تخيل طالباً يبدأ يومه بالتفاعل مع مساعد ذكي، وينهيه بتحليل أدائه بواسطة خوارزمية مخصصة للتقييم، هذا ليس خيالاً علمياً، بل واقعاً يتشكل بسرعة. الذكاء الاصطناعي يتطور بوتيرة سريعة ويُتبنى في مختلف المجالات، بما في ذلك مجال التعليم، لدرجة أن الدمج التدريجي والبطيء لم يعد خياراً قابلاً للتطبيق. ما نحتاج إليه هو دمجه بشكل سريع جداً لإعادة تعريف جذرية لمفهومي "التعلم" و "المنهج".
اقرأ أيضاً: دليل شامل لأهم أدوات الذكاء الاصطناعي التي يحتاج إليها الطلاب العرب
كيف يغير الذكاء الاصطناعي التعليم؟
للذكاء الاصطناعي تأثير كبير في التعليم، وحالياً تتوفر طرق عديدة للاستفادة منه في تحسين التجارب التعليمية، سواء في الفصول الدراسية أو المنصات الإلكترونية. إليكم بعضاً من هذه الطرق الرئيسية التي أثبتت أنها تحدث نقلة نوعية في التعليم مدعومة بتجارب واقعية:
1. أنظمة التعلم التكيفية: تعليم يتغير وفق كل طالب
أنظمة التعلم التكيفية هي من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، فهي تعمل على تغيير المناهج وتحويلها من محتوى ثابت وجامد أعد للطلاب جميعهم إلى محتوى متغير يتكيف ويتطور بناءً على أداء واحتياجات كل طالب.
كيف تعمل هذه الأنظمة؟
تعتمد أنظمة التعلم التكيفية على خوارزميات التعلم الآلي التي تراقب سلوك الطالب في أثناء الدراسة، مثل إجابته عن الأسئلة والوقت المستغرق في كل نشاط تعليمي، والأخطاء المتكررة، وحتى طريقة تفاعله. بناءً على هذه البيانات، يعدل النظام المحتوى ويقترح أنشطة أو شروحات إضافية ويغير مستوى الصعوبة بما يتناسب مع قدرات الطالب.
مثال
وضعت وزارة التربية والتعليم في دولة قطر خطة استراتيجية (2024-2030) لدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، بحيث يخصص المحتوى التعليمي حسب قدرات الطالب. إذا كان الطالب سريع التعلم، يقدم له محتوى متقدم، وإذا واجه صعوبة، يحصل على دعم إضافي مثل شروحات وتمارين مخصصة.
لماذا تعتبر هذه الأنظمة مهمة؟
لأن كل طالب يتعلم بطريقة مختلفة، والذكاء الاصطناعي يمنح المؤسسات التعليمية القدرة على احترام هذا الاختلاف، وتحويل التعليم من تجربة جماعية موحدة إلى رحلة فردية مخصصة.
اقرأ أيضاً: أهم تطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم
2. توليد محتوى تعليمي مخصص
من الممكن اليوم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتوليد محتوى تعليمي جديد يتوافق مع احتياجات كل طالب، وهذا يفتح آفاقاً غير مسبوقة لتخصيص المناهج التعليمية، فبدلاً من استيراد مناهج تعليمية جاهزة قد لا تكون مناسبة أو متوافقة مع قدرات الطلاب، تستطيع أي مؤسسة تعليمية بسهولة إنشاء مناهج مخصصة لطلابها، مع ضمان توافقها مع معايير الجودة والهدف التعليمي.
كيف يُولد المحتوى التعليمي؟
يعتمد توليد المحتوى التعليمي على نماذج لغة كبيرة يمكنها إنشاء مواد تعليمية، مثل الشروحات والاختبارات والأمثلة التطبيقية، بناءً على بيانات محددة حول مجموعة من الطلاب أو حتى طالب واحد، تتضمن هذه البيانات معلومات عن:
- مستوى الفهم.
- أسلوب التعليم المفضل (بصري، سمعي، عملي).
- نقاط القوة والضعف.
- الاحتياجات الخاصة أو التحديات الفردية.
بمجرد تحليل هذه البيانات، يولد الذكاء الاصطناعي محتوى يتناسب تماماً مع الطالب أو مجموعة الطلاب.
مثال
طورت الحكومة القطرية منصة تعليمية تعرف باسم "تعليم"، وهي تعتمد على نموذج الذكاء الاصطناعي العربي "فنار"، النموذج قادر على مساعدة المعلمين في إعداد محتوى يتكيف مع مستوى الطالب، ومواد متعددة الوسائط بالصوت والصورة، واختبارات متنوعة للطلبة.
