الروبوتات شركاء أمْ جواسيس؟ كيف نحمي خصوصيتنا في عصر المستشعرات الذكية؟

5 دقيقة
الروبوتات شركاء أمْ جواسيس؟ كيف نحمي خصوصيتنا في عصر المستشعرات الذكية
توليد الصورة بمساعدة "بكسلر" بإشراف محرر مجرة

إن كنت قد قرأت رواية 1984 الديستوبية لجورج أورويل، فلا بُدَّ أنك تتذكر وينستون سميث، بطل الرواية. في الصفحات الأولى منها يصفُ الكاتب حركة سميث في شقته الصغيرة التي لا تقل سوداويتها عن الواقع الذي تصوره، وفيها شاشة كبيرة "تيلي سكرين" telescreen ترصد تحركات سميث في أنحاء شقته. يخرج صوت منها ينبهه بأن صدر عنه ما يشير إلى تغير غير معهود في سلوكه. هذه الشاشة، هي سيف الرقابة السليط في دولة أوشينيا الخيالية، وكان وينستون قد حظي بكوة صغيرة داخل جدار بعيداً عن الشاشة.

مشاهد أورويل هي ديستوبيا. لكن ماذا لو أصبحت حقيقة واقعة، لا تُملى علينا أدواتها على أنها للرقابة، بل كشركاء في العمل؟ أقصد هنا الروبوتات، التي ستشاركنا مساحات العمل عاجلاً وليس آجلاً. وقد سبقنا غيرنا إلى ذلك فعلاً!

تُزوَّد الروبوتات بآلاف المستشعرات، من كاميرات، ومستشعرات لمسية، ومعالجات، وأجهزة، وذواكر. قد تعالج الروبوتات مدخلاتها محلياً، وفي أحيانٍ كثيرة، تنتقل لتعالج على خوادم سحابية بعيداً عن المكان الذي تعمل به.

العودة إلى الوراء فيما يخصُّ ذلك غير ممكنة، فالروبوتات أمر واقع وجيد في معظم الحالات، لكن هنا لا بُدَّ أن نتساءل عن أحد أوجه الكأس الفارغة؛ خصوصيتنا. هل سنشعر بالأمان ونحن نعمل مع كتلة من المستشعرات والكاميرات أقل ما يمكننا الشعور به بوجودها أنها تراقبنا؟

اقرأ أيضاً: أسوأ عمليات الاختراق والانتهاكات وتسريب البيانات في 2024

 ما هي البيانات التي تجمعها الروبوتات؟

لتحقق الروبوتات الغاية التي بُنيت لأجلها، يجب الاستفادة من البيانات التي تجمعها في مواقع العمل. فعلى الرغم من أن بناءها يتم بعد اختبارات وعمليات محاكاة مخبرية كثيرة، فإن البيئة الواقعية قد تختلف اختلافاً جذرياً عن بيئة المختبرات، سواء من حيث الإضاءة أو مستوى الغبار فيها أو الفوضى في العالم الحقيقي، والتي قد لا تحاكيها بيئة المختبرات تماماً، لذا فإن البيانات التي تجمعها الروبوتات من بيئة العميل هي على درجة عالية من الأهمية. عموماً تجمع الروبوتات ثلاثة أنواع من البيانات:

  1. بيانات حسية خام لما يرصده الروبوت في البيئة المحيطة: وهي البيانات الواردة من كاميرات الروبوت، أو بيانات مستشعرات الليدار، وبيانات حول توقيت اتصال الروبوت بالبيئة المحيطة أو قياساته بالقصور الذاتي وتعني قياس الحركة والتسارع والدوران باستخدام أجهزة استشعار تُسمَّى وحدات القياس بالقصور الذاتي (IMU). هذه البيانات تمثّل معلومات حول ما يحدث في البيئة الحقيقية التي تُشغَّل فيها الروبوتات.
  2. البيانات الدورية حول كيفية تفاعل الروبوتات مع البيئة المحيطة: بعد البيانات الخام الواردة من البيئة المحيطة، تُجمع بيانات حول كيفية استجابة الروبوت للبيئة المحيطة. مثل ماذا شاهد الروبوت؟ ماذا فعل حين تعثر بغرض ما؟ أمسك بشيء ما، ضغط بيده. وهكذا.
  3. الأسباب التي دفعت الروبوت لاستجابته: هذا المستوى من البيانات يهدف إلى زيادة دقة استجابة الروبوت للبيئة المحيطة، أي يوضح ما هو دقيق أو غير دقيق في استجابة الروبوت، وفيه أيضاً تُعرف الأسباب التي أدّت إلى فشل الروبوت في القيام بما يجب أن يفعله به.

