يميلُ البشر بيولوجياً وتطورياً إلى حب المذاق الحلو، إذ كان هذا الميل في عصور الصيد وجمع الثمار وسيلة للبقاء وتفادي الجوع. لكن في عالم اليوم، حيث تتوفر الأطعمة الغنية بالسكر بكثرة، أصبح هذا الميل الطبيعي أحد الأسباب الرئيسية لانتشار السمنة التي تُصيب الأفراد بأمراض مزمنة مثل داء السكري.
بروتين جديد لاستبدال السكر والمحليات الصناعية
تسعى شركة "أوبلي" (Oobli)، المتخصصة في تطوير مكونات غذائية، إلى كسر هذا التناقض بين رغبتنا الفطرية في الحلاوة والحاجة إلى خيارات غذائية صحية، وذلك من خلال استخدام بروتينات حلوة كبدائل للسكر. وقد حصلت الشركة مؤخراً على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على بروتين جديد يُدعى "مونيلين" (Monellin)، مشتق من نوع توت ينمو في غرب إفريقيا، كما تعمل "أوبلي" بالتعاون مع علامات تجارية غذائية لاستبدال السكر والمحليات الصناعية بهذه البروتينات، وقد أبرمت شراكة مع شركة "إنغريديون" (Ingredion)، وهي من كبار موردي مكونات الأغذية، لنشر هذا الابتكار على نطاق أوسع.
وأوضحت "الي وينغ"، الرئيسة التنفيذية لشركة "أوبلي"، قائلة: "لطالما رغبت في العمل في مجالات تسهم فيها التكنولوجيا في إحداث تحول إيجابي في نمط الحياة الصحية". وقد بدأت وينغ مسيرتها المهنية في شركة "نايكي"، قبل أن تتجه إلى قطاع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل الأخطاء الطبية وتحسين الرعاية الصحية؟
يأتي صعود "أوبلي" في ظل تنامي زخم حركة "الغذاء كدواء" في الولايات المتحدة. ففي ولاية تينيسي، تغطي شركة "بلو كروس بلو شيلد" (Blue Cross Blue Shield) تكاليف توصيل المنتجات الطازجة من شركة "فارم بوكس آر إكس" (FarmboxRX) باعتبارها جزءاً من المزايا الطبية. أمّا في ولاية كاليفورنيا، فيُمنح السكان من أصحاب الدخل المنخفض "وصفات غذائية" مموّلة عبر برنامج "ميديكيد" لتغطية تكاليف المنتجات الطازجة. ومن المرتقب أن تحظى هذه الحركة هذا العام بداعم قوي ومثير للجدل، وهو وزير الصحة والخدمات الإنسانية، روبرت ف. كينيدي الابن.
تقول وينغ: "لم يحدث من قبل أن كان هناك حوار وطني بهذا الاتساع حول فكرة أن الغذاء هو الصحة".
فوائد صحية إضافية مع هذه البروتينات
تعمل "أوبلي" على استكشاف مصادر متعددة للبروتينات الحلوة، بعضها يُعتقد أنه يقدّم فوائد صحية إضافية. من بين هذه البروتينات "الميراكولين" (Miraculin)، المستخلص من ثمرة تُعرف باسم "المعجزة" (miracle berry)، التي تعمل كمُعدل للمذاق عبر ارتباطها بمستقبلات اللسان، ما يجعل الطعم الحامضي يبدو حلواً. وقد اشتهرت هذه الثمرة في حفلات "تجربة النكهات" خلال العقد الماضي، حيث كان الضيوف يذيبون قرصاً منها على ألسنتهم ثم يتناولون أطعمة حمضية مثل الليمون الحامض وخل التفاح، لتبدو لهم وكأنها عصير فواكه حلو مدة نصف ساعة.
لكن استخدامها لم يقتصر على الترفيه فقط، إذ بدأ بعض الأطباء والباحثين بعلاج مشكلات التذوق الناتجة عن العلاج الكيميائي لدى مرضى السرطان باستخدام هذه الثمرة. وتشير دراسات صغيرة أجريت في أوائل العقد الماضي إلى أن المرضى الذين استخدموها شعروا بتحسن في حاسة التذوق، وزال الطعم المعدني الناتج عن المواد الكيميائية، بل وتمكن بعضهم من استعادة أوزانهم. هذا هو جوهر مفهوم "الغذاء كدواء"، استخدام مركبات غذائية علاجية لدعم تناول الطعام والحفاظ على الصحة.
وتسأل وينغ: "تخيلوا لو استطعنا معرفة أسباب فقدان بعض الأشخاص حاسة التذوق، وما الذي يجعل هذه النباتات وهذا الحمض النووي بالتحديد قادراً على إعادة تنشيطها؟". وتُضيف أن هذه البروتينات لا تترك أي مذاق خلفي ولا تُسبب آثاراً جانبية، وبفضل نقاوتها فإنها مرشحة واعدة لتطوير أدوية لا تترك طعماً غير مرغوب فيه.
اقرأ أيضاً: كيف سيعمل الذكاء الاصطناعي مع البشر لمستقبل أفضل في الرعاية الصحية؟
ويعود الفضل في إتاحة هذه الابتكارات، سواء في الغذاء أو في مجال الأدوية، إلى التقدم في مجالي التخمير الدقيق وتقنية كريسبر (CRISPR). فعلى الرغم من وجود أبحاث أكاديمية مكثّفة خلال العقد الماضي حول هذه المركبات، فإن غياب التطبيقات التجارية كان ناتجاً عن ندرة هذه النباتات في بيئات نائية وحساسة، ما أعاق زراعتها على نطاق واسع. غير أن تقنيتي التخمير وكريسبر أتاحتا الآن إمكانية إنتاج كميات كبيرة من هذه البروتينات في المختبرات والمفاعلات الحيوية، ما سمح بتوظيفها تجارياً.
وتختتم وينغ حديثها قائلة: "هذا هو التوازن الصحي المثالي بين أفضل ما في الطبيعة وأفضل ما في التكنولوجيا".