الهجرة بسبب تغير المناخ تدق ناقوس أخطار مستقبلية كبرى

7 دقائق
الجفاف في زيمبابوي
حقوق الصورة: أسوشييتد برس/ تسفانغيراي موكوازي.

لم يحصد جوليوس موتيرو أي شيء تقريباً خلال السنوات الست الماضية، فعلى مدى حياته كشخص بالغ، يقوم بزراعة قطعة أرض مساحتها ثلاثة هكتارات في مابيا، وهي منطقة زراعية شرق زيمبابوي. إذ يزرع فيها الذرة والفول السوداني ليأكل هو وزوجته وأطفالهما الثلاثة. ثم يبيع ما تبقى للحصول على المال.

ولكن منذ أكثر من عقد، بدأ هطول الأمطار بالانخفاض وجفت الأنهار في المنطقة. فالمناخ، الذي كان حاراً من قبل ويمكن أن تصل درجات الحرارة فيه إلى 30 درجة مئوية (86 درجة فهرنهايت)، بدأ بتسجيل درجات حرارة مرتفعة في فصل الصيف تصل إلى 37 درجة مئوية (99 درجة فهرنهايت) بشكل منتظم. وأصبح موسم الأمطار يبدأ الآن في أواخر ديسمبر/ كانون الأول بدلاً من أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، كما أنه ينتهي بشكل أسرع أيضاً. خلال الأشهر الأكثر جفافاً، ينتشر الغبار عبر الأراضي الزراعية التي تعرضت للشمس، والتي لم يتبق منها سوى الشجيرات الشائكة.

أدت سنوات من الجفاف الشديد إلى القضاء على جميع محاصيل موتيرو. حاول زراعة أصناف الذرة التي تنضج أبكر من غيرها، لكنها لم تتمكن من البقاء. ومع عدم وجود مراعٍ للمواشي التي يملكها، ظل يراقب دون حول منه ولا قوة حتى نفقت جميع بقراته السبع. 

يقول موتيرو: "الحياة هنا صعبة للغاية الآن". تعيش أسرته إلى حد كبير على المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات غير الربحية أو حكومة زيمبابوي، لكنها ليست كافية. 

ويشعر أنه لا يوجد أمامه أي خيار سوى ترك منزله بحثاً عن الماء. ومن حسن حظه، وعده أحد الزعماء المحليين بقطعة أرض صغيرة تبعد نحو 30 كيلومتراً من مابيا في المرتفعات الشرقية بالبلاد، والتي تتعرض للأمطار والضباب بشكل أكثر غزارة من باقي أنحاء البلاد. 

عندما تحدثنا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كان موتيرو يخطط لبناء منزل جديد ونقل عائلته بحلول نهاية العام. لكنه كان متوتراً. حيث قال: "لا أعرف ما الذي سنواجهه أنا وعائلتي وكيف سيتم استقبالنا".

موتيرو هو مجرد شخص واحد من أصل 86 مليون شخص يعيشون جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، والذين من المتوقع أن يهاجروا محلياً بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ، حسب تقديرات البنك الدولي، وهو أكبر عدد متوقع في أي من المناطق الست الرئيسية التي درستها المنظمة في تقرير جديد

في زيمبابوي، وجد المزارعون الذين حاولوا البقاء في أماكنهم والتكيف من خلال جمع مياه الأمطار أو تغيير ما يزرعونه أن جهودهم غير كافية على الإطلاق في مواجهة تقلبات الطقس الجديدة. لقد أجبر الجفاف بالفعل عشرات آلاف الأشخاص على النزوح من الأراضي المنخفضة في البلاد إلى المرتفعات الشرقية. لكن تنقلاتهم اليائسة تؤدي إلى منافسة جديدة على المياه في المنطقة، وقد تتفاقم التوترات قريباً.

اقرأ أيضاً: 6 اتجاهات تكنولوجية في 2022 ستغير طبيعة الحياة البشرية

نفاد الموارد

عانت زيمبابوي من حالات الجفاف على مدار العقود الثلاثة الماضية. لكن هذه الحالات أصبحت أكثر تكراراً وازدادت شدتها نتيجة لتغير المناخ. يكسب ما يصل إلى 70% من الناس في زيمبابوي قوتهم من الزراعة أو ما يتعلق بها من الأنشطة الاقتصادية، ويعتمد الملايين من المزارعين الفقراء هناك بشكل كلي على الأمطار لسقي محاصيلهم. على مدار الأربعين عاماً الماضية، ارتفع متوسط ​​درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، بينما انخفض معدل هطول الأمطار السنوي بنسبة 20 إلى 30%.

