دراسة جديدة تكشف عن تأثيرات الحرمان من النوم على الجسم

3 دقائق
مصدر الصورة: آدي جولدشتاين عبر أنسبلاش

لا شكّ في أن معظمنا قد مرّ بمراحل من قلة النوم وشعرنا بتأثيرات الأرق المتمثلة في الإنهاك والتعب وضعف التركيز والصداع، بل حتى الهلوسة. وتشير الدراسات إلى أن نقص النوم المزمن مرتبط فعلاً بأمراض مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري والاكتئاب، وأن الحرمان الكامل من النوم يؤدي حتماً إلى الموت. ولكن بعد عقود من التجارب العلمية حول النوم وأضرار الحرمان منه عند بعض الحيوانات والتي ركّزت على الدماغ والأعصاب، بقي أحد الأسئلة المحورية من دون جواب: لماذا يؤدي الحرمان من النوم إلى الموت خلال أيام أو أسابيع؟

وهنا يأتي دور دراجانا روجولا، وهي مختصة في علم الأعصاب وعلم الأحياء التطوري؛ حيث تمكّنت هي وفريقها في كلية الطب بجامعة هارفارد من اكتشاف علاقة سببية بين الحرمان من النوم والموت المُبكر. وفي دراستهم المنشورة في مجلة سيل (Cell) مطلع هذا الشهر، قام الباحثون بإجراء مجموعة من التجارب على ذبابات الفاكهة المحرومة من النوم، واكتشفوا تراكم جزيئات تُعرف باسم أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) في أمعاء الذبابة المحرومة من النوم قبل موتها، والتي توهّجت باللون الأرجواني في الصور المجهرية الإلكترونية. وتتسبب هذه الجزيئات بتدمير الدنا وإحداث أضرار في الأنسجة لتقود لاحقاً إلى موتها.

تراكم أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) في أمعاء ذبابات الفاكهة محرومة النوم باللون الأرجواني؛ بعد يوم واحد (يمين) وسبعة أيام (وسط) وعشرة أيام (يسار).
مصدر الصورة: دراسة روجولا وفاكارو وفريقهما

والأكثر أهمية من ذلك، هو أن الباحثين قد بيّنوا أن إضافة مضادات أكسدة إلى غذاء ذبابة الفاكهة المحرومة من النوم قد أدى إلى التخلّص من هذه الجزيئات وبالتالي نجاة الذبابة من الموت.

تفاصيل الدراسة

بدأت روجولا عملها في عام 2016، بالتعاون مع أليكساندرا فاكارو ويوسف كابلان دور، وهما باحثان في مرحلة ما بعد الدكتوراه؛ حيث استخدموا مجموعة من ذبابات الفاكهة، بعضها طبيعي وبعضها تم تعديله جينياً، من أجل تفعيل بروتين حساس للحرارة في عصبونات معينة. فإذا تم تعريض هذه الذبابات لحرارة تبلغ 29 درجة سيليزيوس، فإن البروتين يحرّض تفعيل هذه العصبونات بشكل دائم، وهو ما يمنع الذبابات من النوم.

ثم وضع الفريق هذه الذبابات في أنابيب منفردة، ولجؤوا إلى استخدام الأشعة تحت الحمراء لمراقبة حركتها طوال الوقت.

وبعد 10 أيام من حرمانها من النوم، ارتفع معدل موت الذبابات. وبحلول اليوم 20، كانت جميعها قد ماتت. أما الذبابات الطبيعية التي حصلت على القسط العادي من النوم، فقد عاشت لما يقارب 40 يوماً ضمن نفس ظروف التجربة.

