تقرير خاص

تحول جذري في الصيانة بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي

5 دقيقة
تحول جذري في الصيانة بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي
حقوق الصورة: ماكنزي

تزداد صعوبة صيانة الآلات الحديثة مع مرور الوقت؛ إذ تؤدي الميزات الإضافية وتعدد أجهزة الاستشعار وأنظمة التحكم المتقدمة والبرمجيات المتطورة إلى ارتفاع تكلفة عمليات الصيانة وزيادة تعقيدها. ويزداد الوضع تعقيداً في البيئات الصناعية التي تضم معدات من عصور متعددة أنتجتها شركات مختلفة وتعتمد على تكنولوجيات متباينة.

ومع ازدياد تعقيدات مهام الصيانة، تواجه فرق الصيانة مشكلات أكثر، من أبرزها التحولات الديموغرافية في تركيبة القوى العاملة؛ فتقاعُد العاملين القدامى المتمرسين أو مغادرتهم قد تعني تكبُّد شركاتهم خسارة معرفية مهمة. هناك أيضاً مشكلة عدم توافق المهارات؛ إذ تتطلب الآلات الحديثة التي تعتمد على البرمجيات المعقدة، إلى جانب التقنيات الحديثة، مثل الصيانة المعتمدة على حالة الآلة، أن تتقن فرق الصيانة مهارات جديدة في التحليل الرقمي وعلوم البيانات.

حان الوقت للإعلان عن انطلاقة جديدة

مع تراكم المشكلات، تبحث فرق الصيانة ذات الرؤى المستقبلية عن طرق جديدة لمعالجة مشكلات التكلفة والإنتاجية ونقص المهارات. وتمثل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي حلاً واعداً لهذه المشكلات بمقدوره إحداث تحوّل جذري في مجال الصيانة.

تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي نماذج متقدمة من التعلُّم الآلي لتسريع تحليل البيانات والتنبؤ بالأعطال المحتملة وأتمتة المهام الروتينية والحفاظ على المعارف الأساسية. وعلى عكس الأجيال السابقة من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي تقديم رؤى وحلول عملية تعزز كفاءة أعمال الصيانة وفعاليتها، ما يعزّز بدوره الاستمرارية التشغيلية للمعدات ويقلّل فترات التوقف عن العمل ويدعم الاستدامة ويُحسِّن التكاليف الإجمالية لدورة حياة الآلات والمعدات.

تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تسهم أيضاً في مساعدة فرق الصيانة على التصدي للمشكلات المرتبطة بنقص المهارات وصعوبة الاحتفاظ بالمعرفة داخل المؤسسة. ويتضمّن ذلك:

  • تعزيز أداء الموظفين غير المتمرسين وزيادة إنتاجيتهم من خلال أتمتة المهام الروتينية أو الاستعانة بوكلاء افتراضيين لدعم عمليات تخطيط الصيانة وتحديد مواعيدها واستكشاف الأعطال وإجراء الإصلاحات اللازمة.
  • تسهيل الوصول إلى وثائق الصيانة عبر خدمات البحث المتقدّم والتلخيص، مثل إنشاء خطوات استكشاف الأعطال تلقائياً.
  • تسريع دمج الموظفين الجدد وصقل مهاراتهم من خلال أنظمة مؤتمتة لإعداد الموظفين الجدد وتدريبهم وتحفيز العمل التعاوني.

بدأ بعض الشركات الرائدة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي فعلياً في التعامل مع المشكلات المستعصية  في عمليات الصيانة لديها. وكان لهذه الأدوات أثرٌ ملموس؛ حيث نُفِّذ العديد منها بسرعة فائقة خلال فترات لا تتعدّى بضعة أسابيع. دعونا نستعرض مثالين على ذلك.

أتمتة تحليل أنماط الأعطال وآثارها

تستخدم شركة تعمل في قطاع النفط والغاز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي لأتمتة تحليل أنماط الأعطال وآثارها (FMEA) من أجل صيانة آلاف المعدّات في مختلف منشآتها. يمثل هذا التحليل أسلوباً منهجياً لتحديد الأعطال المحتملة في أي منتج أو عملية وتقييم آثارها وترتيب الإجراءات التصحيحية وفق أولوياتها بهدف الحدّ من المخاطر. وغالباً ما يكون تطبيق هذا التحليل معقداً، نظراً لما يتطلبه من معرفة تفصيلية وتعاون وثيق بين مختلف التخصصات وتحليل يستغرق وقتاً طويلاً.

