة رقمية أطلق عليها في ذلك الوقت اسم مبادرة أوياتي لأوغالا سيوكس، وهي قبيلة فرعية من شعب لاكوتا. وكان يحاول إمداد منطقة المحمية الهندية باقتصاد أكثر استقلالاً. 

اقرأ أيضاً: هل سيصمد المال النقدي في وجه إغراء العملات الرقمية؟

وفي مقالة في مجلة "فوربس" (Forbes) حول المشروع في 2013، أطلق هاريس على المشروع لقب "انتقام مهووسي الحواسيب". لقد تناقشت مجموعات السكان الأصليين، مثل شعب لاكوتا الذي تعرض لدمار هائل في مجزرة "وونديد ني" (Wounded Knee Massacre) منذ أكثر من 100 سنة، بإمكانية تأسيس عملة خاصة بالسكان الأصليين منذ بدايات نظام المحميات. وعلى الرغم من عدم اتخاذ أي إجراءات فعلية بهذا الخصوص، فإن الفكرة تقول إن العملة المستقلة يمكن أن توفر الاستقلال عن النظام القانوني الأميركي، إضافة إلى المزيد من السيطرة على النمو الاقتصادي. 

وفي البداية، بدت مازاكوين كإحدى الإنجازات المبشرة في عالم العملات المشفرة. ويصف هاريس أول بضعة أشهر بعد إطلاق العملة في 2014 بشكل أقرب ما يكون إلى جولة إعلامية بهيجة، فعندما رن جرس الافتتاح في مركز نيويورك للبيتكوين وحضر بعد ذلك اجتماعاً في مكاتب فيسبوك، كانت قيمة مازاكوين السوقية تحلق لتصل إلى مستوى 6.8 مليون دولار. ولكن العملة هبطت بسرعة تضاهي سرعة صعودها، وهو ما يعزوه هاريس إلى التغطية المثيرة للجدل، والتي زعمت أن قادة لاكوتا لم يعرفوا بالمشروع على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: ما هو إيثيريوم 2.0؟ وكيف سيعمل على تغيير العملة المشفرة إيثر؟

ضرورة تثقيف المجتمعات المحلية بالعملات الرقمية قبل بدء أي مشروع لها

فمنذ البداية، خصص هاريس 10 ملايين عملة رقمية كاحتياطي لصندوق تنمية لاكوتا. وباستثناء المحمية، لا يوجد فرق كبير بين مازاكوين وبيتكوين من الناحية الفنية، ما يجعل تسويقها بوصفها "عملة بديلة" أمراً صعباً. ولكن هاريس لا يحاول اجتذاب نطاق واسع من المستثمرين. ويقول إنه لم يكن حتى بحاجة إلى القيم المرتفعة التي شهدها في البداية، فهو يرغب فقط ببناء نظام لتأمين القيمة للسكان الأصليين، بدءاً بلاكوتا على باين ريدج، مع التوسع لاحقاً إلى قبائل ومحميات أخرى.

ولكن التحديات التي تواجهها مازاكوين مختلفة جذرياً عما كانت تواجهه منذ عدة سنوات مضت، فقد أدرك هاريس وفريقه أن تأسيس عملة وطنية يستوجب من المجلس القبلي أن يمتلك القدرة على صياغة سياسة مالية. ويقول: "لقد كنت أنظر إلى المسألة من وجهة نظر سيادية واستقلالية، ولكن وجود هيكلية عملة خاصة بنا وسياسة مالية حيوية وشاملة أمر أساسي لبناء اقتصادنا الخاص بنا، وبناء أسواقنا الخاصة بنا، وبناء مستقبلنا، والابتعاد عن التمويل الفدرالي. وهو أمر لا يحتمل الجدل".

اقرأ أيضاً: هل ستنجح عملة ميتا المشفرة التي تحمل اسم مارك زوكربيرج أم سيكون مصيرها كسابقاتها؟

تتمتع القبائل بدرجة من الاستقلال عن القوانين الأميركية، ما يعني أن السياسات الجديدة التي استهدفت العملات المشفرة قد لا تؤثر على مازاكوين. 

في الوقت الحالي، تعتمد الشعوب الأصلية على الدولار الأميركي، ما يعني أنها تعتمد على مجموعة السياسات التي يضعها الاحتياطي الفدرالي، والخزينة، والكونغرس. ولكن القبائل، وبوصفها شعوباً تتميز "بالتبعية المحلية القبلية"، فإنها تتمتع بدرجة من الاستقلالية عن القوانين الأميركية، ما يعني أن السياسات الجديدة التي تستهدف العملات المشفرة قد لا تؤثر على مازاكوين. يأمل هاريس بأن هذا العزل يمكن أن يزيد من جاذبية مازاكوين في المستقبل القريب، نظراً للاندفاع الفدرالي نحو تنظيم العملات المشفرة. 

وفي هذه الأثناء، وجد هاريس استخدامات أخرى لتكنولوجيته، فقد كان يعمل على تحويل الموارد الطبيعية التي تمتلكها القبيلة إلى عملات، مثل الذهب الذي لم يخضع للتنقيب بعد في بلاك هيلز، أو احتياطيات الفحم التي يمكن تحويلها إلى سلع. كما يعمل هاريس أيضاً على ترتيب الاتفاقات القبلية، والوثائق، والأصول التاريخية على البلوك تشين، وذلك لتأسيس نظام خاص بالسكان الأصليين للاحتفاظ بالسجلات. وبالنسبة له، يتمحور المشروع بأكمله حول تأكيد السيادة، وإعادة ضخ الأموال إلى المحمية.

اقرأ أيضاً: ما التغييرات الكبرى التي ستحدثها العملات الرقمية في النظام المالي العالمي؟

ولكن مازاكوين ما زالت في مرحلتها الأولية التي تتضمن اجتذاب عمليات الشراء من أفراد القبيلة، ومحاولة رفع قيمتها. كما قدم هاريس طلباً إلى الرئيس القبلي المؤقت الجديد لتأسيس مكتب رسمي للعملات المشفرة. ومع رفع قيود الحجر الصحي بسبب كوفيد، يخطط هاريس للقيام بجولة تسويقية لتقديم مازاكوين إلى القبيلة وتثقيف الناس حول أساسيات العملات المشفرة، مثل كيفية إعداد محفظة رقمية. 

ويقول هاريس إنه لاحظ زيادة واضحة في الاهتمام مؤخراً مع دخول العملات المشفرة والأصول الرقمية -مثل الرموز غير القابلة للاستبدال- نطاق النقاشات العامة بشكل متزايد، ولكن الأسعار لم ترتفع بنفس الوتيرة. ويقول: "يسألني الكثيرون عن التوجه الذي أريد أن تتخذه مازاكوين. ولكن تحديد هذا الأمر ليس عائداً لي. بل هو عائد للقبائل".

المحتوى محمي