ناسا تصنع بدلات فضائية جديدة تناسب العمل على سطح القمر

7 دقائق
ناسا تصنع بدلات فضائية جديدة تناسب العمل على سطح القمر
الجزء العلوي من تصميم بدلة ناسا زيميو. حقوق الصورة: ناسا.

تشبه بدلة الفضاء مركبةً فضائية مصغرة ترتديها حول جسمك أكثر مما يوحيه اسمها باعتبارها قطعة من الملابس؛ فهي مضغوطة ومدججة بأنظمة دعم الحياة، ومن المرجح أن تبدو رائعة المظهر. ولكن إذا فشلت هذه الأنظمة، فقد حُكم عليك بالموت.

لم يحدث أن مات أحد على الإطلاق نتيجة خلل في بدلة فضاء، لكن هذا لا يعني أن النماذج الحالية مثالية. وحتى اليوم، فإن المعدات التي يُجبر رواد الفضاء على ارتدائها في مهماتهم لم تكسب رضاهم التام سواء عند استخدامها للانطلاق إلى الفضاء أو للعودة إلى الأرض أو لأداء مهمة خارج المركبة (المعروفة بالعامية بمهمة السير في الفضاء).

لحسن الحظ، فإن النشاط الجديد المتزايد في مجال الفضاء يعني أننا نشهد المزيد من الابتكار في تصميم وأداء بدلة الفضاء أكثر من أي وقت مضى، وحتى في مظهر هذه البدلات التي تبدو أفضل اليوم. كما أن ظهور مركبات خاصة جديدة مثل كرو دراجون التابعة لشركة سبيس إكس وستارلاينر التابعة لشركة بوينغ يعني أن رواد فضاء ناسا المتجهين إلى محطة الفضاء الدولية يرتدون بدلات فضاء جديدة وأنيقة للغاية؛ حيث إنه عوضاً عن البدلة البرتقالية الفضفاضة (Advanced Crew Escape Suit) الملقبة تحبباً بـ "بدلة اليقطين" التي اعتادت أطقم مكوك الفضاء على ارتدائها عند الانطلاق إلى المدار، قامت سبيس إكس وبوينغ بتصميم بدلة ملائمة أكثر لأجسام رواد الفضاء وبنصف حجم البدلة القديمة. وقد أشار دوج هيرلي وبوب بينكن، رائدا الفضاء اللذان صعدا على متن مركبة كرو دراجون إلى محطة الفضاء الدولية في مايو، إلى أن البدلتين كانتا مريحتين للغاية ويسهل ارتداؤهما وخلعهما. فالبدلات التي يتم ارتداؤها أثناء الإقلاع والعودة مصممة لحماية رواد الفضاء من الحريق، ويتم توصيلها بمنفذ في المقعد ليحمل إليها الأكسجين والهواء البارد في حالة انخفاض ضغط المقصورة لسبب ما.

ومع ذلك، فإن التصميم الأكثر إثارة للاهتمام يتجسد في بدلة الفضاء من الجيل التالي التي طورتها ناسا لرواد الفضاء المتجهين إلى القمر والمسماة "وحدة التنقل للاستكشاف خارج المركبة الفضائية"، أو اختصاراً زيميو (xEMU). وتبدو من حيث الشكل نسخة مطورة عن بدلات الفضاء التي ارتداها نيل أرمسترونج وباز ألدرين ورواد فضاء آخرون من بعثة أبولو عندما وطأت أقدامهم سطح القمر قبل نصف قرن. لكن تضم هذه البدلة أيضاً في تصميمها الدروس التي تعلمناها من خلال استخدام وحدات التنقل خارج المركبة الفضائية في المدار في مراحل إرسال مكوكات الفضاء وإعداد محطة الفضاء الدولية للاستكشاف البشري للفضاء، بالإضافة إلى الدروس الصعبة المستفادة من بعثة أبولو. أما برنامج أرتميس، فيهدف إلى تمكين البشر من العيش والعمل على سطح القمر؛ لذا تكتسب بدلات الفضاء الجديدة أهمية حيوية من أجل ضمان أن تكون التجربة آمنة ومريحة.

