في معرض "جوجل آي/ أو" للسنة الماضية، والذي تستعرض فيه شركة "جوجل" (Google) أحدث تقنياتها وأخبار أعمالها في البحث والتطوير التكنولوجي، كشف الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي الستار عن "أحدث إنجاز في فهم اللغات الطبيعية" من شركته، وهو بوت دردشة يحمل اسم "لامدا" (LaMDA)، والمصمم لخوض حوار في أي موضوع.
وبعد ذلك، قدم عرضاً تجريبياً قام فيه لامدا بالإجابة عن أسئلة حول بلوتو باللغة الطبيعية. وكان هذا الحوار بمثابة استعراض لطريقة مريحة للحصول على المعلومات، وقد تكون بديلاً عن طريقة البحث التقليدية. فبدلاً من عرض النتائج بعد طباعة الأسئلة أو الكلمات المفتاحية في محرك البحث، دخل لامدا في حوار تقمص فيه دور الكوكب القزم.
- (بيتشاي): أخبرني عما سأراه إذا زرتك.
- (لامدا): سترى وادياً هائلاً، وبعض الجبال الجليدية المتجمدة، وبعض الينابيع الحارة الفوارة، وبعض الحفر.
- إنه منظر جميل.
- وأؤكد لك أنه يستحق عناء الرحلة. ولكن يجب أن تجلب معك معطفك، فالجو قد يصبح بالغ البرودة.
كان عرضاً طريفاً ومسلياً، على الرغم من أن لامدا ارتكب بعض الأخطاء. وكما شرح بيتشاي، فإن نموذج الذكاء الاصطناعي اللغوي الذي يعتمد عليه لامدا ما زال قيد التطوير. وتقول جوجل إنها لا تخطط حتى الآن لاستخدام لامدا في منتجاتها. وعلى الرغم من هذا، فإن الشركة تستخدمه لدراسة أساليب جديدة في التفاعل مع الحواسيب، وأساليب جديدة في البحث عن المعلومات. وكما قال بيتشاي: "لامدا يعرف الكثير عن بلوتو، والملايين من المواضيع الأخرى أيضاً".
نبالغ بنوعية تقديراتنا حول إمكانيات النماذج اللغوية
إن تصورنا حول الذكاء الاصطناعي الذي يقدم المعلومات المهمة والدقيقة بشكل مبسط وسهل يمثل الأساس الذي تعتمد عليه شركات التكنولوجيا للتعامل مع مستقبل البحث. ومع صعود المساعدات الصوتية، مثل سيري وأليكسا، فإن النماذج اللغوية أصبحت التكنولوجيا المعتمدة للحصول على المعلومات بشكل عام.
ولكن المنتقدين بدؤوا بالتعبير عن رفضهم، قائلين إن هذه المقاربة موجهة على نحو خاطئ. فتوجيه الأسئلة إلى الحواسيب والحصول على إجابات باللغات الطبيعية يمكن أن يخفي تعقيداً خلف "غشاء" من الصلاحية غير المستحقة. يقول تشيراغ شاه من جامعة واشنطن، والذي يعمل على تكنولوجيات البحث: "لقد انشغلنا كثيراً بما يمكننا فعله، لدرجة أننا فقدنا التركيز على ما يجب علينا فعله".
ففي 14 مارس/آذار، قام شاه وزميلته في جامعة واشنطن إميلي بيندر، والتي تدرس اللغويات الحاسوبية والمشاكل الأخلاقية في معالجة اللغات الطبيعية، بنشر بحث ينتقد ما يعتقدون أنه اندفاع أهوج نحو الاتكال على النماذج اللغوية في نماذج لم تُصَمم للقيام بها. وقد عبّرا، على وجه الخصوص، عن خشيتهما من تزايد المعلومات المزيفة والجدل حاد الاستقطاب بسبب استخدام النماذج اللغوية للبحث.
تقول بيندر، والتي شاركت في بحث يبرز أخطار النماذج اللغوية الكبيرة، وهو بحث أدى إلى إجبار تيمنيت جيبرو على الخروج من جوجل: "إن أحلام الخيال العلمي، حيث يوجد لديك حاسوب يعرف كل شيء ويمكنك أن توجه إليه الأسئلة للحصول على الإجابات ببساطة، ليست ما يمكننا تقديمه، وليست ما نحتاجه".
وتعتقد أن الأمر لا يقتصر على عجز التكنولوجيا الحالية عن القيام بهذه المهمة. وتضيف: "أعتقد أن هذه الرؤية بحد ذاتها خاطئة". "فمن السذاجة أن نقول إن الحصول على المعلومات يتطلب فقط توجيه السؤال إلى الخبير الذي سيقدمها إلينا ببساطة".