وعلى غرار العديد من المؤسسات التي تعتمد على أنظمة إنتاج معقدة، لطالما واجهت الشركة صعوبة في الحفاظ على دقة تحليلات أنماط الأعطال وآثارها واتساقها لصيانة أصولها المنتشرة في مواقع الإنتاج المتعددة. ولمعالجة هذه المشكلة، عملت الشركة على بناء نظام مخصّص قائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر على استيعاب آلاف الأسطر من البيانات المستخرجة من تحليلات أنماط الأعطال وآثارها الحالية، وترميزها وتنقيتها. وقد تمكّن النظام الجديد من توليد قائمة شاملة بأنماط الأعطال لكل آلة تمتلكها الشركة وربط كل نمط بأنسب إجراءات الصيانة لمعالجته.

بفضل أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح بمقدور فرق الصيانة الميدانية تطوير استراتيجياتها وتبنّي أفضل الممارسات المعتمدة في مختلف أقسام المؤسسة. ويواصل النظام تحديث قاعدة بياناته من الاستراتيجيات الموصى بها، استناداً إلى فعالية المبادرات التطويرية لأعمال الصيانة في مواقع أخرى، ما يساعد الفرق في المؤسسة بأكملها على تحسين الأداء الكلي في أعمال الصيانة.

منذ تطبيق أداة تحليل أنماط الأعطال وآثارها المعزّزة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، شهدت الشركة انخفاضاً ملحوظاً في فترات توقف المعدات عن العمل، كما ازدادت قدرة الموظفين الاستيعابية، نظراً لتقليص الوقت المستغرق في إعداد هذه التحليلات وأوامر العمل المرتبطة بها يدوياً.

مساعد ذكي لاستكشاف الأعطال التي تواجه فرق الإنتاج الميدانية وإصلاحها

طوّرت شركة أخرى، وهذه المرة في قطاع السلع الاستهلاكية، مساعداً ذكياً قائماً على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم مشغّلي خطوط الإنتاج في التعامل مع الحالات المفاجئة لتوقف آلات التصنيع عن العمل. يهدف هذا المساعد الذكي إلى تمكين الموظفين من أداء مهام استكشاف الأعطال المعتادة دون الحاجة إلى الرجوع إلى فرق الصيانة المتخصصة، ما أدى إلى تحسين أداء الآلات ورفع كفاءة خطوط الإنتاج بدرجة ملحوظة.

درّبت الشركة نظام الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بها باستخدام مصادر بيانات متعددة، منها تحليلات أنماط الأعطال وآثارها وسجلات الأعطال وأدوات استكشاف الأعطال التقليدية، مثل مخطّط السبب والأثر المعروف بمخطط عظم السمكة (Fishbone Diagrams) وتحليل "أسئلة لماذا الخمسة" (Five Whys). وعند رصد مجموعة معينة من أعراض العطل، يولّد النظام دليلاً إرشادياً مفصلاً يساعد المشغِّلين على التحقق من الأسباب المحتملة للعطل، واستبعادها واحداً تلو الآخر بأسلوب منهجي ومنظم إلى أن يكشفوا السبب الحقيقي، ويعرض خطوات تشخيص المشكلة في هيئة رسوم واضحة تتضمن صوراً توضيحية ومخططات مقتبسة من أدلة تشغيل الآلات وإجراءات التشغيل القياسية المعتمدة في المصنع. وبمجرد تحديد السبب الجذري، يقترح النظام مجموعة توصيات نهائية تهدف إلى منع تكرار المشكلة من خلال إجراءات الصيانة الوقائية.

أحدث المساعد الذكي القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي نقلة نوعية في كفاءة مبادرات تطوير أعمال الصيانة التي ينفذها المشغّلون بأنفسهم؛ فبعد أن كانوا يعتمدون في السابق على التخمين والتجربة لإصلاح الأعطال المفاجئة، أصبح بإمكانهم اليوم تحديد السبب الجذري بدقة وبسرعة، ما أدى إلى خفض فترات التوقف المفاجئ عن العمل بنسبة تصل إلى 90%، كما انخفضت تكاليف العمالة المرتبطة بالصيانة بمقدار الثلث، وارتفعت قدرة الفنيين على العمل بنسبة 40%؛ لأنهم لم يعودوا مضطرين للرد على الاستفسارات البسيطة من المشغّلين أو التدخل لإصلاح الأعطال الروتينية.

