تخيل أن شركة خدمات لوجستية لديها أسطول من المركبات، ما الذي سيحدث في أعمال الشركة إذا فوجئ الموظفون يوماً بأن بعض هذه المركبات بها أعطال سواء كانت أعطالاً فنية أو مشكلات تتعلق بالوقود أو فحص الفرامل أو الإطارات أو غيرها؟ سيتوقف عمل الشركة في هذه اللحظة وتتكبد الكثير من الخسائر، الأمر نفسه في القطاعات كافة تقريباً، ولا سيّما القطاعات التي لديها استثمارات رأسمالية ضخمة مثل التعدين والطاقة والنقل والتصنيع بسبب حجم المعدات والأصول التي تستخدمها هذه القطاعات وجميعها عرضة للتآكل أو التعطل، وهنا تأتي أهمية صيانة الأصول والمعدات.
ولكن العديد من المنشآت تعتمد على عمليات الصيانة التفاعلية؛ أي القيام بمهام الصيانة والإصلاحات فقط بعد تعطل المعدات، ما يعرّضها إلى فترات توقف غير مخطط لها وانخفاض في الإنتاجية وارتفاع في التكاليف. لذلك، تظهر الصيانة التنبؤية خياراً منقذاً قدمته خوارزميات الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءة المنشآت وتقليل تكلفتها، فما الصيانة التنبؤية؟ وما ميزاتها وكيف ستغيّر شكل الأعمال؟
ما هي الصيانة التنبؤية (Predictive Maintenance)؟
تقليدياً، كانت استراتيجيات الصيانة التنبؤية تعتمد على جداول زمنية محددة مسبقاً بالورقة والقلم أو حتى باستخدام جداول البيانات، ولكن مع التقدم في الذكاء الاصطناعي، يمكن للمنشآت الاستفادة من خوارزميات التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات التي جُمِعت من أجهزة الاستشعار والسجلات وأدوات المراقبة، وإجراء تنبؤات دقيقة فيما يتعلق بتحديد الأنماط والجوانب الشاذة في البيانات، والتنبؤ بمشكلات المعدات المحتملة، واقتراح تدخلات الصيانة في الوقت المناسب.
تُفعّل المنشآت الصيانة التنبؤية لديها عبر تبنّي نُظم متطورة لمراقبة عمليات الصيانة وتنفيذها مثل نظام إدارة الصيانة المحوسب (Computerized Maintenance Management System) والمعروف باسم (CMMS)، وهو عبارة عن حزم برمجية تعمل على أجهزة الحاسبات الآلية ومهمتها تنظيم الصيانة بالمنشآت الصناعية.
ولا ترتبط الصيانة التنبؤية بالمنشآت الصناعية فحسب، إنما أيضاً بالبنى التحتية السحابية، فنجد شركات مثل شركة جوجل تستخدم خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بفشل المخدمات بدقة عالية، ما يسمح لها بالتصرف قبل أي تأثير كبير في خدماتها، وشركة أمازون التي تستفيد من رؤى الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بازدحام الشبكة واتخاذ تدابير استباقية لتحسين البنية التحتية للشبكة، ما يضمن تقديم الخدمة بسلاسة ودون انقطاع لعملائها.
ما الميزات الرئيسية للصيانة التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي؟
تقوم الصيانة التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على عدد من الميزات التي تساعد المنشآت على الوصول إلى الكفاءة والدقة المطلوبتين، مع توفير الوقت والتكلفة، مثل:
- تحليلات البيانات: تحلل خوارزميات الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، التي تُجمع من أجهزة الاستشعار والسجلات وأنظمة المراقبة لتحديد الأنماط واكتشاف الحالات الشاذة.
- المراقبة في الوقت الفعلي: تُتيح المراقبة المستمرة للمقاييس المختلفة الكشف المبكر عن المشكلات المحتملة، ما يسمح بالتدخل في الوقت المناسب واتخاذ التدابير الوقائية.
- التنبيهات والإشعارات الآلية: يجري إنشاء التنبيهات والإشعارات في الوقت المناسب بناءً على التحليل التنبؤي، ما يسمح للمشغّلين باتخاذ إجراءات فورية قبل تفاقم المشكلة.
- تحليل السبب الجذري: يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل العلاقات المعقدة بين المكونات المختلفة لتحديد السبب الجذري للمشكلة، ما يساعد على حل أسرع.
فوائد الشركات من الاعتماد على الصيانة التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي
يوفّر تنفيذ الصيانة التنبؤية المستندة إلى الذكاء الاصطناعي في إدارة البنية التحتية السحابية العديد من المزايا التي تجعل من تبنّيها ضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار ترفيهي، مثل:
- تقليل وقت التوقف عن العمل: إحدى أهم الفوائد لأنظمة الصيانة الاستباقية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي هي تجنب فترات التوقف المكلفة وتقليل الحاجة إلى الصيانة التفاعلية من خلال تحديد المشكلات المحتملة ومعالجتها على نحو استباقي، إذ توفّر شركات الصناعات الثقيلة الكبرى في المتوسط 740 ألف ساعة عمل إنتاجية سنوياً، وما يعادل 323 مليار دولار، وفقاً لتقرير شركة سيمنز (Siemens) بعنوان "التكلفة الحقيقية للتوقف 2022". وفي المقابل، مكّن استخدام أنظمة الصيانة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي شركات مدرجة ضمن قائمة شركات "فورتشن غلوبال 500" (Fortune Global 500) من توفير 1.6 مليون ساعة من التوقف عن العمل سنوياً، وفقاً للتقرير ذاته.
- انخفاض تكلفة الصيانة: تساعد الصيانة التنبؤية الشركات على تجنب التكاليف المرتفعة المرتبطة بنماذج الصيانة الأخرى؛ فبدلاً من إجراء الصيانة بشكلٍ تفاعلي عند تعطل معدة أو استبدالها، تراقب الخوارزميات المعدات في الوقت الفعلي وتقدّر متى يجب إجراء الصيانة بالضبط. ويمكن لهذه الإجراءات أن توفّر ما بين 18% إلى 25% من تكلفة الصيانة.
- إطالة عمر الأصول: يمكن لمراقبة صحة المعدات بصورة منتظمة ومعالجة المشكلات البسيطة قبل أن تصبح كبيرة أن تطيل العمر الإنتاجي للأصول. إذ عادة ما يُحدد العمر المتوقع للأصل في ظل ظروف الصيانة الدورية. عندما لا يُحافظ على الأصول حفاظاً صحيحاً، فإنها يمكن أن تتدهور على نحو أسرع، ما يؤدي إلى فشل سابق لأوانه. وهذا يعني أن الشركات ستحتاج إلى استبدالها في وقتٍ أقرب من المتوقع، ما يؤدي إلى تكبد المزيد من التكاليف وربما التأثير في العمليات.
- زيادة الإنتاجية: من خلال تقليل أوقات التوقف غير المخطط لها وانقطاع الخدمة، يمكن للشركات الحفاظ على عمليات سلسة وزيادة الإنتاجية إلى أقصى حد. إذ يشير تقرير سيمنز إلى إمكانية تحقيق أنظمة الصيانة التنبؤية زيادة في الإنتاجية بنسبة 6% بقيمة 734 مليار دولار.
مثال: برنامج موجودات للصيانة التنبؤية
بفضل هذه الميزات والفوائد، تحتاج الشركات الحديثة التي تدير الأصول الثابتة إلى تبنّي نظام إدارة صيانة محوسب يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويمكننا أن نأخذ هنا مثالاً لبرنامج موجودات للصيانة (Mojodat Maintenance) المعزز بالذكاء الاصطناعي (AI). يقدّم حل نظام إدارة صيانة محوسب متقدم، وقد أطلقته شركة ترانستك (Transtek)، وهي شركة برمجيات مقرها في الإمارات العربية المتحدة وتُتيح مجموعة واسعة من الحلول البرمجية المبتكرة، وهذه أبرز المزايا التي يقدّمها:
1- رؤى شاملة لدورة حياة الأصول
يوفّر برنامج موجودات رؤية شاملة لاحتياجات الصيانة من الموارد والعمالة والأصول، ما يسمح بالتخطيط الدقيق، ويساعد الشركات على جدولة الصيانة على نحو استباقي، وبالتالي الحفاظ على استمرارية التشغيل. ومن خلال إنشاء تقارير تفصيلية، توفّر خدمات ورؤى ثاقبة لدورة حياة الآلات، وإبلاغ التخطيط المستقبلي وتخصيص الموارد.
