الصراع حول عملة فيسبوك الرقمية قد يؤدي إلى تغيير بنية العمل المصرفي

4 دقائق
مصدر الصورة: آندرو هارنيك، أسوشييتد برس

"ما هي ليبرا بالضبط؟"

تعرض ديفيد ماركوس -مدير مشروع العملة الرقمية في فيسبوك- مؤخراً إلى وابل لا يرحم من الأسئلة الانتقادية والحساسة من أعضاء في الكونجرس الأميركي. وقد تمكن من التعامل مع معظمها بإجابات مدروسة ومكررة قدمت قليلاً من المعلومات الجديدة حول ما تنوي فيسبوك فعله بالضبط بعملتها الجديدة، والمسماة ليبرا.

غير أن الجدل الذي أثاره سؤال من باتريك ماكهينري -ممثل كارولاينا الشمالية- خلال جلسة لجنة الخدمات المالية في الكونجرس ألقى الضوء على مسألة هامة، وهي أن فيسبوك لن تستطيع أن تشرح لنا ماهية عملتها الرقمية دون بعض المساعدة من صانعي السياسات. ومهما كان الجواب النهائي، فسوف يؤثر بشكل كبير على مستقبل العملة الرقمية والعمل البنكي.

وقد مر شهر تقريباً منذ أن أعلنت فيسبوك عن خطتها لإطلاق ليبرا، حيث قالت إنها يمكن أن تكون أساس البنية التحتية المالية العالمية الجديدة، وأنها ستخدم المليارات من الأشخاص. ولكن -وكما تبين في جلستي الاستماع اللتين عُقدتا مؤخراً حول ليبرا (أشرفت على الأخرى لجنة البنوك في مجلس الشيوخ)- ما زال هناك الكثير من الشكوك والغموض والارتباك إزاء هذا المشروع، وعلى أعلى مستويات السلطة في البلاد.

هذا على الأرجح ما دفع بماكهينري -الذي كان من الواضح استيعابه للمفاهيم الأساسية بشكل جيد- إلى بدء هجومه بالسؤال الأساسي: "ما هي ليبرا بالضبط؟"، وكانت إجابة ماركوس أن ليبرا "عملة رقمية مدعومة بأموال احتياطية".

قبل أن نتابع، قد يكون من المفيد أن نفصل هذا المصطلح. ووفقاً لتوصيف فيسبوك، فإن عملة ليبرا هي أصل رقمي على سجل موزع مماثل لما تعتمد عليه بيتكوين وغيرها من العملات الرقمية الشهيرة. ولكن على عكس بيتكوين -التي تشتهر بتقلب قيمتها- فإن ليبرا مصممة للحفاظ على قيمة مستقرة، ولتحقيق هذا -وفقاً لفيسبوك- ستكون هذه العملة "مدعومة" عن طريق "احتياطي" من الأموال النقدية التي تتضمن الدولار، والجنيه الإسترليني، واليورو، والين الياباني.

غير أن فكرة دعم العملة الرقمية باحتياطي نقدي ليست بالفكرة الجديدة، حيث إن ما تسمى بالعملات المستقرة تُعتبر إحدى الطرق المفضلة لدى المتاجرين بالعملات المشفرة لحماية أرباحهم من تقلبها المعروف دون تحويلها إلى أموال نقدية. ولكن ليبرا ستكون الأولى التي ستعتمد على "سلة" من عدة عملات، حيث إن جميع العملات الرقمية الأخرى تعتمد على عملة نقدية واحدة فقط، وهي الدولار في أغلب الأحيان.

وقد تابع ماكهينري هجومه على ماركوس: "أهي سند ضمان؟". وتُعرف سندات الضمان بأنها أدوات مالية ذات قيمة نقدية، تماماً مثل الأسهم والسندات. وغالباً ما يشتريها المستثمرون على أمل ازدياد قيمتها. ويجب على بائعي سندات الضمان في الولايات المتحدة الامتثال للقواعد المفصلة والصارمة التي فرضتها هيئة الأوراق المالية والبورصات، وهو عبء تفضل فيسبوك تجنبه، ولهذا كان جواب ماركوس: "لا نعتقد أنها سند ضمان، يا حضرة عضو الكونجرس".

غير أن رأي فيسبوك في هذه المسألة لا يهم، ويعود اتخاذ القرار إلى الهيئة، ووفقاً لوول ستريت جورنال، فإن الوكالة الحكومية بدأت تدرس ما إذا كان النظام الذي اقترحته فيسبوك لليبرا يمثل في الواقع أحد أنواع سندات الضمان المسمى صندوق المؤشرات المتداولة (ETF). وقد أصر ماركوس على أن ليبرا لن تكون سند ضمان، وكرر عدة مرات أنها ستكون "أداة للدفع"، ولكنه أقر بوجود بعض المخاوف لديه حول كيفية تنظيم إدارة احتياط ليبرا بالشكل الأفضل، وتعهد بالعمل مع صانعي السياسات للتعامل مع كل هذه المخاوف قبل إطلاق العملة.

