هل يزيح الصوديوم المتوفر بكثرة الليثيوم عن عرش صناعة البطاريات؟

5 دقائق
هل يزيح الصوديوم المتوفر بكثرة الليثيوم عن عرش صناعة البطاريات؟
مصدر الصورة: إيماجين تشاينا عبر أسوشييتد برس إيميدجيز

تنحَّ جانباً أيها الليثيوم، فقد ظهر تركيب كيميائي جديد سيزيحك عن عرش البطاريات.

يُعد الليثيوم أهم مادة في عالم البطاريات في الوقت الحالي، فهو عنصر رئيسي في صناعة البطاريات التي تؤمّن الطاقة للهواتف والسيارات الكهربائية، والتي تُستَخدم حتى لتخزين الطاقة في الشبكة الكهربائية.

إلّا أنه مع تزايد المخاوف المتعلقة بسلاسل التوريد الخاصة بالبطاريات، يعمل العلماء على إيجاد طرق جديدة للتخفيف من استخدام أكثر المكونات الرئيسية لتكنولوجيات البطاريات تكلفة وأقلها وفرة. وقد توصل الباحثون إلى عدة خيارات للتخفيف من الحاجة إلى بعض هذه المواد، مثل الكوبالت والنيكل، ولكنهم لم يتمكنوا من تحقيق تقدم يُذكر في سعيهم للتخلص من الليثيوم.

على الرغم من ذلك، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أعلنت عدة شركات لصناعة البطاريات والسيارات في الصين عن إنجازات متعلقة بنوع جديد من التراكيب الكيميائية للبطارية يعتمد على الصوديوم بدلاً من الليثيوم. يمكن لبطاريات أيونات الصوديوم الجديدة هذه أن تساعد على خفض تكاليف صنع البطاريات المستخدمة في التخزين الثابت والسيارات الكهربائية، إذا تمكنت هذه التكنولوجيا من تحقيق التوقعات الطموحة التي وضعتها هذه الشركات.

اقرأ أيضاً: بطاريات جديدة تخفض تكلفة السيارات الكهربائية

بطاريات أيونات الصوديوم كبديل واعد لبطاريات الليثيوم أيون

في مارس/ آذار، نشرت شركة جاك موتورز (JAC Motors) الصينية صوراً لسيارة بلونٍ أخضر مصفر، قالت إنها أول سيارة كهربائية تعتمد على بطاريات أيونات الصوديوم في العالم. وقد زوُدت السيارة الصغيرة ببطارية بسعة 25 كيلو واط ساعي من صنع شركة صينية أخرى، وهي شركة هينا باتيري (HiNA Battery)، ووفقاً للبيان الصحفي للشركة، فإن مدى السيارة يصل إلى 250 كيلومتراً. وفي أبريل/ نيسان، أعلنت أكبر شركة صانعة لبطاريات السيارات الكهربائية في الصين، وهي شركة كاتل (CATL)، أنها صنعت بطارية أيونات الصوديوم، وتخطط لإطلاقها في سيارة كهربائية من إنتاج شركة شيري (Chery) لصناعة السيارات. ولم تستجب أي من الشركات الأربع إلى طلبنا بالحصول على تعليق. 

يقول المختص في تحليل أنظمة تخزين الطاقة في شركة بلومبرغ إن إي إف (BNEF) آندي ليتش: "إنهم يُطلقون تصريحات مثيرة للاهتمام بدرجة كبيرة. ولكنها تفتقر أيضاً إلى الكثير من التفاصيل". لم تصرح كاتل أو هينا بأي مواعيد للإنتاج أو أي مقاييس تفصيلية لأداء البطاريات، بل ولم تكشف حتى عن أنواع معينة من بطاريات أيونات الصوديوم التي تخطط لاستخدامها. ولكن هذا الغموض ليس بالأمر المستغرب لدى هذه الشركات الكبيرة، حيث يقول ليتش: "تميلُ هذه الشركات إلى الحفاظ على أسرارها أطول فترة ممكنة". ولكن هذا الغموض، من ناحية أخرى، يُثير التساؤلات حول قدرة بطاريات أيونات الصوديوم على تقديم أداء جيد لدى استخدامها في السيارات الحقيقية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للبطاريات القديمة أن تزود السيارات الكهربائية بالطاقة مستقبلاً؟

