انفجار أجهزة البيجر في لبنان: هل وراءه هجوم سيبراني أم متفجرات مخفية؟

5 دقيقة
انفجار أجهزة البيجر في لبنان: هل وراءها هجوم سيبراني أم متفجرات مخفية؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Dmitriy Prayzel

ملخص: شهد لبنان حادثة خطيرة حيث انفجرت آلاف أجهزة البيجر (أجهزة النداء الآلي) بشكلٍ متزامن. وأدّت الانفجارات إلى إصابة الآلاف ووفاة تسعة أشخاص. ورغم أن جهاز البيجر يُستخدم بديلاً آمناً للهواتف المحمولة من قِبل بعض الأطراف لأسباب تتعلق بالخصوصية، فإن هذا الانفجار الجماعي أثار تساؤلات حول الأسباب. البيجر جهاز بسيط مخصص لاستقبال إشارات راديوية وفيه بطاريات صغيرة. هناك عدة سيناريوهات محتملة لهذه الحادثة؛ منها تفخيخ أجهزة النداء الآلي في إحدى مراحل سلسلة التوريد والتي تبدأ من التصنيع حتى وصولها إلى المستخدم النهائي، أو تعرض الأجهزة لخرق سيبراني متعمد أدّى إلى انفجار بطارياتها.

شهدت الساعات الأخيرة حالة من الصدمة في لبنان بعد انفجار آلاف أجهزة البيجر بشكلٍ مفاجئ ومتزامن. وأسفرت هذه الانفجارات عن وقوع الكثير من الإصابات ووصول مئات الحالات الخطرة إلى المستشفيات. فيما أكدت وزارة الصحة اللبنانية وفاة تسعة أشخاص مع تسجيل حالات خطيرة تتضمن بتر أطراف وإصابات بالغة.

هذه الحادثة أثارت الكثير من التساؤلات حول كيفية وقوع انفجار جماعي لأجهزة إلكترونية صغيرة تُستخدم غالباً للاتصال دون سابق إنذار.

ما هو جهاز البيجر؟

البيجر (Pager) أو جهاز النداء الآلي هو جهاز محمول صغير الحجم مخصص لاستقبال الإشارات الراديوية القصيرة، يُستخدم لإرسال رسائل نصية قصيرة أو تنبيهات صوتية. تم تصنيع أجهزة البيجر من قِبل العديد من الشركات، من بينها شركة موتورولا (Motorola)، التي كانت من أوائل الشركات التي طوّرت أجهزة بيجر متقدمة.

تراجع استخدام أجهزة البيجر إلى حدٍ كبير مع انتشار الهواتف الذكية، إلّا أن بعض الأطراف لا تزال تعتمد عليه، خاصةً في المواقع الحساسة أو السرية التي تتطلب خصوصية وحماية من الهجمات السيبرانية والتجسس.

لهذا السبب، تستخدم العديد من الجيوش والجماعات المسلحة أجهزة البيجر في مناطق النزاع للحفاظ على سرية اتصالاتها، فعلى عكس الهاتف الذكي، جهاز البيجر أقل عرضة للتتبع أو الاختراق من قبل جهات خارجية.

تكنولوجيا البيجر بسيطة للغاية تستقبل الإشارات المشفرة أو غير المشفرة، ما يجعله وسيلة تواصل مباشرة وغير معقدة.

اقرأ أيضاً: ما هي أنواع الثغرات الأكثر شيوعاً التي تشكل مدخلاً للهجمات السيبرانية؟

انفجار أجهزة البيجر ليس الأول من نوعه

تُعتبر حوادث انفجار الأجهزة الإلكترونية نادرة نسبياً، لكنها تحدث، وغالباً ما تكون مرتبطة بمكونات معينة مثل البطاريات أو الدوائر الكهربائية.

البطاريات القابلة لإعادة الشحن، وخصوصاً بطاريات ليثيوم أيون، يمكن أن ترتفع حرارتها وتحترق أو تنفجر إذا تعرضت لظروف غير طبيعية، مثل الشحن الزائد أو الحرارة المرتفعة أو عيوب تصنيعية.

هناك عدة حوادث موثقة لانفجار أجهزة إلكترونية، مثل الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أغلب هذه الحالات ترتبط بالبطارية، التي تؤدي إلى تسريب مواد كيميائية أو تماس كهربائي داخلي.

لذلك، حادثة البيجر ليست الأولى من نوعها، لكنها الأكبر في تاريخ انفجار الأجهزة الإلكترونية، كما أنها أول حادثة انفجار لأجهزة إلكترونية ناجمة، بحسب التحليلات، عن عمل تخريبي متعمد.