لقد بدأت جوجل باستخدام النماذج اللغوية لتحسين تقنيات البحث الخاصة بها، وذلك لمساعدتها على تفسير طلبات المستخدمين بدقة أكبر. ولكن البعض يعتقد أن النماذج اللغوية قد تُستَخدم لتغيير طريقة إجراء البحث بالكامل. وليس لامدا سوى مثالاً واحداً وحسب.
ففي السنة الماضية، اقترح دون ميتزلر الباحث في جوجل مع زملائه إعادة تصور عملية البحث على شكل حوار باتجاهين بين المستخدم والنموذج اللغوي، مع تقديم الحواسيب للإجابات بشكل يحاكي الخبير البشري. كما تعمل جوجل أيضاً على تطوير تكنولوجيا باسم نموذج المهام المتعددة الموحد، أو "MUM" اختصاراً. وقد صُمم هذا النموذج على أساس نموذج لغوي، وذلك للاستجابة لاستعلامات المستخدمين بتجميع المعلومات من مصادر مختلفة.
تقول جين بارك، وهي مديرة الاتصالات في فريق البحث في جوجل: "نحن مهتمون للغاية بتطوير فهم اللغة لأنه يجعل المنتجات مثل محرك البحث جوجل أكثر فائدة للناس". ولكنها تضيف أن جوجل لا تخطط حالياً لتحويل هذا البحث الجديد إلى منتجات حتى الآن: "نحن نعترف بوجود العديد من المشاكل التي لم تُحل حتى الآن في مجال فهم اللغة، ولهذا فنحن نعمل بحذر شديد".
اقرأ أيضاً: كيف تعمل محركات البحث؟
أنظمة تقليد غبية
تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية الكبيرة محاكاة اللغة الطبيعية بواقعية مذهلة. فقد تم تدريبها باستخدام المئات من الكتب، ومحتوى ضخم من الإنترنت، وقد امتصت كمية هائلة من المعلومات، أو على الأقل، هذا ما نعتقده. وبالتالي، لم لا نستخدمها كمحرك بحث يستطيع تركيب الإجابات من مصادر متعددة وضغط المعلومات ضمن جمل سهلة الفهم؟
تكمن المشكلة في أن النماذج اللغوية ليست سوى أنظمة تقليد غبية. فقد تستطيع تحقيق دقة هائلة في توقع الكلمات أو الجمل التي يمكن أن تأتي تالياً في جملة أو حوار. ولكن، وعلى الرغم من ادعاء بيتشاي العابر بأن ابتكار شركته "يفهم" مواضيع كثيرة، فإن النماذج اللغوية لا تعرف ما تقول، ولا تستطيع أن تستوعب منطقياً أي كلمة تطلقها.
وهذا أمر مهم، لأن الذكاء الاصطناعي المصمم للحوار يمكن أن يغير نظرتنا إلى التعامل مع الآلة. فكتابة استفسار البحث ضمن مربع الإدخال والحصول على قائمة من الإجابات يبدو أقرب إلى التفاعل مع حاسوب، كما تقول بيندر. ولكن الأمر مختلف مع النماذج اللغوية.
وتقول: "إذا كنت بدلاً من ذلك أخوض حواراً مع آلة، فإن التعبير المجازي يقول إن الآلة تفهم ما أقول". "ولهذا، فسوف أفسر إجابات الآلة ضمن هذا السياق".
يقول شاه إنه بات من المعلوم أن المستخدمين يثقون ثقة عمياء بنتائج البحث، وإن "التفاعلات باستخدام اللغات الطبيعية ستعمق هذه المشكلة".
تُعتَبر فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي لتركيب وتكثيف الإجابات عن استعلامات البحث جزءاً من توجه عام بدأ مع استخدام ما يُعرف باسم الإجابات المباشرة أو القصاصات، وهي إجابات إفرادية أو مقتطفات قصيرة تظهر فوق روابط المستندات في نتائج البحث. من الناحية النظرية، يمكن لهذه الطريقة أن تقدم لك المعلومات التي تبحث عنها بنظرة، وتوفر عليك مشقة قراءة المستندات الطويلة للعثور عليها بنفسك.
لا تعارض بيندر استخدام النماذج اللغوية للتفاعلات القائمة على الأسئلة والأجوبة في كل الحالات. فهي تستخدم برنامج جوجل أسيستانت في المطبخ، حيث يساعدها على تحويل وحدات القياس في وصفات الطعام. وتقول: "في بعض الحالات، يكون استخدام الصوت للحصول على المعلومات مريحاً للغاية".
ولكن شاه وبيندر يقدمان أيضاً مثالاً مثيراً للقلق يعود إلى السنة الماضية، عندما استجاب جوجل للاستعلام التالي: "ما هي أبشع لغة في الهند؟" بالقصاصة "الإجابة هي كانادا، وهي لغة يستخدمها نحو 40 مليون شخص جنوب الهند".
