المنحنيات اللوغاريتمية: طريقةٌ أخرى لنفهم انتشار فيروس كورونا على نحوٍ أفضل

6 دقائق

عند متابعة الأخبار المتعلقة بانتشار فيروس كورونا المستجد، فإن أبرز ما نلاحظه هو الارتفاع المضطرد في أعداد الإصابات يوماً بعد يوم، التي بلغت أكثر من 300 ألف حالة حتى تاريخ 22 مارس. للوهلة الأولى سيبدو الأمر وكأننا في فوضى عارمة؛ باستثناء الصين وعدة دول آسيوية أخرى تبدو الأمور خارجة عن السيطرة تماماً في ظل الإجراءات المتتالية التي تأخذها الدول، والتي لا يبدو أنها قادرة على إيقاف انتشار الفيروس.

المقالات الأكثر قراءة ضمن تغطية فيروس كورونا المستجد:

في الحقيقة، فإن انتشار الفيروس يُمكن أن يُفهم على نحوٍ أفضل عند الاستعانة ببعض الأدوات الرياضية، مثل منحنيات النمو الأسي والنمو اللوجستي، ولكن بالرغم من قدرتها على التنبؤ بكيفية انتشار الفيروس خلال الفترة المقبلة عند معرفة معدل النمو الرياضي، إلا أنها لن تكون قادرة على إعطاء صورةٍ شاملة وواضحة لانتشار الفيروس نظراً لتزايد عدد الحالات بشكلٍ هائل خلال فترةٍ زمنية قصيرة، إذ وصل عدد الإصابات عتبةَ الألف بتاريخ 24 يناير ومن ثم قفز لعتبة عشرة آلاف بتاريخ 31 يناير، وبحلول 6 مارس أصبح عدد الإصابات 102 ألف، ليحتاج لحوالي 11 يوم فقط حتى يصبح 200 ألف تقريباً بتاريخ 17 مارس ولأسبوعٍ واحد فقط حتى يتجاوز 300 ألف إصابة بتاريخ 22 مارس. 

عند تمثيل الأرقام السابقة على منحنى نمو أسي سيبدو وكأن تزايد عدد الإصابات سيستمر حتى اللانهاية وهو أمرٌ مثيرٌ للإحباط من دون أدنى شك، والأهم من ذلك أننا لن نكون قادرين على معرفة ما إن كانت الإجراءات الخاصة بالابتعاد الاجتماعي والعزلة التي تفرضها الدول ستُسهم فعلياً أم لا في تسطيح منحنى النمو الخاص بالفيروس، وهي الإستراتيجية التي يتم اتباعها حالياً في معظم الدول المتضررة.

لهذا السبب -وعند التعامل مع أرقامٍ كبيرة ومعدل انتشارٍ سريع خلال فترةٍ زمنية قصيرة- فإنه من الأفضل اللجوء لطريقةٍ أخرى تساعدنا على تكوين صورةٍ أشمل وأفضل حول ما يحدث وما إذا كانت إجراءات الوقاية والرعاية الصحية المتبعة والمنصوص عليها من قِبل الهيئات العالمية المختلفة تُسهم حقاً في وقف انتشار الفيروس. أبسط هذه الطرق هي اللجوء للمنحنيات اللوغاريتمية Logarithmic Curves بدلاً من المنحنيات الخطية التي تُظهر النمو الأسيّ للفيروس. 

حول المقياس والتوابع اللوغاريتمية

يمثل اللوغاريتم Logarithm أحد الخواص المرتبطة بالتوابع الرياضية الأسية، وتعريفاً فإن اللوغاريتم هو التابع العكسي للتابع الأسي. لفهم كيفية حساب اللوغاريتم فإننا سنأخذ عدداً صحيحاً موجباً مثل 1000. نعلم أن هذا العدد هو عبارة عن المرتبة الأسية الثالثة للعدد 10، أي أنه يمكننا حساب العدد 1000 عبر ضرب العدد 10 في نفسه 3 مرات. هذا الأمر يمكن التعبير عنه كما يلي: 

لو أردنا إجراء تعميمٍ على المثال البسيط السابق، فإننا سنقوم بترميز العدد 10 بالرمز b، الذي يُعرف على أنه الأساس base، بينما سنقوم بترميز المرتبة الأسية بالرمز y وأخيراً العدد 1000 سيحصل على الرمز x. بهذه الصورة، يُمكن كتابة المعادلة البسيطة باستخدام الرموز كما يلي: 

لنفرض الآن أننا نعرف فقط العدد x وكذلك الأساس b ونريد اعتماداً عليهما تحديد العدد y، هنا يدخل دور التابع اللوغاريتمي الذي يمكننا من إجراء الحساب السابق عبر المعادلة التالية البسيطة: 