لماذا يعتبر توليد المحتوى التعليمي مهماً؟
بالنسبة للطالب العادي، يمكنه أن يحصل على محتوى يتماشى مع أسلوبه المفضل في التعليم وقدراته.
بالنسبة للطلاب أصحاب الاحتياجات الخاصة، يمكن توليد محتوى يتناسب مع احتياجاتهم، مثلاً، يمكن توليد محتوى بصري للطلاب الذين يعانون من مشاكل في السمع، أو محتوى سمعي لمن يعانون مشاكل في الرؤية، هذا بدوره يجعل التعليم متاحاً للجميع وأكثر شمولاً وإنصافاً.
3. أنظمة التقييم والملاحظات الآلية
واحدة من أكثر المهام التي تستهلك وقت المعلمين هي تقييم أداء الطلاب وتقديم الملاحظات لهم. الذكاء الاصطناعي يغير هذه المعادلة من خلال توفير أنظمة تقييم ذكية تقيم كل طالب بدقة في الوقت الفعلي.
كيف تعمل هذه الأنظمة؟
تعتمد هذه الأنظمة على خوارزميات قادرة على تحليل إجابات الطلاب، سواء كانت نصوصاً أو اختيارات متعددة أو حتى مشاريع أو رسومات هندسية أو تعليمات برمجية.
بمجرد تقديم الإجابات، يقيمها النظام وفق معايير محددة مسبقاً. ثم يرسل ملاحظات فورية توضح نقاط القوة والضعف والأخطاء واقتراحات للتحسين.
مثال
منصة يس تشات YesChat تدعم اللغة العربية وتقدم حلولاً مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب في حل الواجبات وتصحيح الإجابات والحصول على تقييمات وملاحظات تعليمية فورية.
لماذا يعتبر ذلك مهماً؟
تعد أنظمة التقييم والملاحظات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مهمة للغاية للأسباب التالية:
- السرعة: الطالب لا ينتظر أياماً لمعرفة نتيجته، بل يحصل على تقييم فوري يساعده على تعديل فهمه فوراً.
- الدقة: الذكاء الاصطناعي يقلل التحيز البشري وتضمن تقييماً موضوعياً.
- الكفاءة: يستطيع المعلمون التركيز على الإرشاد والتوجيه بدلاً من تقييم الطلاب.
اقرأ أيضاً: لندق ناقوس الخطر إذا لم يُدمَج الذكاء الاصطناعي في التعلُّم والتعليم
4. بوتات الدردشة لدعم الطلاب: توفير المساعدة عند الطلب
لم يعد الطالب بحاجة إلى انتظار الرد على أسئلته من قبل المعلم. بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أصبحت جزءاً أساسياً من تجربة الطالب الجامعية والمدرسية، وتقدم دعماً فورياً في أي وقت.
كيف تعمل هذه البوتات؟
تعتمد بوتات الدردشة على نماذج لغة كبيرة ومتقدمة قادرة على فهم اللغة الطبيعية للبشر وتقديم إجابات دقيقة في مختلف المجالات.
مثال
نموذج فنار، وهو نموذج ذكاء اصطناعي توليدي باللغة العربية طور من قبل معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة، عضو في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، يمكن استخدامه للإجابة عن أي سؤال في أي مجال.
لماذا هي مهمة؟
تعتبر بوتات الدردشة مهمة للطلاب لأنها توفر إجابات فورية، فالطالب يحصل على إجابة في اللحظة التي يحتاج إليها دون انتظار، كما أن هذه البوتات تعمل على مدار الساعة، ما يضمن دعماً دائماً حتى خارج أوقات العمل الرسمية. والأهم من ذلك أنها تسهم في تقليل الضغط على الكوادر التعليمية.
5. الدعم العاطفي والنفسي والاجتماعي
التعليم لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يشمل أيضاً تنمية المهارات العاطفية والنفسية والاجتماعية، خاصة للطلاب أصحاب الاحتياجات التعليمية الخاصة.
كيف يجري ذلك؟
يمكن استخدام بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل بوتات الدردشة أو الروبوتات للتفاعل مع الطلاب ومناقشة مشكلاتهم واحتياجاتهم العاطفية والنفسية والاجتماعية واقتراح حلول لها، هذا يساعد الطلاب الذين يواجهون مشكلات سواء في مجال التعليم أو مشكلات حياتية عامة.
مثال
نماذج الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي أو فنار يمكن استخدامها للحصول على دعم نفسي عبر محادثات تفاعلية.
