هل سيتمكن العالم يوماً ما من الاعتماد على مزيج من الطاقات المتجددة بنسبة 100٪؟ وهل سنتوقف تماماً عن استخدام مصادر ملوثة للبيئة تدفع درجة حرارة الأرض إلى الارتفاع؟ وإلى متى ستلبي المصادر غير المتجددة احتياجات البشر المتزايدة؟ من المؤكد أن هذه الأسئلة وغيرها تدور في أذهان العلماء وصناع القرار عند الحديث عن قضايا الطاقة ومستقبل الأرض والتغير المناخي.
هل الطاقة المتجددة هي المستقبل؟
تتألف الطاقة المتجددة من مجموعة من المصادر التي تتسم بكونها لا تنتهي أبداً ويمكن تجديدها مرة تلو الأخرى، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الجوفية. وبينما تعتمد معظم البلدان في جميع أنحاء العالم بشكل كبير على الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز الطبيعي) كمصدر للطاقة لتشغيل اقتصاداتها، ثمة اتجاه عالمي الآن نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة.
يرتبط هذا التحول بتساؤل رئيسي عن ماهية الفوائد الحقيقية لاستخدام الطاقة المتجددة؛ ففي حين أن هناك بالتأكيد مزايا متعددة إلا أن الأمر لا يخلو من العيوب. لكن فوائد استخدام مثل هذه المصادر تفوق أوجه القصور فيها، لا سيما مع عمليات التحديث المستمرة.
-
تعريف الطاقة المتجددة
يقصد بالطاقة المتجددة تلك الطاقة غير المحدودة أو المستنفدة المشتقة من الموارد الطبيعية للأرض، مثل الرياح وضوء الشمس. وتُعد بديلاً للطاقة التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، لكنها أقل ضرراً على البيئة.
ووفقاً لموقع مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية (NRDC)، تأتي الطاقة المتجددة -التي يشار إليها غالباً باسم الطاقة النظيفة- من مصادر طبيعية أو من عمليات تتجدد باستمرار. ورغم أن الطاقة المتجددة يُنظر إليها غالباً على أنها تقنية جديدة، إلا أن طاقة الطبيعة تستخدم في الواقع منذ فترة طويلة للتدفئة والنقل والإضاءة وغير ذلك من الاستخدامات، فكانت القوارب مثلاً تعتمد على الرياح للإبحار كما اُستخدمت أيضاً لتشغيل طواحين الهواء لطحن الحبوب. ولكن على مدى 500 عام مضت، تحول البشر بشكل متزايد إلى استخدام مصادر طاقة رخيصة ولكن ملوثة، مثل الفحم والغاز.
-
أنواع الطاقة المتجددة ومزاياها
تشمل الطاقة المتجددة العديد من الأنواع وفقاً لمصادر توليدها، ومن أبرزها:
- الطاقة الشمسية (Energy Solar)
يستغل البشر الطاقة الشمسية عبر التقاط الطاقة الإشعاعية من ضوء الشمس وتحويلها إلى حرارة أو كهرباء أو ماء ساخن. ويمكن للأنظمة الكهروضوئية (Photovoltaic) تحويل ضوء الشمس المباشر إلى كهرباء من خلال استخدام الخلايا الشمسية.
ويساعد الاعتماد على الطاقة الشمسية بدلاً من الوقود الأحفوري في تحسين الصحة العامة والظروف البيئية، كما أنها تقلل من تكاليف توليد الطاقة على المدى القصير، وتحفز العديد من الحكومات حول العالم للاستثمار في هذا النوع من الطاقة من خلال تقديم حسومات أو ائتمانات ضريبية. أما على المدى الطويل، فيمكن للطاقة الشمسية أن تلغي تكاليف توليد الطاقة تماماً.
بالرغم من هذه المميزات، إلا أن تكلفة استغلال الطاقة الشمسية تكون باهظة في البداية بشكل لا يناسب معظم الأسر. على سبيل المثال، يحتاج أصحاب المنازل إلى مساحات واسعة لترتيب الألواح الشمسية الخاصة بهم وتعريضها لضوء الشمس على نطاق واسع؛ الأمر الذي يحد من إمكانية اعتماد هذه التقنية على المستوى الفردي.