في ذروة الجفاف الأخير، الذي استمر من عام 2018 إلى عام 2020، لم تهطل في زيمبابوي سوى نصف كمية الأمطار المعتادة. وتعرضت المحاصيل للحرائق وجفت المراعي. حدث اكتظاظ للناس والمواشي حول الآبار التي يتم ضخها يدوياً للعثور على المياه، ولكن سرعان ما جفت الآبار. ولم يتوافر لبعض الناس في المناطق الأكثر جفافاً سوى القليل من الطعام، لدرجة أنهم كانوا يعيشون على تناول الأوراق وفاكهة أشجار الباوباب البيضاء الهشة.

سقطت كمية أكبر من الأمطار خلال الموسم الزراعي الأخير، لكن العديد من المزارعين ما زالوا يشعرون بعدم الارتياح بشأن المستقبل. إذ أصبح من المستحيل زراعة الذرة، والتي تعتبر المحصول الأساسي في زيمبابوي، حيث كان يروج لها بقوة من قبل الحكومة الاستعمارية السابقة منذ الأربعينيات. 

ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، لا يوجد ما يكفي من الطعام لدى أكثر من 5 ملايين نسمة في زيمبابوي، وهو ما يمثل ثلث السكان.  وقامت دراسة أجريت في عام 2019 حول مدى تأثر البلدان بالاضطرابات الزراعية بسبب الجفاف بتصنيف زيمبابوي  في المرتبة الثالثة، بعد بوتسوانا وناميبيا فقط. 

وكما يعلم موتيرو وغيره من المهاجرين بسبب تغير المناخ، فإن الظروف تعدّ أفضل إلى حد ما في المرتفعات الشرقية. تمتد هذه المنطقة الجبلية لنحو 300 كيلومتراً على طول حدود زيمبابوي مع موزمبيق. إذ تبدأ العديد من الأنهار الرئيسية في المنطقة، بما فيها بونغوي وأودزي، على شكل جداول من تلك المنطقة. يعتبر مناخ المنطقة وتربتها الخصبة مثاليين لزراعة المحاصيل مثل الشاي والقهوة والخوخ والأفوكادو وفاكهة حلوة ذات لون وردي مائل إلى الحمرة تسمى الليتشي.

عندما بدأ المهاجرون بسبب تغير المناخ بالوصول إلى المرتفعات الشرقية قبل عقد من الزمان، استقروا على الأراضي التابعة للدولة دون الحصول على إذن، وسارعت الحكومة إلى طردهم. لكنهم عادوا بأعداد أكبر، وتوقف المسؤولون إلى حد ما عن محاولة منعهم.

بحلول عام 2015، قدّرت الحكومة أن أكثر من 20 ألف مهاجر قد استقروا في المرتفعات الشرقية. وعلى الرغم من عدم وجود تقديرات رسمية أحدث، تشير الأدلة التي يتم تداولها إلى استمرار العدد في الارتفاع.

وفي بعض أجزاء المرتفعات، يحتل المهاجرون اليوم أي أرض شاغرة يمكنهم العثور عليها. وفي أجزاء أخرى، تولى القادة المحليون أو قادة المجتمع، كالذي يساعد موتيرو، والمعروفون محلياً باسم سابهوكو، مهمة تخصيص الأراضي للمهاجرين. ويقوم القادة، الذين تعدّ أدوارهم شعائرية إلى حد كبير، بذلك في تحدّ لأوامر الحكومة. وقد حصلوا بذلك على الثناء من المهاجرين، ولكن نالهم استياء المزارعين المحليين الذين كانوا يعيشون هناك من قبل. 

ورفض اثنان من كبار المسؤولين الحكوميين في مقاطعة مانيكالاند في المرتفعات الشرقية، وهما إدغار سينزا، المنسق الإقليمي، وتشارلز كادزيري، مسؤول أراضي المقاطعة، التعليق على هذه القصة. ولم يردّ فانغليس هاريتاتوس، نائب وزير الأراضي والزراعة ومصايد الأسماك والمياه وإعادة التوطين الريفي في زيمبابوي، على الأسئلة التي تم إرسالها إلى رقمه على واتساب.

