الحوسبة الكمومية لديها أداة بحث قوية الآن

4 دقائق

في العام 1996، قام عالم الحاسوب في مختبرات بيل في نيوجيرسي والذي يدعى لوف جروفر، بكشف الستار عن خوارزمية غير اعتيادية للبحث ضمن قواعد البيانات. حيث تعد خوارزميات البحث من بين أكثر المسائل أهمية في علم الحاسوب.

ينفذ خبراء الحواسيب مهمات عادية ممكنة مثل البحث عن طريق الأدلة الهاتفية، ولكنهم ينفذون أيضاً مهام أكثر غرابة مثل فك رموز التشفير، وهذا النوع من الخوارزميات واسع الانتشار في علم الحاسوب.

لذلك فإن أي وسيلة لتسريع هذه المهمة تمثل أمراً بالغ أهمية. يستغرق الأسلوب المعياري في البحث مدة زمنية تتناسب طرداً بشكل تقريبي مع عدد العناصر التي يتناولها البحث، وذلك لأنه في أسوأ الحالات يتعين على الخوارزمية أن تبحث بين جميع العناصر للعثور على عنصر واحد فقط.

لكن خوارزمية جروفر تعمل بشكل مختلف. فالزمن الذي تستغرقه يتناسب طرداً مع الجذر التربيعي لعدد العناصر. يطلق علماء الحاسوب على هذا الأسلوب، اسم التسريع التربيعي. وفي عالم تكون فيه زيادات السرعة بمقدار بضعة أجزاء في المئة ذات قيمة هائلة، فإن التسريع التربيعي يعد الإنجاز الأعظم.

تمثلت حيلة جروفر في توظيف الأفكار القوية بالرغم من غرابتها والتي تقف وراء ميكانيك الكم. ففي العالم الكلاسيكي، ليست البتات سوى أصفار ووحدان، أما في العالم الكمي، فإن البت الكمومية الواحدة، أو ما يسمى الكيوبت، يمكن أن تأخذ القيمة 0 أو 1 في الوقت ذاته. يقول الفيزيائيون إن الكيوبت تتخذ حالات متراكبة.

التراكب هو مفتاح الحل، ففي هذه الحالة، يمكن للخوارزمية أن تبحث عن الصفر والواحد في نفس اللحظة. نظراً لقدرتها على البحث عن أكثر من عنصر واحد في الوقت نفسه، يمكن للخوارزمية الكمومية أن تبحث عبر القوائم بسرعة أكبر بكثير من خوارزمية محدودة بالوتيرة المتباطئة للفيزياء الكلاسيكية.

يجب تنفيذ الخوارزميات الكمومية باستخدام حاسوب كمومي، وفي العام 1996، عندما قام جروفر بعمله، كانت هذه الحواسيب حلماً بعيد المنال. ولكن الانفراجة التقنية حدثت بعد ذلك سريعاً، فقد قدم الفيزيائيون عرضاً عملياً لأول حاسوب كمومي بدائي في العام 1998، وأظهروا قدرته على تنفيذ خوارزمية جروفر في العام نفسه.

ولكن هذا الشكل الخاص من الحوسبة الكمومية كان محدوداً للغاية. فقد نجح تطبيقه باستخدام عدد قليل من الكيوبتات ولكن ليس أكثر من ذلك، وحتى من حيث المبدأ، لا يمكن رفع مستواه لإنجاز حسابات أكبر. وقد ابتُلي هذا الاختصاص العلمي منذ ذلك الحين بهذه المشكلة المتعلقة ببناء حواسيب كمومية قابلة للتطوير وتقديم عروض عملية لها.

بعد عقدين من الزمن، بدأ الفيزيائيون ببناء حواسيب كمومية لديها القدرة على التطور، وبالتالي فهي قادرة على إنجاز عمليات حسابية تتطلب قدرات أعلى بكثير. ففي مطلع أبريل من العام 2017، قالت كارولين فيجات وزملاؤها في جامعة ميريلاند إنهم قد نفذوا خوارزمية جروفر على حاسوب كمومي قابل للتطوير لأول مرة.

تمكن هذا العمل من تقديم إثبات عملي للسرعة الفائقة التي تتمتع بها العمليات الحسابية الكمومية، ومهد الطريق أمام بذل المزيد من العمل الطموح مع الخوارزميات التي يمكنها البدء في التصدي للتحديات الواقعية مثل فك رموز التشفير.

يتكون الحاسوب الكمومي الذي استعانت به فيجات وزملاؤها في عملهم من سلسلة مكونة من 5 من أيونات الإتيربيوم معلقة داخل حقل كهرطيسي. حيث أن كل أيون منها يشبه مغناطيساً صغيراً يمكن توجيهه للأعلى أو للأسفل، ويمكن تغييره من حالة إلى أخرى باستخدام الليزر.

بهذه الطريقة، يمكن للأيون أن يخزن المعلومات: حيث يرمز 1 للدوران إلى الأعلى، ويرمز 0 للدوران إلى الأسفل على سبيل المثال. ونظراً لأنها أشياء كمومية، يمكن للأيونات إذن أن تتخذ وضعاً متراكباً من هاتين الحالتين.