وفي الوقت الحالي تتنافس عدة شركات على تطوير ألواح شمسية رخيصة الثمن وعصرية. فمثلاً، تعمل شركة تسلا على تصنيع ألواح شمسية تبدو مثل القرميد الذي يغطي أسطح المنازل بدلا من الألواح التقليدية، مع تخفيض أسعارها وزيادة كمية الطاقة التي تولدها.
- طاقة الرياح (Wind Energy)
تعتمد مزارع الرياح على طاقة تدفق الرياح باستخدام التوربينات وتحويلها إلى كهرباء. وتُعد طاقة الرياح أحد أشكال الطاقة الشمسية؛ لأن الرياح نفسها ناتجة عن الاختلافات في درجات الحرارة في الغلاف الجوي جنباً إلى جنب مع دوران الأرض وعدم انتظام سطح الكوكب.
وتعد طاقة الرياح من مصادر الطاقة النظيفة؛ لأنها لا تنتج ثاني أكسيد الكربون ولا تطلق أي منتجات ضارة يمكن أن تسبب تدهوراً بيئياً أو تؤثر سلباً على صحة الإنسان، كالضباب الدخاني أو المطر الحمضي أو الغازات التي تحبس الحرارة.
بيد أن ثمة بعض القيود على استخدام الرياح كمصدر للطاقة، أبرزها أن مزارع الرياح تُبنى في المناطق الريفية أو النائية؛ لذا، فإنها تكون بعيدة عن المدن المزدحمة التي تشتد الحاجة فيها إلى الكهرباء، ما يتطلب نقل الطاقة التي تولدها الرياح عبر خطوط انتقالية، وبالتالي ترتفع التكاليف. بالإضافة إلى أن توربينات الرياح تولد ضوضاء وتهدد الحياة البرية المحلية، وقد تؤدي إلى قتل الطيور نتيجة ضربات أذرع التوربينات.
- الطاقة الكهرومائية (Hydroelectric)
الطاقة الكهرومائية هي شكل من أشكال الطاقة النظيفة التي تسخر طاقة حركة الماء -مثل تدفق المياه فوق شلال- لتوليد الكهرباء. وقد استخدم الناس هذه الطاقة لآلاف السنين لأسباب مختلفة. ويتم حالياً توليد الطاقة الكهرومائية من خلال تدفق الماء عبر توربينات السدود لإنتاج الكهرباء، في عملية تعرف باسم "الطاقة الكهرومائية بالضخ والتخزين"، وهي خيار طاقة أكثر صداقة للبيئة.
وتُعد الطاقة الكهرومائية أكثر مصادر الكهرباء المتجددة استخداماً؛ حيث إن ما يقرب من 71٪ من جميع الكهرباء المتجددة المولدة على الأرض تأتي من الطاقة الكهرومائية. وتبرز الصين في هذا الإطار باعتبارها أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في العالم، تليها دول مثل الولايات المتحدة والبرازيل وكندا والهند وروسيا. ويعد سد الممرات الثلاثة الصيني، المبنيُّ على نهر اليانجتسي، أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في العالم من حيث إنتاج الكهرباء؛ إذ يحتوي على مولدات تكفي لإنتاج 22,500 ميجاواط من الطاقة.
لكن ما يعيب منشآت الطاقة الكهرومائية أنها تعطل المجاري المائية وتؤثر سلباً على الكائنات الحية التي تعيش فيها، وتغير مستويات المياه والتيارات ومسارات الهجرة للعديد من الأسماك والأنظمة البيئية الأخرى للمياه العذبة.
- الطاقة الحرارية الجوفية (Geothermal Energy)
يقصد بالطاقة الحرارية الجوفية أو الأرضية تلك الحرارة المختزنة في الصهارة الموجودة في باطن الأرض. ويُعد هذا النوع من الطاقة مورداً متجدداً لأن الأرض تنبعث منها الحرارة منذ حوالي 4.5 مليار سنة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الأمر لمليارات السنين في المستقبل؛ بسبب عملية التحلل الإشعاعي المستمرة التي تحدث في قلب الأرض. وفي بعض الأحيان تتسرب كميات كبيرة من هذه الحرارة بشكل طبيعي في وقت واحد، ما يؤدي إلى حدوث الانفجارات البركانية.
ويمكن التقاط الحرارة الجوفية واستخدامها لإنتاج الطاقة الحرارية الأرضية باستخدام البخار الذي يأتي من ضخ المياه الساخنة تحت سطح الأرض، والذي يرتفع بعد ذلك إلى الأعلى ويمكن استخدامه لتشغيل التوربينات.
لكن الطاقة الحرارية الأرضية تواجه عدة تحديات أهمها بنيتها التحتية المكلفة، واحتمالية تسببها في الزلازل؛ ففي مدينة بازل بسويسرا، تسببت عملية حقن المياه في الأرض ضمن عملية معقدة لاستخراج الطاقة الحرارية في مئات الزلازل الصغيرة التي نمت إلى نشاط زلزالي أكبر، حتى بعد توقف حقن الماء، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إلغاء مشروع الطاقة الحرارية الأرضية في عام 2009.
- طاقة المحيطات (Ocean Energy)
يمكن للمحيطات إنتاج نوعين من الطاقة هما الطاقة الحرارية والطاقة الميكانيكية. تعتمد الطاقة الحرارية للمحيطات على درجات حرارة سطح الماء الدافئ لتوليد الطاقة، من خلال مجموعة متنوعة من الأنظمة المختلفة، بينما تستخدم الطاقة الميكانيكية للمحيطات المد والجزر لتوليد الطاقة.
وتتميز طاقة المحيطات بسهولة تقدير كمية الطاقة التي سيتم إنتاجها بعكس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتعد مصدر طاقة مذهل غير مستغل حتى الآن. ويقدر معهد أبحاث الطاقة الكهربائية الأميركي أن الأمواج يمكن أن تنتج ما يصل إلى 2640 تيرا واط ساعي في العام.
غير أن ثمة قيود تواجه طاقة المحيطات، منها إزعاج العديد من النظم البيئية الحساسة للمحيطات نتيجة بناء آلات كبيرة في مكان قريب من المحيطات للمساعدة في التقاط هذه الطاقة، فضلاً عن أن الطقس القاسي يغير اتساق الأمواج، وبالتالي يكون إنتاج الطاقة أقل مقارنة بالموجات العادية في الطقس غير العاصف.
- طاقة الكتلة الحيوية (Biomass Energy)
طاقة الكتلة الحيوية هي الطاقة التي تولدها أو تنتجها الكائنات الحية أو التي كانت حية في السابق. وأكثر مواد الكتلة الحيوية المستخدمة لتوليد الطاقة هي الخشب والنباتات مثل الذرة وفول الصويا. ويمكن حرق الطاقة منها لتوليد الحرارة أو تحويلها إلى كهرباء.
وتذكر وكالة إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الكتلة الحيوية كانت أكبر مصدر لإجمالي استهلاك الطاقة السنوي في الولايات المتحدة حتى منتصف القرن التاسع عشر. كما أنها لا تزال تعد وقوداً مهماً في العديد من البلدان، وتستخدم غالباً للطهي والتدفئة. ويتزايد حالياً استخدام وقود الكتلة الحيوية للنقل وتوليد الكهرباء في العديد من البلدان المتقدمة كوسيلة لتجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من استخدام الوقود الأحفوري. وفي عام 2020، وفرت الكتلة الحيوية ما يقرب من 5 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية (Btu) وحوالي 5٪ من إجمالي استخدام الطاقة الأولية في الولايات المتحدة.
-
تحديات تعوق التوسع في استخدام الطاقة المتجددة
رغم المزايا العديدة من وراء استخدام الطاقة المتجددة، إلا أن هذا لا يعني أنه لا توجد تحديات تعوق الجهود العالمية المبذولة للتحول إلى استخدامها. وقبل الخوض في هذه التحديات ينبغي أن نشير إلى أن معدلات الاستثمار المطلوبة لخفض الانبعاثات العالمية بالسرعة الكافية لتجنب مستويات خطيرة من الاحتباس الحراري لا تزال ضعيفة للغاية.