بدء تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي

حقّق بعض أقسام الصيانة فوائد ملموسة من استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن لم ينجح سوى عدد قليل فقط في تعميم هذه التجربة على حالات الاستخدام المتوفرة حالياً كافة. ولا تزال مؤسسات كثيرة في طور الاستكشاف، ولم تبدأ بعد اعتماد الصيانة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

يُشكّل استثمار الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمال الصيانة تحدياً حقيقياً لأسباب عدّة؛ فمن جهة، هذه التكنولوجيا جديدة نسبياً، ما يستلزم من فرق الصيانة فهم التكنولوجيا الحديثة والحذر من الوقوع في أخطاء غير مألوفة. ومن جهة أخرى، فإن سرعة التطوّر التي يشهدها الذكاء الاصطناعي التوليدي تفرض على المؤسسات اتباع نهج مرن في اختيار حالات الاستخدام وتطوير الأدوات ومواصلة التحديث باستمرار.

بالاستفادة من التجارب السابقة في التحوّل الرقمي والدروس المستخلصة من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجالات أخرى، سوف تتمكن فرق الصيانة زيادة فرص نجاحها في هذا التحوّل الجديد إذا ركّزت منذ البداية على 4 عناصر أساسية:

  1. الفهم الشامل لحالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ذات الصلة، إلى جانب فهم متطلباتها التكنولوجية والبيانية، بالإضافة إلى الإلمام بالعقبات الشائعة التي قد تعيق التنفيذ.
  2. تطوير رؤية واضحة على مستوى المؤسسة بأكملها حول قدرات قسم الصيانة والعقبات التي تواجهه، مثل تحديد أبرز المشكلات المستعصية ورصد فرص التحسين القابلة للقياس.
  3. تشكيل فريق عمل متفرّغ يمتلك المهارات اللازمة لتطوير هذه الحلول وتنفيذها وقياس نتائجها على أرض الواقع.
  4. بناء منظومة قوية لإدارة التغيير تُعنى بالتدريب وتطوير الكفاءات وتعزيز ثقافة قادرة على التفاعل مع الرقمنة والذكاء الاصطناعي في الصيانة والعمليات ذات الصلة.

ينبغي أن تركز أي عملية تحوّل مدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الصيانة على الإسراع بتطبيق حالات الاستخدام الواعدة من أجل تحقيق قيمة ملموسة في أقرب وقت ممكن، بالتوازي مع بناء القدرات والبنية التحتية التقنية والثقافة المؤسسية اللازمة لدعم تطوير هذه الأدوات وتنفيذها وتحسينها باستمرار.

يعتمد نجاح التحوّل على 3 عناصر رئيسية: الرؤية الاستراتيجية الواضحة، وبناء القدرات اللازمة، وإدارة التغيير بفعالية. أما استدامته على المدى البعيد فتتطلب التوسع السريع والحرص على إشراك الكوادر الميدانية منذ البداية.

بمقدور الذكاء الاصطناعي التوليدي إحداث ثورة في قطاع الصيانة من خلال تعزيز موثوقية العمليات واستدامتها وكفاءتها وخفض تكلفتها؛ إذ تُتيح هذه التكنولوجيات تقديم دعم مخصص حسب احتياجات العاملين، وتساعد على تحسين استراتيجيات الصيانة الوقائية ومعالجة مشكلات استكشاف الأعطال وإصلاحها وتوفير أفضل الممارسات لإعادة تأهيل الكوادر وتدريبهم. 

ويبقى السؤال الجوهري الذي يجب أن تطرحه أقسام الصيانة اليوم: "متى يجب أن يبدأ العمل على هذا الأمر؟"، لا "هل الأمر يستحق العمل عليه؟". وباتباع المنهجية الصحيحة واستخدام الأدوات المناسبة، تستطيع المؤسسات جني ثمار الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال بضعة أسابيع فقط.

المحتوى محمي