لماذا يعتبر ذلك مهماً؟
يوفر الذكاء الاصطناعي للطلاب الذين يعانون المشكلات العاطفية والنفسية إمكانية التواصل دون خجل أو حكم مسبق عليهم، كما يستطيع الذكاء الاصطناعي اكتشاف علامات التوتر أو القلق، واقتراح حلول للتهدئة أو توجيهات لطلب الدعم النفسي المتخصص، ما يضيف بعداً نفسياً داعماً للتجربة التعليمية.
6. التحليلات التنبؤية: التعليم الذي يرى المستقبل
الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بفهم ما يحدث الآن، بل يمتلك القدرة على التنبؤ بما سيحدث لاحقاً. من خلال تحليل بيانات التفاعل والأداء، تتيح أنظمة التحليل التنبؤي تصميم استراتيجيات تعليمية أكثر تخصيصاً واستباقاً للتحديات قبل أن تظهر.
كيف تعمل هذه الأنظمة؟
تجمع الأنظمة الذكية مجموعة واسعة من البيانات وتحللها، تشمل نتائج الاختبارات وطرق التفاعل مع المحتوى والوقت المستغرق في أداء المهام وسلوك الطالب. هذه البيانات تستخدم لبناء نماذج تنبؤية دقيقة، قادرة على توقع احتمالية النجاح أو التعثر في مادة معينة، وتحديد الحاجة إلى تدخل مبكر، بالإضافة إلى اقتراح تغييرات في المنهج تناسب كل طالب حسب تطوره الفردي.
مثال
أطلق المركز العربي للتدريب التربوي لدول الخليج برنامجاً تدريبياً حول توظيف الذكاء الاصطناعي لتحديد الطلاب المعرضين للتأخر أو الانسحاب، وتقديم دعم مخصص لهم.
لماذا هي مهمة؟
تكمن أهمية التحليلات التنبؤية في قدرتها على تحويل التعليم من عملية تفاعلية إلى تجربة استباقية. فهي تتيح للمعلم أو المؤسسة التعليمية التدخل في الوقت المناسب قبل أن تتفاقم المشكلات، ما يساعد على حلها قبل أن تؤثر سلباً في أداء الطالب، كما تسهم هذه التقنية في توجيه الطالب نحو محتوى وأنشطة تتماشى مع احتمالات تطوره الأكاديمي، هذا يؤدي إلى زيادة فرص النجاح.
وعلى مستوى المؤسسات التعليمية، توفر التحليلات التنبؤية رؤى دقيقة تساعد على تحسين التخطيط، سواء من حيث توزيع الموارد أو تطوير المناهج بما يتناسب مع احتياجات الطلاب الفعلية.
اقرأ أيضاً: 5 تطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لإتقان النطق في لغات جديدة
خطوات دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم
للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، لا يكفي الاعتراف بأهميته، بل يجب التحرك بخطوات مدروسة نحو دمجه في المؤسسات التعليمية. إليك خارطة طريق عملية تتضمن خطوات واضحة تساعد المدارس والجامعات وأي مؤسسات تعليمية على إنشاء بيئة تعليمية ذكية:
- تقييم الاحتياجات التعليمية الفعلية لكل فئة من الطلاب، لتحديد كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضيف قيمة حقيقية.
- تطوير مهارات المعلمين من خلال برامج تدريبية متخصصة تمكنهم من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بفعالية.
- إعداد البنية التحتية التقنية لضمان جاهزية المؤسسة التعليمية، يشمل ذلك أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات، وتوفير اتصال مستقر وسريع بشبكة الإنترنت.
- إعداد استراتيجية شاملة لضمان الشمول والإنصاف، بهدف توفير أدوات الذكاء الاصطناعي لجميع الطلاب والمعلمين دون تمييز.
- الاستفادة من الخبرات الأكاديمية في المؤسسات التعليمية الأخرى التي تبنت واستفادت من الذكاء الاصطناعي، من خلال شراكات لتبادل الخبرات واستيراد حلول تعليمية مجربة.
- توفير تجارب عملية ومشاريع واقعية للطلاب بهدف تعزيز فهمهم للذكاء الاصطناعي وطريقة الاستفادة منه.
- وضع سياسات واضحة لحماية الخصوصية والبيانات.
- تشجيع المعلمين والطلاب على التعلم المستمر لمواكبة التطورات المتسارعة.
- إشراك أولياء الأمور في رحلة التحول لبناء شبكة دعم مجتمعية قوية.
اقرأ أيضاً: كيف سيغير الذكاء الاصطناعي مستقبل التعليم؟
باتباع هذه الخطوات، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تتحول من مؤسسات تعليم تقليدية إلى بيئات ذكية تعد الطلاب لمستقبل تقوده المعرفة والتكنولوجيا، وتضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة للتمكين، لا مجرد تقنية عابرة.