هذه البيانات معاً تؤدي إلى ضبط عمل الروبوتات على النحو المطلوب، سواء كانت روبوتات قائمة على النماذج مثل أساليب تحسين وحدة التحكم التنبؤية بالنماذج لتحديد كيفية التفاعل مع العالم أو على التعلم.

اقرأ أيضاً: هل ستصبح الروبوتات زملاء لنا في العمل؟

ما هو مصير البيانات التي تجمعها الروبوتات؟

لارتباط الروبوتات بالمظهر البشري أو الحيوانات الأليفة في معظم الأحيان، نأمن جانبها، فنستهين بمخاطر الخصوصية التي تمثّلها عند تفاعلها معنا. مثلاً تجوب المكانس الروبوتية منازلنا، وتلتقط خرائط مفصلة لها، وصوراً أحياناً. كما تأخذ بيدنا في المطارات وتلتقط لنا صوراً تساعدنا في المطاعم والمستشفيات. لا يتساءل كثيرون عن مصير البيانات التي تجمعها، وهي كثيرة، لتتمكن من التفاعل معنا على النحو الذي يرضينا، فقط لإضفائنا طابعاً بشرياً عليها. أحيانا تذهب بنا المشاعر إلى حد الظن أنها قادرة على السخرية منا، لكن نظراً للكم الكبير من البيانات التي تجمعها، يجب فهم كيفية عملها، وعلى صانعي السياسات وضع لوائح تنظّم آلية جمع البيانات وماهيتها ومصيرها.

وتتركز مخاوف الخصوصية من البيانات التي تجمعها الروبوتات في ثلاثة محاور أساسية هي في صميم عملية جمع البيانات ومعالجتها، الجمع والنقل والتخزين. فعند تفاعل الروبوتات مع الإنسان، تجمع بيانات مثل القياسات الحيوية كبنية الوجه والطول وبصمة الصوت، أو تحدد هويته بجمع المعلومات المتعلقة بذلك كالهوية الشخصية والبريد الإلكتروني، بعد ذلك تُنقل البيانات إلى نظام آخر للمعالجة، واستجابة لمخاوف الخصوصية لمستخدمي هذه الروبوتات، يجب معرفة المكان الذي تُنقل له هذه البيانات، والشكل الذي تُنقل عليه هل تُنقل كما هي أم مُشفرة؟

وتمر العملية بالمراحل التالية:

  1. نقل البيانات الخام إلى حاسوب داخلي أو وحدة معالجة مركزية. وهذه الخطوة ضرورية لعمليات التحليل وتفسير البيانات اللاحقة.
  2. معالجة البيانات، وتتضمن تصفية الضوضاء، وتحويل الإشارات، وهيكلة البيانات. ثم تحليل البيانات بواسطة خوارزميات مصممة خصيصاً لمهام الروبوت المحددة، مثل الملاحة أو التعرّف إلى الأشياء.
  3. اتخاذ القرار، حيث تُغذّي البيانات المحللة خوارزميات صُنع القرار. وقد تكون أنظمة قواعد بسيطة أو نماذج تعلم آلي متقدمة. هذه المرحلة تُحدّد المرحلة التالية للإجراء الذي سيتخذه الروبوت.
  4. تنفيذ الإجراء، بعد اتخاذ القرار تُرسل إشارات التحكم من وحدة المعالجة أو الحاسوب، إلى مشغلات الروبوت كالمحركات والمقابض وغيرها من الأجزاء المسؤولة عن الحركة.

على الرغم من حساسية التقاط الصور وغيرها من مدخلات أجهزة الاستشعار، فإن مرحلة نقل البيانات وتخزينها هما المرحلتان الأهم بالنسبة للخصوصية، ففي بعض الأحيان، إن لم تكن كفاءة وحدات المعالجة في الروبوتات كافية، تُنقل البيانات وتُعالج وتُخزن على خوادم خارجية، وإذا كانت الروبوتات متصلة بشبكة منزلية، فقد تواجه خطر الاختراق.