اقرأ أيضاً: كيف تسهم هجمات الأمن السيبرانية في عدم الاستقرار الاقتصادي؟

انفجار البيجر: السيناريوهات المحتملة

الحادثة التي تضمنت انفجار الآلاف من أجهزة البيجر في لبنان دفعة واحدة تشير إلى سيناريو غير تقليدي، من المستبعد تماماً أن تكون هذه الأجهزة كلّها قد عانت مشكلة تقنية في وقتٍ واحد.

منذ وقوع الحادثة، بدأ الخبراء والمحللون بطرح العديد من السيناريوهات المتوقعة، فيما يلي أبرز هذه السيناريوهات وأكثرها ترجيحاً:

تفخيخ الأجهزة في إحدى مراحل سلاسل التوريد

تحتوي بعض أجهزة البيجر على بطاريات من نوع ليثيوم أيون، وهي بطاريات عرضة لارتفاع الحرارة والاحتراق والانفجار، لكنها صغيرة الحجم، ولا يؤدي انفجارها إلى إصابات خطيرة أو حتى وفاة للمستخدمين، وقد تم نشر صور لبعض الأجهزة التي انفجرت في لبنان تحتوي على بطاريات من نوع أيه أيه أيه (AAA)، هذا يقودنا إلى استنتاج أنه ربما هناك جهة خارجية أضافت موادَّ متفجرة عن عمد داخل الأجهزة خلال مراحل التصنيع أو التجميع أو النقل أو التخزين. مع آلية لتفجيرها عن بعد عن طريق إرسال إشارة أو رسالة إليها. يُعرف هذا السيناريو باسم هجوم سلسلة التوريد (Supply Chain Attacks)، وفيه تستهدف جهة خبيثة شركة تصنع أجهزة أو تقدم خدمات أو تطور برامج، بهدف إلحاق الضرر بالشركات أو المؤسسات أو الأفراد التي ستستخدم تلك الأجهزة أو الخدمات أو البرامج، وذلك عن طريق تخريبها أو تغييرها أو التجسس عليها.

ما يدعم هذا السيناريو هو أن بعض انفجارات أجهزة البيجر في لبنان تم توثيقها بالفيديو، وطريقة حدوثها تختلف تماماً عن انفجار البطاريات الشائعة. البطاريات يمكن أن تنفجر لكن ليس بشكلٍ مفاجئ بل بعد حريق واضح، وتكون معظم الإصابات عبارة عن حروق ولم يتم في مثل هذه الحالات توثيق حالات بتر أطراف أو وفاة.

استخدام البرمجيات الخبيثة

بعض أجهزة البيجر الحديثة، التي تعتبر أكثر تعقيداً وتوفّر قدرات اتصال رقمية، قد تكون عرضة للهجمات سيبرانية. في هذه الحالة، يكون الخرق قد تم عن طريق برمجيات خبيثة تؤثّر في طريقة عمل الجهاز. على سبيل المثال، يمكن تعديل البرمجية المسؤولة عن التحكم في البطارية لزيادة الجهد الكهربائي بشكلٍ كبير لدرجة أن ذلك يسبب انفجار البطارية.

اقرأ أيضاً: ما أنواع الجرائم المعلوماتية وكيف تحمي نفسك منها؟

أسباب انفجار الأجهزة الإلكترونية بشكلٍ عام

يمكن أن تتعرض الأجهزة الإلكترونية إلى الانفجار نتيجة عدة عوامل، بما في ذلك:

  • ارتفاع درجة الحرارة: تعمل المكونات الإلكترونية جميعها في نطاق حرارة محدد. في حال تعرض هذه المكونات إلى درجة حرارة أعلى من هذا النطاق، يمكن أن تحترق أو تنفجر.
  • خلل في البطاريات: تحتوي معظم الأجهزة المحمولة على بطاريات ليثيوم أيون أو أنواع أخرى من البطاريات الصغيرة. تُعدّ البطاريات واحدة من أكثر المكونات عرضة للانفجار في الأجهزة الإلكترونية، وخاصة إذا كانت قديمة أو تعاني من عيوب تصنيعية. يمكن أن يؤدي شحن زائد أو تفاعل كيميائي غير مستقر داخل البطارية في حدوث انفجار.
  • تماس كهربائي أو تلف الدوائر: يمكن أن يحدث تلف في الدوائر الإلكترونية بسبب تلف المكونات أو التآكل، ما يؤدي إلى تدفق غير منضبط للتيار الكهربائي. هذا التدفق الزائد يمكن أن يتسبب في تسخين المكونات الداخلية بسرعة كبيرة، وانفجار أو احتراق بعض الأجزاء.
  • خلل في التصميم أو التصنيع: إذا كان الجهاز يفتقر إلى الحماية الكافية من التحميل الزائد أو الشحن الكهربائي الزائد، فإنه يكون أكثر عرضة للانفجار.

