لعدة سنوات، كانت صناعة الذكاء الاصطناعي تعاني من مشكلة كفاءات، بدءاً من نقص التنوع الأساسي الذي يؤثر على أخلاقيات الحلول الكبيرة، وصولاً إلى قدرة الشركات والجامعات الكبرى على العثور على الكفاءات والاحتفاظ بها في وجه تصاعد حاجات السوق. وفي المقابل، فإن البلدان التي تواجه تساؤلات حول كيفية بناء إمكانات ذكاء اصطناعي استراتيجية استنتجت بطبيعة الحال أن وجود مجموعة متماسكة ومتنامية من الكفاءات أمر هام وحساس. وتُعتبر بعض البلدان، مثل الصين وسنغافورة وفنلندا، أمثلة ناشئة حول الاستراتيجيات بعيدة المدى لبناء وتعليم الكفاءات، مع الاستثمارات في دروس التدريب العام، وتحديد أهداف لكفاءات علوم البيانات على شكل نسب من عدد السكان، والمبادرات المتعلقة بتعزيز الوعي العام حول الذكاء الاصطناعي كمصدر للنمو والوظائف في المستقبل.
إشكاليات نشوء المعرفة في مجال الذكاء الاصطناعي
ويبدو الافتراض الذي تقوم عليه هذه السياسة الأفقية واضحاً: فمع زيادة الكفاءات في مجال علوم البيانات، تزداد الإمكانات والقدرات الكاملة في القطاعات المحددة وريادة الأعمال. ولكن، وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو صحيحاً للوهلة الأولى، فإنه أيضاً يخفي الصورة الأكثر تعقيداً حول كيفية نشوء المعرفة في مجال الذكاء الاصطناعي، وسبب نجاح بعض الشركات وفشل غيرها. كما أنه مبني أيضاً على نموذج اقتصادي خاطئ.
فبزيادة التركيز على علوم البيانات، قد ينسى صانعو السياسات الحقائق الأساسية في تطبيق الذكاء الاصطناعي، حيث تواجه الكثير من مبادرات الذكاء الاصطناعي والنماذج الأولية للشركات العديد من المشاكل، والتأخيرات، ومحدودية العائدات، ما يبطئ انتشار أفضل حلول الذكاء الاصطناعي. وهو منحى بدأ بالتسارع بسبب تركيز العمل على الذكاء الاصطناعي في بنى محددة على شكل خطوط إنتاجية ومنصات التعلم الآلي، ما أدى إلى تغييرات إضافية في طبيعة مشهد صناعة الذكاء الاصطناعي.
وبدون استيعاب أفضل للعناصر الوسطية الهامة في النظام البيئي للذكاء الاصطناعي، فسوف يظهر تباين واضح بين الاستثمار في علم البيانات وعائدات الذكاء الاصطناعي. إنها مسألة هوية الجهات التي تحدد شكل الطلب على الذكاء الاصطناعي وأهدافها، ودور المصالح العامة في هذه العملية. يجب أن تقوم النماذج الاقتصادية للذكاء الاصطناعي والاستراتيجيات الوطنية للذكاء الاصطناعي بموازنة عرض الكفاءات مع الطلب للمصالح العامة التي تعتمد على حلول الذكاء الاصطناعي. ويجب أن نفهم إمكانات الذكاء الاصطناعي على أنها نظام للابتكار.
اقرأ أيضاً: إريك زينغ: أهمية الذكاء الاصطناعي المسؤول في مستقبل مجتمعاتنا
علوم البيانات لا تكفي لإنشاء أنظمة ناجحة تعتمد على الذكاء الاصطناعي
ولإنجاح المشاريع، فإن العناصر الهامة في أغلب الأحيان هي استيعاب الشركة- العميل للذكاء الاصطناعي، ووجود مدراء إنتاج يتمتعون بالكفاءة والمعرفة في مجال التعلم الآلي، ووجود علاقة فعالة ما بين علماء البيانات ومهندسي الأنظمة، إضافة إلى حالة بيئة الإنتاج لتطبيق الحلول، وغير ذلك. أيضاً، تظهر صعوبات أخرى في طريق تحقيق النجاح عندما ندرك أن مجموعة المعايير المطلوبة والمتوقعة لمنصب في التعلم العميق أو التعلم الآلي ما زالت متقلبة وغير واضحة.
وتقول وجهة النظر الشائعة حالياً إن التعليمات البرمجية الأساسية لأي حل غالباً ما تكون أقل أهمية لدى مقارنتها مع مهمة أساسية تتضمن الحصول على البيانات وتنظيفها، وإعداد الأنظمة حتى تصبح جاهزة للعمل. غير أن المقاربات الناجحة في الذكاء الاصطناعي غالباً ما تكون عبارة عن أنظمة مستقلة تقوم بكل هذه المهام، بدءاً من جمع البيانات وصولاً إلى تنظيفها ودراسة تأثير النظام ودراسة التأثير على المؤسسة وغير ذلك، حيث تتطلب كل وظيفة مهارات واستراتيجيات وأنظمة محلية ووطنية موثوقة.
تعتمد حلول الذكاء الاصطناعي، شأنها شأن جميع الابتكارات التقنية، على نظام بيئي خفي من المهارات والكفاءات ذات الصلة، والتي دون وجودها ستتعرض الاستثمارات إلى انتشار محدود، ونمو أولي بطيء، وتردد في إجراء التجارب. وبنفس الطريقة، فإن إحداث تحول في البنية التحتية الوطنية للبيانات، وممارسات إدارة البيانات، والنظام البيئي الذي تتطلبه هذه التحسينات، يجب أن يكون من الأولويات الهامة.
اقرأ أيضاً: أحد آباء الذكاء الاصطناعي يشعر بالقلق على مستقبل هذه التقانة
تباين دولي في توزع الكفاءات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي
ولكن هذا يشير نحو مشكلة أكثر عمقاً، حيث تحتاج البلدان المختلفة إلى إمكاناتها على مستوى الأنظمة في إنتاج وتنظيم التوزيع الصحيح من الكفاءات، بدلاً من مجرد زيادة العدد الكلي من مهندسي التعلم الآلي وعلماء البيانات الجامعيين. فعندما تفشل الأصول والمؤسسات والشبكات الموجودة مسبقاً في التنسيق، أو عندما لا تظهر التفاعلات بشكل فعال، أو عندما يوجد هناك عجز في المؤسسات المشرفة، فإن اتخاذ القرارات سيعتمد فقط على إخفاقات السوق السابقة، ما يجعل السياسات غير فعالة.
يجب على صانعي السياسات أن يكونوا قادرين على طرح الأسئلة حول طبيعة المشاكل التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على حلها، بدلاً من محاولة تحديد إخفاقات سوق الذكاء الاصطناعي التي يمكننا إصلاحها (مثل انخفاض مستوى الاستثمار في الكفاءات). وفي هذه الظروف، فإن هذا التوجه يكتسب المزيد من المصداقية في بناء مؤسسات الأبحاث والتنسيق الكبيرة والاستثمار فيها، مثل "مكتب الذكاء الاصطناعي" (Office of AI) و"وزارة الذكاء الاصطناعي" (Ministry of AI) و"ديجيتال كاتابولت" (Digital Catapult) و"سبرين دي" (SPRIN-D) و"سيرو" (CSIRO)، إضافة إلى تعزيز مكانة مؤسسات أبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية.