لماذا يقول بيل جيتس إننا سنشهد وباءً خطيراً في كل 20 عاماً؟

5 دقائق
مصدر الصورة: جي آر كوربا عبر أنسبلاش

يتناول الجزء الأول من الوثائقي "Inside Bill’s Brain" الذي عُرض على نتفليكس حربَ مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل جيتس، على الأوبئة. وفي أحد المشاهد، يظهر الرجل مراجعاً كماً هائلاً من التقارير السنوية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

ويشير معدُّو الوثائقي إلى أن جيتس كان من القلّة الذين يقرؤون بإسهاب شديد التقاريرَ التنموية والصحية العالمية، وتجدر الإشارة في الوثائقي إلى أن التقارير الصحية والتنموية تسبب الملل للقراء، إلا أن جيتس كان يستمتع بها.

شكلت قراءة بيل جيتس للتقارير حدساً قوياً لديه لفهم آلية تشكل الأوبئة وانتشارها وأسباب الفشل في مكافحتها. وقبل أسبوع صرح مؤسس شركة مايكروسوفت لـ "فاينانشيال تايمز" أن البشرية ستشهد كل 20 عاماً جائحة تشبه تفشي كورونا، ووصف جيتس هذه الجائحة الأخيرة بأنها "أضخم حدثٍ شهدته البشرية"، وأشار إلى أن صانعي السياسات الدولية صرفوا تريليونات الدولارات في الأماكن الخاطئة، ورأى أنه في حال التهاون مع الأوبئة، فقد تقضي جائحة كورونا على أكثر من 30 مليون إنسان في أقل من عام.

وبحسب جيتس، تمثل جائحة كورونا اختباراً حقيقياً لصنّاع القرار بهدف رصد سياساتهم الحكومية في التصدي للأوبئة، وكيفية عملهم على تأمين اللقاحات وتوفير أنظمة إنذار مبكر للأوبئة.

ولكن على ضوء تصريحاته الأخيرة المتعلقة بكورونا، تعرَّض جيتس لهجوم شرس من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، وسادت نظرية المؤامرة التي تتهمه بمعرفة مسبقة بأن جائحة كورونا ستحدث، فانتشر فيديو على يوتيوب وصف بيل جيتس بألفاظ سيئة جداً، وتفاعل معه ملايين المشاهدين الذين صدَّقوا محتواه.

وتعمد بعض المستخدمين تغيير مسار تصريحات جيتس عن طريق القول بأنه كان على اطلاع بجائحة كورونا وأنه متورط فيها، واستعاد بعض المستخدمين مقالات قديمة له، مثل مقالة كان قد نشرها عام 2015 عبر صحيفة الطب الإنجليزية الجديدة (The New England Journal of Medicine)، التي أشار فيها إلى أن الفائدة الوحيدة لفيروس الإيبولا -الذي حصد أرواح آلاف الأفارقة- أنه أتى كإنذار مبكر عن إمكانية حدوث جائحة أكثر سوءاً.

لماذا يتوقع جيتس ظهور جائحات كل 20 عاماً؟

لطالما حذَّر جيتس من وباء مثل كورونا؛ حيث يقول في مقالة نشرها على مدونته: "لا أحد يعلم متى سينتشر وباء جديد، وماذا سيكون نوعه، وكيف سينتشر، ومن سيتأثر به. لكننا نعلم أن العالم غير مستعد للتعامل معه".

وبعد انتشار جائحة كورونا، أثبتت البشرية مجدداً أنها لم تستفد من المعطيات العلمية التي قدمتها الأوبئة التي انتشرت في السنوات الماضية. وفي مراجعة دقيقة للمقالات والمقابلات التي قدمها بيل جيتس، يمكن استخلاص عدة نقاط يشدد عليها جيتس ولكن لا تأخذها الحكومات العالمية بعيّن الاعتبار من أجل محاربة الأوبئة.

إهمال القطاع الصحي

لم يُخف جيتس خوفه من إهمال الحكومات العلمية للقطاعات الصحيّة، وتوقع أن يسبب إهمال الحكومات الصحي -بالإضافة إلى النكس بمسؤوليتها تجاه اتفاقيات صحية قامت بتوقيعها- سيؤدي إلى نتائج وخيمة عندما تظهر الأوبئة من جديد. ودائماً ما يؤكد على إمكانية احتواء الأوبئة عبر إستراتيجيات تضعها الحكومات بهدف امتصاص الفوضى التي يحدثها الوباء حين يتفشى. 