اقرأ أيضاً: هل ستحل الروبوتات الطبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي محل الأطباء في المستقبل؟

أبرز مخاوف الخصوصية التي تحيط بنا عند التعامل مع الروبوتات

يمكن للروبوتات بواسطة الهندسة الاجتماعية للروبوتات، أن تتحايل على الأشخاص، وأن تخترق أنظمة الأمان الخاصة بالمباني. ففي تجربة دراسة جرت عام 2017، تمكن طلاب من معهد سيمونز في جامعة كاليفورنيا في بيركلي كانوا يعملون على بناء روبوت من جعله يجتاز إجراءات الأمان الخاصة بالدخول إلى مبنى طلابي، على الرغم من أنه كان يحمل قنبلة في إحدى المرات فعلياً. حدث هذا عام 2017، واليوم، مع قفزة الذكاء الاصطناعي يمكننا توقع المزيد. ومن أبرز هذه المخاوف:

  • جمع بيانات حساسة: تجمع الروبوتات، وخاصة الموجودة في المنازل أو الأماكن العامة، بغرض المساعدة في الأعمال المنزلية أو الرعاية الصحية، بيانات شخصية حساسة للغاية كالصور والتسجيلات الصوتية وأنماط السلوك.
  • الوصول غير المصرح به وأمن البيانات: تتعرض البيانات التي تجمعها الروبوتات لخطر الاختراق، خاصة إذا كانت هذه الروبوتات متصلة بشبكة منزلية أو غيرها، أو أن هذه البيانات يجري نقلها ومعالجتها على خوادم بعيدة عن مكان عمل الروبوت. كذلك تؤدي كلمات المرور المنزلية الضعيفة أو نقص تشفير البيانات، إلى جعل الروبوتات عرضة للهجمات السيبرانية، ما يعرّض بيانات المستخدمين للمخاطر.
  • إساءة استخدام البيانات: فقد تجمعها الشركات المشغلة للروبوتات، وتبيعها إلى أطراف ثالثة، فتُستخدم في تصميم إعلانات موجهة.
  • خطر المراقبة: تُزود الروبوتات بكاميرات وأجهزة استشعار، ما قد يقوّض ثقة الفرد بالتقنيات والخصوصية الفردية نتيجة شعوره الدائم بأن هناك مَن يراقبه.
  • المخاطر الجسدية والنفسية: إذا تمكن مجرمو الإنترنت من اختراق الروبوتات، فقد يستخدمونها بغرض الإيذاء النفسي أو الجسدي للمستخدمين.
  • تخزين البيانات والاحتفاظ بها: على الرغم من أن ذواكر الروبوتات على درجة عالية من الأهمية لأداء أعمالها، فإن المخاوف بشأن أماكن تخزين البيانات (محلياً أو على السحابة) ومن لديه الحق في الوصول إليها، قد تقلق المستخدمين، كما أن أماكن التخزين غير المحمية جيداً تشكّل هدفاً خصباً لمجرمي الإنترنت.

اقرأ أيضاً: هل ستميلُ الكفة لصالح الروبوتات ذات الهيئة البشرية مستقبلاً؟

لتفاعل آمن مع الروبوتات اتبع النصائح التالية

على الرغم من عدم وضوح سياسة الخصوصية التي تنتهجها الشركات المصنّعة للروبوتات تجاه البيانات التي تجمعها، لكن حاول الاطلاع قدر الإمكان على هذه السياسة والاستفسار من مزودي الروبوتات عن ذلك. كذلك:

  • قبل شراء الروبوت، استفسر صراحة عن المسؤولية القانونية تجاه أي خرق بيانات يمكن أن يحدث نتيجة عمل الروبوت.
  • تحديد الغرض الذي ستستخدم الروبوت من أجله يساعدك على تحديد نوع البيانات التي تسمح له بجمعها. المكانس الروبوتية مثلا بحاجة إلى رسم خرائط مفصّلة للمنازل، لكنها ليست بحاجة إلى التقاط الصور.
  • السيطرة البشرية أولاً، أي تأكد من قدرتك على ضبط حركة الروبوت في أرجاء منزلك وكيفية تعاملك معه. تعلم التحكم اليدوي فيه. إمكانية تعطيله تماماً في حالات الطوارئ على درجة كبيرة من الأهمية عندما تقرر أن تقتني ربوتاً منزلياً أو في العمل.
  • في الأماكن العامة، اعرف تماماً الغرض من استخدام الروبوت، ولا تحاول تجربته في أغراض أخرى.
  • التدريب المسبق على استخدام الروبوت يساعدك على تجنب الكثير من المواقف الصعبة.

أمّا على مستوى الشركات المصنّعة للروبوتات فيجب:

  • إجراء تقييم شامل للخصوصية.
  • اتباع سياسة خصوصية مدمجة في التصميم.
  • تضمين معايير حماية البيانات في التصميم.
  • التأكد من التوافق مع اللوائح الناظمة لعمل الروبوتات إن وُجدت.
  • الاهتمام بتجربة المستخدمين.
  • المراجعة والتقييم المستمر لأداء الروبوت، وتطبيق التحديثات الضرورية.

المحتوى محمي