اقرأ أيضاً: بلانتي كيوب: حاويات ذكية قد تنقل الزراعة إلى المدن

"سيتقاتل الناس قريباً" 

يشعر ليونارد مادانهاير، وهو مزارع يعيش فيما يعرف بمنطقة مبودزي في المرتفعات الشرقية، بالقلق. إذ يزرع الذرة في المقام الأول في أرضه التي تبلغ مساحتها خمسة هكتارات. وانخفض عدد قطيعه من الماشية من أكثر من 20 قبل عقد من الزمان إلى خمسة. فمعظم أراضي الرعي المجاورة، التي كان يتشاركها مع مزارعين آخرين منذ فترة طويلة، يشغلها المهاجرون بسبب تغير المناخ الآن.  

في شهر أيلول/ سبتمبر، اصطحبني مادانهاير في نزهة طويلة على طول ضفاف نهر تشيتورا. كانت المساكن المبنية حديثاً تقوم على أرض كانت مراعٍ يوماً ما، وتنتشر المساكن الأخرى على ضفاف النهر. كان اثنان من الرعاة المحبطين على ما يبدو يحاولان توجيه الماشية والماعز عبر بقع الرعي الضيقة المتبقية. 

وعلى بعد بضعة كيلومترات من النهر، زرع المهاجرون حدائق تحتوي على الخضروات على أطراف النهر. يقول مادانهاير إن الزراعة على طول ضفاف النهر بهذه الطريقة تسبب التآكل وتؤدي إلى تلوث المياه بالنسبة لجميع من هم على مجرى النهر.

ويخشى أن تنفد الموارد قريباً مع قدوم المزيد من الناس إلى المنطقة. ويقول إن الأنهار التي تنشأ هناك، مثل مبودزي وموشامهورو وموراري ووينغيزي، تجف الآن في منتصف موسم الجفاف. 

ويقول: "سوف يتقاتل الناس قريباً من أجل الكمية القليلة المتبقية من الماء". وبالفعل، اندلعت مناوشات بين المزارعين والمهاجرين والزعماء المحليين حول مكان استقرار الأشخاص ومن يقرر ذلك.  

ولا يعتبر مادانهاير هو الوحيد الذي يشعر بالقلق. جوزفات مانزيني هو مزارع يزرع الموز في وادي بورما، والذي يعدّ منطقة زراعية مربحة في المرتفعات الشرقية ويشتهر منذ فترة طويلة بإنتاج أفضل أنواع الموز في البلاد. هو يشعر بالقلق من استقرار المهاجرين بسبب تغير المناخ على ضفاف الأنهار القريبة واستخدامهم المياه التي يحتاجها لري أكثر من 20 هكتاراً. 

يقول مانزيني إن المهاجرين اجتاحوا العديد من الأنهار المحلية وشكلوا عبئاً ثقيلاً على إمدادات المياه وأدوا إلى وجود الكثير من الطين لدرجة أن البقايا تسدّ ثلاثة سدود بالإضافة إلى العديد من الجداول الصغيرة في المنطقة.

الآن، ولأول مرة في حياة مانزيني، تبدو آفاق زراعة الموز في المرتفعات الشرقية قاتمة. ويقول: "لا يوجد مستقبل هنا".

اقرأ أيضاً: عذراً من مناصري الزراعة العضوية… يبدو أنها أكثر ضرراً للمناخ

خطوات ضعيفة جداً بعد فوات الأوان

في الأجزاء التي تعرضت للحرائق في زيمبابوي، حاول بعض المزارعين التأقلم والبقاء في أماكنهم. وعادوا إلى زراعة الحبوب التقليدية المقاومة للجفاف مثل حبوب الدخن والدخن اللؤلؤي والذرة الرفيعة. وانتقل البعض الآخر من ري محاصيلهم عن طريق إغراق الحقول بأكملها بالماء إلى استخدام أنظمة ري من شأنها تنقيط الكمية الضرورية من المياه بجوار كل نبتة.  

وحاول البعض، بمن فيهم بليسينغ زيمونيا، وهو مزارع في تشيتورا، جمع مياه الأمطار للري وغيره من الاستخدامات الأخرى. يستخدم زمونيا خزاناً سعته 5000 لتر لجمع المياه من سطح منزله وخزاناً سعته 100 ألف لتر لجمع المياه الجارية على الأرض. ويستكمل ما ينقص في هذه الأنظمة من الماء من أحد الأنهار القريبة.