يقول ريتشارد رودس، مهندس بدلات الفضاء في ناسا الذي يعمل ضمن فريق تطوير بدلة زيميو: "نحن متحمسون جداً لعودة البشر مرة أخرى إلى القمر. ويتمثل هدفنا الرئيسي في أن يكون تصميمنا مكتملاً لدرجة ألا نخطر في ذهن رواد الفضاء؛ يرتدون البدلة ويقومون بعملهم -العلم والاستكشاف- ولا يفكرون للحظة حتى في مدى قدرتهم على الحركة أو مدى الفعالية التي توفرها البدلة. إنها مهمة صعبة، لكننا نحاول إنجازها على أفضل وجه ممكن، ونسعى أن نكون غير مرئيين".

إليكم بعض أعظم الابتكارات التي يمكن أن نتوقعها من بدلة زيميو.

مرونة أكبر في الحركة

يقول رودس: "عندما تعمل على تصميم بدلة فضائية، فأنت تريدها أن تتحرك بحرية وكفاءة وبأقل قدر ممكن من الجهد، لذلك يمكننا أن يكون التنقل فيها مشابهاً للتحرك عند ارتداء قميص عادي". ويتمثل الهدف في تخفيض حجم البدلة؛ لأنه كلما زاد حجمها، واجه رواد الفضاء صعوبة أكبر في ثني مفاصلهم، ما يؤدي إلى إرهاقهم خلال وقت أقل.

الحل هو استخدام المحامل؛ لأنها تدور حول نقطة واحدة وتضمن حجماً ثابتاً. كانت بدلات أبولو القديمة تستخدم المحامل في الذراعين فقط؛ لأنها كانت في الأساس بدلة متعددة الأغراض (تُستخدم في كل من الإطلاق والدخول إلى المركبة، بالإضافة إلى استكشاف القمر). إذ كان لا بد أن تكون خفيفة بما يكفي للعمل بشكل يلائم كل هذه الأوضاع المختلفة، ومن شأن تزويدها بالكثير من المحامل أن يزيد من وزنها.

أما بدلة زيميو فتحتوي على محامل أخف وزناً وأقرب إلى مفاصل رائد الفضاء من تلك المستخدمة في الوحدات السابقة الخاصة بالتنقل خارج المركبة الفضائية. يجب على المحامل عند الكتفين أن تسمح لرواد الفضاء بالوصول إلى الخارج ورفع الأشياء بسهولة أكبر مع تقليل خطر إصابة الجزء العلوي من الجسم. كما تضم هذه البدلة أخيراً محامل عند الخصر والوركين والفخذين والكاحلين، ما يوفر قدرة أكبر على الحركة في الجزء السفلي من الجسم. يقول رودس: "كل هذه الأشياء مجتمعة توفر عزم دوران منخفض للغاية وتنقلاً وحركة مع بذل طاقة أقل".

تحتوي البدلات أيضاً على نظام ضغط متغير لمنح رواد الفضاء مزيداً من المرونة عندما يحتاجون إليها. ومن المفترض أن تمكنهم ليس فقط من التحضير بسرعة أكبر لارتداء البدلة عند الضرورة، وإنما أيضاً تساعدهم في رفع المواد أو الركوع لدراسة الأشياء عندما يستدعي الموقف ذلك.

زيميو بدلة فضائية مناسبة للعمل على القمر
باز ألدرين يقف على سطح القمر مرتدياً بدلة الفضاء أبولو 11.
مصدر الصورة: ناسا

المشي

تعد محامل حركة الورك على وجه الخصوص مشكلة كبيرة عند السير على سطح القمر (لا، لا نقصد رقصة "السير على سطح القمر" الشهيرة). لم يقض رواد فضاء أبولو الكثير من الوقت على سطح القمر خلال بعثاتهم، وكان الوقت الذي يقضونه مخصصاً في الغالب للتعرف على هذه البيئة الجديدة. وسرعان ما واجهوا صعوبة في التجول بشكل طبيعي في ظروف الجاذبية الصغرى، وكانوا أيضاً شديدي الحرص على تجنب أي مخاطر.

ومع محدودية حركة الورك في بدلاتهم، لم تكن الهرولة أمراً ممكناً؛ لذلك اقتصرت حركة رواد الفضاء في الغالب على التنقل قفزاً. وإذا ما شعروا براحة وجرأة أكبر على التحرك، فسيتمكنون من التنقل والحركة بشكل أسرع. وكانت محاولة الإمساك بالأشياء عن الأرض تتطلب حركة صعبة وغريبة.

