دب قطبي على قطعة جليد فقدت جزءاً منها بالذوبان: إنها الصورة المفضلة للأفلام الوثائقية الطبيعية وإعلانات الأعمال الخيرية على حد سواء، وهذه الصورة تنجح كل مرة في إشعارك بالبؤس لسبب بسيط، وهو أنها ترغمك على مواجهة عالم متغير ومستقبل مظلم.
ولكن هذه العواطف تكون مؤقتة في أغلب الأحيان، وتحل محلها عواطف أخرى بسرعة، لأن آثارها ليست فورية أو مباشرة، كما يقول بيتر شلوسر، وهو نائب الرئيس ونائب القيم لمختبر غلوبال فيوتشرز في جامعة أريزونا الحكومية. وعلى الرغم من أن صور الحرائق في كاليفورنيا وأوريغون وأستراليا تشعرنا بالذعر، فإنها تفشل في إيصال الفكرة القائلة بأن منازلنا الخاصة قد تكون التالية في سلسلة الكوارث هذه.
ولهذا، فإن "أوهام الهروب"، وفقاً لتعبير مؤلفة الخيال العلمي كيم ستانلي روبنسون، أو "فشل المخيلة" وفقاً لتعبير المدير الأكاديمي في فيوتشر تينس إيد فين، تجعلنا نستقر في عقلية اتخاذ قرار تتسم بالارتكاسية والتدرج وقصر الرؤية.
الخيال العلمي لممارسة الحوكمة استعداداً للمستقبل
وليس هناك ترياق بسيط يشفينا من هذه الأوهام. ولكن رواية القصص يمكن أن تساعدنا على التقدم، وهي وجهة نظر تحظى بتأييد روبنسون وفين وشلوسر والزميلة في فيوتشر تينس ألكساندرا زاباتا هوهيل، ومؤلفة الخيال العلمي مالكا أولدر. لقد ناقش الخمسة الحاجة إلى استخدام الخيال العلمي والمخيلة من أجل ممارسة الحوكمة استعداداً للمستقبل، وذلك في حدث نظمته فيوتشر تينس في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، بالتعاون مع ليتراس ليبريس.
تقول أولدر: "نحن نفتقد إلى من يؤمنون بإمكانية تغيير طريقة حياتنا الآن"، وقد أمضت أولدر حياتها المهنية وهي تشاهد الحكومات تسارع للتعامل مع حالات الطوارئ بعد حدوثها، بدلاً من توقعها والتخطيط لها مسبقاً. قامت أولدر بتأليف قصة "Actually Naneen" من فيوتشر تينس، وهي قصة تتحدث عن الذكاء الاصطناعي والرعاية عن طريق مربيات روبوتيات، وتعتقد أن رواية القصص جزء مهم من تخيل عواقب الغرور والإعجاب بالنفس، والأهم من ذلك، تصورات المستقبل الذي يمكن بناؤه باختيار طريق مختلف.
وتقول: "يجب أن نخاطر، لأننا نحتاج إلى قصص مختلفة، ونحتاج إلى أنواع مختلفة من الفن".
اقرأ أيضاً: محبو الخيال العلمي: قصة أول شبكة اجتماعية على الإنترنت
استراتيجيات ناعمة لتخيل مشاكلنا وحلولها
تقول أولدر إن المعلومات والروايات والفن ممتلكات عامة بشكل أساسي، وتستحق دعماً حكومياً قوياً. وبنفس الطريقة، فإن الخيال والمخيلة ليسا مجرد ملاحظات هامشية في عملنا لمواجهة الأزمة المناخية، بل هما أساسيان لتحقيق التقدم، بل وحتى البقاء على قيد الحياة.
يقول فين، والذي يدير مركز العلوم والمخيلة في جامعة أريزونا الحكومية أيضاً: "يجب أن نتدرب على العيش والتفكير والإحساس بطرق جديدة للبقاء على قيد الحياة في القرن الواحد والعشرين".
ولفعل هذا، وفقاً لروبنسون، يجب أن نكون ابتكاريين في طريقتنا لتخيل ومشاركة تصوراتنا حول المستقبل.
ويقول: "إذا كانت رواية القصص ستصبح كافية لوحدها في هذا الوضع العالمي الذي يتجاوز قدرة أي شخص بمفرده على الاستيعاب، فيجب أن نتخلى عن الحذر، ونحاول ابتكار صيغ جديدة لرواية القصص التي تعكس بشكل فعلي هذه اللحظة المفصلية التي نعيش فيها".
وعلى سبيل المثال، وفي روايته الجديدة "The Ministry for the Future "، والتي تجري أحداثها "في مستقبل أصبحنا على مشارفه، لا في عالم مدمر حلت عليه الكوارث"، يعتمد روبنسون على روايات شهود عيان خياليين تضع الآثار الشاملة والفردية للأزمة المناخية في سياقها الصحيح، والتي تتمحور حول قصة منظمة عالمية مكلفة بتحقيق أهداف اتفاقية باريس.
اقرأايضاً: من الخيال إلى الواقع: أبرز التقنيات التي تنبأت بها أفلام الخيال العلمي
النظام الاقتصادي العالمي في صلب المشكلة
ومن المشاكل التي تتعلق بالصورة الشاملة في التعامل مع الأزمة المناخية، كما يشرح روبنسون، الحوافز والأولويات التي قمنا بترسيخها في نظامنا الاقتصادي العالمي.
ويقول: "إن إنقاذ الكوكب لا ينتج أعلى العائدات، ونحن لا نعطي قيمة للكوكب أو للبشر في المستقبل بما يكفي لدفع نظامنا الاقتصادي الحالي للعمل لصالحهم، أو لتجاوز حدث الانقراض الشامل".
ولكن، وكما يقول فين، فإن الكثير من عناصر أنظمتنا المالية العالمية هي نفسها مُتَخَيلة. فنحن نصيغ روايات تحدد شكل الأولويات والوقائع. ويمكننا أن نختار تغييرها. فالسياسة وآثار الوباء كلاهما يؤثران على المستقبل المقبل الذي يمكن أن نتخيله ونعمل على الوصول إليه.
وفي حالة السياسة، فإن "الأخبار الجديدة سهلت على الأهل –أو عليّ على الأقل- عملية التفكير بنوع السياسات والقرارات السياسية والمثال الذي يجب أن نقدمه للأجيال المستقبلية"، كما تقول زاباتا هوهيل.
أما الوباء، والذي أثر على البعض منا إلى درجة كبيرة، وأثر على الجميع بشكل أو بآخر، فيمثل "شكلاً من أشكال الاختبار لعملية مواجهة المشكلة المناخية"، كما يقول شلوسر، ويرغمنا على التكيف مع "فترات طويلة من المعاناة" الناجمة عن كارثة مفاجئة.
وفي المحصلة، فإن "التعامل بطريقة ردة الفعل يبقى أكثر سهولة من اتخاذ قرار"، كما يقول شلوسر. ولكن، إذا لم نتخيل الخيارات الأفضل ونتخذها الآن، فسوف نصل في نهاية المطاف إلى مستقبل خالٍ منها. ويقول: "نريد مستقبلاً مليئاً بالفرص، لا مستقبلاً يستوجب التضحية".
مجلة "فيوتشر تنس" هي شراكة بين مجلة "سليت" (Slate) ومركز التفكير "نيو أميركا" (New America) وجامعة أريزونا ستيت، وهي تتمعن في القضايا المتعلقة بالتكنولوجيات الناشئة والسياسات العامة والمجتمع.