ولكن، هنا بدأ الحوار ينحرف نحو مناطق مجهولة بالنسبة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة، وهو ما كان ماكهينري يحاول الإشارة إليه بأسئلته؛ حيث إن ما تقدمه فيسبوك يختلف بشكل واضح عن الخدمات التقليدية للدفع الرقمي مثل بايبال أو فينمو، ومن أهم الاختلافات هو أنه -نظرياً- لن تكون منظمة واحدة فقط مسؤولة عن ليبرا، فقد شكلت فيسبوك منظمة غير ربحية باسم ليبرا أسوسييشن، وذلك لقيادة تطوير المنصة، وسجلت 27 منظمة في قائمة المشاركين، بما فيها فيزا وماستر كارد وبايبال وأوبر وسبوتيفاي.

وتتعلق بعض أهم الأسئلة التي لم تجب عنها فيسبوك بهذه المنظمة، خصوصاً كيفية حوكمتها. وقد ردد ماركوس مراراً وتكراراً خلال الجلسات ما كانت فيسبوك تقوله من قبل على الملأ: إنها لن تكون المسيطرة على المنظمة، وإنها ستكون مجرد صوت واحد بين 28 صوت، وإنها تخطط لزيادة عدد أعضاء المنظمة إلى 100 بحلول العام المقبل. وإذا أردنا أن نصدق فيسبوك، فسوف تكون ليبرا أسوسييشن منظمة من نوع جديد، أي من دون سلطة مركزية، وهو أمر ممكن بفضل تكنولوجيا البلوك تشين، كما تقول الشركة.

ولكن هناك مشكلة واضحة في هذا النموذج؛ حيث إن رعاية أموال الآخرين عمل يخضع إلى الكثير من القواعد والقوانين في الولايات المتحدة. وخلال الجلستين، عبر العديد من أفراد الكونجرس عن أفكار مشابهة لما قاله الرئيس ترامب في تغريدة نشرها مؤخراً، وتتلخص في أن ما تعرض فيسبوك تأسيسه هو في الواقع بنك، ويجب تنظيمه على هذا الأساس.

ويجب أن تمتثل البنوك أيضاً لقواعد صارمة لمحاربة غسيل الأموال، كما يجب أن تحمي الزبائن من السرقة، ويتم التأمين على أموال المودعين في حالة خسارة البنك لأموالهم. هل يجب أن يتمتع مستخدمو ليبرا بهذه الإجراءات الوقائية أيضاً؟ ولكن، إذا لم يكن هناك كيان واحد مسؤول بشكل كامل عن ليبرا، فمن بالضبط الذي سيخضع لهذه القواعد؟ وكيف يمكن أن تخضع عملة كهذه لقواعد عمل البنوك؟ في كل مرة كانت تُطرح هذه المسألة، كان ماركوس يتصدى لها قائلاً إن فيسبوك لا تخطط "للانخراط في نشاطات بنكية".

ولكن لم يبد أن الكونجرس مهتم فعلاً بمطابقة المشروع للتعريف الفني للبنك بقدر اهتمامه بالانتشار الهائل لفيسبوك وأثر هذا الانتشار على اعتماد الناس لعملتها وإقبالهم عليها، فإذا بدأ المليارات باستخدامها، فقد تؤثر ليبرا بشكل كبير على النظام المالي العالمي، مما يجعل من الضروري وجود إشراف حكومي، وفقاً لعضوة الكونجرس ماكسين ووترز من كاليفورنيا، التي ترأس لجنة الخدمات المالية. وقد قالت ووترز: "إذا نجحت خطط فيسبوك في نهاية المطاف، فسوف تحصل الشركة وشركاؤها على نفوذ اقتصادي هائل يمكن أن يزعزع العملات والحكومات"، ودعت إلى إيقاف مؤقت للمشروع حتى يتسنى للكونجرس دراسته.

وهذه الجلسة -التي عقدت يوم الأربعاء 17 يوليو- قد ركزت بشكل كبير على المخاوف العملية حول عمل ليبرا، في حين سيطرت على أجواء اليوم السابق نبرة عدم الثقة بفيسبوك ودوافعها بين أعضاء مجلس الشيوخ. ويشير سجل الشركة حول الخصوصية إلى أنها "خطرة"، كما قال السيناتور شيرود براون من أوهايو، الذي أضاف أنها عبرت عن غرور "يبعث على الذهول" لدرجة أنها تريد أن تفتح لنفسها بنكاً عالمياً، وقال أيضاً: "سيكون من الجنون أن نسمح لفيسبوك بإجراء التجارب على الحسابات البنكية للناس، واستخدام أدوات قوية لا تفهمها -مثل السياسات المالية- لتعريض مصدر عيش الأميركيين الكادحين إلى الخطر".

ولكن المسألة لا تقتصر على فيسبوك، حيث إن الشركات التكنولوجية الكبيرة بدأت تسعى نحو السيطرة على الخدمات المالية، وقد رأينا أن هذا حدث في الصين مع الانتشار الهائل لخدمات الدفع الرقمي لوي تشات وعلي بابا. وقد حذر بنك التسويات الدولية -الذي يعرف باسم البنك المركزي للبنوك المركزية- من أن هذه الشركات وغيرها -بما فيها جوجل وأمازون- قد "تهيمن" على هذا المجال بفضل تأثيرها الشبكي. وفي وجه هذه الموجة المحتومة من التغيير، يجب على صانعي السياسات أن يحققوا التوازن الدقيق بين رعاية الابتكار وحماية المستهلكين. وقد منحتهم فيسبوك نقطة البداية المطلوبة: "ما هي ليبرا بالضبط؟".