كيف استخدمت الصين طائرات مسيرة من دون طيار من أجل التصدي لفيروس كورونا؟

4 دقائق

في الآونة الأخيرة، وجد المشاة الذين يعبرون تقاطعاً يعج بالناس في مدينة شويانغ، التي تقع شمالي الصين، أنفسهم يتلقون تنبيهات من قبل الشرطة التي تستخدم طائرة مسيرة من دون طيار مزودة بكاميرا ومكبرات صوت بسبب إهمالهم ارتداء أقنعة الوجه لحماية أنفسهم من فيروس كورونا، الذي أودى بحياة عدد لا يستهان به من الناس في جميع أنحاء العالم حتى الآن، ومعظمهم من المناطق الخاضعة لحكومة جمهورية الصين. فكيف يمكن استخدام الطائرات المسيرة من أجل التصدي لفيروس كورونا؟

طائرات الـ "درون" وفيروس كورونا في الصين

يُظهر فيديو نشرته صحيفة "غلوبال تايمز" (Global Times) على "تويتر"، وهي صحيفة حكومية صينية تتبع نهج نشر القصص الشعبية والمثيرة، في آخر شهر يناير/كانون الثاني، مقاطع للمارة الذين يبدو عليهم الحيرة وهم ينظرون إلى السماء عند سماعهم صوتاً، من دون رؤية أي شخص، يوبخهم بشأن الحفاظ على صحتهم. إذ يُسمع صوت شرطي يصيح من خلال مكبرات الصوت الخاصة بالطائرة المسيرة من دون طيار، قائلاً: "أيها الرجل الذي تتحدث عبر هاتفك، أين قناعك؟" وبعد ذلك يوجه ذلك الصوت الإرشادات إلى مجموعة من "السيدات الشابات" للانتظار حتى يصلن إلى منازلهن ليكملن تناول الطعام حتى لا يخفضن أقنعتهن عن وجوههن في الشارع. يُظهر جزء آخر من الفيديو أحد نجوم وسائل التواصل الاجتماعي وهو يستخدم طائرة مسيرة من دون طيار ليعطي أوامر مماثلة لكبار السن بالخارج في منطقة منغوليا الداخلية في الصين. هذا الفيديو، الذي جمع 1.64 مليون مشاهدة، يشبه برامج الكاميرا الخفية، باستثناء أن الكاميرا واضحة للجميع وغير مخفية، وذلك لتذكير الناس بأنهم مراقبون دائماً.

تستخدم الصين طائرات مسيرة من دون طيار تأخذ بعضها شكل الطيور على نطاق واسع منذ عام 2016 لتعقب الفارين من العدالة، والقبض على الأشخاص الذين يرتكبون مخالفات مرورية، ومراقبة الطلاب الذين يخضعون لامتحانات القبول الجامعية، ومراقبة مقاطعة شينغيانغ التي تتمتع بحكم ذاتي، لاسيما المعابر الحدودية غير القانونية. تعمل الصين الآن على حشد الطائرات المسيرة من دون طيار لتطبيق مجموعة متنوعة من التدابير القاسية في محاولة لاحتواء فيروس كورونا، خاصة في المناطق الريفية حيث يوجد عدد أقل من المستشفيات ومن الوسائل المستخدمة لإيصال المعلومات الصحية إلى الناس. في الواقع، قد يمنح تفشي المرض غطاءً للحكومة للتدخل بصورة أكبر في حياة الناس من خلال استخدامها للطائرات المسيرة من دون طيار وغيرها من تكنولوجيا المراقبة.

وعلى الرغم من ذلك، أشادت صحيفة "غلوبال تايمز" بهذه التدابير ووصفتها بأنها "إبداعية"، وتشير إلى أن مقاطع الفيديو التي صورتها تلك الطائرات قد "أبهجت مستخدمي الإنترنت الصينيين الذين لم يتمكنوا من حضور الفعاليات الترفيهية الخارجية في "عيد الربيع" هذا العام، وهو احتفال برأس السنة الصينية، بسبب فيروس كورونا".

وهناك عدد من مقاطع الفيديو المشابهة لهذا المقطع والتي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، حيث أظهرت طائرات مسيرة من دون طيار لا تطلب من الناس ارتداء أقنعتهم فحسب، تلك الأقنعة التي ليس لها دور أساسي في وقف انتشار المرض وفقاً لمؤسسة "مراكز مكافحة الأمراض واتقائها" (Centers for Disease Control and Prevention)، في الولايات المتحدة، حسب الأرقام المسجلة، بل تطلب أيضاً إخلاء أماكن التجمعات العامة التي قد تكون بمثابة تربة خصبة لنقل المرض. يُظهر مقطع فيديو آخر، انتشر على "موقع ويبو" (Weibo)، وهو موقع تدوين مصغر صيني، طائرة مسيرة من دون طيار تفرّق الناس المجتمعين على "لعبة ما جونغ" (mahjong game) في بلدة بالقرب من مدينة تشنغدو، وقد حظرت على السكان ممارسة الألعاب خارج منازلهم. في الفيديو، يقول المسؤول الذي يتحكم بالطائرة لأحد الصبية: "لا تنظر إلى الطائرة أيها الطفل، بل اطلب من والدك أن يغادر على الفور".

