اليونسكو: الذكاء الاصطناعي هيمن على الإنتاج العلمي خلال الأعوام الأخيرة

3 دقائق
تقرير اليونسكو والذكاء الاصطناعي
مصدر الصورة: لوكاس عبر أنسبلاش

كشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، مطلع هذا الأسبوع، النقاب عن الإصدار السابع من تقريرها العلمي الذي تصدره كل خمس سنوات. وقد أشار تقرير هذا العام إلى أن الدول في جميع أنحاء العالم وباختلاف مستويات دخلها منحت الأولوية خلال الأعوام الأخيرة للانتقال المزدوج إلى الاقتصادات "الرقمية" و"الخضراء"، كما اتخذت خطوات هامة على طريق رقمنة الخدمات العامة وأنظمة الدفع، لتحسين تقديم الخدمات ودعم الأعمال ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي.

سيطرة الذكاء الاصطناعي والروبوتات على الإنتاج العلمي

أوضحت المنظمة -في تقريرها المُفصل الذي نشرته تحت عنوان "السباق مع الزمن من أجل تنمية أكثر ذكاءً"- أن السياسات الجديدة تعزز الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك التصنيع الذكي والتمويل الذكي (أو التكنولوجيا المالية fintech) وخدمات الرعاية الصحية الذكية (مثل التطبيب عن بعد) والزراعة الذكية، مشيرة إلى أن "مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات سيطر على الإنتاج العلمي" خلال الأعوام الأخيرة.

ويوضح التقرير الضخم -الذي بلغت عدد صفحاته 762 صفحة، وجمع بياناته 70 مؤلف من 52 دولة على مدار 18 شهراً- أن التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والبلوك تشين، تمثل أهمية حيوية بالنسبة للقدرة التنافسية الاقتصادية في المستقبل، وأن "التطوير الأكثر ذكاءً" المدفوع بالتقنيات الرقمية يُشكل حجر الأساس للثورة الصناعية الرابعة (المعروفة أيضاً باسم الصناعة 4.0).

البحث العلمي في الدول العربية
مصدر الصورة: مايكل دزيدزيتش عبر أنسبلاش

كما توصل إلى أن ارتفاع نسبة نشر الذكاء الاصطناعي في البلدان منخفضة الدخل منذ عام 2015 أدى إلى تقليص نصيب دول مجموعة العشرين من الإنتاج العلمي، حيث أنشأت العديد من البلدان آليات مؤسسية لتعزيز اعتماد تقنيات الثورة الصناعية الرابعة. وتشير الأرقام إلى أن الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل (lower middle-income countries) ساهمت بنسبة 25.3٪ من المنشورات العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات في عام 2019، مقارنة بـ 12.8٪ فقط في عام 2015.

الدول العربية في الميزان

قدم التقرير نظرة مدققة على ما يقرب من عشرين دولة ومنطقة عالمية، من حيث معدل أبحاث الذكاء الاصطناعي والتمويل والاستراتيجيات المتبعة فيها، وغير ذلك من المؤشرات. وبتحليل الرسوم البيانية التي امتلأ بها التقرير، يمكن أن نلاحظ عدداً من أوجه التقدم البارزة التي حققتها الدول العربية في مجالات النشر العلمي. على سبيل المثال، احتلت مصر المركز الثاني على مستوى العالم، بعد الهند، من حيث معدل النمو في النشر العلمي حول الطاقة بين عامي 2012 و2019، حيث وصلت عدد منشوراتها العلمية في هذا المجال إلى 6808 منشوراً خلال تلك الفترة. كما احتل العراق المركز السابع والمغرب المركز الحادي عشر والإمارات العربية المتحدة المركز الثاني عشر، بين أعلى 15 دولة في العالم من حيث معدل النمو في النشر العلمي في مجال علوم المواد خلال الفترة 2012-2019.

ويوضح الفصل السابع عشر من التقرير- الذي أُفرد بالكامل للدول العربية- إلى أنه على الرغم من الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية بينها، إلا أنها تتشارك في الأولويات. ومع ندرة المياه وتآكل التربة والتدهور البيئي التي تشكل تحديات خطيرة، تتبنى المزيد من الحكومات في المنطقة حلولاً قائمة على العلم، مثل الزراعة العمودية الداخلية وتحلية المياه والاستثمار في محطات الطاقة الشمسية الضخمة.

كما أن الاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة تمثل أولوية سياسية واضحة، حيث تبنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، وتخطط ثلاث دول أخرى على الأقل، وهي الجزائر ومصر وتونس، لفعل الأمر نفسه. وكذلك، أسس المغرب برنامجاً بحثياً في مجال الذكاء الاصطناعي.

ويشير التقرير أيضاً إلى أن دول الخليج كانت من بين أوائل الدول في العالم في إطلاق شبكات الجيل الخامس التجارية. كما افتتحت السعودية مركزاً للثورة الصناعية الرابعة، وتعمل دولة الإمارات على دمج تقنية البلوك تشين في الخدمات والمعاملات الحكومية. (نشرت إم آي تي تكنولوجي ريفيو خلال السنوات الماضية عدداً من المقالات حول هذا الموضوع).

تقرير اليونسكو العلمي
مصدر الصورة: مفضل لاب عبر بيكساباي

في المقابل، توضح اليونسكو أنه وبالرغم من أن الأعوام الخمسة الماضية شهدت توسعاً كبيراً في التعليم العالي وتمويلاً عاماً سخياً للجامعات، إلا أن النسبة المخصصة للبحث والتطوير لا تزال منخفضة في معظم البلدان. وبالتالي، فإن التقنيات المبتكرة لا يتم تطويرها أو تصديرها من قبل الدول العربية. وحتى الاقتصادات الأكثر ازدهاراً في المنطقة تعتمد بشكل كبير على شراء مدخلات التكنولوجيا من الخارج، وهو ما يشير إلى الحاجة إلى إعطاء الأولوية لبناء مجتمعات بحثية محلية يتم تحديد مخرجاتها حسب الطلب المجتمعي.

بيد أن هناك عدداً من النقاط المضيئة التي يذكرها التقرير عن الدول العربية في مجال التعليم العالي، منها مثلاً تمكن السعودية من إطلاق 22 قناة تعليمية في غضون ثماني ساعات من الإغلاق الأول الذي تسببت فيه جائحة كورونا، وذلك بفضل وجود أول جامعة افتراضية في الخليج، وهي الجامعة السعودية الإلكترونية التي تأسست عام 2013.

العلم مرادفاً للحداثة والمكانة المرموقة

في النهاية، يخلص التقرير إلى أن الدول ستحتاج إلى زيادة الاستثمار في مجال البحث والابتكار، إذا أرادت أن تنجح في تحولها المزدوج الرقمي والأخضر، مشيراً إلى أن أكثر من 30 دولة قامت بالفعل بزيادة إنفاقها على الأبحاث منذ عام 2014، تماشياً مع التزامها بأهداف التنمية المستدامة. كما بات العلم مرادفاً للحداثة والقدرة التنافسية الاقتصادية، بل وحتى مرادفاً للمكانة المرموقة في العالم. ولكن على الرغم من كل هذا التقدم، لا تزال 8 من كل 10 دول تخصص أقل من 1٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للبحث، وهو ما يديم من اعتمادها على التقنيات الأجنبية.