اقرأ أيضاً: هل تمثل النماذج اللغوية مثل جي بي تي 3 بداية نوع جديد من محركات البحث؟
لا توجد إجابات سهلة
لقد وصلنا إلى مشكلة صعبة. فقد تكون الإجابات المباشرة مريحة، ولكنها في أغلب الأحيان خاطئة أو غير ذات صلة أو مسيئة. ويمكن أن تخفي تعقيد العالم الحقيقي، كما يقول بينو ستاين من جامعة بوهوس في فيمار بألمانيا.
ففي 2020، قام ستان وزملاؤه مارتن بوتهاست من جامعة لايبزيغ وماثياس هيغن في جامعة مارتن لوثر في هول ويتينبيرغ بألمانيا بنشر بحث يبرز مشاكل الإجابات المباشرة. ويقول ماثياس: "إن الإجابة عن معظم الأسئلة تتلخص بعبارة: هذا يعتمد على عدة عوامل، وليس من السهل إقناع شخص يقوم بعملية البحث بهذا الأمر".
ينظر ستاين وزملاؤه إلى تكنولوجيات البحث على أنها انتقلت من تنظيم المعلومات وفلترتها، وذلك عبر تقنيات مثل تقديم قائمة من المستندات الموافقة لاستعلام بحثي، إلى تقديم التوصيات على شكل إجابة واحدة عن سؤال ما. ويعتقدون أن هذا ينطوي على الكثير من المبالغة.
ومرة أخرى، لا تكمن المشكلة في حدود التكنولوجيا الموجودة حالياً. فحتى بوجود تكنولوجيا مثالية، لن نحصل على إجابات مثالية، كما يقول ستاين: "لا ندري ما هو الجواب الجيد لأن العالم مكان معقد، ولكننا سنتوقف عن التفكير بهذه الطريقة عند رؤية هذه الإجابات المباشرة".
ويتفق شاه مع هذه النظرة. إذ يمكن أن يؤدي تقديم إجابة واحدة للناس إلى المشكلات، لأنها تخفي مصادر هذه المعلومات وأي خلاف بين هذه المصادر، كما يقول: "تعتمد هذه المسألة على ثقتنا الكاملة في هذه الأنظمة".
يقترح شاه وبيندر عدداً من الحلول للمشكلات التي يتوقعان ظهورها. فبشكل عام، يُفترض بتكنولوجيات البحث أن تدعم الأساليب المتعددة التي يستخدم بها الناس محركات البحث حالياً، والتي لا يتضمن الكثير منها الإجابات المباشرة. وغالباً ما يلجأ الناس إلى البحث لدراسة مواضيع قد لا توجد أي تساؤلات محددة حولها، كما يقول شاه. وفي هذه الحالة، فإن تقديم مجموعة من المستندات ببساطة سيكون أكثر إفادة.
ويجب أن يكون مصدر المعلومات واضحاً، خصوصاً عند قيام الذكاء الاصطناعي بسحب الأجزاء من أكثر من مصدر واحد. وتقوم بعض المساعدات الصوتية بهذا حالياً، حيث تسبق تقديم الإجابة بعبارة مثل "هذا ما وجدته على ويكيبيديا". يقول شاه إن أدوات البحث المستقبلية يجب أن تتمتع أيضاً بالقدرة على أن تقول: "هذا سؤال غبي". وهو ما يمكن أن يساعد التكنولوجيا على تفادي ترديد الأفكار والعبارات المسيئة أو المتحيزة ضمن الاستعلامات.
ويقترح ستاين أن محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تقدم الأسباب الكامنة خلف إجاباتها، بحيث تعرض سلبيات وإيجابيات كل وجهة نظر.
ولكن الكثير من هذه الاقتراحات تبرز ببساطة المشكلة التي حددها ستاين وزملاؤه. فأي شيء يقلل من السهولة سيكون أقل جاذبية لأغلب المستخدمين. يقول ستاين: "إذا لم تنقر للوصول إلى الصفحة الثانية من نتائج جوجل، فأنت لا تريد أن تطلع على حجج مختلفة".
تقول جوجل إنها مدركة للكثير من القضايا التي طرحها هؤلاء الباحثون وإنها تعمل جادة على تطوير تكنولوجيات يستفيد منها الجميع. ولكن جوجل شركة تطور خدمات بقيمة مليارات الدولارات. وفي نهاية المطاف، ستبني أدوات تجذب أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
ويأمل ستاين ألا تكون الراحة والسهولة العامل المسيطر في هذه العملية. ويقول: "إن البحث مهم لنا جميعاً، وللمجتمع أيضاً".