بعد أن دمَّرتها الحرائق: بلدة باراديس تحاول أن تجعل نفسها “مضادة للنار”

4 دقائق
أنقاض المنازل التي دمرها حريق كامب في بارادايس، كاليفورنيا.

اندلع حريق كامب مندفعاً عبر تلال سييرا نيفادا، متحولاً إلى أكثر الحرائق تدميراً في تاريخ كاليفورنيا، حيث التهم ما يقرب من 19,000 مبنى وأدى إلى مقتل 85 شخصاً.

ودمر الحريق حوالي 90% من المنازل في بارادايس بكاليفورنيا، ولا يعيش فيها حالياً سوى نحو 3,000 شخص، بعد أن كانوا 26,000 قبل الحريق.

والآن بدأت عملية التعافي الطويلة؛ فقد افتُتح أكثر من 150 محلاً تجارياً وشركة، وبدأت البلدوزرات وطواقم العمل بإزالة الرماد والحطام بمعدل حوالي 500 كومة أسبوعياً. أما شركة بي جي أند إي -شركة الخدمات في الولاية التي تسببت خطوطُها الكهربائية المعطلة في إشعال الحريق، وفقاً لدائرة الغابات والوقاية من الحرائق في كاليفورنيا- فهي تعمل على إزالة عشرات الآلاف من الأشجار. تقول جودي جونز، عمدة بارادايس: "لقد بدأ المكان يبدو أقرب إلى ورشة إعادة إعمار، وأبعد عن منظره السابق الأشبه بمنطقة معارك".

ولكن مع ازدياد خطر الحرائق البرية وغيرها من الكوارث الطبيعية بسبب التغير المناخي، فإن عملية إعادة إعمار بارادايس تطرح بعض الأسئلة المقلقة: هل يمكن إعادة بنائها بشكل يخفف إلى حد ملموس من تكرار هذه الكارثة؟ أم أن التغير المناخي يجعل من البلدات المماثلة مكاناً خطراً ولا يصلح للسكن؟

في مقالة لاحقة، سنُلقي في إم آي تي تكنولوجي ريفيو نظرةً عن كثب على المجتمعات التي تجد نفسها مضطرة للانسحاب بسبب تعاظم أخطار التغير المناخي، وما يقول لنا الباحثون والتاريخ عن كيفية إدارة هذه العملية.

ومهما كانت طريقة إعادة إعمار بارادايس، فسوف تبقى على الحد الفاصل بين البراري والمناطق الحضرية، قرب غابة بلوماس الوطنية، في منطقة تصنِّفها وكالة الحرائق في كاليفورنيا على أنها "منطقة خطر شديد بسبب الحرائق".

ليس من الواضح إلى أي حد يمكن جعل منطقة كهذه آمنة، على الأقل بتكلفة معقولة؛ حيث إن التكاليف العامة لمشاريع التجديد والاستجابة للكوارث سوف تتعاظم في السنوات المقبلة، مما قد يؤدي إلى تناقص كبير في التمويل والاضطرار إلى اتخاذ خيارات أكثر صعوبة.

العودة إلى الحياة

عملت شركة أوربان ديزاين أسوشييتس -وهي شركة استشارية مختصة بمساعدة التجمعات السكانية على إعادة الإعمار بعد الكوارث- مع مجتمع بارادايس منذ فبراير لتطوير خطة إنعاش، ووضع مجموعة محدثة من معايير البناء للتخفيف من أخطار الحرائق. وتحتوي النسخة الحالية من الخطة على 40 مشروعاً تقريباً، وتشتمل على تقييم لمستويات الأولوية، إضافة إلى تقديرات التكاليف ومصادر التمويل المحتملة.

ومن أكثر البنود الواعدة هو قيام شركة بي جي أند إي بدفن خطوطها الكهربائية تحت الأرض مع خطوط الاتصالات من شركات أخرى، وذلك وفقاً لباري لونج، الرئيس التنفيذي لأوربان ديزاين أسوشييتس.

وقد أفلست شركة الخدمات بسبب تعاظم قِيَم التعويضات التي دفعتها عن حريق كامب وحرائق ضخمة أخرى في كاليفورنيا، كما أنها وافقت على تنفيذ هذا البند. وإضافة إلى هذا، فإن أحد القضاة المسؤولين عن الإفلاس وقع مؤخراً على طلب الشركة لفتح صندوق إسكان لضحايا الحرائق الأخيرة بقيمة أكثر من 100 مليون دولار.

ومن البنود الهامة الأخرى في خطة الإنعاش نظام إشعارات متطور ومجموعة من مسارات الإخلاء. ففي ذلك الصباح المشؤوم من نوفمبر، لم تصل إنذارات الطوارئ الهاتفية إلا إلى نسبة صغيرة من السكان ممن اشتركوا في هذه الخدمة، وتباطأت عمليات الإخلاء إلى حد كبير بسبب ازدحام السيارات على الطرق القليلة الخارجة من البلدة. تقول العمدة جونز -التي التهم الحريق منزلها- إن الرحلة بالسيارة إلى بلدة تشيكو القريبة -التي تتطلب عادة 20 دقيقة- استغرقت ذلك اليوم أربع ساعات، وتضيف: "لقد كانت النار منتشرة في كل مكان، وكانت ألسنة اللهب قريبة إلى درجة أننا أحسسنا بالحرارة داخل السيارة".