من المفترض أن تشجع بدلة زيميو رواد الفضاء على المشي العادي بدلاً من التنقل قفزاً، وتسهل الركوع بثبات في حركة واحدة للعمل بالقرب من سطح القمر -وهو ما لم يكن خياراً متاحاً بسهولة لرواد فضاء بعثة أبولو. ومع هذه البدلة، لن يضطر رواد الفضاء مجدداً إلى القفز لالتقاط الأشياء. ومن شأنها أن تسهل على رواد الفضاء إجراء تجارب علمية مهمة على سطح القمر مثل فحص العينات الجيولوجية أو إعداد واستخدام أدوات معقدة.

تخفيف الغبار

كان أحد الدروس الهامة المستفادة من أبولو هو أن الغبار القمري مروع. لم يتعرض سطح القمر لنوع العوامل الجوية التي واجهتها جيولوجيا الأرض. نتيجة لذلك، تتسم التربة القمرية بأنها شديدة الخشونة وحبيباتها مسننة الحواف وتلتصق بكل شيء (نعم، أعلم أن كلامي يبدو مشابهاً لأسلوب أناكين سكاي ووكر من فيلم حرب النجوم). وبالتالي، فإنها تلوث الطبقات الداخلية للبدلة وأي أجزاء أخرى قابلة للفصل والوصل وتسبب تآكلاً عاماً في الوجه الخارجي من البدلة.

لذا، ولتجنب أي فجوات مكشوفة، قلل المصممون حجم المكونات مثل السحابات أو مفاصل المعصم، بالإضافة إلى التماسات الداخلية التي يمكن أن يتسلل منها الغبار. يقول رودس: "ننظر إلى هذه البدلة باعتبارها ملابس كاملة تغطي المجموعة بأكملها، مع ميزات صغيرة تمكنك من إجراء فحوصات تشغيلية وفصل بعض المكونات أثناء حالة الطوارئ. يمكن تشبيهها بأنها مؤلفة من قميص كامل وبنطلون كامل في قطعة ثياب واحدة، ودون فواصل يستطيع الغبار أن يتسرب منها إلى الداخل". وبالنسبة للمناطق التي توجد بها فواصل (مثل المحامل)، يعمل الفريق على تطوير ودمج السدادات التي يفترض بها أن تمنع دخول الغبار.

مساحة للرأس

توفر خوذات زيميو نطاق رؤية أوسع من خوذات أبولو، ومزودة بمصابيح للمساعدة في إضاءة الأماكن المظلمة. وستوفر لرواد الفضاء شاشة عرض رأسية (HUD) تمكنهم من الوصول إلى المعلومات المهمة أثناء تنقلهم. ستساعد الكاميرات عالية الدقة المثبتة على الكتف في تسجيل الرحلات كما لو كانت تبث مباشرة من عيني رائد الفضاء. 

تعد "قبعات سنوبي" المستخدمة لتوفير الاتصالات جزءاً مميزاً جداً من وحدات التنقل خارج المركبة الفضائية، ولكن كما يمكن أن يشهد معظم رواد الفضاء الذين ساروا في الفضاء، فإنه من المحتمل أن تبتل بسرعة بالعرق. كما أن ميكروفوناتها لا تعمل دوماً بصورة جيدة بعد عدة ساعات من الحركة. تنجح بدلة زيميو في التخلص من قبعات سنوبي بالاعتماد على نظام صوتي مدمج في البدلة، ويتم تنشيط الصوت لالتقاط الأصوات تلقائياً لحظة نطقها.

القفازات

تتمثل الشكوى الشائعة لدى أي رائد فضاء أدى مهمة خارج المركبة في أن القفازات تشكل خطراً؛ حيث إن طبقاتها ضخمة الحجم تفقد رائد الفضاء جزءاً كبيراً من إمكانية تحريك الأصابع، كما أنك لا تعرف بالضرورة مقدار الضغط الذي تستخدمه عند الإمساك بشيء ما. كما أن ضعف الدورة الدموية في اليد وتراكم الرطوبة يمكن أن يؤدي إلى بعض الآثار الجانبية السيئة مثل تقصف الأظافر وحتى ظهور الفطريات. يقول رودس: "لا تشكل القفازات تحدياً جديداً، وهناك بالطبع مجال لتحسين تصميمها".