بالعودة للمثال العددي السابق، فإنه يمكننا أن نفهمه كما يلي: العدد 3 هو اللوغاريتم ذو الأساس العشري للعدد 1000، وذلك لأن اللوغاريتم العشري للعدد 10 (أي للأساس) هو واحد، وبالتالي فإن اللوغاريتم العشري للعدد 10000 هو 4 واللوغاريتم العشري للعدد 100000 هو 5 واللوغاريتم العشري للعدد 1000000 هو 6. اللوغاريتم العشري يمثل أشهر أنواع اللوغاريتمات، ويمكن استخدام مفهوم اللوغاريتم مع أي تابعٍ أسيّ طالما أن أساسه عددٌ صحيح موجب لا يساوي الواحد، وأبرز الأمثلة الشهيرة على ذلك هو اللوغاريتم الطبيعي Natural Logarithm الذي يمثل العددُ النيبري e أساسَه. 

بالبقاء مع اللوغاريتم العشري فإننا سنلاحظ أمراً هاماً: هو أن التابع اللوغاريتمي يستطيع إبراز مجالاتٍ عديدة كبيرة عبر خطواتٍ صغيرة؛ فانتقال العدد من القيمة 10 إلى القيمة 100 يعني 90 خطوة على مقياس الأعداد، بينما على مقياس التابع اللوغاريتمي فإننا نكون قد انتقلنا خطوةً واحدة فقط، ولو أردنا الانتقال من القيمة 10 إلى القيمة 1000000 فهذا يعني عدداً كبيراً من الخطوات على سلم الأعداد، بينما سنكون قد انتقلنا 6 خطوات فقط على المقياس اللوغاريتمي. هذه الخاصية هي ما تجعل التوابع اللوغاريتمية وسيلةً مفضلة لدى الباحثين والعلماء عندما يتم التعامل مع بياناتٍ كبيرة، حيث سيمكن تمثيلها بشكلٍ بسيط دون إغفال أهميتها. 

أشهر الأمثلة على استخدام التوابع اللوغاريتمية في بناء المقاييس العددية هو مقياس ريختر الشهير المستخدم في تصنيف قوة الزلازل؛ حيث يتم حساب شدة الزلازل عبر قياس كمية الطاقة التي يتم تحريرها من الهزة الأرضية، ولكن بما أن هذه الكمية كبيرة، يتم اللجوء لحساب التوابع اللوغاريتمية لتقديم تمثيلٍ يمكن التعامل معه بسهولة، فمثلاً زلزالٌ ذو شدةٍ قدرها 5.0 على مقياس ريختر يعني أن الطاقة الناجمة عنه أكبر بـ 32 مرة من تلك الناجمة عن زلزال بشدة 4.0 ريختر، وزلزال بشدة 6.0 ريختر يعني أن الطاقة الناجمة عنه أكبر بـ 1000 مرة من تلك الناجمة عن زلزال بشدة 4.0 ريختر. 

المقياس اللوغاريتمي وفيروس كورونا المستجد

بالعودة لفيروس كورونا المستجد وانتشاره، فإن أغلب المنحنيات البيانية التي يتم تداولها لتظهر حجم الجائحة ستترك انطباعاً بالعجز كونها تظهر تزايداً مخيفاً يبدو وكأنه لن يتوقف. فهل الواقع كذلك؟ لنأخذ شكل منحنى نمو انتشار الفيروس وفق بيانات موقع Worldmeter، وذلك اعتماداً على المقياس الخطي، حيث سيبدو منحنى النمو العالميّ كما يلي:

يظهر المنحنى تزايداً كبيراً جداً في عدد الحالات، ومع بقاء معدل النمو الحاليّ كما هو، فإن المنحني سيستمر بالصعود. هل هذا يعني أن كل الإجراءات الوقائية والصحية التي تم اتباعها خلال الأسابيع السابقة لم تكن مجدية؟ ربما، ولكن كي نكوّن صورة أفضل علينا اللجوء لوسيلة تعطينا انطباعاً أفضل حول كيفية تطور عدد الإصابات بشكلٍ شموليّ أكثر. الأمر الجيد أن أغلب المنصات الشهيرة التي تقوم بتوفير إحصاءاتٍ عن انتشار الفيروس توّفر أيضاً منحنيات نمو تعتمد على المقياس اللوغاريتمي، والتي ستظهر كيفية تزايد الحالات من 10 إلى 1000، ومن 1000 إلى 100 ألف، ومن 100 ألف إلى المليون بصورةٍ أوضح وتعطينا فكرةً جيدة عن الاتجاه الذي نسير فيه حالياً. 