عيوب بطاريات أيونات الصوديوم

فبطاريات أيونات الصوديوم ليست بالجديدة، ولكنها كانت تعاني من أوجه قصور جعلتها غير قادرة على مجاراة بطاريات الليثيوم. ووفقاً للباحثة المختصة بالبطاريات في جامعة شيكاغو ومختبر أرغون الوطني الأميركي، شيرلي مينغ، فإن بطاريات أيونات الصوديوم ذات التصميم التقليدي تفقد فاعليتها بسرعة، كما أن كثافتها الطاقية ما زالت أقل من الكثافة الطاقية لبطاريات الليثيوم أيون

هذا يعني أن بطارية الصوديوم يجب أن تكون أضخم وأثقل من بطارية الليثيوم لتخزين مقدار مماثل من الطاقة. بالنسبة للسيارات الكهربائية، يؤدي هذا إلى انخفاض مدى السيارة عند استخدام بطارية من الحجم ذاته.  

وقد تكون البطارية الأثقل وزناً والأقل تكلفة أفضل بالنسبة لبعض الاستخدامات، مثل بعض أنواع السيارات الكهربائية الصينية الأصغر والأقصر مدى. يكافئ المدى الذي أعلنت عنه شركة جاك مدى سيارة وولينغ هونغوانغ ميني، وهي إحدى أكثر السيارات الكهربائية رواجاً في الصين، التي يقطع طرازها ذو المدى الطويل مسافة تصل إلى 280 كيلومتراً بعملية شحن واحدة.

وقد يكون من الأسهل ترويج بطاريات أيونات الصوديوم في سوق تجهيزات التخزين الثابتة، مثل تلك المستخدمة لتوفير الطاقة الاحتياطية للمنازل أو الشركات، أو على الشبكة الكهربائية العامة. ويعمل بعض الشركات، مثل شركة ناترون (Natron) الأميركية، على تطوير بطاريات بتركيب كيميائي مخصص لنماذج الاستخدام الثابتة، حيث يصبح الحجم والوزن أقل أهمية مما في حالة سيارة متحركة.

اقرأ أيضاً: سببٌ بقيمة 2.5 تريليون دولار يمنع الاعتماد على البطاريات لتخزين الطاقة النظيفة

البداية منذ أكثر من نصف قرن

تقول مينغ إن تطوير بطاريات أيونات الصوديوم بدأ منذ أكثر من نصف قرن، وقد تحسن أداؤها باطراد، حيث شهد العقد المنصرم على وجه الخصوص قفزات كبيرة. وقد تمكن باحثو البطاريات من حل بعض المشكلات السابقة المتعلقة بعمر البطارية، حيث تعتمد هذه الحلول جزئياً على كهارل (جمع كهرل، وهو السائل الذي يساعد على انتقال الشحنات ضمن البطارية) بتراكيب أكثر توافقاً مع مواد الأقطاب المستخدمة في خلايا أيونات الصوديوم. إضافة إلى ذلك، طوّر الباحثون أيضاً موادَّ أفضل لأقطاب البطاريات، ما ساعد على زيادة كثافتها الطاقية. 

لكن السبب الحقيقي في الارتفاع الحاد لرواج بطاريات أيونات الصوديوم يُعزى إلى ازدياد الضغوط على مناجم الليثيوم ومنشآت معالجة الليثيوم لتلبية الطلب المتزايد على بطاريات السيارات الكهربائية.

