في إحدى الليالي، تلقيت رسالة غامضة على واتساب. "د. كيفن؟"، بدأت الرسالة هكذا، وأشارت إشارة الاستفهام إلى أن المرسل يشعر بالخجل لمقاطعته أمسيتي. "إن جروي بطيء الحركة، ولا يقبل تناول طعام الكلاب. هلا حجزت لي موعداً؟"
وهنا شعرت بالارتباك. فاسمي ليس كيفن، ولست طبيباً بيطرياً، ولست بطبيعة الحال في موضع يخولني تقديم المساعدة إلى هذا الشخص وجروه. وكدت أن أطبع الرد التالي: "آسف، هذا رقم خاطئ"، عندما أدركت أنها قد تكون محاولة احتيال لدفعي إلى تأكيد رقمي.
ولم أستجب، لكن كثيراً من الناس ممن تلقوا رسائل مماثلة استجابوا لها. بل إن البعض قاموا حتى برد الصاع صاعين لمرسلي الرسائل المزعجة بابتداع قصص غريبة وإرسال رسائل طريفة لإزعاج الطرف الآخر. إنهم يدافعون عن أنفسهم مع ابتسامة ساخرة، ويقومون أحياناً بنشر صور من حواراتهم على الإنترنت.
اقرأ أيضاً: كيف تتعرف على الرسائل الاحتيالية في واتساب؟ وما الذي عليك فعله؟
الإزعاج المعاكس
لقد أصبحت ظاهرة الرسائل المزعجة واسعة الانتشار، وكذلك عدد الأشخاص الذين يتصدون لها عبر "الإزعاج المعاكس"، وهو مصطلح يشير إلى "إضاعة وقت المسيئين"، كما يقول طالب الدكتوراه في علم الاجتماع في جامعة سوري والذي يدرس هذه الظاهرة، جاك ويتاكر. ولكن الخبراء يقولون إن الاستجابة قد تعطي أثراً عكسياً، فمن المحتمل أن تفتح المجال أمام المزيد من الرسائل المزعجة.
@bellabeeeaar Saw @Michael Benjamin do this, now its my turn #greenscreen #fyp #fypシ #spamtexts #funny
تهدف الرسائل المزعجة إلى خداع مستقبليها ودفعهم إلى الإفصاح عن معلومات مهمة، وهو أمر كان موجوداً من قبل. وكانت أولى الرسائل المزعجة تصل عن طريق البريد الإلكتروني، ومن أكثرها شهرة الرسائل التي تتضمن شخصاً ينتحل صفة أمير نيجيري بحاجة إلى مساعدة المتلقي في إيداع مبلغ كبير من المال.
وما إن أصبحت الهواتف الذكية واسعة الانتشار، انتقلت هذه المحاولات إلى الرسائل النصية. وفي 2022، أصبحت الرسائل المزعجة تحمل طابعاً شخصياً أكثر وضوحاً. وتقوم في أغلب الأحيان على محاكاة رسالة تم إرسالها خطأً، وربما مخاطبة المتلقي بالاسم الخاطئ، أو الاستهلال بجملة عامة الصياغة (ومن أكثرها شيوعاً "كيف حالك" أو "لقد أمضيت وقتاً رائعاً هذه الليلة!") في محاولة للحصول على استجابة ما.
وإذا تلقيت أي رسائل مشابهة مؤخراً، فهناك الكثيرون من أمثالك. يقول البروفيسور في جامعة كولورادو الحكومية والمختص بالجرائم السيبرانية وعمليات الاحتيال المالي العالمية ج. مايكل سكيبا: "لقد شهدت الرسائل النصية المزعجة زيادة حادة بدرجة مذهلة". فعلى مستوى العالم، تم إرسال 90 مليار رسالة من هذه الرسائل في العام الماضي، كما يقول، كما تم إرسال 47 مليار رسالة بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول في 2021 في الولايات المتحدة، بزيادة 55% عن نفس الفترة في 2020. ووفقاً لشركة "روبوكيلر" (Robokiller)، وهي شركة لحظر الرسائل المزعجة، فقد أدت الرسائل المزعجة إلى خسائر بقيمة 86 مليون دولار في الولايات المتحدة وحدها في 2020. ويقول سكيبا: "ببساطة، يتعرض الناس إلى وابل من هذه الرسائل".