انعدام التخطيط المدني

تناول الوثائقي الذي عُرض على نتفليكس عام 2019 في جزئه الثاني معركةَ جيتس مع الأوبئة في أفريقيا. ثمة عوامل كثيرة تتداخل فيما بينها وتهيِّئ الطريق للأوبئة كي تتفشى بشكل يحول دون السيطرة عليها؛ إذ تلعب العوامل البيئية -بالإضافة إلى العمران غير المنظم- دوراً في نشر الأوبئة. 

تفتقر الكثير من المدن الأفريقية إلى التنظيم المدني وتعاني من العشوائيات والفقر المدقع الذي يرزح تحته ملايين البشر، وكان بيل جيتس قد ركز في الوثائقي على مسألة عدم توفير الحكومات الأفريقية لبِنى تحتيّة من أجل تصريف مياه الصرف الصحي بشكل آمن؛ إذ يضطر عدد من السكان إلى استخدام مياه شديدة التلوث، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة منهم يسكنون في منازل تحاذي أقنية الصرف الصحي.

الحكومات تتساهل مع التحذيرات الدولية

منذ أن انطلقت جائحة كورونا، أرسلت عدة محافل دولية إنذاراً إلى أفريقيا من أجل تنبيه صنّاع القرار في القارة السمراء إلى مسألة أسواق بيع اللحم التي تشهد على آليات ذبح غير نظيفة، بالإضافة إلى تورط تجارها ببيع الحيوانات -وعلى وجه الخصوص حيوان آكل النمل الحرشفي- بأسلوب يخالف قوانين التجارة الدولية، وظهرت تقارير تحدثت عن أن أسواق بيع اللحوم في نيجيريا قد تكون مصدر وباء جديد. 

لقد كشفت جائحة كورونا عن تهاون الحكومات مع حقبات تاريخية شهدت على انتشار فيروسات قاتلة مثل إيبولا وسارس والحصبة الألمانية والطاعون، فالصين التي تعاني دائماً من انتشار الأوبئة فشلت في كبح توسع رقعة انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي غزا بعد نصف شهر من ظهوره في معظم دول العالم. 

هذا وأن توجُّه الصين إلى إصدار حزمة قوانين صارمة جداً لمراقبة أسواق بيع اللحم يوحي بأن الصين لم ترتقِ إلى مستوى المسؤولية الكاملة لردع وإطفاء الإنذار الذي تشكله أسواق بيع اللحم لديها، التي أثير حولها الكثير من الجدل عندما تفشى فيروس سارس قبل عقدين من الزمن.

سوء أنظمة الرعاية الصحية

حالياً، توشك أنظمة الرعاية الصحية في العديد من الدول على الانهيار؛ وهو حال مستشفيات مدينة نيويورك الأميركية التي تعاني مع الأعداد الهائلة من المصابين مقابل النقص الفادح في المعدات الطبية وأجهزة التنفس الصناعي والملابس المعقمة، التي تحتاجها الطواقم الطبية خلال عملية الإسعاف. ومن جهة أخرى، تعصف الأزمة نفسها في إيطاليا وفرنسا ودول أخرى حول العالم.

ينظر بيل جيتس إلى القطاع الصحي على أنه مدخل أساسي للوصول إلى إحداث تنمية بشرية مستدامة، ويقول في مقاله الذي نشره ضمن صحيفة الطب الإنجليزية الجديدة إن ضعف القطاعات الصحية يلعب دوراً مفصلياً في عدم السيطرة على الأوبئة؛ فالأنظمة الصحية الفاعلة يمكنها القضاء على دورة الوباء وكبح آليات انتشاره، كذلك يركز على ضرورة أن تكون الخدمات الطبية ذات جودة عالية ومتوافرة بشكل متساوٍ للفقراء والأغنياء.

أما الدول التي تشهد دائماً انتشاراً للأوبئة فيعيب جيتس عليها افتقارَها إلى مراكز تراقب منهجية التفشي، وترصد الأماكن التي اجتاحها المرض، بالإضافة إلى فهم السلوك الاجتماعي للسكان، ويشدد دائماً على ضرورة تحلي الحكومات بالشفافية تجاه البيانات المتعلقة بالأوبئة، وهو ما يعود بالنفع على عملية تنظيم المعلومات عن الوباء.