من الأجزاء الهامة الأخرى من خطة الإنعاش هو تحديث قوانين ومعايير البناء؛ حيث يجب أن تحقق جميع المنازل الجديدة معيار المنازل الواقعة على الحدود الفاصلة بين المناطق الحضرية والبراري للولاية، وهي المعايير التي تم تطبيقها في 2008، ولهذا لم تكن أغلبية المنازل التي احترقت في حريق كامب موافقة لهذه المعايير. وتقول إحصائية معبرة أن 51% من المنازل المبنية بعد 2008 تمكنت من تحمل الحريق، في حين أن المنازل التي بُنيت قبل ذلك لم ينجُ منها سوى 9% فقط.

يتضمن معيار الحدود الفاصلة بين المناطق الحضرية والبراري -فيما يتضمنه- استخدامَ مواد مقاومة للنار في تغطية سقوف المنازل، واستخدام زجاج معالج للنوافذ بحيث يصمد لفترة أطول أمام الحرارة المرتفعة، وفتحات تهوية تمنع دخول الجمر المتطاير إلى داخل المنزل، و"قنوات تصريف وقائية" تخفف من تراكم النفايات النباتية. وتنص قواعد بناء أخرى -مستقلة عن هذا المعيار في الولاية- على وجود "مسافة قابلة للحماية"، أي أن النباتات والأشجار وأكوام الخشب يجب أن تكون بعيدة بما يكفي عن المباني، وتفصل بينها مسافات كافية، ويجب الحفاظ عليها بشكل متواصل لضمان عدم انتقال النيران من الأرض إلى الأشجار.

غير أن أوربان ديزاين أسوشييتس قدمت معايير بناء تفوق هذه المعايير، بما فيها فرض وجود فاصل عازل للنار بمسافة متر ونصف حول أي مبنى، وهو ما سيؤدي إلى استبعاد الأسوار الخشبية التي تصل إلى المنزل. كما قدمت الشركة أيضاً فكرة فرض وجود مرشات مائية وأساس حجري للمنازل سابقة التصنيع، وفرض وجود كوخ خارجي لتخزين المواد القابلة للاشتعال مثل الحطب، ونزع معظم قنوات التصريف المفتوحة باستثناء تلك الموجودة فوق المداخل.

هذه بلدتنا وهذه قنواتنا

غير أن هذه المقترحات لاقت تبايناً في الآراء حولها؛ حيث إن الكثير منها يؤدي إلى مصاريف إضافية ويغير من النواحي الجمالية للمنزل. وفي استطلاعات للرأي ضمن اجتماع عام في أواخر مايو، وافق أقل من نصف السكان على التخلص من قنوات التصريف المفتوحة، في حين أن أكثر من النصف بقليل وافقوا على فرض وجود أكواخ تخزين.

وفي 11 يونيو الماضي، صوَّت مجلس البلدة على معايير البناء التي يدعمها، وقام الطاقم بكتابة الأوامر الإدارية المطلوبة لها. وسيبدأ بدراسة خطة الإنعاش بشكل عام قرب نهاية الشهر. وسيأتي التمويل للمشاريع والمنازل من عدة مصادر في الولاية ومصادر فدرالية، إضافة إلى جهات تأمينية؛ تقول جونز: "ستكون بارادايس أكثر البلدات الأميركية مقاومة للنار عندما ننتهي من عملنا".

غير أن إدارة المخاطر المتزايدة للحرائق البرية بشكل شامل وواقعي تتطلب أكثر من مجرد جمع التمويل وتطبيق قوانين جديدة ضمن حدود الكارثة الأخيرة، وتحتاج إلى جهود أكثر شمولية، بما فيها "معالجة وقود الحرائق" في المناطق الخطرة؛ مثل التخفيف من كثافة الغابات القريبة، وإشعال الحرائق الوقائية، وإدارة الأدغال والشجيرات النامية تحت الأشجار الكبيرة، وذلك كما تقول سارة أندرسون، وهي بروفسورة مساعدة في السياسات البيئية في جامعة كاليفورنيا سانتا باربارة.

كما أن الحذر الدائم مطلوب أيضاً، مما يوجب على المسؤولين والمواطنين الاستمرارَ في القيام بتقليم الأشجار وإزالة المواد القابلة للاشتعال، ليس فقط في السنة الأولى بعد وقوع كارثة في بلدة واحدة، بل في كل سنة وفي كل تجمع سكاني معرض لخطر مماثل.

ومن سوء الحظ أن الذكريات تخبو بسرعة، حتى تلك المتعلقة بالحرائق؛ حيث إن سكان البلدات المجاورة التي نجت بالكاد من الكارثة لا يُقدِّرون الخطر الذي يواجهونه حق قدره، كما أن من يسكنون قرب البراري سيبقون بشكل شبه دائم معرضين لخطر كبير من نشوب الحرائق. تقول أندرسون: "أعتقد أن بإمكاننا أن نجعلهم أكثر أماناً، ولكننا لن نستطيع حمايتهم بشكل كامل".