2- عمليات مبسّطة مع التخطيط المعزز بالذكاء الاصطناعي
يقوم برنامج موجودات بأكثر من مجرد تخزين المعلومات؛ فهو يخطط للصيانة تخطيطاً فعّالاً. إذ تضمن قدرات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالبرنامج دقة البيانات وقابليتها للتنفيذ، ما يزيل هامش الخطأ المرتبط بالإدخال اليدوي، كما يُدير نظام موجودات جداول الصيانة التنبؤية ويبسِّط العمليات، ويوفّر التكاليف على المدى الطويل من خلال تعزيز فاعلية استراتيجيات الصيانة.
3- المراقبة على أساس الحالة بدقة
تعتبر تقنية "المراقبة على أساس الحالة" (CBM) مهمة لنهج الصيانة التنبؤية. ويتفوق برنامج موجودات في هذه التقنية التي تُتيح المراقبة التي تكتشف التدهور قبل أن يتصاعد إلى مشكلات كبيرة. ويمكن للفنيين استخدام الأدوات المحمولة المتصلة بلوحة البيانات لتشخيص المشكلات بسرعة من خلال رموز الخطأ، ما يسمح للشركات بجدولة الصيانة بصورة فعّالة وتجنب فترات التوقف غير المجدولة.
4- تعزيز الإنتاجية من خلال أتمتة الذكاء الاصطناعي
يعمل نظام إدارة الجودة الخاص بموجودات على تعزيز كفاءة القوى العاملة من خلال أتمتة عملية صُنع القرار بناءً على بيانات الصيانة الشاملة. ويقلل النظام من الحاجة إلى إجراء فحوصات يدوية للجداول والشروط، وإعادة تخصيص جهود القوى العاملة لمهام أكثر استراتيجية. من خلال أجهزة استشعار مراقبة الحالة المرتبطة بالنظام، تُرسل التنبيهات تلقائياً إلى الفِرق الفنية عندما تبدأ المعدات إظهار علامات التآكل، ما يوفّر ساعات العمل ويعزز الإنتاجية.
5- تحسين صيانة الأصول الثابتة
يسمح نظام إدارة الصيانة المحوسب (CMMS) المعتمد على الذكاء الاصطناعي من موجودات لموظفي الصيانة بالفهم العميق وإدارة عمليات الصيانة لكل أصل ثابت ومنشأة بكفاءة. ويُترجم هذا الفهم إلى عمليات أكثر انسيابية، وتقليل هوامش الخطأ، وتقليل أعطال المعدات. وتوفّر ميزات إعداد التقارير المتقدمة في موجودات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تنبيهات فورية وتمكّن الفِرق من معالجة المشكلات على نحو استباقي، ما يحافظ على سير الأعمال بسلاسة.
6- الذكاء الاصطناعي يحفّز التحسين المستمر
يتعلم الذكاء الاصطناعي الخاص بموجودات من كل تفاعل ونشاط صيانة، ما يؤدي إلى تحسين خوارزمياته التنبؤية بمرور الوقت. وتعني القدرة على التعلم هذه أن النظام يصبح أكثر ذكاءً وفاعلية وقدرة على توقع المشكلات ومعالجتها بدقة متزايدة.
7- تدقيق الأعمال المستقبلية
مع تطور التكنولوجيا واحتياجات الأعمال، يتكيّف حل موجودات القابل للتطوير، ما يضمن قدرة الشركات على تلبية متطلبات الصيانة المستقبلية. ومن المقرر أن تصبح ميزات التحليلات التنبؤية وإدارة المعرفة الخاصة بالبرنامج أكثر تطوراً مع التقدم في الذكاء الاصطناعي، ما يوفّر قدراً أكبر من الكفاءة والرؤية.