عدم الاستجابة لحالة الطوارئ

ينظر جيتس إلى الوباء على أنه حالة طوارئ تفسح المجال لإلقاء نظرة حقيقية من أجل معرفة مدى التكافل الدولي بين الحكومات؛ فخلال الحقبة التي انتشر فيها فيروس إيبولا في غرب أفريقيا، توقع جيتس أن يتوافد الأطباء والممرضين من كل أنحاء العالم لإنقاذ المناطق المنكوبة، ولكن هذا ما لم يحدث.

ويطمح جيتس إلى صنع سياسة طبية عالمية مخصصة للأوبئة، وتوفير قوائم تضم أسماء متطوعين من كل مكان حول العالم، من أطباء وممرضين وخبراء ومراكز أبحاث ومستشفيات وغيرهم، يتم تدريبهم على محاربة الأوبئة.

استخفاف الدول باللقاحات

من بين الأهداف التي تسعى منظمة بيل ومليندا جيتس إلى تنفيذها: تحقيق الأمن الطبي الوقائي ضد الأوبئة. فعلى مدى الأعوام الماضية، قدَّم بيل ومليندا دعماً مالياً لعدد من مراكز الأبحاث الطبية لتطوير لقاحات فاعلة لفيروس نقص المناعة المكتسب والإيبولا وغيرهما، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها المنظمة، إلا أنها تحتاج إلى مساندة دولية كي تحصد نتائج أفضل.

تتصرف الحكومات العالمية مع الوباء على أنه حدث ظرفي ستتجاوزه عاجلاً أو أجلاً، ليعود كل شيء إلى طبيعته؛ ففيروس إيبولا ظهر للمرة الأولى قبل 16 عاماً، وما زال من دون لقاح، وينطبق الأمر نفسه على فيروسات سارس وميرس ونقص المناعة المكتسب (الإيدز).

إن عدم توفير لقاحات إذا ما دل على شيء، فيدل على تدنّي حس المسؤولية لدى الدول من أجل توحيد جهودها وتنظيم عملها الطبي لإيجاد لقاحات فاعلة.

الوباء كالإرهاب: محاربتهما ضرورة

إن أفضل وسيلة لمكافحة الأوبئة هي اعتبارها تهديداً حقيقياً يوازي التهديد الذي يمثله الإرهاب على المجتمع. ودائماً ما يقارن جيتس الأوبئة بالإرهاب بسبب الضرر الاجتماعي والاقتصادي الذي تحدثه للمجتمعات، بالإضافة إلى حالة الذعر التي تنشرها بين البشر؛ لذلك ينادي دائماً بضرورة تقديم الدعم المالي لمراكز الأبحاث ومصنعي اللقاحات والأوساط الاكاديمية، بالإضافة إلى توفير بيئة آمنة للاختبارات الطبية من أجل تطوير لقاحات جديدة تصنع مستقبلاً أفضل.

الحرب على بيل جيتس

رؤية بيل جيتس للأوبئة واللقاحات وتصريحاته الأخيرة التي انتقدت تصرفات بعض الحكومات مع وباء كورونا، جعلته هدفاً لنظريات المؤامرة، وتم اتهامه بإجراء اختبارات فاشلة على اللقاحات في الهند، كذلك فإن نظرته حول ضرورة تطوير شريحة ذكية لحفظ السجل التاريخ للقاحات لم تسلم من نظرية المؤامرة؛ إذ جرى اتهامه بأنه يجري اختبارات لا أخلاقية على البشر. علماً بأن مشروع بيل جيتس حول الشريحة الذكيّة -الذي تعمل على تنفيذه جامعة إم آي تي الأميركية بالتعاون مع منظمة بيل ومليندا الخيرية- هدفه هو صنع شريحة ذكية تحفظ السجل التاريخ للقاحات التي أجراها الأفراد، وليس الهدف منه إجراء اختبارات على لقاحات جديدة.

لطالما كان جيتس هدفاً لنظريات المؤامرة، إلا أن الهجوم الممنهج ضده لن يردعه عن استكمال مشروعه العالمي لإيجاد لقاح لفيروس كورونا. وفي الوقت الراهن، يدعم جيتس 7 مشاريع طبية لإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا، حصل واحد منها على موافقة وكالة الغذاء والدواء الأميركية لاختباره على البشر.

المحتوى محمي