ما هو شكل الكون؟
تتطلب الإجابة عن هذا السؤال البسيط الغوصَ في تفاصيل كثير مرتبطة بالفيزياء الفلكية وتحليل أطياف الأشعة الكهرومغناطيسية المختلفة التي تأتينا من النجوم البعيدة، وكذلك مراقبة حركة الأجسام الكونية الكبيرة، مثل المجرّات. هنالك الكثير من الافتراضات والنظريات التي تم تطويرها عبر الوقت، والمعنية بتقديم إجابةٍ عن السؤال المرتبط بشكل الكون، ولكن أكثرها انتشاراً -وقبولاً- هي الفرضية القائلة بأن الكون نفسه يتمدد من دون اتجاهٍ محدد، وأن المجرات التي تشكله والمتواجده ضمنه لا تمتلك توزعاً منتظماً، بل هي منتشرة على نحوٍ غير محدد.
ولكن هذا الافتراض قد يكون على المحك على ضوء بحثٍ كبير تضمّن دراسة لدوران أكثر من 200 ألف مجرة إهليلجية، عبر فريقٍ بحثيّ من جامعة كنساس الأميركية؛ إذ أظهرت نتائج المسح والدراسة الجديدة أن من المحتمل أن يكون الكون قد امتلك في مراحله الأولى شكلاً منتظماً، وسلك كأنه مجرة واحدة تدور في اتجاهٍ محدد. تم نشر نتائج الدراسة خلال اللقاء رقم 236 للجمعية الأميركية للعلوم الفلكية. وبالرّغم من أهميتها ومعارضتها الاعتقادات السائدة بخصوص هيكلية الكون، إلا أنه من الهام ذكر أن الدراسة لم تخضع بعد لمراجعة الأقران.
تم إجراء الدراسة اعتماداً على عددٍ من التلسكوبات الفلكية الحديثة (مثل ماسح السماء الرقمي من سلون SDSS، وتلسكوب المسح البانورامي ذو الاستجابة السريعة Pan-STARRS) التي تتميز بقدرتها على التقاط صور الملايين من المجرات بشكلٍ تلقائي، ومن ثم يمكن استخدام تقنيات الإبصار الحاسوبي ومعالجة الصورة من أجل إجراء عملية تصنيف للمجرات الإهليلجية الملتقطة تبعاً لجهة دورانها، أو بشكلٍ أكثر دقة: جهة الدوران الظاهرية لهذه المجرات بالنسبة لنا.
المجرات الإهليلجية هي أحد أنماط المجرات التي تتصف بامتلاكها لبنية تتألف من أذرع ملتفة تلتقي في نقطة مركزية، وقد تم توصيف هذه المجرات للمرة الأولى عبر عالم الفلك البريطاني إدوين هابل. عند النظر لمجرةٍ إهليلجية من الأرض، فإنها ستبدو لنا وكأنها تدور في جهةٍ محددة، أي مع أو عكس عقارب الساعة. بحسب الافتراضات السائدة المتعلقة ببنية الكون وشكله، فإن عدد المجرات الإهليلجية التي تدور مع عقارب الساعة يجب أن يتساوى مع عدد المجرات الإهليلجية التي تدور عكسها.
تمكن البحث الجديد من إعادة طرح السؤال حول بنية وشكل الكون عبر التركيز على هذه النقطة: أي محاولة تحديد إن كان بالفعل عدد المجرات الإهليلجية التي تدور مع عقارب الساعة يساوي عدد تلك التي تدور عكسها أم لا، وما أظهره الباحثون في دراستهم أن هنالك فرقاً بين هذين الرقمين، وبالتحديد، فإن نسبة المجرات التي تدور مع عقارب الساعة تزيد بمعدلٍ قدره 2% عن تلك التي تدور عكسها، وبالرّغم من أن الفرق نفسه قد يبدو صغيراً، إلا أنه هام جداً عند ملاحظة العدد الهائل للمجرات الموجودة في الكون.
وتعني المشاهدات السابقة أن هنالك حالة من اللاتناظر بكيفية توزع المجرات في الكون، ويعتقد القائمون على الدراسة الجديدة أنه يمكن تفسير هذه الاكتشافات على أن الكون لم يكن في حالةٍ عشوائية، أو كان أقل عشوائيةً على ما هو عليه اليوم، واتساقه الهيكلي هو أمرٌ تناقص مع مرور الزمن. الاختلافات المتعلقة بهذه الحالة من اللاتناظر عبر أجزاءٍ مختلفة من الكون تتسق وتتوافق مع شكلٍ هندسيّ رباعيّ الأقطاب، أي أن الكون لم يكن يدور حول محورٍ واحد، بل حول أربعة محاور.
تشكل الدراسة الجديدة مفتاحاً جديداً يساهم في توسيع مدارك فهمنا المتعلق بكيفية تطور الكون وشكله وبنيته، والتي تتعارض مع افتراضات ونظريات سابقة، ما قد يفتح الباب أمام اكتشافاتٍ أخرى -أو حتى تغييراتٍ- في المعارف والافتراضات الأخرى المرتبطة بشكل الكون وتطوره.