تبلغ نسبة عمال الإنشاءات الذين يلقون مصرعهم أثناء العمل خمسة أضعاف العاملين في مهن أخرى. والآن يستهدف نوع جديد من عمال الإنشاءات، ألا وهم علماء البيانات، استغلال الذكاء الاصطناعي في التنبؤ باحتمالية التعرض للإصابات والتدخل.
تعمل شركة سوفولك (Suffolk) للمقاولات العامة ومقرها في بوسطن وتبلغ مبيعاتها السنوية 3 مليارات دولار، على تطوير خوارزمية تُحلل الصور من مواقع العمل الخاصة بها، وتقوم بمسحها بحثاً عن مخاطر السلامة مثل عدم ارتداء العمال لمعدات واقية، وتربط الصور بسجلات الحوادث الخاصة بها. تعكف الشركة على تحسين التقنية في الوقت الحالي، لكنها تقول إنها يمكن أن تحسب "تقييمات المخاطر" للمشروعات لكي يتم عقد جلسات إحاطة عن السلامة عند اكتشاف تهديد كبير.
كما تتولى سوفولك صياغة خوارزمية من شأنها تحليل المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك بيانات جدولة تمتد لـ 10 سنوات من أرشيفاتها، والتنبؤ بحالات تأخر المشروعات- وهي المعلومات التي يمكن نقلها لأصحاب المباني والمقاولين الفرعيين. وتستكشف سوفولك أيضاً طرقاً لاستخدام البيانات من أجهزة استشعار إنترنت الأشياء لأجل تعزيز الكفاءة، وتتمثل إحدى الأفكار في تتبع مواقع شاحنات الخرسانة القادمة من الموردين بحيث يكون العمال مستعدين لصب الخرسانة بمجرد وصول الشاحنات.
كانت هذه التحليلات في البيانات نادرة في صناعة الإنشاءات التي لطالما اتسمت بالبطء في تبني التحليلات المتطورة – ومن أسباب ذلك أن الهوامش ضئيلة إلى جانب رسوخ الطرق المجربة. وفي هذا يقول جيمس بنهام، الرئيس التنفيذي لشركة جي بي نولدج (JBKnowledge) للبرمجيات والاستشارات التي تجري مسحاً عالمياً سنوياً على تقنيات الإنشاءات: "الناس يعرفون البناء بالطريقة التي اعتادوها، ومن الصعب إقناع معظمهم أن يؤدوا عملهم بأي طريقة أخرى".
لكن نقص العمالة والرغبة في تعزيز معدلات الإنتاجية المنخفضة في هذه الصناعة أجبر بعض الشركات على الاستثمار في علم البيانات. يقول المؤيدون أن هذا التوجه الناشئ قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث تحول كبير في هذا القطاع الذي يبلغ حجم استثماراته 13 مليون دولار، ويقدر بنهام أن حوالي 20 شركة إنشاءات في الولايات المتحدة قد أطلقت مبادرات في علم البيانات في السنوات الأخيرة.
تعد سوفولك من بين الشركات الرائدة في هذا المضمار؛ ففي عام 2017 عينت الشركة مستشاراً إدارياً من شركة ماكنزي هي السيدة جيت كي تشين كأول مسؤول كبير للبيانات، لتتولى دوراً حددته الشركة ومضمونه "الاستفادة من البيانات الضخمة والتحليلات المتقدمة لتحسين العمل الأساسي"، وهو دور جديد في صناعة الإنشاءات، نعم قد توظف الشركات الأخرى "مدير ابتكار" أو "نائب رئيس تقنيات الإنشاءات" أو رئيس البحث والتطوير الذي يتولى مهاماً مماثلة، إلا أن تشين تحظى بنفوذ أكبر، وذلك بسبب موقعها القيادي وامتيازاتها الواسعة التي تشمل العمل مع فرق الابتكار والإبداع في الشركة حول مبادرات التكنولوجيا.
وتعمل سوفولك - شأنها شأن غيرها من شركات الإنشاءات - على إنشاء الكثير من البيانات ابتداء من التقارير الميدانية وصور موقع العمل وانتهاء بعقود الموردين وسجلات التفتيش. ولم تتمكن تطبيقات الشركة المختلفة في الماضي من مشاركة البيانات بسهولة، لذلك عانت الشركة في القيام بأي نوع من التنبؤ، فاستعانت تشين بمجموعة من علماء وخبراء البيانات في تصورات البيانات وتكنولوجيا المعلومات والعمليات، الذين قاموا بتجميع خلاصات بيانات الشركة وصمموا لوحة معلومات على الإنترنت لتقديم المعلومات، وتمثلت النتيجة في برنامج يتيح لموظفي سوفولك النظر إلى مخطط واحد موجز لجميع مشاريع الشركة في جميع أنحاء البلاد وعرض تفاصيل الشؤون المالية وسجل السلامة والجدول الزمني وغير ذلك لكل مشروع.
يستخدم فريق تشين هذه المعلومات في إنشاء خوارزميات تنبؤية مصممة لإدارة مخاطر الإنشاء، كما صمم مؤشراً لسلامة العمال عبر التقاط أكثر من 700000 صورة من 360 مشروعاً على مدى السنوات العشر الماضية، ورفعتها على منصة سحابية أعدتها شركة ناشئة تدعى Smartvid.io، وتشغل خوارزمية التعرف على الصور لمعرفة ما إذا كان العمال يرتدون القبعات والقفازات والسترات والنظارات الواقية، ثم يقوم الفريق بتوصيل معلومات الصور المعلّمة إلى جانب بيانات الطقس وغيرها من البيانات المتعلقة بالمشروع، إلى نموذج ثانٍ للتعلم الآلي. وتناقش المجموعة في الوقت الحالي ما إذا كانت ستعدل الخوارزمية للكشف عن السلالم والسقالات، التي قد تسبب السقوط، وفوضى خطيرة في موقع العمل.
تستفيد سوفولك من كتابة خوارزمياتها في دمج أنواع جديدة من البيانات في تنبؤاتها، وتجري الشركة في كثير من الأحيان تجارب مع التكنولوجيا الناشئة وتقوم حالياً باختبار الأدوات القابلة للارتداء والتي يمكن برمجتها للتعرف على المناطق الخطرة في مواقع العمل وتسجيل ما إذا كان العمال موجودين هناك، وفقاً لما ذكره رئيس مسؤول الابتكار كريس ماير.
وتقدر تشين أن هذه الأدوات الرقمية الجديدة قد تساعد شركة سوفولك على زيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 14 و20 في المائة في غضون بضع سنوات، ويشير تقرير ماكنزي لعام 2017 إلى أن شركات الإنشاءات يمكن أن تعزز الإنتاجية بنسبة تصل إلى 50 بالمائة من خلال تحليل البيانات في الوقت الفعلي، ويقول بنهام من شركة جي بي نولدج: "إن صناعة البناء بحاجة ماسة إلى هذا النوع من القدرات، فهي من شأنها أن تساعد في اتخاذ قرارات أفضل وتقليل المدة الزمنية للمشروعات لفترة تصل إلى أسابيع أو شهور".