وللإجابة عن سؤال البحث الرئيسي، قام الباحثون بتشريح الذبابات الميتة، ووجدوا أن جميع أنسجة هذه الحشرات -بما فيها الدماغ- كانت سليمة ومطابقة لأنسجة الذبابات التي لم تُحرم من النوم، مع استثناء واحد بارز: هو أن أمعاءها الدقيقة كانت مليئة بأنواع الأكسجين التفاعلية (ROS)، وهي جزيئات تحتوي على الأكسجين وتؤدي -في حال تواجدها بكميات كبيرة- إلى أذيّة الدنا وغيره من المكونات داخل الخلية. وعلاوة على ذلك، وجد الباحثون أن كمية هذه الجزيئات قد بلغت ذروتها عند اليوم 10 من الحرمان من النوم، وأنها انخفضت عندما سمحوا للذبابات بالنوم.

مقارنة تراكم أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) في عدة أنسجة بين الذبابات المحرومة من النوم وتلك التي تنام بشكل طبيعي.
مصدر الصورة: دراسة روجولا وفاكارو وفريقهما

وقد أكدّت التجارب اللاحقة التي أجراها الفريق على الفئران أن جزيئات الأكسجين التفاعلية (ROS) تتراكم فقط في أمعاء الحيوانات التي حُرمت من النوم بشكل كامل، وأظهرت أيضاً أن الأمعاء هي المصدر الأساسي لهذا النوع القاتل من الجزيئات.

إنقاذ ذبابة الفاكهة من الموت الذي يسببه الحرمان من النوم

إذا كانت الأكسدة التي تسببها أنواع الأكسجين التفاعلية تقتل الذبابات، فهل ستلعب مضادات الأكسدة دوراً في زيادة فرص نجاتها من الموت؟

للإجابة عن هذا السؤال، قام الباحثون باختبار عشرات مضادات الأكسدة المعروفة بقدرتها على التخلص من أنواع الأكسجين التفاعلية. وحددوا في نهاية المطاف 11 مركباً -منها الميلاتونين وحمض الليبويك- التي أثبتت فعاليتها في إزالة جزيئات (ROS) القاتلة، لإضافتها إلى غذاء هذه الحشرات. ونتيجة لذلك، سجَّل الباحثون نجاح هذه المضادات في إنقاذ الذبابات محرومة النوم من الموت وتمكينها من العيش لفترة حياة طبيعية.

تأثير مضادات الأكسدة في التخلّص من أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) لدى ذبابات الفاكهة والفئران المحرومة من النوم.
مصدر الصورة: دراسة روجولا وفاكارو وفريقهما

لماذا ذبابة الفاكهة؟

تزايد استخدام ذبابة الفاكهة في العديد من الأبحاث العلمية المتعلّقة بالنوم لعدة أسباب؛ فقد تمت دراسة التسلسل الجيني لهذه الحشرات باستفاضة وتفصيل في السابق، كما يحتوي على العديد من الجينات المنظمة للنوم عند الإنسان ويَسهل التلاعب في مكوناته. كما أن الكثير من الاكتشافات المتعلقة بالنوم عند ذبابة الفاكهة تم تأكيدها لدى حيوانات ثديية أخرى. وبالإضافة إلى كل ذلك، تتميز ذبابة الفاكهة بانخفاض تكاليف دراستها والحفاظ عليها في المختبر.

تعد هذه الدراسة بالغة الأهمية من عدة جوانب؛ إذ إنها وظّفت التقدم في علم الجينات لتحديد التأثيرات المباشرة للحرمان من النوم ومن دون تداخل عوامل أخرى مثل التعب أو نوع الغذاء. وأوضحت الدراسة أن أحد أهم وظائف النوم تتمثل في تنظيم عملية الأكسدة عند الحيوانات والإنسان. وعلاوة على ذلك، كشف الباحثون أن دراسة النوم ليست محصورة في علم الأعصاب، وإنما ترتبط أيضاً بالعلوم الكيميائية الحيوية وأعضاء أخرى غير الدماغ. ويأمل الباحثون أن تفتح هذه الدراسة آفاقاً جديدة لفهم أضرار نقص النوم على الجسم البشري وتطوير علاجات لمواجهتها.