اقرأ أيضاً: برامج الفدية تتحول إلى نموذج أعمال يشبه الشركات الكبيرة
يضيف سكيبا قائلاً إن الرسائل النصية تتميز بعدة خصائص تجعل المحتالين يفضلونها على البريد الإلكتروني، فإشعار عادي من الهاتف لا يثير الشكوك بقدر عنوان بريد إلكتروني غريب، كما أن الطبيعة غير الرسمية للرسائل النصية تجعل الأخطاء النحوية أقل وضوحاً. علاوة على ذلك، توجد لدى البعض حاجة بشرية ملحة للاستجابة للرسائل النصية. يقول سكيبا: "إنها حيلة نفسية، فأنت تدرك أن الرسالة موجهة إليك خطأً، ولكنك تشعر بالرغبة لمساعدة المرسل وتنبيهه إلى هذا الخطأ".
غير أن المرسل، في أغلب الأحيان، يعمل مع مجموعة منظمة من المحتالين في مركز اتصالات، ويأمل بأن تفعل هذا بالضبط. وتكفي استجابة واحدة حتى يتمكن المحتال من تأكيد رقم الهاتف. وتؤدي هذه الاستجابة إلى سلسلة متتابعة من التأثيرات التي يمكن أن تجتذب المزيد من الرسائل المزعجة إلى هاتفك. وفي المحصلة، يسعى المحتالون على الأقل إلى تأكيد رقمك، ربما لبيعه إلى مجموعات أخرى، أما الحصول على معلوماتك الشخصية فهو جائزة إضافية رائعة.
يقول سكيبا: "أنصح بعدم الاستجابة على الإطلاق في جميع الحالات دون استثناء".
اقرأ أيضاً: كيف يستهدف قراصنة المعلومات الشركات باستخدام البريد الإلكتروني؟
تجنب التفاعل مع الرسائل المزعجة
ولكن جولة سريعة على منصات "تويتر" (Twitter) و"ريديت" (Reddit) و"إنستغرام" (Instagram) و"تيك توك" (TikTok) تبين أن الناس لا يأخذون بهذه النصيحة. وبدلاً من ذلك، قرر الكثيرون التعامل بصورة مباشرة مع مرسلي الرسائل المزعجة، ونشر حواراتهم حتى يتفرج عليها العالم بأسره.
وعلى سبيل المثال، قرر الأستاذ المساعد في مجال الطب في إنديانابوليس غابرييل بوسليت، مؤخراً، أن يعبث مع مرسلي الرسائل المزعجة بإرسال ردود غريبة بصورة متزايدة. وقد كان يقوم بهذا منذ بدايات العقد الماضي، عندما بدأ بالرد على رسائل البريد الإلكتروني الغامضة التي تتضمن محاولة الاحتيال بقصة الأمير النيجيري. وما إن اتضح له أنه يتواصل مع محتال، اتخذ بوسليت وضعية التسلية والمقالب، وبدأ بابتداع قصص وشخصيات غريبة، وكان يشعر بمزيد من السرور مع زيادة غرابتها. ويقول: «لم تتضمن هذه الرسائل أي شيئ صحيح. لقد كنت أختلقها بالكامل».
I like having fun with spam texts pic.twitter.com/izU7i4VDtR
— Gabriel Bosslet (@gbosslet) June 9, 2022
اقرأ أيضاً: كيف توقف الرسائل المزعجة (Spam) من غزو بريدك الإلكتروني على جي ميل؟
وعندما سُئل عن هدفه من هذه الحوارات، قال بوسليت إنه التواصل والتفاعل مع شخص غريب عنه. وقد ذكر مثالاً عن واندا دينش، وهي جدة أرسلت خطأً رسالة إلى جمال هينتون، والذي كان يبلغ من العمر حينها 17 سنة، للدعوة إلى عشاء عيد الشكر، والذي تحول إلى تقليد سنوي لطيف. ويقول: "أعلم أن هذا غريب للغاية، ولكنني منفتح على أي شكل مماثل من التواصل".