تقول ناتالي واتسون، المديرة الإدارية لمنظمة قرى بوبوما Bopoma Villages، وهي منظمة غير حكومية تدير مشروعاً للمياه النظيفة والنظافة الصحية، إن جمع مياه الأمطار ينطوي على إمكانات كبيرة لإحداث فارق. واستشهدت بمزارع مشهور في زيمبابوي يُدعى زيفانيا فيري ماسيكو، والذي قام قبل وفاته بتحويل الأراضي الجافة إلى حقول خصبة باستخدام الأساليب التي تقوم المنظمة التي تديرها واتسون بتعليمها الآن.

ويركز برنامجها حالياً على منطقة زاكا في جنوب زيمبابوي، حيث يشارك فيه مئات المزارعين. كما بدأ البعض في مقاطعة ميدلاندز المجاورة بتجربة جمع مياه الأمطار.

الجفاف في زيمبابوي
تعيش ليا تسيغا البالغة من العمر 90 عاماً بمفردها في منطقة مودزي القاحلة في زيمبابوي، وتقضي عدة أيام احياناً دون تناول وجبة مغذية. حقوق الصورة: أسوشييتد برس/ تسفانغيراي موكوازي.

ومع ذلك، لا يزال العدد الإجمالي للمزارعين الذين اتبعوا هذه الممارسات في زيمبابوي منخفضاً للغاية. فمن بين أكثر من 7 ملايين من صغار المزارعين في كافة أنحاء البلاد، لم يجرب ذلك سوى بضعة آلاف في أكثر المقاطعات جفافاً. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها منظمات مثل المنظمة التي تديرها واتسون، فإن معظم المزارعين لا يملكون المال لبناء خزانات كبيرة لتخزين المياه. ولا يزال الكثيرون لا يعرفون ما هو جمع مياه الأمطار أو كيفية البدء به.

يتم تنفيذ برامج أخرى غير ربحية لمساعدة المزارعين على التكيّف من خلال تعلّم ممارسات جديدة للحفاظ على رطوبة التربة وإيجاد طرق لتنويع الدخل من مجالات أخرى غير الزراعة. وفي العام الماضي، أعلنت حكومة زيمبابوي عن خطة لخلق 760 ألف وظيفة جديدة "صديقة للبيئة" خلال أربع سنوات في مجالات مثل الطاقة الشمسية والطاقة المائية وكفاءة الطاقة والزراعة المستدامة. لكن هذه الجهود لا تزال في مهدها. 

اقرأ أيضاً: موجات الحر الأخيرة توضح لنا أهمية إصلاح أنظمتنا الكهربائية

يقول غيفت سانيانغا من الارتباط بين مدينتي هارلم وموتاري، وهو نظام يجمع مدينتي هارلم في هولندا وموتاري في زيمبابوي أصدر تقريراً عام 2019 حول الهجرة المناخية في المرتفعات الشرقية (ودفع لي مقابل السفر إلى  هارلم للتحدث في نفس العام)، إن إجراءات التكيف قد فشلت إلى حد كبير، وإن الخيار العملي الوحيد المتبقي أمام الكثير من المزارعين هو الهجرة.

وتعتقد آنا برازير، وهي باحثة مناخ مستقلة، أن الوقت قد حان لكي تشجع حكومة زيمبابوي الناس بشكل فعال على مغادرة المناطق الجافة قبل أن تزداد الظروف سوءاً. 

وتقول: "مع اشتداد تغير المناخ، ستصبح بعض هذه المناطق غير صالحة للسكن. وبدلاً من الاضطرار إلى التعامل مع هجرة جماعية سريعة،  ستشكل ضغطاً شديداً على المناطق التي سيهاجر إليها الناس، يتعين علينا أن نخطط الآن للإخلاء التدريجي للمناطق الأكثر تأثراً". 

وتقول إن على الحكومة إجراء تدقيق للأراضي على الصعيد الوطني لمعرفة المكان المتاح للمهاجرين وإنشاء عملية يمكن من خلالها للناس إعادة التوطين هناك بشكل قانوني، وربما يترافق ذلك مع قليل من المال أو أي دعم آخر لمساعدتهم في بدء حياتهم. وبينما تقوم الحكومة بالكثير من أجل نقل الناس بشكل صحيح من المناطق المعرضة للفيضانات، إلا أنها لا تفعل شيئاً يذكر لنقل المزارعين من الأماكن المعرضة للجفاف. 

بالنسبة للكثيرين، فقد فات الأوان بالفعل. 

على الرغم من الأمور المجهولة التي تنتظر موتيرو في المرتفعات الشرقية، فقد اتخذ قراره بالفعل. حيث أخبرني: "سأنتقل، ولن يوقفني أي شيء. هذا هو خياري الوحيد".