كما أن الأيونات تتفاعل مع بعضها البعض من خلال قوى التنافر التي تترافق مع شحناتها الموجبة.  يسمح هذا التفاعل للكيوبت الواحد بأن يتفاعل مع كيوبت آخر لمعالجة المعلومات، وهذا هو جوهر الحساب الكمي. والترتيب الذي تسير وفقه خطوات هذا الحساب يمثل الخوارزمية الكمومية، والتي هي في هذه الحالة خوارزمية جروفر.

تستخدم فيجات وزملاؤها نظامهم لإنشاء حاسوب كمومي يعمل بثلاث كيوبتات يمكنها تخزين ما يصل إلى 8 عناصر في قاعدة البيانات. ثم يقومون بتنفيذ خوارزمية جروفر ليثبتوا إمكانية العثور على أحد العناصر بشكل أسرع بكثير – وسطياً – مما يفعله الحاسوب الكلاسيكي الذي يتطلب 8 بتات على الأقل.

تقول فيجات وزملاؤها: "نحن نقدم تقريراً عن نتائج تنفيذ خوارزمية جروفر الكاملة للبحث بثلاث كيوبتات، وذلك باستخدام تكنولوجيا الحوسبة الكمومية القابلة للتطوير بالاعتماد على أيونات ذرية محتجزة، مع أداء يفوق أداء الحوسبة الكلاسيكية".

إنه عمل مثير للاهتمام يبشر بإمكانات كبيرة. يقول فريق العمل: "هذا العمل يمهد الطريق أمام التوسع في استخدام خوارزمية جروفر للبحث في حل مسائل أكثر تعقيداً على الحواسيب الكمومية، بما في ذلك استخدام الدارة كبرنامج فرعي لخوارزميات كمومية أخرى".

لكن هذا العمل يقدم أيضاً لمحة مثيرة للاهتمام عن السباق نحو تطوير حواسيب كمومية تتمتع بقدرات عالية. من المرجح للفائز في هذا السباق أن يجني مكاسب مالية ضخمة، إلا أنه لا أحد يمكنه التأكد تماماً من ماهية التكنولوجيا الأفضل التي ينبغي تبنيها.

تعرّض مجال الحوسبة الكمومية لبعض الإرباك بفضل شركة ناشئة كندية تسمى دي-ويف سيستمز، والتي قيل في 2017 إنها باعت فيما يبدو أنها حواسيب كمومية ذات قدرات عالية إلى شركات مثل جوجل ولوكهيد مارتن. حيث تعتمد هذه الحواسيب في عملها على 1,000 كيوبت، وهي قدرة تفوق بكثير أي تكنولوجيا أخرى معروفة.

إلا أن العديد من المنظّرين عقّبوا على تلك الأنباء بأن مزاعم دي-ويف مبالغ فيها، وأنه لا يمكن لآلاتها أن تتمتع بقدرات حسابية بعيدة كل هذا البعد عن متناول نظيراتها من الحواسيب الكمومية الأخرى.

هذا ما جعل العديد من المجموعات تحاول تسويق حلول تكنولوجية كمومية أخرى تختلف بشكل كبير من حيث الطريقة التي تخزن وتعالج بها المعلومات الكمومية. تعتمد هذه المجموعات بطرق مختلفة على الفوتونات، والإلكترونات، والذرات، والأيونات، والجزيئات لتقديم عروضها من التقنيات الكمومية.

من بين هذه التقنيات، تُعد الحوسبة الكمومية باستخدام الأيونات المحتجزة واحدة من أقدم وأفضل التقنيات التي تم تطويرها، وتُعد مجموعة جامعة ميريلاند رائدة في هذا المجال على مستوى العالم. في الواقع، فإن رئيس المجموعة، كريس مونرو، يمتلك شركة ناشئة تسمى أيون-كيو IonQ تهدف إلى تسويق هذه التكنولوجيا.

لذلك فإن تقديم عرض عملي لحاسوب كمومي قابل للتطوير يمكنه تنفيذ خوارزمية جروفر، وإن كان باستخدام 3 كيوبتات فقط، يمكن اعتباره بمثابة إعلان عن النوايا.

في العام 1998، وبعد أول تنفيذ لخوارزمية جروفر، كان هناك طيف واسع من الآراء حول المدة التي سيستغرقها الفيزيائيون لبناء الجيل التالي من الحواسيب القابلة للتطوير. وقد تم تأسيس شركات ناشئة في كما ينبغي إلا أنها انهارت نتيجة اعتمادها على التوقعات المتفائلة. لكن حد التشاؤم لطيف التوقعات في ذلك الوقت بلغ 20 عاماً، ومجرد معرفة أن الأمر قد استغرق كل تلك المدة الطويلة يضع في الاعتبار مدى صعوبة المهمة.

من الصعب السيطرة على الكون على المستوى الكمومي. والسؤال المثير للاهتمام بالنسبة لخبراء التكنولوجيا وأصحاب رؤوس الأموال هو ما إذا كان بالإمكان تسريع وتيرة التقدم التكنولوجي بشكل كبير.

مرجع: arxiv.org/abs/1703.10535: التنفيذ الكامل لخوارزمية جروفر للبحث باستخدام 3 كيوبتات على حاسوب كمومي قابل للبرمجة