لنعد لمنحنى نمو الحالات السابق ولكن لنشاهده مرةً أخرى على المقياس اللوغاريتمي:

عند التعامل مع المنحنى اللوغاريتمي ومع تحول القيم على المحور العامودي لتصبح المضاعفات الأسية للعدد 10، فإننا سنلاحظ صعوداً كبيراً في عدد الإصابات بدءاً من قيمة الألف إصابة حتى وصولها عتبة المئة ألف تقريباً، وهي تمثل الفترة التي انتشر فيها الوباء بشكلٍ كبير جداً في الصين، ومن ثم سنجد أن هنالك فترة شبه مستقرة لم يحدث فيها تزايدات كبيرة، وهي الفترة التي بدأت فيها الصين والدول الآسيوية الأخرى باحتواء الانتشار بالتزامن مع تفشيه في الدول الأوروبية، وبآخر المنحنى سنلحظ تصاعداً في عدد الحالات بدءاً من الأسبوع الثاني لشهر مارس، وهي الفترة التي توافق اكتشاف انتشار الفيروس في أوروبا وأميركا بشكلٍ كبير. بهذه الصورة، ومع بدء الإجراءات الصارمة المتعلقة بالحجر الصحي والابتعاد الاجتماعيّ في أوروبا وأميركا بدءاً من منتصف شهر مارس، وبالمقارنة مع الفترات السابقة في الصين، فإن من المرجح استمرار تزايد الحالات لعدة أسابيع قبل أن يتناقص معدل النمو. 

الاعتماد على منحنى النمو الخاص بكل الحالات حول العالم ليس أمراً منطقياً، لأنه وكما ذكرنا فقد تمكنت العديد من الدول الآسيوية من إبطاء انتشار الفيروس بشكلٍ فعال، وأصبح عدد الحالات الجديدة المكتشفة قليلاً جداً مقارنةً مع فترة التفشي الأولى، بينما يزداد تفشي الفيروس وانتشاره في أوروبا وأميركا بشكلٍ كبير، وبالتحديد فإن إيطاليا تمثل حالياً أسوأ بؤر الفيروس عالمياً مع تجاوز عدد الوفيات فيها تلك المسجلة في الصين ونمو عدد الإصابات يومياً بشكلٍ كبير. لو أخذنا منحنى نمو الإصابات في إيطاليا اعتماداً على المقياس الخطيّ فإنه سيبدو كما يلي:

مجدداً، يظهر المنحنى نمواً تصاعدياً كبيراً في عدد الإصابات خصوصاً منذ بداية شهر مارس، فهل هذا يعني أن الأمور خرجت عن السيطرة وأن إيطاليا لا تزال بعيدة عن الوصول إلى نقطة استقرار معينة؟ لنلقِ نظرة على منحنى النمو ولكن اعتماداً على المقياس اللوغاريتمي:

عند النظر لمنحنى النمو على المقياس اللوغاريتمي، سنلاحظ أن معدلات النمو الأكبر (كنسبةٍ مئوية) حصلت خلال شهر فبراير، وعلى الرّغم من تزايد الحالات المستمر، إلا أن المنحنى لا يرتفع بشكلٍ تصاعدي بل يأخذ شكلاً مقعَّراً، مما يشير إلى أرجحية وصول معدلات النمو للاستقرار عند الاقتراب من عتبة 100 ألف حالة إصابة، ما لم تحدث قفزة كبيرة في معدلات الإصابة خلال الفترة المقبلة، كتلك التي حدثت في شهر فبراير الماضي. لا يمثل إصابة حوالي 100 ألف شخص بالفيروس أمراً جيداً بكل تأكيد، كما أن استقرار معدلات النمو يعني أن أعداد المصابين ستزداد، ولكن ضمن قيمةٍ ثابتة. لكننا لن نكون قادرين على تقدير هذه المعلومات أو توقعها من دون استخدام المقياس اللوغاريتمي. بهذه الصورة، وعبر مقارنة منحنيات النمو الحالية في إيطاليا ومقارنتها مع الصين أثناء فترة تفشي الوباء هناك، فإنه يمكن التنبؤ بأن مزيداً من الحالات ستظهر خلال فترة قد تمتد حتى الشهر، يبدأ بعدها معدل النمو بالتناقص. 

هنا تبرز أهمية ربط الاستقراء والإدراك الذي يمكن الحصول عليه من منحنيات النمو اللوغاريتمية مع خطط وإجراءات الوقاية: هنالك نمطٌ متكرر يظهر في منحنيات النمو للدول المختلفة وهو تزايدٌ كبير يتبعه مرحلة تزايد مستقر ومن ثم انحسار لمعدل النمو ينتهي بالاحتواء الكامل للفيروس ومنع انتشاره. سرعة الوصول لمرحلة الاستقرار ومن ثم تباطؤ معدل النمو يرتبط بالدرجة الأولى بالالتزام بإجراءات الوقاية الصحية والابتعاد الاجتماعي والالتزام بتعقيم اليدين طوال الوقت. هذا الأمر أثبت فعاليته في الصين والدول الآسيوية الأخرى، التي من المنصف القول بأنها تجاوزت المرحلة الأسوأ لجائحة كوفيد-19.

المحتوى محمي