لن ينفد أي من المواد المطلوبة لتصنيع البنى التحتية للسيارات الكهربائية والطاقات المتجددة من العالم قريباً. وتشير تقديرات المخزونات إلى أن قشرة الأرض تحتوي على الكثير من الليثيوم بما يكفي للمليارات من السيارات الكهربائية. لكن إنشاء البنى التحتية اللازمة لاستخراج الليثيوم وغيره من المواد من الأرض ومعالجتها للاستخدام في صنع البطاريات أصبح أكثر صعوبة من ذي قبل. فقد يستغرق بناء منجم جديد في معظم الأماكن في العالم قرابة عقد من الزمن.

اقرأ أيضاً: بطاطا بحرية تفتح آفاقاً واعدة للتنقيب البحري بحثاً عن مصادر الطاقة المتجددة

الليثيوم متوفر في القشرة الأرضية، فلماذا استبداله؟

شهد الطلب على الليثيوم زيادة حادة بسبب الاهتمام المتزايد بالسيارات الكهربائية، حيث شكّلت 13% من مبيعات السيارات العالمية في 2022. أدّت الزيادة في الطلب إلى ارتفاع حاد في الأسعار، حيث ارتفع سعر كربونات الليثيوم، وهي إحدى المواد المستخدمة في البطاريات، إلى ثلاثة أضعاف تقريباً بين نوفمبر/ تشرين الثاني في 2021 ونوفمبر/ تشرين الثاني في 2022 قبل أن يبدأ بالانخفاض ثانية.

وتقول مينغ إن كلاً من تقلبات أسعار الليثيوم والزيادة المتواصلة في الطلب أدّى إلى فتح المجال أمام تراكيب كيميائية أخرى، وتضيف قائلة: "أعتقد أن الصوديوم يمثّل بديلاً جيداً لتخفيف الضغط عن الليثيوم". فخلافاً لليثيوم، يمكن إنتاج الصوديوم من مادة متوفرة بكثرة، وهي الملح. وبما أن المواد الخام زهيدة التكلفة ومتوفرة بكثرة، فمن المحتمل أن تصبح بطاريات أيونات الصوديوم أقل ثمناً بكثير من مثيلاتها من بطاريات الليثيوم أيون إذا بدأت الشركات بتصنيع كميات أكبر منها.

إلّا أنه إذا أدّت ظروف الأسواق إلى فتح المجال أمام بدائل الليثيوم، فقد تؤدي إلى إغلاق هذا المجال بالسهولة ذاتها. ومن المرجّح أن يكون مصير بطاريات أيونات الصوديوم "مرتبطاً بتكلفة الليثيوم بصورة مباشرة"، على حد تعبير الباحث المختص بالبطاريات في جامعة كارنيغي ميلون، والمؤسس السابق لشركة أكويون (Aquion) لإنتاج بطاريات أيونات الصوديوم، جاي ويتاكر.

فإذا دخلت بطاريات أيونات الصوديوم إلى الأسواق بسبب مشكلات التكلفة ووفرة المواد، فإن انخفاض أسعار الليثيوم يمكن أن يعرّض مكانتها للخطر. يقول ويتاكر إنه من الصعب تصنيع نوع جديد من البطاريات، ومن الصعب أيضاً تصنيعها على نطاق واسع. ومن الأصعب حتى مجاراة التحسن المتواصل في بطاريات الليثيوم أيون التي تنخفض تكلفتها يوماً بعد يوم. 

اقرأ أيضاً: كيف تتم إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية؟

من المحتمل أن ينتهي الأمر بالصوديوم داخل بطاريات السيارات الكهربائية في الصين بحلول نهاية هذا العام، ولكن هذه التكنولوجيا لن تتمكن على الأرجح من إزاحة الليثيوم عن عرشه. ومن المرجّح، بدلاً من ذلك، أن يشهد عالم البطاريات المزيد من التفرع والتنوع، مع مواصلة الشركات عملها في تطوير المزيد من الخيارات المختلفة من البطاريات المناسبة لأوضاع مختلفة. تعج سوق البطاريات بما يطلق عليه ويتاكر اسم "الثغرات والزوايا"، وقد تجد بطاريات أيونات الصوديوم مكانها هناك قريباً في نهاية المطاف.