يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل طريقة حياتنا العملية، ووفقاً لشركة الأبحاث جارتنر (Gartner)، فإن 37% من الشركات حول العالم قد طبّقت الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أو بآخر. وتقترب المدارس من اتخاذ المسار ذاته، فبناءً على تقرير منظمة تكنافيو (Technavio) الصادر في العام الماضي، سيعتمد قطاع التعليم الأميركي بنسبة 48% على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاثة المقبلة.
في هذه المقالة سنحاول أن نعرض أهم الفرص والتحديات للذكاء الاصطناعي في المدارس ونعرض بعض الأمثلة عن تطبيقات هذه التقنية في التعليم الأساسي.
وصول أوسع للطلاب
يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في جعل الفصول الدراسية متاحةً للجميع، بمن فيهم الذين يتحدّثون لغات مختلفة أو الذين قد يعانون من إعاقات سمعية. ولحلّ هذه المشكلة، تأتي أداة شركة مايكروسوفت "Presentation Translator"، وهي إضافة مكمّلة في برنامج "باور بوينت" تعمل على إظهار شريط الترجمة في شرائح العرض لما يقوله المعلّم عبر المايكروفون في الوقت الحقيقي. ويتم ذلك عبر فتح تطبيق مترجم مايكروسوفت (Microsoft Translator) على أجهزة الطلاب ومسح الرمز الضوئي الخاص بالعرض، وبينما يتحدث المعلّم تظهر الكلمات مباشرة عبر الشاشة. مثل هذه الأدوات من شأنها أن تفتح الباب أيضاً أمام للطلاب الذين قد لا يتمكنون من الذهاب إلى المدرسة بداعي المرض أو غيرها من الأسباب.
تعلّم متمايز وفردي
يشكّل تعديل التعلّم بناءً على الاحتياجات الخاصة لكل طالب أولويةً بالنسبة للمعلمين، خصوصاً إذا كان عدد طلاب الصف كبيراً. إنّ استخدام الذكاء الاصطناعي يسمح بجمع المعلومات عن الطلاب وتحليلها بشكلٍ أفضل، مما يساعد على اكتشاف نقاط الضعف لديهم والعمل على مساعدتهم في تحسين أدائهم الدراسي.
مثلاً تطبيق ثينكستر(Thinkster) الذي يعتمد عمله على الذكاء الاصطناعي؛ حيث يمزج بين منهج الرياضيات والتعلّم الذاتي، ويقوم بمراقبة المعالجة العقلية لكل طالبٍ بإظهارها على شاشة "آيباد". كما يعرض التطبيق للمستخدم أسئلة مختلفة مناسبة لقدراتهم، وبمجرد كتابة الطالب كيفية توصّله للإجابة، يحلّل ثينكستر عمله ويحدّد لماذا أخطأ أو أساء فهم جزئية محددة في حل السؤال.
وهناك العديد من الشركات مثل Content Technologies وCarnegie Learning التي تعمل حالياً على تطوير تصميمات تعليمية ذكية، واستخدام التعلّم الآلي لإنشاء الكتب المدرسية المتخصصة، التي تتناسب مع احتياجات الطلاب من مرحلة ما قبل الروضة إلى مستوى الكلّية. سيساهم ذلك في معالجة نقاط الضعف مثل بُطء الفهم وغيرها، وتحقيق المزيد من التوجيه لكل طالب للحصول على تعلّم تفردي يتوافق مع احتياجاته التعليمية، ومع الوقت قد يتمكّن الذكاء الاصطناعي من قراءة تعابير وجه الطالب التي تشير إلى عدم فهمه لموضوع الدرس وتعديله للاستجابة لذلك.
أتمتة المهام والمساعدة
يقضي الأستاذ وقتاً طويلاُ في تحضير الدروس وتصحيح اختبارات الطلاب، وتكمن المشكلة في أن العمل الإداري غالباً ما يحبط جهود المعلّم للانخراط والتواصل مع الطلاب بشكل أكبر. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي للتدخّل والإنجاز السريع للمهام الروتينية، مما يسمح بزيادة تفاعل المعلمين مع الطلاب.
وتقوم بعض الشركات بإنشاء منصات محتوى ذكية متكاملة مع دمج المحتوى بالتمارين والتقييم، مثل برنامج "Netex Learning" الذي يتيح للمعلمين تصميم مناهج رقمية ودمجها مع عناصر تفاعلية مثل الصوت والصورة في الدروس.
إنّ إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية ليست بالمهمة السهلة، فهي لا تزال في مراحلها الأولى، وهناك عدد من التحديات التي قد تحول دون تنفيذها، نذكر منها اثنين:
1- التأهيل والتدريب
إنّ تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم الأساسي لا يقتصر فقط على توافره، بل يحتاج إلى من يطبّقه بكفاءة. كما أن المعلمين في أنظمة التعليم التقليدية يواجهون صعوبةً في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لذلك يجب ضمان تدريبهم قبل إدخاله في المناهج الدراسية. وبالتأكيد سيساعد ذلك الطلاب في الحصول على فهم متعمّق وواضح لمفهوم الذكاء الاصطناعي.
وعندما نتحدث عن التدريس، فأياً ما كانت المفاهيم التي يتم تقديمها في المدرسة، ستكون أساسيات بناء للمستقبل، وإذا لم يكن المعلمون ماهرين بما يكفي لجعل الذكاء الاصطناعي بسيطاً للطلاب، فسيعيق ذلك تحقيق المزيد من التطوير.
وفي المدارس الحكومية في الهند، لا يزال إدخال الذكاء الاصطناعي يبدو صعباً ليتم تدريسه؛ نظراً لضعف منهجيات التدريس في هذا البلد وفهم المعلمين لآليات تطبيقه، وهذا ما يؤكّده روهيني سريفاثسا (Rohini Srivathsa)، مسؤول التكنولوجيا في "مايكروسوفت - الهند" في تصريحات صحفية العام الماضي.
2- تكاليف الإدخال
إنّ استخدام الذكاء الاصطناعي في مرحلة التعليم الأساسي أمرٌ مكلف قد لا تستطيع بعض المدارس تحمّله. تقول "بريا لاكهاني" (Priya Lakhani) المديرة التنفيذية لشركة "سينشوري تك" (Century Tech) خلال مقابلة أجرتها العام الماضي إن بناء الذكاء الاصطناعي "يتطلّب تكلفة أكثر بكثير من تطوير الويب، كما يحتاج إلى أخصائيي بيانات ومهندسين في البرمجة".
ولا تقتصر تكاليف الذكاء الاصطناعي على رواتب المبرمجين العالية فحسب، بل تتعدّاه لتشمل مدفوعات غير ظاهرة مثل جمع البيانات وضمان الأمان الرقمي عبر استقدام برمجيات حماية وغيرها، وهذا يزيد من الضغط على ميزانية المدارس.
أفكار ختامية
يعتقد بعض الباحثين أنّ الذكاء الاصطناعي لن يحلّ مكان المعلمين، ويشير آخرون إلى ضرورة مواجهة الأسئلة المرتبطة بمدى ملاءمة تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة للأطفال في المدارس، ومراعاة الخصوصية وأمان بيانات الطلاب والمعلمين. ومهما تباينت المواقف حول الذكاء الاصطناعي، إلا أنه سيستمرّ في التطوّر وسيكون له دور لا غنى عنه في مجال التعليم بشكل عام وفي المدارس بشكل خاص.