أما المؤلف جيسون تانامور من بورتلاند، أوريغون، فقد بدأ أيضاً بالتراسل مع المحتالين. وعلى غرار بوسليت، فهو أيضاً لا يحاول إصلاح أحد. يقول تانامور: "أحاول فقط أن أدفعهم لقول عبارة مضحكة". وبالنسبة له، فإن الدردشة مع محتال يمكن أن تكون مسلية، وإذا توفر لديه الوقت، فسوف يحاول مواصلة الحوار لأطول فترة ممكنة.
View this post on Instagram
لكن بوسليت أو تانامور يدركان أن الرد على الرسائل النصية المزعجة يمكن على الأرجح أن يؤكد رقم الهاتف، ما يتيح للمحتالين إرساله إلى محتالين آخرين، ما يؤدي إلى المزيد من الرسائل المزعجة. ولكنهما لا يكترثان على أي حال. وبالنسبة لهما، فإن التراسل بنكات غريبة وفاقعة شكل من أشكال التسلية. كما أنهما عبرا عن سلوك لطيف تجاه الأشخاص على الطرف الآخر من الهاتف.
ولكن هناك آخرين يعتمدون مقاربة أكثر انتقامية. يقول ويتكار في جامعة ساري إن البعض ذهبوا بالإزعاج المعاكس إلى درجات متطرفة، حيث انضموا إلى منتديات على الإنترنت لوضع خطط خداع مقعدة للإيقاع بالمحتالين. ويقول إن هذا قد يكون خطراً. ويضيف قائلاً: "يمكن للإزعاج المعاكس أن يؤدي أيضاً إلى محاولة اختراق حواسيب المحتالين كشكل من التسلية العامة". وهو أمر مثير للمشكلات، وقد يؤدي إلى كشف المعلومات الخاصة للناس، كما أنه أيضاً مخالف للقانون، على الرغم من أن منفذي الإزعاج المعاكس يمكن أن يتذرعوا بالدوافع الأخلاقية لعملهم.
اقرأ أيضاً: كيف تحمي بريدك الإلكتروني من رسائل التصيد الاحتيالي؟
ويستشهد ويتاكر بجيم براونينغ، وهو الاسم المستعار ليوتيوبر ومهندس برمجة استخدم الإزعاج المعاكس لحذف الملفات المسروقة من مراكز الاتصالات المتورطة بإرسال الرسائل النصية المزعجة. وقد قام محتالون آخرون ممن تم كشفهم من قبل أشخاص مثل براونينغ بالرد على منفذي الإزعاج المعاكس بالإبلاغ عنهم بتهمة مزيفة إلى مؤسسات فرض القانون، أو استدراجهم إلى أماكن خطيرة.
يقول ويتاكر: "يمكن لأنشطة الإزعاج المعاكس أن تصل إلى حدود متطرفة. كما أن المحتالين بدؤوا بسرعة بإدراك هذه التكتيكات، وبالتالي فإن إضاعة وقت المحتال يمكن أن تؤدي في الواقع إلى تنبيههم إلى محاولة إضاعة وقتهم".
اقرأ أيضاً: 5 طرق لحماية بريدك الإلكتروني من الفيروسات والبريد العشوائي
إنها معضلة لمن يحاولون العبث مع المحتالين. فقد تكون هذه العملية مدعاة للسرور، وإن كانت كشكل من التمرد على إزعاج عصري. ولكن هذا التمرد قد يكون غالي الثمن، سواء من حيث الوقت الذي يتطلبه، أو مخاطرة إطلاق تفاعل متسلسل من الرسائل النصية المزعجة، والتي يمكن أن تؤدي، إذا خُدِع منفذو الإزعاج المعاكس بها، إلى تعريضهم لأخطار مالية أو شخصية.
لقد حاولت هيئة التجارة الفيدرالية الأميركية وناشطو دعم المستهلك مكافحة هذه الظاهرة عن طريق سجلات الأرقام الهاتفية التي يُمنع الاتصال بها لأغراض تجارية، إضافة إلى الجهود الرامية لإيقاف الرسائل المزعجة على مستوى الشبكة، ولكن المحتالين يعملون باستمرار على تطوير أساليبهم للالتفاف حول هذه القوانين. ولهذا، يبدو أنه لا توجد طريقة للتعامل مع هذا الوضع المزعج سوى نكتة مرحة.