اقرأ أيضاً: ما أبرز التهديدات السيبرانية التي تواجهها الشركات الناشئة وكيف تتصدى لها؟

هل نحن في خطر؟

مع تزايد الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية في حياتنا اليومية، ووقوع حادث خطير واسع النطاق كهذا، يثار تساؤلٌ مقلق: هل يمكن أن يتكرر السيناريو نفسه في أماكن أخرى ويؤدي خرق سيبراني إلى انفجار الهواتف أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى؟

من الصعب الجواب بالنفي تماماً على هذا السؤال. إذ مع تطور الهجمات السيبرانية التي تمكن الجهات الخبيثة من اختراق الأنظمة والتحكم في الأجهزة عن بُعد، يصبح احتمال استهداف الأجهزة مثل الهواتف الذكية أو الحواسيب أو حتى السيارات الذكية أمراً وارداً. لكن الأجهزة التي تحتوي على بطاريات الليثيوم أيون فيها آليات تؤدي إلى إيقاف تشغيل الجهاز عند ارتفاع حرارته، وحتى في حال ارتفاع حرارة البطارية، من النادر جداً أن تنفجر، ولم يتم في السابق توثيق حالات بتر أطراف أو وفاة.

معظم الأجهزة الحديثة تحتوي على بطاريات وتكنولوجيا يمكن أن تكون عرضة للاختراق. وقد يؤدي هجوم سيبراني إلى تجاوز أنظمة الحماية والتحكم عن بُعد في الجهد الكهربائي، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة أو حدوث تفاعلات كيميائية في البطاريات تؤدي إلى انفجارها.

رغم أن هذا النوع من الهجمات يتطلب مستوى عالياً من التخطيط والمعرفة التقنية، فإن تطور الهجمات السيبرانية يفرض على الحكومات والشركات المصنّعة تعزيز إجراءات الأمن السيبراني بشكلٍ مستمر لحماية الأجهزة من مثل هذه السيناريوهات الخطيرة.

اقرأ أيضاً: كيف ينبغي على الشركات أن تتعامل مع تهديد سيبراني داخلي؟

كيف تتجنب انفجار الأجهزة المحمولة؟

إذا كنت تستخدم جهازاً محمولاً مثل الهاتف الذكي أو الساعة الذكية أو اللابتوب ويسخن بشكلٍ غير طبيعي أحياناً؟ فإن ذلك يعد مشكلة شائعة يمكن أن تؤثّر في الأداء وتؤدي إلى تقصير عمر البطارية. وفي حالات نادرة، إلى انفجار الجهاز، لكن هناك عدة خطوات بسيطة يمكنك اتباعها للحفاظ على درجة حرارة هاتفك ضمن النطاق الطبيعي:

  • تجنب التطبيقات والبرامج الثقيلة: التطبيقات والبرامج التي تحتوي على رسومات عالية الدقة أو تستهلك قدرات المعالج بشكلٍ مكثّف مثل الألعاب أو تطبيقات تحرير الفيديوهات تؤدي إلى زيادة حرارة الجهاز. إذا كنت تحتاج إلى استخدامها، استخدمها فترة محدودة.
  • تجنب تعريض الجهاز لأشعة الشمس المباشرة: حرارة الشمس تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجهاز بشكلٍ كبير وتؤثّر سلباً في أدائه وعمر البطارية.
  • إغلاق التطبيقات غير المستخدمة: تشغيل العديد من التطبيقات في الخلفية يزيد العبء على المعالج والبطارية، ويؤدي إلى ارتفاع الحرارة. أغلق التطبيقات التي لا تحتاج إليها.
  • استخدام شاحن متوافق: استخدام شاحن غير أصلي أو غير متوافق يمكن أن يؤدي لزيادة حرارة البطارية في أثناء الشحن. تأكد من استخدام الشاحن الموصى به من قبل الشركة المصنعة.
  • تحديث نظام التشغيل والتطبيقات بانتظام: التحديثات غالباً تتضمن تحسينات للأداء وإصلاحات للأخطاء التي قد تؤدي إلى ارتفاع حرارة الجهاز.
  • تفادي استخدام الجهاز في أثناء الشحن: يؤدي استخدام الأجهزة في أثناء الشحن إلى ارتفاع درجة حرارتها نتيجة الاستهلاك المكثف الذي تتعرض له البطارية.