باحثون: بناء مصعد فضائي باستخدام التقنيات الحالية أمرٌ ممكن بشرط أن يتدلّى من القمر

3 دقائق
مصدر الصور الأصلية: مايكل باز، جيريمي توماس/ أنسبلاش | من تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو

قد تكون التكاليف الباهظة للتغلب على جاذبية الأرض أكبر عائق يقف في وجه توسع الجنس البشري عبر النظام الشمسي، وفقاً لزيفر بينوير من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة وإيميلي ساندفورد في جامعة كولومبيا في نيويورك.

وتكمن المشكلة في أن المحركات الصاروخية تقوم بنبذ المواد في اتجاه واحد لتوليد الدفع وتحريك المركبة الفضائية في الاتجاه الآخر. وهذا يتطلب كميات هائلة من الوقود الدافع، الذي ينفد في نهاية المطاف، ولكن يجب أيضاً أن يُحمل مع المركبة أثناء تسارعها نحو الفضاء. وبالتالي فإن وضع كيلوجرام واحد في المدار يكلف عشرات الآلاف من الدولارات، أما الوصول إلى القمر وما بعد ذلك فيكلف أكثر من ذلك، فمن الطبيعي إذن أن نهتم بالعثور على أساليب أقل تكلفة للوصول إلى المدار.

وتقوم إحدى الأفكار على بناء مصعد فضائي؛ وهو عبارة عن كابل يمتد من الأرض إلى المدار، بحيث يسمح بالصعود إلى الفضاء. وتتميز هذه الطريقة بأن عملية الصعود يمكن أن تعتمد على الطاقة الشمسية، ولا حاجة لحمل أي وقود أثناء الصعود.

ولكن هناك مشكلة كبيرة أيضاً، حيث يجب أن يكون هذا الكابل شديد القوة. قد يمكن استخدام أنابيب النانو الكربونية إذا صُنعت بطول كاف، ولكن الخيارات المتوافرة حالياً لا تتمتع بالقوة الكافية.

وهنا يأتي دور بينوير وساندفورد، اللذَين قررا تطبيق هذه الفكرة مع تعديل خاص بهما. يقول الباحثان إن تصميمهما للمصعد الفضائي، الذي يحمل اسم spaceline (الخط الفضائي)، يمكن بناؤه باستخدام مواد متوافرة حالياً على المستوى التجاري.

ولنتطرّق أولاً إلى بعض الأساسيات. حيث يتألف التصميم الأساسي للمصعد الفضائي من كابل مثبت في الأرض ويمتد إلى ما بعد المدار الأرضي المستقر، أي على ارتفاع 42,000 كيلومتر تقريباً عن سطح الأرض. وسيتصف كابل كهذا بكتلة ضخمة، ولهذا يجب منعه من السقوط على الأرض بموازنته من الطرف الآخر بكتلة في المدار، وبهذا يصبح المصعد بأكمله معتمداً على قوى الطرد المركزي.

وعلى مدى عدة سنوات، عمل الفيزيائيون وكتاب الخيال العلمي ومستشرفو المستقبل، وبكل حماس، على حساب شدة هذه القوى، ليصابوا بعد ذلك بخيبة أمل إثر رؤية النتائج؛ حيث إنه لا توجد أية مادة قوية بما يكفي لتحمل هذه القوى، سواء حرير العناكب أو الكيفلار، أو حتى أقوى بوليميرات الألياف الكربونية.

ولهذا قرر بينوير وساندفورد اعتماد طريقة مختلفة، فبدلاً من تثبيت الكابل على الأرض، اقترحا تثبيته على القمر وتدليته نحو الأرض.

يظهر الفرق الكبير في قوى الطرد المركزي؛ حيث إن المصعد الفضائي بتصميمه السابق سيكمل دورة كاملة في اليوم مع دوران الأرض، غير أن الخط الفضائي المثبت في القمر سيدور مرة واحدة في الشهر، أي بوتيرة أبطأ بكثير، مما سيؤدي إلى تناقص قوى الطرد المركزي إلى حد كبير.

بالإضافة إلى أن توزيع القوى سيكون مختلفاً، فعندما يمتد الكابل من القمر إلى الأرض، سيمر في منطقة في الفضاء تتعاكس فيها جاذبية القمر وجاذبية الأرض بحيث ينعدم تأثيرهما.