وتتمثل التحسينات الرئيسية التي يعمل عليها رودس وبقية فريق زيميو في ضمان حماية أيدي رواد الفضاء من التغيرات الشديدة في درجات الحرارة والغبار، وتمكينهم من التعامل بأمان مع المواد القمرية. تعمل ناسا أيضاً على اكتشاف كيفية تسهيل قيامهم بمهام بسيطة مثل أدوات الإمساك وتشغيل المعدات الصغيرة.

 دعم الحياة

في عام 2014، كان رائد الفضاء الإيطالي لوكا بارميتانو يسير في الفضاء عندما بدأت بدلته في تسريب المياه، ما أدى إلى إغراق الخوذة وأوشك هو نفسه من الغرق. اكتشف المهندسون لاحقاً أن التلوث قد تسبب في تجمع مياه نظام التبريد، وتفاقمت المشكلة بسبب حقيقة أن حلقات الماء والتبريد كانت على تماس قريب جداً من بعضها؛ لذا فإن بدلة زيميو الآن تبقي هذه الحلقات منفصلة تماماً لتجنب حدوث حالة طارئة مشابهة.

تحتوي بدلة زيميو أيضًاً على نظام جديد لامتصاص ثاني أكسيد الكربون يستخدم طبقتي امتصاص مختلفتين (وهي عبارة عن علب صغيرة مصنوعة من هيدروكسيد الليثيوم التي تجذب بسهولة ثاني أكسيد الكربون وتحبسه). أثناء استخدام إحداهما، يمكن تعريض الأخرى لفراغ الفضاء وإفراغها، وبالتالي يتم التخلص من ثاني أكسيد الكربون باستمرار دون اضطرارا رواد الفضاء للعودة إلى الداخل لتنظيف طبقات الامتصاص. أما خزانات الأكسجين فهي عبارة عن أنظمة ضغط عالي يفترض بها أن توفر الأكسجين لفترات أطول بالمقارنة مع بدلات أبولو. وتمثل طاقة البطارية الآن القيد الوحيد للمدة -النظرية- التي يمكن لأي شخص أن يبقى خلالها مرتدياً البدلة. 

في المقابل، تتمتع بدلة زيميو ببعض ميزات دعم الحياة والسلامة التي تم تجربتها والتأكد من عملها. كما تحتوي حماية من النيازك الدقيقة بناءً على تصميم مشابه للوحدات المدارية الحالية الخاصة بالتنقل خارج المركبة الفضائية. وتضم أيضاً حماية حرارية لتحمل التغيرات الحادة في درجات الحرارة (من -156 درجة سيليسيوس في الظل إلى 121 درجة سيليسيوس في أشعة الشمس).

مناسبة لكل رائد فضاء مع إمكانات صالحة للعمل في المستقبل

في مارس 2019، ألغت وكالة ناسا خططها لعملية سير في فضاء تضم رائدات فضاء فقط بسبب عدم وجود ما يكفي من بدلات الفضاء ذات الحجم الصحيح، ولم يتوافر حينئذ إلا بدلات ذات مقاسات كبيرة.

لقد مثَّل ذلك درساً صعباً حول الحاجة إلى التأكد من أن البدلات مصممة بشكل صحيح لقيام الأشخاص من جميع الأحجام بارتدائها. وقررت الوكالة أن فريقها لن يترك شيئاً للصدفة في تصميم بدلة زيميو؛ حيث سيتم تصميم كل بدلة بشكل خاص بما يناسب طول وحجم وراحة كل رائد فضاء، وستهدف إلى توفير أوسع نطاق للحركة بما يتيح ممارسة الأنشطة على القمر. وبالتالي، إذا ما حدث في المستقبل أن يتم إلغاء عملية سير على سطح القمر، فلن يكون ذلك بسبب عدم توافر بدلات مناسبة. ومع ذلك، لا يزال تصميم بدلة الفضاء عملاً قيد الإنجاز. يقول رودس: "لا يوجد الكثير من البيانات حول العمليات على سطح القمر، لذا فإن أي معلومات وتعليقات حول ذلك ستكون مفيدة للغاية". تنوي ناسا دمج ما تعلمته من بعثات أرتميس القليلة الأولى لمواصلة تحسين بدلة زيميو مرة تلو أخرى، مع التركيز على الوصول في نهاية المطاف إلى تطوير بدلة مناسبة للعمل على سطح المريخ يوماً ما.