ويشير تحليل نشره معهد بريكثرو العام الماضي إلى أن تطوير نظام الطاقة اللازم للوفاء بالاحتياجات المتزايدة ومنع ارتفاع الحرارة بمقدار درجتين مئويتين سيتطلَّب مضاعفةَ الإضافات السنوية من الطاقة النظيفة بمقدار خمس مراتٍ بحلول عام 2040.
وتتمثل أبرز القيود التي تعوق طريق الطاقة المتجددة في ما يلي:
- محدودية القدرة على توليد الكهرباء
لا تزال هناك تحديات أمام توليد كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، مقارنة بالأشكال التقليدية لتوليد الطاقة مثل الوقود الأحفوري القادر على إنتاج كميات كبيرة من الكهرباء اليوم؛ ما يعني أنه لا يمكن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وحدها. لذا، يتطلب الوضع تحقيق توازن بين مصادر الطاقة المختلفة خلال السنوات القادمة.
- مصادر الطاقة المتجددة غير موثوقة
تعتمد تقنيات الطاقة المتجددة كلياً على الطقس (مثل الشمس والرياح) لتتمكن من تسخير أي طاقة. وفي حال لم تكن الظروف الجوية جيدة بما فيه الكفاية، ستفتقر تقنيات الطاقة المتجددة إلى القدرة على توليد أي كهرباء. علي سبيل المثال، تتطلب المولدات المائية أمطاراً كافية لملء السدود لتزويدها بالمياه المتدفقة، كما تتطلب توربينات الرياح هبوب الرياح بسرعة كافية لتحريك التوربينات.
- انخفاض الكفاءة
لا تزال تقنيات الطاقة المتجددة حديثة بشكل كبير في السوق؛ لذا فإنها تفتقر إلى الكفاءة التي تشتد الحاجة إليها، فضلاً عن المعرفة الكافية حول كيفية تسخير هذه الأشكال من الطاقة بشكل فعال، وهو ما يجعل تكلفة التركيب والصيانة لهذه المرافق عالية للغاية، الأمر الذى قد يؤدي إلى إحجام المستثمرين عن ضخ أموالهم في هذا القطاع خوفاً من عدم الحصول على عوائد بسرعة كبيرة.
- ضرورة توافر مساحات واسعة
يتطلب الأمر نشر ألواح شمسية على مساحة تمتد لأكثر من 40 هكتاراً (400,000 متر مربع) لتوليد حوالي 20 ميجاواط من الطاقة باستخدام تقنيات توليد الطاقة الشمسية الحالية. وفيما تولد محطة الطاقة النووية ذات الحجم المتوسط، التي تمتد على مسافة 259 هكتاراً (2.59 كم مربع)، حوالي 1000 ميجاواط من الطاقة، فإن منشأة الطاقة الشمسية ستُنتج أقل من 200 ميجاواط إذا أعطيت نفس القدر من المساحة.
- تكاليف التخزين باهظة الثمن والتلوث ليس غائباً تماماً
لا بد من تخزين الطاقة المتجددة وإلا فسيتم فقدانها، إلا أن تكاليف هذه العملية لا تزال مرتفعة للغاية. وتحاول بعض الشركات تقليل تكلفة عملية التخزين عبر مبادرات مبتكرة، منها مثلاً الخطة التي أعلنتها شركة "ميتسوبيشي هيتاشي باور سيستمز" اليابانية للتعاون مع شركة ماجنوم للتطوير التي تقوم بتشغيل مناجم ملح في غرب الولايات المتحدة، لبناء أكبر مشروع لتخزين الطاقة في العالم. لكن المشروع لا يزال يواجه عوائق كبيرة.
من جهة أخرى، قد تمثل الطاقة المتجددة خياراً أفضل من الوقود الأحفوري والانبعاثات الصادرة عنه، لكنها لا تخلو تماماً من التلوث؛ فالعديد من أشكال الطاقة المتجددة أو عمليات التصنيع الخاصة بها تنبعث منها كميات -حتى لو قليلة- من غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.