وتحمل هذه المنطقة اسم نقطة لاغرانج، وتعتبر ميزة أساسية في الخط الفضائي. فتحت هذه النقطة -أي في المنطقة الأقرب إلى الأرض- تسحب الجاذبية الكابل نحو الأرض، أما فوق الخط في المنطقة الأقرب إلى القمر، تسحب الجاذبية الكابل نحو القمر. وقد بيّن بينوير وساندفورد بسرعة أن مد الكابل من القمر على كامل المسافة نحو سطح الأرض سيؤدي إلى توليد قوى شديدة لا تتحملها المواد الحالية، ولكن في الواقع، لا تتطلب الاستفادة من هذا الكابل مده إلى كل هذه المسافة.

تتلخص النتيجة النهائية التي وصل إليها الباحثان في أن أقوى المواد المتوافرة حالياً -أي البوليميرات الكربونية مثل الزايلون- يمكن أن تدعم وبسهولة كابلاً يمتد من سطح القمر إلى المدار الأرضي المتزامن. وأشارا إلى أنه يمكن تصنيع نموذج أولي لهذا الكابل بثخانة قلم الرصاص وتدليته من القمر بتكلفة تُقدَّر بعدة مليارات من الدولارات.

وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح طموح للغاية، فهو لا يتصف بالإفراط قياساً بالبعثات الفضائية العصرية. يقول الباحثان: "إذا قمنا بتثبيت الكابل على القمر ومده عميقاً ضمن مجال جاذبية الأرض، فسوف نحصل على كابل مستقر ويمكن التحرك عليه بحرية من جوار الأرض إلى سطح القمر". ويمكن أن تحقق هذه الفكرة وفراً كبيراً. ويضيف الباحثان: "ستخفف من الوقود الضروري للوصول إلى سطح القمر إلى حوالي ثلث الكمية المطلوبة حالياً".

هذا المصعد سيفتح المجال أيضاً لاستكشاف منطقة جديدة تماماً من الفضاء، أي نقطة لاغرانج. وهو أمر يهم الباحثين؛ لأن الجاذبية وتدرج الجاذبية ينعدمان في هذه النقطة، مما يجعلها أكثر أماناً لمشاريع البناء. أما تدرج الجاذبية في المدار الأرضي الأدنى فيجعل المدارات أقل استقراراً. يقول الباحثان: "إذا أسقطت أداة من محطة الفضاء الدولية، فسوف تتسارع مبتعدة عنك بوتيرة عالية. أما نقطة لاغرانج فتتصف بتدرج شبه معدوم في قوة الجاذبية، أي أن الأداة التي أسقطتها ستبقى قريبة منك لفترة أطول بكثير".

إضافة إلى ذلك، لا يوجد في هذه المنطقة أي حطام فضائي يستحق الذكر. يقول الباحثان: "بقيت نقطة لاغرانج بعيدة عن نشاط البعثات السابقة إلى حد كبير، كما أن المدارات التي تعبرها عشوائية، مما يخفف إلى حد كبير من عدد النيازك".

ولهذه الأسباب، يرى بينوير وساندفورد أن الوصول إلى نقطة لاغرانج يمثل ميزة كبيرة للخط الفضائي، ويقولان: "نعتقد أن وجود قاعدة في نقطة لاغرانج هو الأكثر أهمية وتأثيراً في بدايات استخدام الخط الفضائي، وللاستكشاف البشري للفضاء بشكل عام. ويمكن أن تسمح هذه القاعدة ببناء وصيانة جيل جديد من التجارب الفضائية، مثل التلسكوبات ومسرعات الجسيمات وكاشفات الأمواج الثقالية، ومستوعبات إجراء التجارب على الكائنات الحية، وتوليد الطاقة، ونقاط الإقلاع للبعثات نحو أرجاء النظام الشمسي".

إنه عمل هام يمكن أن يجتذب الاهتمام إلى فكرة المصعد الفضائي، وقد يصبح الوصول إلى نقطة لاغرانج والقمر وما بعد ذلك أكثر سهولة وأقل تكلفة.

المرجع: arxiv.org/abs/1908.09339:
الخط الفضائي: خيار عملي للمصعد الفضائي ويمكن تحقيقه باستخدام التكنولوجيا الحالية.