في دراسة مشتركة لباحثين من جامعة لوند في السويد وجامعة قوانغدونغ للمحيطات في الصين، وجد الباحثون أن المزارع الشمسية الضخمة التي تُبنى في مكان ما على الكوكب قد تؤثر على المناخ وعلى كمية الطاقة الشمسية التي يمكن توليدها في أماكن أخرى من العالم.
كيف تغيّر مزارع الطاقة الشمسية الضخمة قدرة أماكن أخرى على توليد الطاقة؟
الطاقة الشمسية من أكثر أنواع الطاقة استدامة واستخداماً اليوم، فهي على عكس مصادر الطاقة التي نحصل عليها من الوقود الأحفوري، يمكن لأي شخص على الأرض التقاطها والاستفادة منها من موقعه، دون أن يضر بقدرة أي شخص آخر على الاستفادة منها.
لكن بحثاً جديداً منشوراً في دورية نيتشر في 8 يناير/ كانون الثاني 2024، وجد أن مزارع الطاقة الشمسية الضخمة قد تؤثر على الطقس المحيط بها، وعلى المناخ ككل في النهاية، وعلى إنتاج الطاقة الشمسية في أماكن أخرى من العالم.
تتأثر نسبة إنتاج الطاقة الشمسية بالظروف الجوية وباختلاف الأيام والمواسم، حيث تمنع السحب والأمطار والثلوج والضباب وصول ضوء الشمس إلى الألواح الشمسية، ويتأثر الإنتاج أيضاً بدرجات الحرارة المرتفعة.
اقرأ أيضاً: منها محطات في الدول العربية: إليك أكبر 6 محطات للطاقة الشمسية في العالم
على المدى الطويل، يمكن أن يؤثر تغير المناخ على كثافة السُحب في مناطق معينة وعلى كمية الأشعة الشمسية التي يمكنها النفاذ منها. لذلك قد نلحظ انخفاضاً في الطاقة الشمسية شمال أوروبا على سبيل المثال، وزيادة في الإشعاع الشمسي المتاح في بقية أوروبا والساحل الشرقي للولايات المتحدة وشمال الصين.
المحاكاة الحاسوبية أظهرت التغيرات المناخية المحتملة
قد يكون لمزارع الطاقة الشمسية الضخمة تأثيراً مماثلاً، وللتحقق من ذلك، استخدم الباحثون برنامجاً حاسوبياً لنمذجة نظام الأرض ومحاكاة كيفية تأثير مزارع الطاقة الشمسية الافتراضية الضخمة التي تغطي 20% من الصحراء الكبرى على توليد الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم.
تمتص الألواح الشمسية الكهروضوئية حرارة أكبر بكثير من رمال الصحراء بسبب لونها الداكن، وتحول جزءاً صغيراً منها إلى طاقة، ويؤدي الجزء الأكبر إلى تسخين الألواح. وعند وجود عدد هائل من الألواح الشمسية في مكان واحد ستؤدي هذه الطاقة إلى رفع درجة حرارة المنطقة بأكملها.
وفي المحاكاة الحاسوبية التي أجراها الباحثون في الصحراء الكبرى، وجدوا أن مصدر الحرارة الجديد هذا سيعيد ترتيب أنماط المناخ العالمي، ويحوّل هطول الأمطار بعيداً عن المناطق الاستوائية، وتصبح الصحراء أكثر اخضراراً مرة أخرى، تماماً كما كانت قبل نحو 5000 عام.
علاوة على ذلك، سيُحدِث ذلك تأثيراً على أنماط الغطاء السحابي وكمية الطاقة الشمسية التي يمكن توليدها حول العالم، حيث ستزداد كثافة الغيوم في الشرق الأوسط وجنوب أوروبا والهند وشرق الصين وأستراليا وجنوب غرب الولايات المتحدة، وستصبح بالتالي أقل قدرة على توليد الطاقة الشمسية.
في المقابل، ستتمكن مناطق أميركا الوسطى والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي ووسط وشرق الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية وجنوب إفريقيا من توليد المزيد من الطاقة الشمسية.
اقرأ أيضاً: 6 طرق لزيادة كفاءة الطاقة الشمسية في الشتاء
أعاد الباحثون التجربة لاكتشاف الأثر الذي ستحدثه المزارع الشمسية الضخمة في أجزاء أخرى من العالم، منها آسيا الوسطى، وأستراليا، وجنوب غرب الولايات المتحدة الأميركية، وشمال غرب الصين، ووجدوا أن كلاً منها سيؤدي إلى تغيرات مناخية في أماكن أخرى من العالم.
الدراسة نظرية بحتة وبعيدة عن الواقع
تعد هذه الدراسة نظرية، ويقول الباحثون إن هذه التغيرات المناخية لن تتجاوز أجزاء في المائة، ومهما كانت ضخامة مزارع الطاقة الشمسية التي نبنيها في الدول الاسكندنافية ستبقى باردة وغائمة، وستبقى أستراليا حارة ومشمسة.
ويؤكدون أيضاً أن هذه السيناريوهات افتراضية، ومن غير المرجح أن تُحدِث تأثيراً حقيقياً. إذ أن سيناريو الصحراء الكبرى يفترض تغطية 20% من الصحراء بمزارع الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وهو أمر غير وارد في المستقبل القريب. وبفرض تغطية 5% من مساحة الصحراء الكبرى، فإن التأثيرات العالمية تصبح ضئيلة في الأغلب.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى استخدامات الطاقة الشمسية في حياة الإنسان قديماً وحديثاً
ما أهمية الدراسة إذاً؟
صحيح أن الدراسة نظرية، إلّا أن لها أهمية كبيرة في المستقبل الذي تسعى فيه الدول من حول العالم إلى بناء مزارع الطاقة الشمسية الضخمة، ويزداد الاعتماد عليها كمصدر أساسي للطاقة.
قد يؤدي ذلك إلى خلق شبكة معقدة من التبعيات والتنافسات والفرص، كما أن المناورات الجيوسياسية لبناء مشاريع الطاقة الشمسية من قبل بعض الدول قد تحمل قوة جديدة كبيرة تؤثر على إمكانات توليد الطاقة الشمسية بعيداً عن حدودها الوطنية.
يدعو الباحثون الدول إلى تعزيز التعاون فيما بينها لضمان تقاسم فوائد الطاقة الشمسية بشكل عادل في جميع أنحاء العالم، والعمل معاً على التخطيط المكاني لمشاريع الطاقة الشمسية المستقبلية واسعة النطاق، وتنفيذ حلول طاقة عادلة ومستدامة وتجنب أي مخاطر غير مقصودة لإنتاج الطاقة الشمسية في المستقبل.