استخدام الطائرات المسيرة لمراقبة عمل المستشفيات

بالإضافة إلى إقناع الناس بالبقاء داخل منازلهم وارتداء الأقنعة، ظهرت أيضاً تقارير في وسائل الإعلام المحلية تفيد بأن الحكومة تستخدم طائرات مسيرة من دون طيار لتسهيل عمليات التفتيش الطبية، وفقاً لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" (South China Morning Post). بدأ المسؤولون في استخدام هذه الطائرات في مدينة تشونغشان الجنوبية، لمراقبة كيفية تخلص المستشفيات من أطنان النفايات الطبية التي تنتجها كل يوم، كما استخدموها أيضاً في مدينة شنغهاي لتفقد إشارات المرور، حيث يجري فحص درجة حرارة السائقين. وزعم أحد المسؤولين المحليين في مقاطعة جيانغشي الشرقية أنه أطلق طائرات من دون طيار مزودة بكاميرات تُصدر أشعة تحت الحمراء، وتنتقل من منزل إلى آخر لقياس درجات حرارة الناس حتى لا يضطر المفتشون البشر إلى الاتصال بالمرضى. من المعروف أن الحكومة الصينية تعتمد على الطائرات المسيرة من دون طيار المزودة بهذه التكنولوجيا لاكتشاف الحرارة المنبعثة من الأشخاص الذين يختبئون في ريف منطقة شينغيانغ، لكن من غير الواضح ما إذا كانت أجهزة الاستشعار تلك متطورة بما يكفي لكشف الحمى بالفعل.

تشير التقارير الواردة من جميع أنحاء البلاد أيضاً إلى أن الطائرات المسيرة من دون طيار تغطي المدن والقرى برذاذ معقم. وتقول شركة "إكس أيه جي" (XAG) الصينية للتكنولوجيا الزراعية: "إنها تمكنت من تعقيم مساحة تزيد على 300 ألف متر مربع في أقل من أربع ساعات وأعلنت في أواخر شهر يناير/كانون الثاني أنها ستنشئ صندوقاً بقيمة 5 ملايين يوان (حوالي 710 ألف دولار) للمجتمعات التي تريد إطلاق مثل هذه العمليات. ووفقاً للشركة، فإن هذا المعقّم فاعل في منع انتشار فيروس كورونا عبر الأسطح الملوثة، ومفيد خصوصاً لضمان أن المركبات التي تذهب إلى المناطق التي ينتشر فيها الفيروس لا تعود به إلى المناطق الأخرى.

تشير مايا وانغ، وهي باحثة صينية رفيعة المستوى في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إلى أن المواطنين لا يمكنهم اللجوء إلى القضاء للاعتراض على عمل الطائرات المسيرة من دون طيار في البلاد. لهذا السبب فإن الحكومة تستخدمها بحرية على نحو متزايد للتدخل في حياة المواطنين والتي يبدو أنها غير ضرورية على هذا النحو للتصدي لهذه الأزمة الصحية العامة. في الواقع، لدى "منظمة الصحة العالمية" توجيهات لمراقبة الصحة العامة والتي تملي جزئياً، أن مثل هذه التدابير يجب أن تكون متناسبة مع الخطر الموجود، والذي لا يبدو أنه موجود حالياً في الصين. وتقول: "بينما تحاول الحكومة حماية الناس من الأضرار التي تهدد الصحة العامة، يجب ألا تنتهك حقوق الإنسان الأخرى، وإن استخدام الطائرات المسيرة من دون طيار ليست فاعلة ولا ضرورية ولا متناسبة مع الحالة".

كما أن استخدام الطائرات المسيرة من دون طيار ليست سوى حلقة في سلسلة جهود أكبر تبذلها الحكومة الصينية لممارسة مستوى غير مسبوق من السيطرة على تحركات المواطنين وأنشطتهم في محاولة تتسم بالقسوة للتصدي لفيروس كورونا. إلى جانب الحجر الصحي المفروض على مدينة ووهان التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة والتي شهدت تفشي المرض، فقد أجبرت الحكومة الناس في المقاطعات الأخرى أيضاً على الخضوع لفحوصات درجات الحرارة عند الوصول إلى مناطق معينة ومغادرتها، وذلك لتسجيل المعلومات المتعلقة بالصحة باستخدام "رموز الاستجابة السريعة" (QR codes)، وإبقائهم في الداخل، وبعض المدن تسمح لفرد واحد فقط من أفراد الأسرة بمغادرة المنزل لجلب الطعام مرة واحدة فقط كل يومين، ويمكن أن تكون عقوبات عدم التقيد بالتوجيهات قاسية، فقد اعتقلت الشرطة مؤخراً امرأة في أحد أسواق شنتشن لرفضها ارتداء قناعها الواقي، ولهذا يمكن لجميع الدول أيضاً استخدام الطائرات المسيرة من أجل التصدي لفيروس كورونا.